عندما يفقد الموت
هيبته، تفقد الحياة عبقها..!
في السنوات الماضي،
شهدتُ تطورات الموت في الأرض المقدسة، عرفتُ مطاردين للاحتلال سعوا لاختيار موتهم،
بصاروخٍ أو بسيارة مفخخة، وعرفت من ملّوا الانتظار فسعوا للموت، ومنهم من وقف ينظر
للسماء ينتظر الطائرة لتطلق صواريخها خارج المنزل المأهول، ليذهبوا وحدهم هناك.
شهدتُ الموت يصل
أقصاه، تحت كل حجر كان يمكن أن تعثر على فتى أو فتاة، يتسلل/تتسلل إلى القدس
الممنوعة، لترك الجسد هناك.
شهدت على الموت عندما
لم يكن يعني شيئا، في نيسان مثل هذا عام 2002م، عندما كانت الأجساد مكومة في
الشوارع، كان منتظرو الموت، لا يخافونه، وإنما يخشون أن يتأخر اكتشاف أجسادهم،
فيبقون فترة أطول على الإسفلت.
لم يكن الموت مهمًا،
وإنما أن يكون موتًا يعثر فيه الأهل سريعًا على الأجساد حتى لا تيبس، وتبرد، وتفقد
طزاجتها.
عالة أبو سرور، التي
هُجِّرت عام النكبة من بيت نتيف إلى مخيمات اللجوء، أحيت أمس في مخيم عايدة، بجوار
الجدار الذي يفصل المخيم عن القدس، بالذكرى الأولى لرحيل الشهيد عبد الحميد.
لو رأيت عبد الحميد
لبذلت جهدي لمنعه من تفجير نفسه، لقلت له كم نحن نحتاجه، لا نريد أبناءنا يفجرون أنفسهم،
أو يقضون على مفارق الشوارع، لا نريدهم وقودًا لفضائيات المقت، ومخزنا لتصريحات
السياسيين.
يا من ترقصون على
دماء الفتية من سياسيين، وصحافيين، وممانعين، وأفاقين، وشيوخ دين، وشيوخ عشائر،
ومحللين، أذهبوا انتم فجروا أنفسكم، وسنؤبنكم بما يحلو لمروركم سريعًا إلى جنات
السماء، اتركو لنا أرضنا وأبناءنا..!
ما يريده والدا عبد
الحميد فقط هو استعادة جسده من ثلاجات الاعتقال الاحتلالية، ليرتاح في هذا القبر
الذي ينتظره، وهو قبر مؤقت في مخيم يفترض انه مؤقت.
يا للموت المؤقت،
والدفن المؤقت، والانتظار المؤقت، والوطن المؤقت..!
اهرب يا عبد الحميد
من ثلاجتك واثلج قلبي الأم والأب، وارقد في القبر الأخضر بسلام..!
تمهل قليلاً أيها
الموت الغبي، لم تعد تعرف من يجب أن تقصف..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق