أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 28 نوفمبر 2007

اكتشاف كنيس يهودي قديم في الجليل

أعلنت الجامعة العبرية في القدس، أن فريقا اثريا تابعا لها تمكن من العثور على كنيس قديم هذا الأسبوع، قرب بحيرة طبريا، وتم الكشف عن هذا الكنيس في خربة وادي الحمام، وهو يعود إلى الفترة الرومانية أو البيزنطية، وسط خلاف بين العلماء حول ذلك. وتم الكشف من قبل فريق برئاسة الدكتور عوزي ليبنر، الذي يتبنى الرأي الذي يقول ان الكنيس يعود إلى الفترة البيزنطية، وقال ليبنر إن هذا الكنيس هو مثال جيد للتقاليد المعمارية التي سادت في الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، وان إحدى السمات الفريدة للمعبد هو أرضية الفسيفساء التي عثرت داخله. وتقع الخربة التي عثر فيها على المعبد، على المنحدرات المشرفة على بحيرة طبريا، التي يطلق عليها في الادبيات الانجيلية بحر الجليل، والمرتبطة بأحداث وردت في العهد الجديد.واشار ليبنر إلى انه في أول موسم من الحفريات تم الكشف عن وجود الجزء الشمالي من الكنيس، مع صفين من المقاعد على طول الجدران، المبنية من حجر البازلت والطباشير، وان البحث ما زال مستمرا في المكان في قرية يهودية تعود إلى الفترة الفترة الرومانية - البيزنطية. واضاف ان المنقبين فوجئوا عندما عثروا في الممر الشرقي أرضية الفسيفساء التي لا يوجد مثلها في البلاد، وتعود للفترة الرومانية-البيزنطية. وربما يكون تقرير ذلك من قبل رئيس فريق التنقيب نوعا من المغالاة أو الحماس لكشفه، في ظل عدم وجود تقديرات أثرية مستقلة عن الكشف.

وما يميز أرضية الفسيفساء أنها مصنوعة من حجارة صغيرة متنوعة الألوان، تصور مجموعة من الأدوات الخشبية التي كانت تتم المتاجرة فيها في تلك الفترة، ونجار مع أدواته، وتمت إزالة أرضية الفسيفساء من الموقع، ونقلها إلى معهد الآثار في الجامعة العبرية للترميم. واختلف العلماء في تحديد زمن الكنيس، والرأي الذي وجد قبولا عاما انه يعود إلى الفترة الرومانية ما بين القرنين الثاني والرابع الميلاديين، في الزمن الذي يعتقد انه شهد ازدهارا ثقافيا وسياسيا لليهود في الجليل الفلسطيني.

ولكن بعض الباحثين أعادوا هذا الكنيس إلى الفترة التي تؤرخ فيها كنس أخرى، بنيت أساسا خلال الفترة البيزنطية، أي في القرنين الخامس والسادس الميلاديين. ومثل هذه الكنس، رغم قلتها إلا أنها متشابهة وعثر عليها في الجليل، أو الهضبة الفلسطينية الوسطى كمدينة رام الله، أو في غور الأردن كما هو حال الكنيس في مدينة أريحا.

وينظر بأهمية إلى الفرق بين الرأيين، لان ترجيح أي منهما، سيعيد رسم صورة تاريخية اكثر دقة للوجود اليهودي في فلسطين. ولا يشكل الكشف عن هذه الكنس أهمية كبيرة للاثاريين الإسرائيليين والأجانب الذي ينتمون إلى مدرسة سياسية وأيديولوجية تربط بين أحداث التوراة والواقع الأثري في فلسطين والأراضي المقدسة، والذين لم يتوقفوا عن البحث منذ اكثر من قرنين عن شواهد للوجود اليهودي في فلسطين قبل ثلاثة الاف عام، دون نتائج تذكر.

وبدلا من ذلك فان الكشوف الأثرية التي تنسب لليهود تعود إلى حقب احدث من بينها البيزنطية، وحتى الإسلامية المبكرة (الاموية) في فلسطين. وحسب ليبنر فان جهوده وفريقه متركزة الان على تكوين صورة أوضح عما يسميه حياة القرية اليهودية الريفية في العصر الروماني في الجليل، من خلال الحفريات التي تجري في خربة وادي الحمام، والتي شملت بالإضافة للكشف عن الكنيس، والكشف عن مساكن ومرافق أخرى في الموقع، مثل معصرة متطورة لزيت الزيتون، وقواعد صلبة لحمل منازل من طابقين.

ويميل الدكتور ليبنر إلى الاعتقاد، ان ما تم الكشف عنه، يشير إلى تمتع السكان بمستوى اقتصادي مذهل، يناقض الصورة السابقة عن الظروف السكنية في المناطق الريفية اليهودية، التي تشير إلى انهم سكنوا في بيوت فقيرة أو أكواخ.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2007/11/283945.htm

الأربعاء، 21 نوفمبر 2007

حكاية الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية

يعالج كتاب (المستوطنون ودولة إسرائيل 1967-2004) إحدى أهم القضايا في الصراع الفلسطيني-الصهيوني، التي برزت عام 1967، وهي النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية التي احتلت في ذلك العام.ويكتسب الكتاب أهميته من مؤلفيه الصحافي عقيبا الدار، والمؤرخة عديت زرطال، فالدار هو محلل سياسي وكاتب عمود يومي في صحيفة هارتس، ورافق حلال عمله مراسلا للإذاعة الصهيونية في سنوات السبعينات مشروع الاستيطان منذ بدايته، وفيما بعد رافقه كمحلل سياسي، أما زرطال فهي مؤرخة وباحثة في الثقافات، ودرّست في جامعات الولايات المتحدة وفرنسا.وتميز الكتاب الذي ترجمه إلى العربية عليان الهندي، بمهنية وتحقيق ميداني استقصائي، ورجوع لمئات الوثائق والمراجع، وإجراء المقابلات، لرسم صورة للنشاط الاستيطاني الصهيوني الذي بدا مباشرة بعد احتلال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وحقق نجاحا مخيفا، حيث وصل عدد المستوطنين في الضفة الغربية وفقا للكتاب إلى نحو ربع مليون مستوطن يهودي.ويتوقف الكتاب عند التفاصيل الصغيرة والمبادرات والأدوار التي اطلع بها سياسيو الكيان الصهيوني في دعم الاستيطان، ويكشف عن طبيعة العلاقة بين المنظمات الاستيطانية ودولة الاحتلال.ويمكن اعتبار الكتاب قصة لمأساة العصف بالمكان الفلسطيني وقاطنيه وقيمه طوال أربعين عاما، على مرأى من العالم اجمع، وفي كثير من الاحيان في غفلة عن فصائل العمل السياسي الفلسطيني، وتفرج الراي العام العربي وصمته المريب.وهذه القصة، تدور في مختلف الأراضي المحتلة عام 1967، أبطالها لفيف من رؤساء حكومات وجنرالات وحاخامات ورجال قانون ورجال أعمال ومستثمرون وعصابات قتل وسرقة وفئات واسعة من المنتفعين.والكتاب مهم خصوصا ليس فقط للمواطن الفلسطيني، الذي كان ضحية هذا النشاط الاستيطاني، ولكن للمرجعيات المتعلقة بمجابهة الاستيطان، حيث فشل النشاط الفلسطيني المضاد للاستيطان في تحقيق نجاحات، ولم يراكم تجربة يمكن الاستفادة منها واستخلاص دروسها، وما زالت مظاهر مواجهة الاستيطان لا تخرج عن المجالات الإعلامية والمظاهر الاستعراضية.

فلسفة المؤقت في ضريح عرفات

في الذكرى الأولى لوفاة ياسر عرفات، وضع خلفه محمود عباس (أبو مازن) حجر الأساس لبناء ضريحه، على أن يتم الإنجاز في الذكرى الثانية لرحيل الزعيم الفلسطيني، وهو ما تابعته «الشرق الأوسط» في حينه. إلا أن الظروف السياسية التي مرت بها الأراضي الفلسطينية، والحصار الذي فرض على السلطة، لم تتح إنجاز الضريح، الذي صممه المعماري جعفر إبراهيم طوقان، الشاعر المعروف في الموعد المحدد، حتى افتتحه أبو مازن، أخيراً، في الذكرى الثالثة لوفاة عرفات. ليصبح احد الرموز المعمارية الحديثة الأكثر أناقة وجمالية في فلسطين اليوم.

الضريح وملحقاته، رغم بساطة تصميمه، المستوحاة مما يطلق عليه القائمون على المشروع «بساطة ياسر عرفات»، يعتبر تحفة فنية، في بلاد غابت عنها التصميمات المعمارية، خلال سنوات الاحتلال الطويلة، رغم أن تاريخها يزخر بالفنون الهندسية التي تعود لمختلف الحضارات، الشرقية كما الغربية. وبالإضافة إلى بساطة التصميم، فان الضريح، يتميز بشيء آخر، له علاقة أيضا بصاحبه، وهو ما اسماه الدكتور محمد شتية «فلسفة المؤقت». وشتية، يرأس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار (بكدار) الذي اشرف على تنفيذ المشروع منذ بدايته، والذي بلغت كلفته 1.750.327 دولاراً.

وقال شتيه عن مفهوم البساطة، خلال افتتاح الضريح «كان ياسر عرفات بسيطا في مأكله ومشربه وملبسه، ويبدي تواضعا استثنائيا، متقشفا وزاهدا في قضاياه الشخصية، ذاكرته حادة، ينادي على الأشخاص بأسمائهم الأولى». وحول معنى المؤقت قال: «عندما استشهد ياسر عرفات، هبطت المروحية التي أقلت جثمانه إلى الوطن، في بحر من البشر، داخل المقاطعة في رام الله. ولم يتم الدفن بسبب تزاحم الناس في المكان، وأجل إلى الرابعة صباحا في قبر اعد خصيصا بمواصفات توحي بالمؤقت». بني الضريح على مسطح مائي «لان الماء رمز المؤقت ولا شيء يستقر على سطح الماء. ونحن رمزنا للمؤقت بالماء على أمل أن ينقل الضريح إلى القدس بعد التحرير»، كما يقول شتية. ويضيف «جعلنا جدران الضريح من الزجاج المقوى رمزا للشفافية، والضريح كله في غاية البساطة والتواضع، انعكاسا لشخصية أبو عمار». وبالإضافة إلى صفتي البساطة والمؤقت، يلحظ الناظر أن الضريح مليء بالرموز. فهو عبارة عن مبنى مكعب طول كل واجهة من واجهاته 11م وعرضها 11م، في إشارة إلى تاريخ 11/11 وهو يوم وفاة عرفات. ولتحقيق المعاني التي أرادها القائمون على تشييد الضريح، تم اللجوء إلى أساليب منها البناء بأسلوب التثبيت الميكانيكي. حيث تم وضع الحجارة المشهورة المستخرجة من جبال القدس، على الضريح مثبتة بنحو 13 ألف برغي تتمتع بأجود المواصفات العالمية. وتعليق الحجارة بهذه التقنية التي تستخدم للمرة الأولى في فلسطين، يوحي بفلسفة المؤقت التي أقيم الضريح على أساسها.

يتكون المشروع من ثلاثة أبنية رئيسية، هي الضريح المقام على قبر عرفات، ومبنى المصلى، ومبنى المنارة، بالإضافة إلى البركة المحيطة بالضريح، والممرات، والساحات، والأدراج، والحدائق وغيرها. المبنى الرئيسي بالطبع هو الضريح، الذي وإن بدا عائماً على الماء، فهو مثبت من الداخل والخارج وفي الأرضيات وحتى على السطح. وتتضمن كل واجهة حجرية واجهة من الزجاج المقوى، مركبة وفق احدث الأنظمة. وأحيط موقع الجثمان، بحجر القدس المحلي. أما الشاهد فهو عبارة عن صخرة مكعبة الشكل، في ما تم تبليط البركة التي يسبح عليها الضريح بالسيراميك الأزرق، واستخدم لذلك 44276 بلاطة، ويتم تزويد البركة بالماء المخلوط ببلورات فسفورية لتلوين البركة بألوان الطيف نهاراً. ووضع حبل من الألياف الزجاجية لإعطاء ألوان الطيف للماء ليلاً.

ونقشت آيات قرآنية يدويا على 132 حجرا، أحاطت بالضريح، وعلى كل جهة نقرأ «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا». أما مبنى المصلى فتبلغ مساحته 319م2، وارتفاعه 8 أمتار، وكالضريح، يتميز بتثبيت الحجارة القدسية على جدرانه الداخلية والخارجية، بطريقة التثبيت الميكانيكي الجاف، وهو منقسم إلى مصلى للرجال، وآخر للنساء في الجزء العلوي.

وتتميز واجهات المصلى، بالآيات القرآنية المنقوشة يدويا، حيث تم استخدام 138 حجرا لنقش هذا الذكر الحكيم «الله لا اله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم». ويغطي السجاد الفاخر أرضية المصلى، الذي يحتوي على واجهات داخلية زجاجية، والدرابزين الداخلي، هو أيضا من الزجاج، ومن توابع المصلى، حمامات ومتوضأ، جميع جدرانها وأرضياتها من السيراميك، وحول المصلى مساحات خضراء تبلغ نحو ألف متر مربع.

من أهم المباني في مشروع الضريح، المنارة، التي تدل عليه من بعيد، بارتفاع 30م، وهي بذلك ترتفع 901م عن سطح البحر المتوسط، وتعلو المنارة إضاءة بالليزر تتجه نحو القدس. والمنارة مغلفة بالحجر القدسي المعتق بأسلوب التثبيت الميكانيكي، مثل المبنيين الآخرين. ويتم الصعود إليها بسلالم حديدية، وواجهاتها مزدانة بنقوش لآيات قرآنية كريمة، كان عرفات دائم الترديد لها، وهي «فاصبر صبرا جميلا»، و«انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا»، وتم استخدام 36 حجرا، لحفر هذه النقوش. وترتبط المباني الثلاثة التي يتكون منها المشروع ببعضها بعضا، بفضل الساحات والممرات المبلطة بالحجر القدسي، وتبلغ مساحتها 1745م2. ونقشت في الساحة الجنوبية المؤدية للضريح، على الحجارة القدسية، عبارات للشاعر محمود درويش عن عرفات «كان ياسر عرفات الفصل الأطول في حياتنا، وكان اسمه، أحد أسماء فلسطين الجديدة، الناهضة من رماد النكبة إلى جمرة المقاومة، إلى فكرة الدولة. وفي كل واحد منا شيء منه». وتبرز في مشروع الضريح المساحات الخضراء، التي صممها المهندس هاني الحسن، وهو من اختار كل شجرة ونبتة. تضم هذه الحدائق أشجاراً، وشجيرات ومتسلقات. فمن الأشجار: حور إيطالي، وسرو، وتمر حنة هندي، وبلوط فلسطيني، وزيتون فلسطيني، وخروب، وارز اطلنطي، ونخيل مثمر، وارز ديودارا.

أما الشجيرات فمنها: شمشير، وشيح، وجونيير زاحف، وجولد كرست، ومكنسة، ومن المتسلقات: هيدرا، والساعة، وحوليات، واقتصرت التغطيات الأرضية على الحشيش، ودايكوندرا، بالإضافة إلى الصخور. بافتتاح الضريح من قبل محمود عباس، تكون المرحلة الأولى من المشروع، قد انتهت، ولكن بقيت مرحلة أخرى، وهي إقامة المتحف الذي سيؤرخ لياسر عرفات، عبر ما كتب وقيل عنه وعبر مقتنياته الشخصية.

* ضريح عرفات بالأرقام خلال الفترة التي أنجز فيها المشروع

* عمل فيه نحو 12840 شخصا بين مهندس، ومراقب، ورسام، ومساح، وحاسب كميات، بالإضافة إلى الحرفيين، والعمال المهرة. واستخدم 6245 متراً مكعباً من التربة المختارة للردم تعلوها التربة الزراعية الحمراء. وتم تنفيذ 2225 متراً مكعباً من الخرسانة المسلحة للمباني. واستعمل 5500 حجر لبلاط الأرضيات، و 2200 حجر للواجهات الداخلية للمباني، و3500 حجر للواجهات الخارجية للمباني والأسوار

وتم استخدام 306 أحجار لنقش الآيات القرآنية عليها يدويا. واحتاج المشروع 13 ألف برغي لتثبيت الأحجار، و13 ألف زاوية ستانلس ستيل لتعليق الحجر، وزرع أكثر من 25 صنفاً نباتياً، في الحدائق، مزودة بأحدث أنظمة الري والتسميد.

وبعد انتهاء هذه المرحلة من المشروع يتنفس محمد شتيه الصعداء، بعد التعثر الذي حصل في إنجازه وأخره لمدة عام كامل، ويقول «انني على ثقة بان ما قمنا به هو أمر يليق ببساطة وتواضع الرئيس الشهيد ياسر عرفات».

ويفخر شتية بان الإنجاز تم بعقول وأيدي، وأيضا أموال فلسطينية، حيث كانت السلطة رفضت عروضا مالية من الخارج للتكفل ببناء الضريح، وأصرت على أن يتم بناؤه من الصندوق الفلسطيني.

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issue=10585&article=446475

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2007

كنيسة القديسة كاترينا

في كل عام، وفي الرابع والعشرين من شهر كانون الأول ( ديسمبر ) تتجه أنظار المسيحيين في العالم، إلى مكان معين على وجه هذا الأرض هو كنيسة القديسة كاترينا، التي ينقل منها قداس منتصف الليل، مباشرة إلى العالم، بجانب المكان الذي يعتقد انه ولد فيه السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم. وهذه الكنيسة تعتبر جزءا من كنيسة المهد، ولكن تأسيسها مرتبط بالشقاق بين الطوائف المسيحية المختلفة في فلسطين، والذي أكتسب أبعادا دولية في القرون الماضية. وتعود الخلافات بين الطوائف المسيحية المختلفة على أحقية كل منها في كنيسة المهد إلى فترات قديمة، ففي القرن السادس عشر مثلا، سيطر الأرثوذكس على الكنيسة ومغارة الميلاد، وصدر فرمان تركي وضع حدا للخلافات بين الطوائف، محددا حقوق كل منها وهو ما يعرف حتى الان باسم ( الاستاتكو ) أي الوضع القائم، ولكن هذا القانون لم ينه الخلافات، وفي عام ١٨٨١م بنى الفرنسيسكان الذين طردوا من كنيسة المهد، بجانبها كنيسة القديسة كاترينا التي أصبحت الان مركز الاحتفال بعيد الميلاد وفقا للتقويم الغربي.ويؤدي إلى هذه الكنيسة رواق يعود للعصور الوسطى، مثير للاهتمام بعمارته وحجارته المحلية، وأمام الكنيسة تمثال القديس هيرونيموس او جيروم، الذي عاش في المغائر تحت الكنيسة وانجز أول ترجمة للكتاب المقدس عن اليونانية والعبرية، وهي المعتمدة حتى الان، وفي ذكراه يحتفل بيوم الترجمة العالمي.

وتعتبر قاعة كنيسة القديسة كاترينا الأكبر والأوسع ضمن حرم كنيسة المهد، ومجهزة بكراس حديثة ونوافذ مزججة بألوان مبهجة، بالإضافة إلى لوحات فنية ملفتة، ويدخل إليها عبر باب مزدوج حفرت عليه رسومات استوحت من الكتاب المقدس.

في أغلبية الأيام، تكون الأجواء في هذه الكنيسة هادئة، ولكن الحياة تدب فيها في الرابع والعشرين من شهر كانون الأول (ديسمبر) من كل عام، عندما يصل بطريرك القدس للاتين، وهو الان الأب ميشيل صباح، أول عربي يتبوأ هذا الكرسي، من القدس إلى بيت لحم، في موكب مهيب، يعكر صفوه الإجراءات الإسرائيلية على طول الطريق بين المدينتين.

ويترأس صباح، ذو التوجهات الوطنية، قداديس تمهيدية في النهار استعدادا لقداس منتصف الليل، الذي يحضره قناصل الدول الكاثوليكية بالقدس، بالإضافة إلى شخصيات أخرى وفقا للاستاتكو والبرتوكول، ومنذ عام 1995، كان يحضره ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، حتى منع من الوصول إلى بيت لحم، خلال السنوات الأخيرة قبل وفاته، بعد حصاره في مقره بمدينة رام الله، فوضع صباح كوفية سوداء على كرسي كتب عليه ياسر عرفات، خلال القداديس التي تنقلها محطات التلفزة العالمية.

وحضر محمود عباس الذي خلف عرفات في منصبه، قداديس الاعوام الماضية، ويتوقع أن يحضر أيضا هذا العام. ومنذ سنوات تأثر القداس بالأمور السياسية، عندما اخذ البطريرك صباح بإلقاء كلمة خلال القداس الديني الطابع، يتطرق فيها عادة للأمور السياسية، وللظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون.

وحاول الإسرائيليون منع صباح من إلقاء أول كلمة له، وكان ذلك في بداية الانتفاضة الأولى، عندما علموا بعزمه إلقاء كلمة في القداس، فاتصلوا بالفاتيكان لهذه الغاية، ويقول صباح بان الفاتيكان لم يمارس عليه أي ضغط، وترك له الخيار، وأصبحت الان كلمة صباح جزء من قداس منتصف الليل.
ورغم أن ما يثير اهتمام وسائل الإعلام هو القداس في داخل الكنيسة، فان الاحتفالات الأكثر شعبية تجري عادة في الخارج، في ساحة المهد، حيث تقدم فرق من كافة أنحاء العالم أغان وترانيم متنوعة، وتعج الساحة بالمحتفلين المسيحيين والمسلمين والعرب والأجانب.

ولكن المشهد في الساحة خلال الأعوام الماضية، لم يعد كما كان سابقا، بسبب الظروف الضاغطة على الفلسطينيين وعلى المدينة التي تحمل أسماء عديدة منها مدينة السلام ومدينة المهد وبيت الخبز، وفي هذا العام يتوقع أن الظروف السياسية ستلقي بظلالها على القداس داخل الكنيسة، وعلى الاحتفالات الجماهيرية في ساحة المهد التي تشهد كثيرا مواجهات بين جنود الاحتلال الإسرائيلي وفتية المدينة، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2007/11/281482.htm

الأحد، 18 نوفمبر 2007

اكتشاف شارع روماني في القدس

أدت أعمال الحفريات الواسعة في مدينة القدس، والتي تنفذها اكثر من جهة إسرائيلية، إلى الكشف عن المزيد من الآثار التي تعود إلى عهود مختلفة مرت على فلسطين.ويتهم الفلسطينيون، الإسرائيليين، بتنفيذ الحفريات لاسباب دينية وسياسية، وهو الأمر الذي لا تنكره الأوساط الإسرائيلية، التي تعتبر أن الحفريات التي بدأت منذ الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، تستهدف الكشف عن الهيكل، والتاريخ التوراتي لمدينة القدس.وبينما تستعر المنافسة بين الجهات الإسرائيلية المختلفة، التي تحفر في القدس، للفوز بأموال الممولين سواء كانت الحكومة الإسرائيلية أو الأثرياء اليهود في الخارج، تحاول كل جهة إثبات مصداقيتها أمام الجمهور الإسرائيلي، بالإعلان عن مكتشفات أثرية جديدة.وتحاول سلطة الآثار الإسرائيلية المتهمة من قبل أوساط أثرية إسرائيلية يمينية بأنها لا تقوم بواجبها بالكشف عن التاريخ التوراتي لمدينة القدس، ان تدافع عن نفسها بالإعلان بين الوقت والآخر عن مكتشفات أثرية في القدس، وبعد اكثر من أسبوعين من إعلانها عن العثور على أدوات قالت أنها تعود لعهد الهيكل الثاني، أعلنت عن اكتشاف شارع روماني، بالقرب من حائط البراق المسمى إسرائيليا حائط المبكى.ويعود الشارع الذي يقول علماء سلطة الآثار الإسرائيلية، بانه من المرجح ان يؤدي إلى الحرم القدسي الشريف، الى نحو الفي عام عندما كانت المدينة تحمل اسم (ايليا كابتولينا) والتي عرفها العرب باسم ايلياء.ووفقا لبيان اصدرته سلطة الآثار الإسرائيلية، فانه رغم مرور عدة قرون على تاسيس الشارع، فانه ما زال محافظا على مكوناته وشكله بحالة جيدة.واعتبرت السلطة، بان العثور على هذا الشارع، يشير، الى انه حتى بعد تدمير الهيكل الثاني عام 70م، على يد الرومان، بعد ثورات اليهود المتعددة، بقي ما يطلق عليه الإسرائيليون جبل الهيكل، أي الحرم القدسي الشريف، من أهم مراكز الاتصال الحضرية في القدس. وعثر خلال الحفريات على زجاجيات وخزفيات، وقطع نقدية، وأخرى فخارية تعود لذلك العهد، وهو ما حدث كثيرا في السابق.وارتبط مجد المدينة الرومانية ايليا كابتولينا، بالإمبراطور الروماني هيدريانوس الذي بناها، بمناسبة مرور 21 عاما لاعتلائه سدة الحكم، وحظر على اليهود ليس فقط الدخول إلى المدينة، بل حتى النظر إليها من بعيد. ووضع داخل الباب الرئيس للمدينة الجديدة عمودا من الغرانيت الأسود ارتفاعه 14 مترا، يحمل تمثالا له، واصبح العمود معلما بارزا للمدينة، نقشت عليه المسافات بين القدس والمدن الأخرى.ويعرف الباب حتى الان باسم باب العمود، بينما يطلق عليه الغربيون باب دمشق، مذكرا بباني المدينة هيدريانوس، الذي وضع مخططا جديدا للقدس، استبعد فيه وضعها السابق، وما زال هذا التخطيط هو الذي يظهر المدينة كما نعرفها الآن.ويمكن الإشارة إلى أن شبكة شوارع القدس القديمة الحالية، تعود للعهد الروماني، التي صممت وفقا للمباني العامة التي أنشئت آنذاك مثل معبد افروديت آلهة الجمال، وهي موقع كنيسة القيامة اليوم. وكان من أهم هذه الشوارع هو شارع الكاردو الروماني، الشارع الرئيسي لايليا كابتوليا.

السبت، 17 نوفمبر 2007

مصير حزين لمقبرة رومانية في فلسطين

لا تبدي قوات الأمن الفلسطينية الرسمية، أو الميليشيات المسلحة في مدينة نابلس، أي اهتمام بما توصف أنها كنوزا من الآثار، ذات الأهمية العالمية، والموجودة في المدينة، مثل مضمار سباق الخيل، أو المدرج الروماني. والنموذج الصارخ على عدم الاهتمام بهذه الآثار، هو المقبرة الرومانية الغربية في المدينة، التي تحولت إلى مكب للنفايات رغم، أهميتها "بشكل لا يحدث في اكثر الدول تخلفا" كما يقول الدكتور إبراهيم الفني الذي شارك في الكشف عن المقبرة.

وتقع المقبرة في سفوح جبل عيبال الغربية، وليست بعيدة عن مركز مدينة نابلس التجاري، وتم اكتشافها في عام 1965م. ويقول الفني لمراسلنا "تم اكتشاف هذه المقبرة، اثر محاولات بناء في نزلات عيبال الغربية، وعندما كشفنا عنها، وجدنا أنها مكونة من ثلاث غرف، لها أبواب حجرية لا زالت بحاجة جيدة حتى يومنا". وواجهة المقبرة مرصوفة بألواح حجرية منظمة من أربعة صفوف، ويقول الفني عنها "حجارتها مشغولة جيدا ومتلائمة مع بعضها البعض، حجارة الصف الأول الخارجي مرصوفة بشكل طولي، والأرضية المرصوفة أطول من الواجهة، وقد يكون هذا النمط قد تم اللجوء إليه، لتوسيع المقبرة من الجهة الخارجية".


ويضيف الفني وهو يقف أمام المقبرة "في كل من الجهة الشرقية والغربية وجدنا بئري ماء، كل بئر مقصور، وبابيهما، مغطيان بألواح حجرية، وهي عبارة عن فتحات مستديرة". ويعلق الفني على ذلك "هذه المقبرة تعود إلى الفترة الرومانية، وابار المياه في المقابر الرومانية ظاهرة نادرة جدا، واعتقد أن وجود البئرين له علاقة بطقوس دفن الموتى".


ويعتقد الفني، أن أحد المصاعب الأساسية التي ظهرت أمام البنائين في جبال عيبال هي نوعية الصخر غير الصلب وغير المنتظم بنزلاته، ويقول "هذه الحقيقة كان لها تأثير على طريقة بناء المقبرة، فالصخر غير الصلب لم يكن صالحا لبناء واجهات، لهذا فقد تم بناء واجهة المقبرة بأحجار الصخر الناري، والتي بلغ ارتفاعها الأمامي اكثر من ثلاثة أمتار".


ومن بين الغرف الثلاث التي تتكون منها المقبرة، تبرز الغرفة الوسطى، كغرفة مركزية، واكبر من الغرفتين على جانبيها، لها باب حجري مميز، وعلى جانبه بقايا ليد حديدية وبقايا للقفل، وأرضية هذه الغرفة مرصوفة بفسيفساء بيضاء، وداخل هذه المقبرة تم حفر تابوت حجري. أما الغرفة اليسرى، فمحفورة في الصخر، ومشابهة للغرفة المركزية، ولها باب حجري، وفي داخلها حفرة، لم يتمكن علماء الآثار من تحديد حقيقتها.


وفي الغرفة اليمنى، تم العثور على ثلاثة توابيت، وفي مدخلها عثر على تابوتين، وبلغ عدد التوابيت التي عثر عليها في المقبرة 23 تابوتا حجريا، وتابوتا صغيرا، ربما استعمل كقبر للطفل.


ويقول الدكتور الفني "جميع التوابيت التي عثرنا عليها، مصنوعة من الصخر المحلي، قسم منها من صنع نابلس المحلي، وهذه التوابيت منحوتة جيدا وعليها زخارف، والقسم الآخر غير منحوت".


وتم تحديد زمن المقبرة إلى القرن الثاني الميلادي، ويشير الفني، بأنه تم العثور على موجودات كثيرة في هذه المقبرة، مثل الأواني الفخارية والزجاجية، والاسرجة الفخارية، والقطع الزجاجية، وجميعها نقلت إلى متحف العاصمة الأردنية عمان، حيث كانت الضفة الغربية وقت اكتشاف المقبرة، جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.



وبعد الاحتلال الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1967، بذل الفني وزملاؤه من الاثاريين جهدا للحفاظ على المكتشفات الأثرية، من خلال عملهم في دائرة الآثار التي أصبحت تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويقول الفني بأنه تم وضع سياج حول المقبرة، التي تحولت إلى مقصد لكثير من الاثاريين من جامعات العالم المختلفة، وتم الحفاظ على موجوداتها، أما الان فان التوابيت التي تم العثور عليها، وكان ذلك حدثا مهما آنذاك، فهي محطمة، أو مليئة بالنفايات، وعمد افراد المجموعات المسلحة الى كتابة شعارات عليها، مستخدمين الطلاء الذي احدث تشويها كبيرا، لا يمكن تداركه.

ويحمل الفني، السلطة الفلسطينية المسؤولية عن ما آلت المقبرة، قائلا بأنها استلمت المقبرة في حالة جيدة، ومحافظا عليها، ولم يكن يتوقع أحد أن تتحول إحدى أهم المقابر المكتشفة في فلسطين إلى مجمع للنفايات.
http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment/2007/11/280723.htm

الجمعة، 16 نوفمبر 2007

صراع على قبور اولياء الارض المقدسة

تثير قبور الأولياء والصديقين في فلسطين، صراعًا مريرًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين، أوقع عشرات من القتلى خلال سنوات الصراع الطويلة بين الجانبين. ووفقًا للمصادر الفلسطينية وباحثين إسرائيليين مستقلين، فإن السعي الإسرائيلي للسيطرة على قبور الأولياء المسلمين في فلسطين، يأتي في سياق البحث عن أي شرعية تبرر دعاوى احتلال فلسطين.وفي حين لا يظهر الفلسطينيون الآن شغفًا بقبور الأولياء، فإن الإسرائيليين، على خلاف ذلك وفقًا لما كشفه بحث إسرائيلي جديد، من إحصاءات قد تكون مثيرة عن اهتمامات الإسرائيليين بهذه القبور، ووفقًا للبحث الذي أجرته جامعة حيفا، فإن ثلث اليهود الذين يزورون قبور الأولياء هم من الأكاديميين، وأن 15% من الزوار هم من العلمانيين.

ولا تقتصر زيارة هذا النوع من القبور والأولياء على اليهود الشرقيين، كما كان الانطباع سائدًا، خصوصًا اليهود المهاجرين من بلاد المغرب العربي، ووفقًا للبحث فإن 20% من زوار قبور الأولياء هم من اليهود الأوروبيين.

وبعد ستين عاما من إقامة إسرائيل، و40 عامًا على احتلال الضفة الغربية، فإن حال القبور والمقامات الإسلامية في فلسطين، اصبح مختلفًا تمامًا، وإذا رأى الزائر لهذه المناطق، قبة تعتلي غرفة صغيرة، في رأس جبل أو وسط خلاء أو داخل مدينة، واقترب منها فسيرى كتابات عبرية عليها، وسياجًا يحيطها، وعلى الأغلب سيصطدم بمتدينين يهود يقيمون طقوسًا حولها، سيمنعونه من الاقتراب من هذا المكان المقدس أو ذاك.

ولا يعرف متى أنشئت هذه الاضرحة، ولكنها تحمل أسماء أنبياء وشيوخ وصوفيين وصحابة ممن شاركوا في الفتوحات الإسلامية، واناس عاديين غير معروفين، ومن الصعب معرفة أصلها، ولكن المؤكد أن أجيالاً من الفلسطينيين بنوها، وكانت تعني لهم شيئًا، وتكاد تكون معظم القرى والبلدات الفلسطينية أقيمت بجانب أو حول هذا النوع من قبور الأولياء.

ويعتقد أن هذه المزارات والمقامات والأضرحة في فلسطين، شكلت طوال قرون جزءًا مهمًمن النسيج الثقافي للفلسطينيين، فلها أقاموا الاحتفالات والمواسم والموالد والاحتفالات الأخرى، ونظموا الأذكار والأغاني الشعبية والأشعار والأدعية والتعاويذ، 








 وألفوا الحكايات عن الأولياء وضربوا الأمثلة بهم، وارتبطت كثير من ممارساتهم بهؤلاء الأولياء والقديسين.
أما الآن فإن المستوطنين والمتدينين اليهود، يبدون شغفًا غير عادي بهذه القبور والمقامات ونسج روايات وحكايات أخرى حولها غير تلك المتداولة فلسطينيًا، في محاولة لإيجاد مرجعية ثقافية لهذه الجماعات، ولم يخل هذا الشغف من أهداف سياسية واستيطانية جعلت كثيرًا من الدماء تسفح حول هذه القبور، مثل قبر يوسف شرق مدينة نابلس، الذي شهد محيطه اشتباكات دموية سقط فيها فلسطينيون وإسرائيليون، خصوصا في بداية انتفاضة الأقصى.

وأدى إصرار الإسرائيليين على الاستحواذ على هذا القبر الموجود وسط تجمع سكاني فلسطيني، إلى أن يقدم نشطاء فلسطينيون على حرقه، وكان شعارهم "علي وعلى أعدائي".

ومثل مقام النبي يوسف في نابلس توجد قبة راحيل في مدخل بيت لحم الشمالي التي تحولت إلى ثكنة عسكرية وتم سلخ شمال المدينة بالكامل وضمها إلى حدود بلدية القدس من اجل ضمان وصول المتدينين اليهود إلى هذا المقام الإسلامي الذي يعود تاريخ بنائه للعصر المملوكي.

وخلال أعوام تحول هذا المقام الصغير ذي القبة الدائرية إلى قلعة عسكرية تعلوها أبراج أطلق منها الجنود النار على فلسطينيين من بينهم أطفال لقوا حتفهم، جعلهم حظهم العاثر يصلون إلى تلك المنطقة في الوقت الذي كان فيه المصلون اليهود يقيمون شعائرهم.

أما قبور الأنبياء في الخليل، مثل قبر النبي إبراهيم وابنائه، فتم السيطرة عليها من قبل الإسرائيليين، ويمنع على الفلسطينيين الدخول إليها.
وشكل التوتر المستمر الذي تثيره سيطرة المستوطنين على الأضرحة، ضيقا حتى من أوساط إسرائيلية، فاحد الجنود الذين يحرسون قبة راحيل قال "اننا نحرس قبرًا عربيًا من العرب، من اجل حفنة من المتدينين المعتوهين".

أما البروفيسور الإسرائيلي الراحل (يشياعو ليبوفيتش) الذي يطلق عليه في إسرائيل (نبي الغضب) فأطلق صرخة مدوية ضد الاحتلال تساءل فيها "ماذا لديكم هناك؟"، ويقصد بذلك الأراضي المحتلة عام 1967م، ولم ينتظر، بالطبع، الرد، فأجاب بنفسه مستنكرا "..قبر راحيل العاهرة..؟!"، في إشارة إلى قصة راحيل في الكتاب المقدس.
وبنى المستوطنون حول قبور مفترضة لأنبياء العهد القديم مستوطنات سرعان ما تحولت إلى مدن استيطانية مثل مستوطنة (تكواع) شرق بيت لحم التي بنيت في منطقة يعتقد المستوطنون أن عاموس، وهو أحد شخوص العهد القديم، دفن فيها ويعتبرونه نبيًا، على الرغم من أن الكتاب المقدس يشير إلى ان عاموس "لم يكن نبيا، بل كان راعي غنم".

وقبل أن يتم العثور على قبر عاموس، زرع المستوطنون في المنطقة عدة مستوطنات إحداها يحمل اسم (معالية عاموس) وآخرها حملت اسم (رحبعام زئيفي) على اسم وزير السياحة الإسرائيلي الذي اغتيل على يد فلسطينيين في بداية انتفاضة الأقصى.

أما المواطن الفلسطيني عبد الله الزير (75) عامًا فوجد نفسه وعائلته محاطًا بمستوطنة يسكنها الآن مهاجرون روس حول قبر لشخص يدعى (بن ديفيد). وقال الزير لايلاف "أعيش أنا وأبنائي في ذعر دائم، وليس لنا من مخرج أو طريق مستقل، وتم اعتقال عدد من أبنائي بتهم زائفة لإجبارنا على الرحيل، لا اعرف كيف أتى هؤلاء واستدلوا على قبر بن ديفيد أو من هو بن ديفيد هذا أصلاً". وأضاف "نعيش هنا منذ آلاف السنين، ولم اسمع من عائلتي بشخص اسمه بن ديفيد، ولا اعرف ما علاقة أشخاص قدموا من روسيا بها؟ وإذا كانت لهم أية علاقة به، فهل يجب ان ندفع الثمن وتصادر أرضنا وتحاصر بيوتنا؟".

وهناك مؤشرات متزايدة على أن المتدينين اليهود لم يكتفوا بقبور الصديقين الموجودة، وفي تقرير للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي بثته قبل اشهر، تبين بان هؤلاء اخذوا يحولون قبور علمانيين إلى أضرحة ومقامات تأخذ الطابع اليهودي. ومعظم هذه الأضرحة الجديدة تقع على الطرق المؤدية إلى المستوطنات أو في أماكن قتل فيها مستوطنون أو جنود، فيتم إنشاء أبنية تشبه الأبنية الفلسطينية التقليدية للمقامات، سرعان ما يتم تسييج الأرض التي تحيط بها وتتحول إلى مستوطنات صغيرة، وان كانت شكلا هي مقامات أو قبور.

وهناك عشرات المواقع المرشحة لتكون قبورا للصديقين، واكتفى المستوطنون الآن بوضع شواهد حجرية مع نقوش عليها في كل مكان قتل أو مات فيه أحدهم، سيتم تحويلها إلى مقامات عندما يأتي دورها أو حسب حاجتهم للتوسع الاستيطاني. وامتد نشاط المتدينين اليهود إلى الأضرحة التي تركها الفلسطينيون خلفهم بعد أن شردوا من أراضيهم عام 1948، وحولوها من مقامات إسلامية أو مسيحية أو درزية إلى مقامات يهودية، تقدم لها النذور وتوقد فيها الشموع، في بلاد يختلط فيها السياسي الدنيوي بالديني المقدس.

ويعتقد على نطاق واسع بان الإسرائيليين الذين نجحوا في اقتلاع القسم الأعظم من الفلسطينيين من أرضهم وطردهم خارجها، يسعون لتوسيع عملية الاقتلاع القسرية هذه، لتشمل الإرث الثقافي، وفي حين أن سياسات رسمية إسرائيلية تعتمد على الفهم التوراتي تخلق ما يمكن تسميته جغرافيا مقدسة لأغراض استيطانية واحتلالية، فإن جماعات أخرى تحمل نفس الأهداف، من المرجح أنها على اتصال مع المجموعات الرسمية، نجحت في السيطرة على الأضرحة وخلق مرجعية جديدة لها، ثقافية ودينية وأسطورية وما يثير الاستغراب أن هذه المجموعات اعتمدت في بعض رواياتها على الأساطير التي نسجها الفلاح الفلسطيني حول الأضرحة والقديسين، لكنها حورتها لتتلاءم مع إيديولوجيتها الصهيونية.

ويمكن ملاحظة الاستئثار الذي تبديه هذه الجماعات اليهودية للأضرحة، فمثلاً توجد الكثير من المقامات في فلسطين كانت مدار تعظيم من المسلمين والمسيحيين وأحيانًا من اليهود، ولم يقدم المسلمون أو المسيحيون على الاستئثار بها ومنع الآخرين من الدخول إليها، بعكس ما يحدث الان ويسميه الفلسطينيون اغتصابا لإرثهم الشعبي بقوة الحديد والنار، وتسييج المقامات المسيطر عليها وكأنها مناطق عسكرية مغلقة، ومنع أي مسلم أو مسيحي الاقتراب منها وأحيانا قتله.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2007/11/280579.htm

الأربعاء، 14 نوفمبر 2007

مقام الست نجلاء في خربة جالا









تقع خربة جالا، على بعد بضعة كيلومترات من بلدة بيت أمر (شمال الخليل)، ويوجد في هذه الخربة التي بدأت تشهد نموا عمرانيا متواضعا، مقام "ستنا نجلا".


وبني المقام على تلة تطل على مناظر طبيعية جميلة لبيت أمر وحلحول، ويبعد مسافة قليلة عن البيوت السكنية في الخربة التي تحولت إلى قرية، تم تعيين مجلس قروي لها يعمل بالتعاون مع بلدية بيت أمر.


 والمقام مبني من الحجارة المحلية، تعلوه قبة عليها بيرق منفرج، ربما كان له في الماضي معنى معين، كأن يكون شعارا لطريقة صوفية مثلا.


وتعتبر الست نجلاء، في المنظور الشعبي الفلسطيني، شقيقة لـ "البدرية" صاحبة المقام المعروف باسمها في قرية شرافات، قرب القدس، والتي تم احتلالها في عام 1948، والذي كان محظوظا أكثر من غيره من المقامات الإسلامية المنتشرة في فلسطين، بسبب التأريخ له من قبل مجير الدين الحنبلي في كتابه (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل).


ووفقا للمنظور الشعبي أيضا فان للبدرية شقيقة أخرى هي (الحميدية) صاحبة المقام المعروف باسمها، والموجود في خربة فاغور على طريق القدس- الخليل.


ومساحة مقام نجلاء، أصغر من مقامي الحميدية والبدرية، وأقل منهما أبهة، وربما يعود ذلك لبعده عن شبكة المواصلات العامة، بشكل أكبر من الحميدية، وعدم وجوده وسط تجمع سكاني مثل شرافات حيث يوجد مقام البدرية.


وحول المقام، توجد مقبرة، تستخدم من قبل سكان خربة جالا، وتتناثر القبور القديمة على جوانبه، ومن المؤكد أن ذلك تم للتبرك، ولأنه لا يوجد مكانا أنسب من المقام، وهو ملكا عاما، ليكون مقبرة، وهو ما نجده في مقامات الوليات الأخريات، مثل قبر حلوة، وقبة راحيل، والحميدية.


وبنى السكان، قبورا اسمنتية جديدة منظمة أكثر من القديمة، وبدعم من منظمة دولية تم إجراء ترميمات على المقام.


ولكن في الداخل، تم إضافة جدران من الطوب الاسمنتي، لدعم الجدران الحجرية، مما أضفى منظرا بشعا جدا على المقام.


وفي داخل المقام الصغير، يوجد محراب صغير أيضا، تم كساء جزئه السفلي بأحجار حديثة، وهذا المنبر مغطى بكسوة خضراء، وداخله توجد أوعية لوضع الزيت والشموع فيها، حيث يعمد البعض إلى إشعال الشموع أو إسراج الزيت، تقربا إلى صاحبة المقام نجلاء، التي لا يوجد لها قبر في المقام.


 


ووفقا للروايات المتناقلة فإن نجلاء، التي لا يعرف السكان الحاليون، هويتها، ويكتفون بالإشارة إلى أنها امرأة صالحة قضت ليلتين أو ثلاثة ليال في المكان متعبدة، فأقيم المقام تكريما لتلك الزيارة التي لا يعرف متى أو لماذا تمت.


وباب المقام من الحديد ومدهون بالأخضر، غير مغلق، حتى لو جاء أي أحد إلى المكان يستطيع الدخول، رغم أن قليلين هم الذين يأتون إلى المكان وفقا لما رواه من قابلهم مراسلنا من السكان.


وقال أحد الرعاة وهو عبد الله زمير، من قرية بيت جبرين المهدمة عام 1948، بأن بعضا من المجموعات المختلفة على أمر ما، تأتي إلى المقام لتحلف في حضرة الست نجلاء، على أن حجتها هي الصحيحة.


وإذا كان الدور الوظيفي لحل الاشكالات للست نجلاء تضاءل بشكل كبير الآن، فمن المؤكد بأن الوظيفة التي اضطلع بها المقام لدى إقامته في زمن مضى، كانت لها عدة مستويات، فالمكان الموجود به المقام، لا يمكن أن يكون مقيموه قد اختاروه صدفة، فهو شهد حضارات سابقة متعددة، وتظهر التنقيبات غير الشرعية التي ينفذها شبان من قرية جالا حول المقام، أنواع مختلفة من الفخار متناثرة في المكان.


وتشير بقايا الحفريات العديدة والتي تمتد على مساحة واسعة حول المقام وفي الحقول القريبة منه، أن المنقبين يعملون بدون مضايقة من أحد، وقال شقيق أحد المنقبين لمراسلنا، بأن الشبان المنقبين لديهم أجهزة للكشف عن المعادن، وأنهم يبحثون عن عملات قديمة، ما أن تظهر حتى تجد طريقها للتجار الصهاينة.


وفي غياب أي فحص لهذه العملات أو القطع الفخارية أو غيرها مما تخرجه الأرض من باطنها، يبقى من الصعب الحديث عن هوية الحضارات التي تعاقبت في المكان، ولكن من معاينة بعض الآثار التي كشف عنها، مثل المغر السكنية، والآبار، ومعاصر العنب، يمكن القول بأن المكان سكن على الأقل منذ زمن الرومان.


ويمكن الافتراض، أن من أسسوا المقام، اختاروا مكانا مناسبا، لنسبته لشقيقة كل من البدرية والحميدية، وشهرة كل منهما في الصلاح والاستجابة للمحتاجين كانت تملأ الآفاق.


ومن المؤسف أنه لا توجد لوحة تأسيسية تؤرخ للمقام، مثلما هو الحال في الحميدية، أو تاريخا مثلما هو الحال في البدرية.


ويأتي ترميم المقام، بالإضافة إلى مشاريع أخرى نفذت في القرية مثل مد شبكة مياه، وترميم آبار، ضمن اهتمام حديث في خربة جالا، التي تنتصب في الجبل الذي أمام المقام، مستوطنة كيرمي تسور، المقامة على أراضي بلدتي بيت أمر وحلحول، شاهدا على التحدي الجديد الذي يواجه المكان في ظل الاحتلال الصهيوني.


وتخضع المنطقة إلى سيطرة الاحتلال الصهيوني المباشرة، ولكن بكثير من التصميم، وقليل من الحيل، تم تعبيد جزء كبير من الشارع المؤدي إلى جالا، بتبرع من رجل أعمال، وعندما انتبه المحتلون إلى ذلك منعوا إكمال تعبيد الشارع، وتمكن السكان من تعبيد جزء آخر من الشارع، في الليل، حتى يكون ذلك نوعا من فرض الأمر الواقع.


ولا تعطي سلطات الاحتلال رخصا للبناء في القرية، مما يجعل سيف الهدم مسلطا دائما على السكان الذين بنوا في المكان، والذين شكل مد شبكة مياه خطوة مهمة بالنسبة لهم، ولكنهم حتى الان بدون شبكة كهرباء.


وفي مثل هذه الأجواء ينظر للجوء إلى الاهتمام بترميم المقام، كما حدث في حالة الحميدية مثلا، كنوع من إثبات الهوية العربية الإسلامية، وكجزء من البحث عن أشكال لمقاومة الاحتلال، والتشبث بالأرض، عن طريق إحياء رموزا قديمة، مثل مقام نجلاء الذي يكاد لا يكون غيره منتصبا في المكان يشير إلى تاريخه الإسلامي-العربي.


ويمكن تصور حالة خربة جالا في عام 1948، عندما وصلتها عائلات لجأت من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948، مثل أسر من عشيرة أبو خوصة البدوية من بئر السبع، الذين سكنوا في خيام ومن ثم غرف مؤقتة من الصفيح والحجارة المحلية، والآن بدأت تشهد جالا، نهوضا عمرانيا نسبيا، بسكانها الذين يصل عددهم إلى نحو 400 فرد، ويبني عدد من العائلات الخليلية مثل أشخاص من عائلة طهبوب، مساكن لهم في المكان، مدفوعين بحالة النهوض العمراني القليل والنسبي الذي تشهده جالا، حيث ما زال مقام الست نجلاء صامدا تعصف به الرياح المنعشة، وتلك التي فشلت في اقتلاعه، ويعاد اكتشافه من جديد، وإن كان ليس بالشكل الديني الشعبي الذي كان سابقا، وإذا كان البعض عندما يكون في المكان يعمل في أرضه أو يرعى الأغنام، وحان موعد الصلاة، قد يفكر بالصلاة داخل المقام، كواجب إيماني وروحي، فإن التنقيب المسعور خارج المقام بحثا عن آثار لبيعها، لتجار الآثار الصهاينة، يشير إلى بحث آخرين، عن منافع مادية، حتى لو كان ذلك بالتفريط بآثار لا يعرفون قيمتها، وتسريبها للأعداء، مقابل ثمن مهما ارتفع فهو في النهاية سيكون ثمنا بخسا.



http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoy5JmGDKUQzpHbgF6BBVAQb94NYxGONVzQiKymEw5dS9rmT%2bEMnTb1DdhCLLlRUCQ8c84hiaMFBECeIoIP41jwvwmY2Nhs%2fa3jii4%2fWiJ19o%3d 
 

يوميات فلسطيني في الحرب العالمية الثانية

ما الذي كان يهم مواطناً فلسطينياً في الحرب العالمية الثانية؟ بعد أن هدأت، نسبيا، الثورات العديدة، التي خاضها الفلسطينيون، طول العقود التي سبقت الحرب، حيث كانت بريطانيا المنتدبة على فلسطين، ودول عربية أخرى، أحد أطراف تلك الحرب.

ربما تقدم مفكرة شخصية لمواطن فلسطيني، من عائلة قعوار، تعود لعام 1941، حصلت عليها «الشرق الأوسط»، ملامح وظلال عن تلك الهموم، في سنوات الانتظار لما هو قادم. أول ما نلحظه أن صاحب المفكرة يتحرك في فضاء مكاني واسع، مقارنة بوضع مواطن فلسطيني أو عربي اليوم. بل تصعب المقارنة، بين تلك الظروف، ومثيلاتها الآن.

صاحب المفكرة يرتب جداول ديونه ومشترياته، ويتطرق إلى مشاكله مع البلدية، يبتاع أغراضه، من مدن فلسطينية عديدة، كحيفا، ويافا، والقدس، وبيت لحم، ويتنقل بينها، ويمتد نشاطه إلى مصر، التي يبدو تحركه فيها طبيعيا، مثل تحركه في فلسطين. في المفكرة عناوين لأصدقاء ومعارف في مصر، يشير إلى انه أرسل لهم مكاتبات، أو دل آخرين عليهم. وتتطرق المفكرة، إلى قضايا خاصة وحميمة، مثل انتهاء «العلاقات الأخوية» مع «دار...» (يقصد عائلة كذا) ويذكر إحدى العائلات، والسبب هو «السمسرة». وتبقى هذه الكلمة الأخيرة المفزعة غامضة على نحو كبير، فلا يعرف بالضبط المقصود منها. ومثلما تقلق صاحب المفكرة «السمسرة»، تقلقه أيضا أشياء أخرى مثل بحثه عن سم للفئران، يشير إلى اسمه بالأحرف اللاتينية، ويذكر أسماء أدوية باللاتينية أيضا مثل دواء لمرض (السلطعان)، ويقصد السرطان.

ويحدد في مفكرته مواعيد، ليسمع فيها أغاني معينة، ينتظر بثها من الإذاعة «طلبتها الحبيبة من القدس» ويرمز إليها بالحرفين: أ. ف. من هذه الأغاني: بحب من غير أمل، والصبا والجمال، يا ورد من يشتريك. بالإضافة إلى الأغاني، فإن صاحب المفكرة، يهوى قيادة الدراجات النارية، ويذكر في اكثر من موضع، الزمن الذي اصدر فيه رخصا لقيادة هذه الدراجات ومتى تنتهي، ومقدار الرسوم.

وتحوي المفكرة، عناوين عديدة لمعارف فلسطينيين مهاجرين إلى أميركا، وآخرين من الأجانب، مع إشارات إلى مراسلات معهم، تؤكد حلمه المبكر بالهجرة، من هذا الشرق الأوسط الصاخب، بالحروب والثورات.

ونجد، ما يمكن تسميته، تنبها مبكرا لديه، لضرورة تعلم اللغة العبرية، التي ستصبح بعد سنوات قليلة، اللغة الرسمية لدولة إسرائيل، من خلال إشارة في مفكرته إلى كتاب «اسهل طريقة لتعلم اللغة العبرية بدون معلم، تأليف محمد عطية».

وسيكون من الصعب على أي باحث يتصفح هذه المفكرة الصغيرة (7سم x 10سم) أن يفهم كيف كان صاحبها يدون تفاصيل حياتها وسط زحام صفحاتها بالرسوم الكاريكاتورية، والصور، وخطب الزعيم البريطاني تشرشل، والتصريحات والمقالات، التي لا تناسب عادة، وضعها في مفكرة شخصية بهذا الحجم.

المفكرة التي طبعت عليها كل هذه التفاصيل الدعائية، منتجة في مصر، ونستطيع أن نقدر بأنها نموذج لمفكرات انتشرت تلك الفترة، وكان بإمكان الفلسطيني أو المواطن العربي ابتياعها في بلده، لتسجيل ملاحظاته، ومواعيده، وعناوينه، عليها.

واضح أن الدعاية المبثوثة داخل المفكرة تتوجه للرأي العام العربي، ففي الصفحات الأولى، إحصائية عن عدد المسلمين في الإمبراطورية البريطانية «الموالين لحكومتها، والمؤيدين لها في حربها من اجل الحق والحرية». وعددهم هائل وفقا للمفكرة وهو (222718000) ولا يتضمن ذلك عدد المسلمين في دولتين إسلاميتين حليفتين هما مصر والعراق. ففي مصر كانوا 15 مليونا، وفي العراق 4 ملايين.

وتتجاهل دعايات المفكرة معتنقي الأديان الأخرى تحت لواء الإمبراطورية البريطانية، مثل صاحب المفكرة نفسه، وهو مسيحي.

وتحت عنوان الإذاعات العربية التي يجب أن تسمعها، تورد المفكرة، الترددات الإذاعية وأوقاتها، وما تبثه محطات الراديو الرسمية البريطانية، للسكان في مدن معينة مثل القاهرة، ولندن، وأنقرة، وبغداد، وعدن، والقدس.

ومن ضمن ما طبع على المفكرة رسوم كاريكاتيرية، تستعين بشخصية المصري أفندي، لإيصال خطابها الدعائي، مثل رسم يظهره وهو يعلق على الأسطول الإيطالي الذي اصبح «طعمة للأسماك في قاع البحر الأبيض»، فيعلق على ذلك قائلا: «اهو ده احسن مكان يختبئ فيه الأسطول الإيطالي». ويمثل رسم آخر غرفة صف، يسأل فيها المعلم تلاميذه: ما هو الجوع؟، فيرد أحدهم: هو ما يشعر به الإيطاليون والألمان الآن.

ولا تخلو الرسوم من فجاجة، واستهتار بعقول المتلقين، وبعضها يمثل هتلر نفسه وهو يردد يائسا:

* «يا موت خذ ما أبقت

- الآلام والأحزان مني

* بيني وبينك خطوة

- إن تخطها فرجت عني».

وتمتلئ المفكرة بالصور الفوتوغرافية، للقوات البريطانية بمختلف اذرعها، وللقادة البريطانيين، والملك جورج السادس، والأمراء والأميرات. وجهد كاتب التعليقات على الصور، يبدو بسيطا. كأن نقرأ مثلا: «البساطة والتواضع ماثلتان في هذه الصورة الرائعة التي تضم صاحبي الجلالة وولية عهدها الأميرة اليصابات وشقيقتها الأميرة مارجريت روز»، و«المستر انتوني ايدن وزير الحربية البريطانية الفتي يتلطف في الحديث مع احد الجنود البريطانيين أثناء زيارته التاريخية لمصر»، و«جنود الأتراك المرحون بطبعهم، ساعة وصولهم إلى الشواطئ المصرية وقد راح أحدهم يطرب بعض الصيادين المصريين بأنغام مزماره».

وتعرض المفكرة صورة لمدفع تحتها التعليق التالي: «مدفع بريطاني جبار من طراز هاوينزر، وقد ربض كالليث الهصور متأهبا لبعث زئيره الناري الذي يفتك بما في طريقه»، وصورة أخرى لبعض جنود فرقة بريطانية وهم «يتدربون على استخدام مدفع رشاش، تأهبا لاستقبال صبيان المظلات النازية احسن استقبال».

وطبعت على المفكرة آراء، على شكل مقالات وتصريحات لشخصيات سياسية وعربية، تدعم بريطانيا في حربها مثل د. احمد ماهر باشا الذي يقول في مقال مطول: «رأيي الحازم الجازم أن انتصار إنجلترا في الحرب الراهنة اكبر فائدة لمصر من الناحيتين السياسية والاقتصادية». أما الدكتور محمد حسين هيكل باشا فيكتب «انظر إلى حالة مصر اليوم، وهي تنعم بنعمة الديمقراطية مع حليفة قوية وتعيش هانئة في نظامها السياسي، وتبدي رأيها في أعمال الحكومة بواسطة البرلمان، أو بواسطة الصحافة الممثلة للرأي العام، وتنفذ هذه الأعمال بكل حرية وترفض منها ما لا تريده». ويصل إلى نتيجة «لا اشك أن كل مصري يود انتصار الديمقراطية التي تدافع عنها إنجلترا وتنفق الملايين في سبيلها».

ويدافع الدكتور حافظ عفيفي باشا، عن «ما في المعاهدة الإنجليزية المصرية من ميزات»، وهو الذي وقع عليها قائلا: «انني اعتقد ليس في القيود التي تضمنتها ما يضع أية عقبة غير قابلة للتذليل أمام حكومة رشيدة تريد أن تسير بمصر في طريق الإصلاح والتجديد والرقي».

ولكن المثير في المفكرة هو «الخطاب الديني» المؤيد لبريطانيا إلى درجة الإيحاء بأنها دولة إسلامية. وفي هذا الشأن نقرأ للشيخ محمود أبو العيون قوله: بأن هناك علاقات سياسية وثيقة تربط الإسلام ببريطانيا العظمى. ولا يمكن لهذه العلاقات ان تنفصم نظرا لمتانتها وقوتها وإدراك كل من بريطانيا العظمى والدول الإسلامية حقيقة ذلك الشعور الذي يربطها جميعا. ويقرر أبو العيون، في مقاله المسهب، بأن فرنسا: «هي كذلك دولة إسلامية كبيرة». ويضيف «وفي مصلحة مثلنا الأعلى أن يرجو المسلمون جميعا، في مشارق الأرض ومغاربها، رجاء صادقا بكل قوتهم، انتصارا حاسما ونهائيا لبريطانيا العظمى وفرنسا».

وطبعت على المفكرة أيضاً مقالات طريفة، تصب في مجرى الدعاية لبريطانيا، مثل مقال لجوستاف لوبون يقارن فيه بين ثلاثة من العلماء أحدهم ألماني، وثانيهم بريطاني، وثالثهم فرنسي، طلب منهم أن يكتبوا مقالا في وصف الجمل، وماذا فعلوا لإنجاز المقال.

ويصل إلى نتيجة أن البريطاني وهو «رجل بسيط في طبعه» هو من بزه زميليه، عندما نجح بسفره إلى الصحراء موطن الجمل ليكتب عنه، بعكس الألماني «المتعلم الدقيق» الذي عمد إلى كافة المراجع العلمية التي تحدثت عن الجمل، والفرنسي «الرقيق اللطيف» الذي عمد إلى سحر الخيال، وجمال البيان، ورقة اللفظ، وعذوبة اللحن ليكتب عن الجمل.

وتصف المفكرة في صفحاتها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك ونستون تشرشل بـ «المستر تشرشل قائد الديمقراطية الجريء».

ولا يوجد ما يؤكد إلى أي مدى كان صاحب المفكرة، متأثرا بهذه الجرعة الزائدة جدا من الدعاية. ولكن من المؤكد أن الظروف التي عاشها كانت طاردة، جعلته يهاجر، من العالم العربي إلى غير رجعة. ومن المؤكد، أيضا، بأن الدعايات الفجة المطبوعة على المفكرة والتي تعتبر المواطن قاصراً وساذجا، بقيت ملازمة لسنوات طويلة، الخطاب الرسمي العربي، وما زالت ذيولها موجودة حتى الآن. أما بالنسبة لبريطانيا التي غادرت المنطقة، تاركة وراءها هذا الخطاب، مثل أشياء أخرى كثيرة، فأعادت بناء نفسها بعد الحرب، وآخر ما كانت تحتاجه هو استغباء مواطنيها أو عدم احترام عقولهم.

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issue=10578&article=445528

الاثنين، 12 نوفمبر 2007

لحظات عرفات الاخيرة

يحيي الفلسطينيون، الذكرى الثالثة لرحيل ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، بمهرجانات ضخمة، وسط حالة من الإنقسام الفلسطيني، جعل الكثيرين 










يشعرون بالحنين إلى الزعيم الراحل.
وعلى الرغم من مرور ثلاثة أعوام على رحيل عرفات، إلا أن الغموض ما زال يحيط بسبب وفاته، وظروفها، ولحظاته الأخيرة.
ويعتبر الشيخ تيسير بيوض التميمي، قاضي القضاة في السلطة الفلسطينية، أحد الأشخاص القليلين، أو ربما الشخص الوحيد، الذي كان شاهدًا على أيام عرفات الأخيرة في مشفى (بيرسي) العسكري في إحدى ضواحي باريس، الذي نقل إليه عرفات.
وكان التميمي، قد إستدعي إلى باريس، بعد أيام من نقل عرفات إليها، وهو ما فسر آنذاك، انه مقدمة لإعلان وفاة الزعيم الفلسطيني، الذي كانت تتضارب الأنباء حول حالته الصحية، وبعد وفاة عرفات أشرف التميمي على تغسيله والصلاة عليه وفقًا للتقاليد الإسلامية، وبينما كانت جثة عرفات في طريقها إلى رام الله، عبر القاهرة، كان التميمي قد وصل إلى المقاطعة مقر عرفات في رام الله، في انتظار الجثمان، حيث دفنه بيديه في المقاطعة، وسط حشود جماهيرية كبيرة.
وبسبب هذا الوضع الذي جعل التميمي يقترب أكثر من غيره، في لحظات عرفات الأخيرة، حاورته إيلاف، عن تلك اللحظات في حياة زعيم راحل ما زالت الأسئلة مطروحة بقوة حول رحيله بدون أجوبة، على الرغم من مرور ثلاثة أعوام عليها.



*إيلاف: متى كانت آخر مرة تحدثت فيها مع عرفات؟
-التميمي: التقيته قبل أن يسافر إلى باريس، في يوم 8 رمضان، حيث زرته في المقاطعة، وكان يعاني من الأنفلونزا. جلست إليه وتحدثنا وطلبت إليه أن يفطر بناء على طلب الأطباء، ولكنه رفض وقال لي بعد أن بلغت عمر الخامسة والسبعين، ولم أفطر، تريدون أن أفطر الآن... ورفض الإفطار واستمر صائما، فبينت له الأحاديث والآيات التي تبيح للمريض الإفطار، ولكنه أصر على الاستمرار بالصوم.* أفهم من كلامك أنك شككت بأنّ الرئيس يعاني من شيء أكثر من الأنفلونزا، ولذلك طلبت منه الإفطار؟- التميمي: كان الرئيس مرهقًا، وأنا زرته عندما حضر إليه الطاقم الطبي المصري الذي تولى فحصه، وبناء على طلبهم، طلبت بدوري من الرئيس، الذي كان تعبًا، أن يفطر.

* أفهم من كلامك أنك شككت بأنّ الرئيس يعاني من شيء أكثر من الأنفلونزا، ولذلك طلبت منه الإفطار؟
- التميمي: كان الرئيس مرهقًا، وأنا زرته عندما حضر إليه الطاقم الطبي المصري الذي تولى فحصه، وبناء على طلبهم، طلبت بدوري من الرئيس، الذي كان تعبًا، أن يفطر.



* لماذا لم تسافر معه إلى باريس؟
- التميمي: أنا سافرت إلى دولة الإمارات العربية، ثم إلى القاهرة، وقطعت زيارتي عندما علمت من وسائل الإعلام بأنّ صحة الرئيس تدهورت وعدت إلى رام الله.
* كيف تقرر سفرك إلى باريس والذي فسر حينها أنه للإعلان رسميًا عن وفاته؟
- التميمي: كما تعلم تربطني بالرئيس علاقة وثيقة وطيبة، ووجدت أنه من المناسب أن أكون إلى جانبه. فطلبت الإذن من مجلس الوزراء للسفر، لأكون بجانب الرئيس في الساعات الأخيرة، حيث تم الإعلان أنه يحتضر وأنه يعاني من نزيف في الدماغ، ورأيت أيضا أنه من واجبي، كشخصية إسلامية، أن أكون إلى جانبه في ساعاته الأخيرة.


* ألم تطلب منك أي جهة الذهاب إلى باريس لاعلان وفاته؟
- التميمي: هذا ما نشر في الإعلام الإسرائيلي، الذي عمل على تشويه الحقائق، ولكن الحقيقة أنني ذهبت لأكون بجانبه، وعندما وصلت كان هناك جيش من الصحافيين مرابطين كالعادة على باب المستشفى، وعندما سألوني عمّا ردده الإعلام الإسرائيلي بشأن مجيئي قلت لهم إن الرئيس على قيد الحياة وبينت الحكم الشرعي بالنسبة إلى رفع الأجهزة، ومكثت بجوار الرئيس صباح يوم الأربعاء (10/11/2004) من العاشرة والنصف بتوقيت باريس وطوال اليوم.


* هل كنت بجانبه باستمرار؟
- التميمي: كنت أمكث بجانبه فترات وأخرج ثم أعود. وكان الرئيس حينها على قيد الحياة، لون جسده لم يتغير، وفي أثناء تلاوتي للقرآن، تحرك كتفه عدة مرات. راقبت الأجهزة ورصدت لوحة نبض القلب وكانت 315 نقطة في الدقيقة. وفي ساعات المساء من يوم الأربعاء تحسنت صحة الرئيس.


* هل استيقظ من غيبوبته وشعر بوجودك عندما تحسنت صحته؟
- التميمي: لم يشعر بي ولم يصح من غيبوبته، ولكن كانت كل مظاهر الحياة في جسده، من حرارة وحركة ونبض القلب وغير ذلك.


* عندما تقول تحسن ماذا تعني بالضبط؟
- التميمي: النزيف توقف ونبضات القلب بدأت تنتظم، وكذلك ضغط الدم أخذ ينتظم، حتى أن الأطباء فوجئوا من ذلك.


*ما هو تفسيرك لهذا التحسن ثم الهبوط مرة أخرى؟
- التميمي: هذه صحوة الموت كما هو معروف. إن الله يقبض الإنسان عندما يكون خاليًا من الأمراض.


* بعد صحوة الموت هذه، ماذا حدث؟
- التميمي: بعد ذلك تدهورت صحة الرئيس بشكل مفاجئ وانتقل إلى رحمته تعالى واسلم الروح إلى بارئها.


* متى حدث ذلك بالضبط؟
- التميمي: توفي الرئيس في الساعة الثالثة والنصف بتوقيت باريس، أي في الرابعة والنصف بتوقيت فلسطين.


* هل تأخر إعلان الوفاة رسميًا؟
- التميمي: بعد وفاة الرئيس أبلغنا رام الله، وصدر الإعلان عن القيادة.


* قيل إنك بعد الوفاة خرجت من الباب الخلفي للمستشفى لتجنب الصحافيين؟
- التميمي: بعد الوفاة لم أخرج من المستشفى، بقيت فيه، حتى تم تغسيل الرئيس وتكفينه وتجهيزه، وأشرفت على ذلك بنفسي.


* كل ذلك تم في المستشفى؟
- التميمي: نعم، بعد تغسيل الرئيس وتكفينه صليت عليه، ووضعته في الثلاجة، وبعد الانتهاء من ذلك خرجت بالسيارة أمام الصحافيين.


* هل اشترك معك أحد في الصلاة على الرئيس؟
- التميمي: نعم كان هناك حرس الرئيس ومرافقوه مثل الدكتور يوسف العبد الله وعدد من رجال الدين التونسيين من أئمة مسجد باريس، وهم الذين غسلوا الرئيس وكفنوه تحت إشرافي.


* عندما توفي الرئيس، هل كانت معك السيدة سهى عرفات؟
- التميمي: نعم كانت الأخت سهى موجودة في الغرفة وأيضًا الدكتور رمزي خوري وعدد من حرس الرئيس.


* هل طلب منك أحد أن تخفي شيئا عن صحة عرفات؟
- التميمي: لم يحدث ذلك، بالعكس. أنا خرجت إلى الصحافيين وقلت لهم إن الرئيس على قيد الحياة، وعندما توفي قلت انه مات موتًا طبيعيًا.


* كيف كان لقاؤك مع السيدة سهى وأنت وصلت بعد تصريحاتها التي أغضبت القيادة، واتهامها للقيادة بأنها تريد أن ترث عرفات حيا، حسب تعبيرها؟
- التميمي: أنا شخصيًا عندما دخلت إلى المستشفى، رحبت بي السيدة سهى وشكرتني على حضوري.


* لماذا لم ترافق الجثمان إلى مصر، بعد الوفاة؟
- التميمي: أنا عدت إلى رام الله مباشرة لتجهيز القبر والإشراف على ترتيبات الدفن

.
* ترددت شائعات بأنه لم يتم دفن عرفات يوم الجمعة 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، بل في اليوم التالي كما ألمح البعض، تجنبا للعدد الكبير من الجماهير التي خرجت عن السيطرة، ما هي الحقيقة؟
- التميمي: لقد دفنت الرئيس يوم الجمعة وسط أهله وشعبه، وأريد أن أوضح هنا بشأن اللغط حول أنه تم دفن عرفات في التابوت، وهذا خطأ، لقد دفنته بنفسي، بعد إخراجه من التابوت الذي ما زال موجودًا في المقاطعة لمن يريد أن يتأكد.


* وهل وضعت تراب القدس عليه، كما تردد؟
- التميمي: نعم وضعت تراب القدس في القبر تحت الجثمان ونثرت حفنات من التراب على الجثمان.


* كيف تنظر لفرضية تسميم الرئيس؟
- التميمي: بالنسبة لسبب المرض وتسميم الرئيس أراها قضية طبية، ولا أستطيع أن أفتي بها. وأنا سألت الجنرال الفرنسي المسؤول عن مشفى بيرسي، والأطباء فقالوا لي انهم لم يتمكنوا من معرفة سبب المرض.


* هل تعتقد انهم لم يخفوا شيئا؟
- التميمي: لا أستطيع أن اكذب ولا أستطيع أن اثبت، ولا أستطيع أن اتهم أحدًا بناء على تخمينات، ولكن هذا ما قاله الأطباء. يمكن أن يكونوا صادقين ويمكن أن يكونوا غير ذلك، لا أستطيع أن اجزم بشيء.

* منذ متى تعرف الرئيس عرفات؟
- التميمي: أعرفه منذ فترة طويلة، ولكن عرفته عن قرب منذ أحداث مسجد فلسطين المؤسفة في شهر تشرين أول (أكتوبر) 1994، والتي سقط فيها جرحى وقتلى، وتوطدت علاقتي معه حتى الحصار الذي فرض عليه.


* ماذا كان دورك في أحداث مسجد فلسطين التي اصطدمت بها السلطة مع الحركات المعارضة؟
- التميمي: كان دوري أنني أرسلت نداء مناشدة من الخليل لجميع الأطراف يدعو لضبط النفس والحذر من الأصابع الخفية التي تعمل للمسّ بوحدة الشعب الفلسطيني، وكانت مناشدة باسم كل مؤسسات وفعاليات الخليل، وكان لها أثر فعال في وقف تدهور الأمور في قطاع غزة.

* بعد ذلك هل استدعاك الرئيس؟
- التميمي: بعد ذلك خرجنا بوفد من الخليل إلى غزة والتقينا مع جميع الجهات والأطراف المعنية وساهمنا بوضع حد لحالة الفوضى التي نشأت في أعقاب أحداث مسجد فلسطين. وبعد ذلك طلبني الأخ الرئيس عدة مرات إلى غزة للمساهمة في تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء الشعب الفلسطيني. كان الرئيس ياسر عرفات يحرص على الوحدة الوطنية بين جميع الفصائل الفلسطينية وكان حينما ينشأ خلاف يعمل على تطويقه بالسرعة الممكنة، وكلفني مرات كثيرة للمساهمة في ذلك.


* هل هذا يعني أنك تفتقده كثيرا؟
- التميمي: نعم ربطتني بالرئيس عرفات، صداقة عميقة وعلاقة شخصية. أعتبر رحيله خسارة كبيرة لي وللشعب الفلسطيني وللأمتين العربية والإسلامية.

الأحد، 11 نوفمبر 2007

آثار نابلس الهامة عرضة للإهمال والتدمير

وجه أثري فلسطيني مخضرم اتهامات حادة لدائرة الآثار الفلسطينية في الضفة الغربية، من بينها التقصير في حماية المواقع الأثرية الهامة التي كانت كشفت في مدينة نابلس خلال عقود، وتحول بعضها الآن إلى أماكن تتجمع فيها النفايات.


وأمضى الدكتور إبراهيم الفني، نحو أربعين عاما من عمره في التنقيب الأثرى في مدينة نابلس، وقال خلال جولة مع مراسل مؤسسة فلسطين للثقافة على هذه المواقع "من المؤسف بأن السلطة الفلسطينية ودائرتها الأثرية لم تبذل أي جهد على الأقل لإبقاء المواقع الأثرية كما كانت عليه".


ومن بين هذه المواقع تل بلاطة التاريخي، شرق مدينة نابلس، وهو من أهم المواقع الفلسطينية التي تعود للفترة الكنعانية، وهو أصل مدينة نابلس القديمة المعروفة باسم شكيم.


وتظهر التعديات السكنية على موقع التل، وقال الفني "لقد تم إعطاء رخص بناء على التل، رغم أن ذلك يعتبر مخالفة قانونية".


ولم يعد هناك أي وجود للحارس على الموقع كما سابقا، في حين تم إحداث ثغرات في السياج المحيط بالتل، وتحول قسم منه إلى ملعب للأطفال، وأقسام أخرى يظهر فيها آثار التدمير، بيما تراكمت النفايات في اقسام اخرى.


وقال الفني تعليقا على ذلك "في السابق كنا نستقبل السياح والزوار، الذين كانوا يأتون بالعشرات يوميا من أجل الاطلاع على هذا الأثر الهام، أما الان فإنه مهدد من الإهمال".


ولا تقتصر ما يسميها الفني سياسة الإهمال على ما يتعرض له تل بلاطة، ولكن تشمل أيضا موقعا آخر، هو المقبرة الرومانية في قرية عسكر، التي تم الكشف عنها في عام 1971م.


وتقع المقبرة أسفل سفح جبل عيبال، واعتبرت من قبل الأثريين في العالم كمقبرة كلاسيكية نموذجية تعبر عن العصر الذي تعود إليه وهو القرن الميلادي الثاني، حيث عثر داخلها على توابيت حجرية لشخصيات تمثل مختلف شرائح المجتمع.


وتنمو الآن الشجيرات الطفيلية بين التوابيت التي عثر عليها، ولا يوجد من ينظف النفايات التي تلقى عليها.


ويقول الفني: "أشعر بالحزن عندما أرى وضع هذه المقبرة وتوابيتها المزخرفة، حيث يحكي كل تابوت قصة معينة".


ووضع مقبرة عسكر أفضل حالا بكثير، من مقبرة أخرى هامة تقع وسط مدينة نابلس، أطلق عليها الأثريون لدى اكتشافها اسم (المقبرة الغربية) وهي مكونة من قبور محفورة في الصخور، مع أبواب حجرية، على كل باب نقوش وزخرفات معينة، وفي هذه المقبرة تم العثور على نحو 30 تابوتا، وحاول موشيه ديان، وزير الحرب الصهيوني السابق، سرقة اثنين من هذه التوابيت، ولكن الفني يقول بأنه أحبط محاولة ديان هذه وأجبره على إعادتها إلى الموقع.


ولكن ما تبقى من هذه التوابيت الآن، تعرض للتحطيم، وكذلك تحولت القبور الى مكب للنفايات، وقال الفني: "لا أستطيع النظر إلى هذه المقبرة، ولا أريد أن أصدق بأنها أصبحت على هذا الحال".


وتم إزالة سياج كان موضوعا حول هذه المقبرة، التي زارها في السابق شخصيات مرموقة في علم الآثار من أنحاء مختلفة من العالم، ولكنها الآن تشهد "على انعدام المسؤولية، وعدم وجود أي خطة لدى السلطة للحفاظ ولو بالحد الأدنى على المواقع الأثرية الفلسطينية".


وربما أبشع ما تعرضت له الآثار في نابلس، مضمار سباق الخيل الروماني، وسط المدينة، والمدرج الروماني في حي رأس العين، ولم يعد يظهر من هذين الأثرين البارزين سوى حجارة متناثرة، بعد أن منحت الرخص للبناء فوقهما، وتحولت الآثار الباقية منهما مثل الجزر الصغيرة، بين المباني، المملوءة بالنفايات.


http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoJboMsLB%2b07GXZiVTzL4%2bmkArrPN78%2fvnkaxg%2fNM%2fZzB3aJqgJw1S0GdZcjyW90PzFs00QhyExL9OfIS0vRtuR%2bQVkhLy0Lm0l32Oxs2xE5Q%3d

السبت، 10 نوفمبر 2007

الكباب على الطريقة النابلسية

مدينة نابلس الفلسطينية العريقة التي تقع شمال الضفة الغربية، تضيف شيئا جديدا لما تشتهر به، وهو طريقة شي لحم الخروف.



ويقول أبو علاء عوكل صاحب مطعم مختص بشي لحم الخروف، بأنه يعتقد بأن الشهرة التي يكتسبها محله والتي تجاوزت مدينة نابلس والأراضي الفلسطينية، أمرا طبيعيا في مدينة تشتهر أيضا بالكنافة والصابون، والسكاكر، وغيرها.
ومن المعروف بأن مدينة نابلس، وهي أكبر المدن الفلسطينية الآن في الضفة الغربية، ويطلق عليها جبل النار، هي أول من قدم للعالم "الكنافة النابلسية"، وربما أيضا "الصابون النابلسي" المصنوع من زيت الزيتون، والذي يصنع حتى الآن بالطريقة التقليدية.

وتحافظ مدينة نابلس، على كثير من التقاليد المعروفة في المدن الشامية، ويطلق عليها البعض "دمشق الصغرى"، وكثير من عائلاتها تعود أصولها إلى بعض هذه المدن مثل بيروت، وطرابلس، وحلب، وغيرها.


ويقع محل أبو علاء وسط مدينة نابلس، في ميدان الشهداء، بمحاذاة البلدة القديمة التاريخية، التي تنتشر فيها الملصقات، والشواهد الحجرية التي تؤرخ لسقوط عشرات من ناشطي المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، فتبدو المدينة وكأنها في حالة حزن دائم.


وبدأ أبو العلاء عمله في شي لحم الخروف، قبل أكثر من 47 عاما على منقل متحرك في الميدان، ولكن إقبال الناس عليه وشغفهم بطريقته في شي اللحوم، التي جعلتهم يرغبون حتى بالقليل من الشحوم التي يحمرها على النار بعناية، أدى به لأن يكون صاحب محل في الميدان، هو الأشهر فلسطينيا في مجاله.


ويساعد أبو العلاء الذي يقترب من السبعين عاما، اثنان من أبنائه، يحافظان مع أبيهما على ما يعتبر تقاليد المحل.


وما أن يجلس الزبون على إحدى الطاولات، حتى يسارع أحدهم لوضع كأس من اللبن الرائب أمامه، المحضر تقليديا، انتظارا لوصول اللحوم المشوية.


ويظهر الأب وولداه مهارة فائقة في تقطيع اللحوم يدويا، لإعداد الكباب، دون استخدام الأدوات الآلية، أو قطعا صغيرة لاعداد وجبة من (الشقف)، ويقدم مع اللحوم واللبن الرائب، صحن مخللات تقليدية.


ويرى أبو علاء، بأن شهرة محله أساسها، التزامه الصارم بتقديم لحوم ممتازة، بدون أي غش، وخبرته في شيها على النار، بينما يعيد آخرون شهرة مشاوي أبو علاء إلى نوعية البهارات التي يضعها على اللحوم بالإضافة إلى نزاهته واستقامته.


وفي حين أن النابلسيين يتجنبون محلات بيع الكنافة في ساعات الصباح، لأنها عادة ما تعد نوعية من الكنافة ليس هي الأجود والمخصصة للقرويين زوار المدينة الصباحيين، فيقصدونها بعد الظهر، فإنهم بإمكانهم الذهاب إلى محل أبو علاء، مصطحبين ضيوفهم، في أي وقت، لأنه لا يحيد عن طريقة شيه للحوم أو يغير نوعيتها.


ويرتبط أبو علاء وولداه بعلاقات حميمة مع زبائن المحل، وكثير منهم من رجال الأعمال والصحافيين الأجانب الذين يغطون الأحداث في مدينة نابلس، والجميع يدفع نفس السعر، لنفس نوعية الوجبات، الذي يعتبر مناسبا لمختلف الطبقات.


ويمتاز مطعم أبو علاء ببساطته، في كل شيء، من المكان الموجود به، الذي يقع أسفل إحدى العمارات وينزل إليه بدرج، إلى الكراسي والطاولات، ويخلو من الرتوش والكماليات في المطاعم الفخمة كلوائح الطعام والأسعار، وعادة ما يكون كل زبون يدخل المطعم يعرف ماذا يريد، وفي كثير من الأحيان، ما أن يجلس مكانه، وبدون أن يحدد طلبه، يكون أبو العلاء قد وضع الطلب على النار، لأنه يعرف ما يحب وماذا يريد الزبائن، وكيف يرغبون أن تكون وجبتهم من اللحوم المشوية.


ويعتبر كثيرون من زبائن المحل بأن وجبة المشاوي لدى أبو علاء ليست "ثقيلة" أبدا على المعدة، ولذلك فإنه يوجد زبائن شبه يوميين للمحل.


وبالإضافة إلى اللحوم المشوية، فإن قطع البصل والبندورة المشوية، حاضرة في الوجبات التي يعدها أبو علاء، وكذلك الكلاوي والكبدة المشوية، والخبز الدائري المميز، الذي يسخنه أيضا على النار بناء على طلب الزبائن، بالإضافة إلى المياه المثلجة، غير المعدنية، التي يقدمها في أواني وزجاجات بلاستيكية.


ومنذ عام 1995، يكاد أن يكون برنامج أبو العلاء لا يختلف، حيث يتم ذبح الخروف في السادسة صباحا، ويتم سلخه وتنظيفه، وتحضيره للزبائن، الذين يبدؤون في التقاطر إلى المحل في الساعة السادسة صباحا، حتى ينتهي لحم الخروف، فيتم إغلاق المحل، انتظارا لصباح جديد، وخروف آخر، إلا أن هذا البرنامج أصبح يتغير، مع التوغلات الصهيونية الدائمة في مدينة نابلس، التي يتحداها أبو علاء عوكل، بصموده في محله.


http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoI6pIa9DnK4Z1FrXV0lwJNScRZiQSgeqS6zVe0gKOHAhXI7Vuzs0wOE5lEsE4N8vn0KtlpbKzI4%2f37mBtLYwQxuHr8K2n43s913cv4BthtdY%3d



الجمعة، 9 نوفمبر 2007

نقش إسلامي في دير الأرمن

يشكّل الأرمن الفلسطينيون في مدينة القدس جزءاً مهماً من نسيج المجتمع الفلسطيني في المدينة المقدسة، ومن بينهم برز سياسيون ومفكرون وأكاديميون أسهموا في الحركة الثقافية الفلسطينية. وينقسم الأرمن في فلسطين إلى قسمين، الأول الموجود فيها منذ قرون، وهؤلاء يطلق عليهم "أولاد البلد"، وجميعهم تعربوا، وتحمل عائلاتهم أسماء عربية، أما القسم الثاني فهم من لجؤوا إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى.وأكبر تجمع للأرمن في القدس، هو الحي الذي يحمل اسمهم، ويضم خصوصاً دير مار يعقوب، الذي يشكل سدس مساحة البلدة القديمة، ويضم الدير داخل هذه المساحة التي تصل إلى 300 فداناً، عدة مؤسسات، دنيوية ودينية، من بينها أضخم ثاني مكتبة أرمنية للمخطوطات في العالم، وأقدم مطبعة في القدس التي تعود إلى عام 1833م.وعندما فتح الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) مدينة القدس سلماً، ونظم حقوق الطوائف فيها، أعطى بطريرك الأرمن آنذاك أبراهام مرسوماً، عدد حقوق وامتيازات الكنيسة الأرمنية في الأراضي المقدسة "حرصا على حمايتها وسلامتها" كما يذكر الأرمن باعتزاز في النشرات التي توزع على زوار دير الأرمن.وهناك من الشواهد التاريخية، ما يشير، إلى التزام الحكام المسلمين أو نوابهم في القدس، بـ "المرسوم العمري"، كما يتضح من نقش مملوكي فريد ما زال موجودا وبحالة جيدة.ويوجد هذا النقش، مقابل باب دير مار يعقوب من الداخل، يحجبه منشاة صغيرة حديثة وضعت أمامه، وهو عبارة عن مرسوم صدر من السلطان الملك الظاهر ابي سعيد محمد، ويعود لعام 854هـ (1488م).ونص النقش الذي يؤكد على حقوق الأرمن في القدس كما يلي "برز مرسوم مولانا السلطان الملك الظاهر أبو سعيد محمد جقمق عز نصره بإبطال ما أحدثه أبو الخير ابن النحاس من ضمان دير الأرمن مار يعقوب بالقدس الشريف عاماً ردة سيف الدين المقر الشرفي الأنصاري وسأل في إبطال ذلك لتسطيره في الصحايف الشريفة بتاريخ أربع وخمسين وثمانمائة من الهجرة الشريفة ملعون ابن ملعون وعليه لعنة الله تعالى من أحدث ضماناً أو جدّد مظلمة".وبعد كل هذه القرون، ما زال النقش المملوكي، موجوداً في إحدى زوايا مدينة القدس، كأحد التفاصيل في ملحمة مدينة كل حجر فيها ينبض بالتاريخ والحياة.http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoM4%2fKbf%2bnfRvhvDoM0aqJ16eIoDe5KMC%2bedtDbdGYlc9HvFEQFox0YSdsOoX2leNiJ5B3u9QYFmCm9KBmOsiMSWAzYkD9ZMjAxWHF5RNKCpI%3d

الأربعاء، 7 نوفمبر 2007

لغة الأسرى اليومية في السجون الإسرائيلية

انضم اخيرا إلى القائمة التي يطلق عليها الأسرى الفلسطينيون والعرب في سجون الاحتلال اسم «شهداء الحركة الأسيرة»، شابا جديدا، هو محمد الأشقر، الذي قال زملاؤه في سجن النقب، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي الخاصة أعدمته وهو مكبل اليدين، بعد اقتحامها للسجن، بينما أصيب نحو 250 من زملائه بجروح. وأعادت وفاة الأشقر، للشارع الفلسطيني، بعضاً من حيويته التي يفتقدها، فتحرك نصرة للأسرى في السجون الإسرائيلية، والتي كانت طوال سنوات المكان الذي «تخرج» منه عشرات من الشعراء، والكتاب، والصحافيين، والمترجمين. ويوجد الآن نحو 11 ألف أسير في السجون الإسرائيلية، وهو عدد كبير جدا قياساً إلى عدد سكان الضفة والقطاع الذي يقل عن 3 ملايين نسمة. ولا يمكن الزعم، لأسباب كثيرة، بأن الحركة الأسيرة في السجون الإسرائيلية، ما زالت تلعب نفس الدور الثقافي الذي لعبته في السابق، وباقتدار عجيب، بعد أن اثر عليها، ما يصفه البعض، بالتشويهات العميقة التي أصابت الجسم الفلسطيني بعد اتفاق أوسلو. ومثلما تشكل أي مجموعة مهنية أو اجتماعية لغتها الخاصة وتبتكر ألفاظها، التي تفتن علماء اللغة بدلالاتها ورموزها، حدث الشيء نفسه بالنسبة للأسرى في السجون الإسرائيلية. وخلال 40 عاما من تجربة الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، طوّر هؤلاء مفردات خاصة بهم يتم تداولها بشكل كبير داخل السجون حتى أصبحت لغتهم الخاصة بهم. ويقول الباحث عيسى قراقع «واقع الأسرى يمثل حالة اجتماعية وسياسية فريدة، أفرزت منظومة من التعبيرات والمفردات التي اكتسبت خصوصية ذلك الواقع الصعب والمعقد». * الإكس ورصد قراقع، وهو نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، مقرر للجنة الأسرى فيه، هذه المفردات وتحدث لـ «الشرق الأوسط»، عن أبرزها، ومن بينها مثلا «الافرادة». وهي كلمة عبرية تعني الفصل أو العزل الانفرادي، وهي تطلق على «الاكس» التي يوضع فيها الأسير المعزول. ولكن ما هي «الإكس» هذه؟ يقول قراقع الذي أمضى عدة سنوات في السجون: «الاكس» مفردة تطلق على الزنزانة الصغيرة التي يوضع فيها الأسير، اما للعقاب أو التحقيق. وهي صغيرة الحجم ولا تتسع لأكثر من أسير، وتخلو «الاكس» من مرحاض، ويوضع فيها أحيانا تنكة لقضاء الحاجة، وبعض «الاكسات» وخاصة التي تستخدم للتحقيق يوجد فيها مرابط حديدية لتقييد أيدي وأرجل الأسير». ويميز الأسرى بين «الاكس» و«الزنزانة». فالثانية كما يصفها قراقع «حجيرة صغيرة مظلمة وقذرة، تنبعث منها رائحة كريهة وترتفع فيها الرطوبة، وتمتاز بالبرد الشديد شتاء والحر الشديد صيفا، جدرانها صماء. وقد تحتوي على نافذة صغيرة جدا تسمح بنور ضعيف، وقد تكون مظلمة تماما. ولا تحتوي الزنزانة على أي نوع من المرافق، فلا ماء فيها ولا مرحاض، وباب الزنزانة مكون من الحديد المصفح ومغلق بقفل كبير». وقد يجد الأسير في الزنزانة برشا، والمستخدم أيضا في غرف السجن، و«البرش» تعبير كثير الاستخدام لدى الأسرى وهو «لفظة تطلق على الفرشة التي تعطى للأسير بقصد استخدامها للنوم، وهي في العادة عبارة عن قطعة إسفنج مغطاة بثوب من القماش الرقيق». * وما أدراك ما «الشبح» ولكن قبل أن يحصل الأسير على البرش «ويتمتع بدفئه»، فانه يمر في ظروف صعبة من التعذيب، ومن اشهرها ما يطلق عليه الأسرى «الشبح». وهو كما يقول قراقع «عبارة عن تقييد يدي المعتقل بماسورة أو مربط في حائط بحيث يبقى المعتقل واقفا ولا يستطيع حراكا سوى نقل ثقل جسده من رجل إلى أخرى. فالأسير لا يستطيع تحريك يديه ولا يستطيع النوم أو الذهاب إلى الحمام أو الجلوس، ويوضع على رأسه كيس خيش قذر، رائحته نتنة، وأحيانا يوضع كيس إضافي، ولا يوجد وقت محدد لمدة الشبح، وتعتمد على تقدير رجل المخابرات الذي يحقق مع المعتقل». ويشير قراقع إلى نوع آخر من الشبح الذي يتم «بتقييد أيدي الأسير على كرسي من الخلف وأيضا تقييد رجليه وتغطية رأسه». وينتشر لفظ بين الأسرى هو «العروم». وهي كلمة عبرية تطلق على تفتيش الأسير وهو عار أو شبه عار من الملابس ويعتبره الأسرى من أبشع أنواع التفتيش لما فيه من امتهان لكرامتهم. وعندما يخوض الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام، تظهر مفردات خاصة اشهرها «الزوندة». وهو يطلق كما يقول قراقع «على أنبوب التغذية الصناعية المطاطي الذي من خلاله يتم إدخال الغذاء السائل من حليب أو غيره إلى المعدة مباشرة ودون المرور بالفم». ويتم استخدام هذا الأسلوب بعد أن تمضي على إضراب الأسرى أسابيع، والخطورة فيه أن الممرض أو الطبيب الذي يشرف على إدخال الأنبوب أو يدخله بنفسه، يتعمد عندما يخرجه جرح المعدة وإيذاء الأسير. وتتم العملية بينما الأسير يقاوم ويرفض لأنه مصر على الإضراب. وسقط عدد من الأسرى في أثناء هذه العملية، قتلى، واصبحوا رموزا للحركة الأسيرة. * كل شيء تمام يتعرض الأسرى الذين انتهى التحقيق معهم، ووضعوا في غرف إلى إجراءات يومية روتينية من بينها «التمام» أو «العدد». ويقول قراقع علي «وهو الإجراء اليومي الذي تقوم به مجموعة من ضباط وحراس السجن، لإحصاء الأسرى بعدهم فردا فردا. ويتراوح عدد المرات لهذه العملية بين 3-5 مرات يوميا تبعا لنوع المنشاة أو السجن أو معسكر الاعتقال». وعندما يبدأ العدد يقف الأسرى صامتين ودون إبداء أي حركة. ويتم عقاب أي منهم بالعزل في «الاكس» إذا تحرك أو ابتسم أو أتى بأية حركة. وهناك نوع آخر من العدد يطلق عليه الأسرى لفظ «التشخيص» ويتم ذلك «بالتدقيق في صورة كل أسير موجودة في بطاقة خاصة لدى شرطة السجن للتأكد من شخصيته. ويجري التشخيص بإلزام الأسرى الوقوف داخل غرفهم أو زنازينهم أو خيامهم. وتحمل البطاقة إضافة إلى الصورة واسم الأسير، اسم التنظيم الذي ينتمي إليه، وإشارات معينة مثل (سجين خطير) أو (محاولة هرب) أو (مرض عقلي). ويتم التشخيص في ساعات المساء وقبل إجراء العدد المسائي». وهناك إجراء مشابه هو «الجرد» ويتم سنويا، حيث توزع إدارة السجن طواقم من رجال الشرطة على أقسام السجن مزودين بملفات إحصاء لكل حاجيات الأسير ولوازمه التي تسلمها من إدارة السجن، وتسجيلها باسمه في ملفه الخاص، ويتم مصادرة أية ملابس أو إغراض زائدة. * عصافير الانفلاش عادة ما يكون الأسرى يقظين لأي اختراق لمجتمعهم من إدارة السجن أو المخابرات، ويتخذون إجراءات أمنية للحيلولة دون ذلك. فيطلقون على العملاء اسم «العصافير»، وعلى من يصبح عميلا «عصفر» أي اصبح «عصفورا». ومنذ سنوات تضع إدارة السجون الإسرائيلية هؤلاء العملاء في غرف خاصة بهم، تحت إشراف المخابرات التي تستخدمهم لإجبار الأسرى على الإدلاء باعترافات. يقول قراقع: «ان غرفة العصافير» هي عبارة عن «غرفة مخصصة للمتعاونين مع الاحتلال، وتكون منفصلة عن سائر غرف المعتقلين في السجن. ولا يسمح للعملاء بالاختلاط بسائر الأسرى أو رؤيتهم، فهم لهم وضعهم الخاص والمنفصل». أما لماذا اختير لفظ عصفور لإطلاقه على العميل؟ يجيب قراقع «يطلق اللفظ على الأسير العميل الذي يكتشف أمره داخل السجن، فيهرب إلى الإدارة كالعصفور الهارب، ويوضع في غرفة العصافير». وعادة ما يتم الهروب عندما يتم «التمام» أو «العدد». فعندما يدخل ضباط السجن لإحصاء الأسرى يفر إليهم الأسير العميل الذي كشفه زملاؤه. ومجتمع الأسرى ليس حساسا فقط اتجاه العملاء، ولكن لأي أسير يبدو عليه انه لا يطبق القواعد التي تعارفوا عليها بينهم، وتتضمن إلزام الأسير بسلوكيات وأخلاقيات معينة، تتناسب مع ما يعتبرها الأسرى، الصفات النضالية الواجب توافرها في الأسير السياسي. ويطلق على الأسرى، الذين لا يلتزمون بتلك القواعد، التي ترسخت، على مدى سنوات وصف «المنفلشين». وهي مشتقة من لفظة الانفلاش. ويشرح قراقع: «الانفلاش تعبير لوصف حالة أو سلوك أسير، يتحلل من التزامات الواقع الجماعي المنظم أو الإطار التنظيمي، ويتصرف وفق أهوائه وميوله الشخصية بعيدا عن روح الجماعة والانضباط بأصول الحياة الجماعية في السجن». * كبسولات وتعاميم ويتخذ الأسرى سلسلة من الإجراءات تنظم حياتهم الجماعية ومن بينها «الجلسة». وهي «تقليد أصيل لدى الأسرى، حيث يجتمعون على شكل حلقات صغيرة داخل الغرف أو الزنازين، لمناقشة مواضيع ثقافية أو سياسية أو حتى أمور داخلية. وهي أشبه بالحصة المدرسية أو المحاضرة الجماعية. وهناك جلسات خاصة لكل تنظيم وجلسات مشتركة، وتمتاز بالالتزام والدقة في مواعيد عقدها». ويستخدم الأسرى أساليب إعلامية للتواصل فيما بينهم. وهناك لفظ يستخدم بكثرة في هذا المجال هو «التعميم». وهو كما يقول قراقع «موقف أو مادة تنظيمية أو سياسية أو ثقافية أو إدارية أو مالية يتم كتابتها في ورقة وتمريرها على غرف المعتقلين كافة، وتحمل اسم التنظيم أو الإطار الذي تنطق باسمه. وهو يمثل ابزر وسائل الاتصال بين قيادة الأسرى وقواعدهم في السجن». ويستخدم الأسرى «الفورة» لتمرير التعاميم. ولكن ما هي هذه «الفورة» التي تعتبر من اكثر الكلمات استخداما في السجون؟ الفورة ببساطة، هو لفظ يطلق على المدة الزمنية التي يسمح بها للأسير بالخروج إلى ساحة السجن للتريض. وعادة ما تكون ساحة صغيرة، والفترة التي يسمح للأسرى بالخروج إليها قصيرة. وعن اصل كلمة الفورة، يقول قراقع: «ان كلمة فورة مشتقة من فار فوارا وفورانا، أي يتحرك الأسير بقصد النشاط والحركة بشكل دائري وفي الغالب من اليمين إلى اليسار». ولأنه عادة ما تكون الساحة صغيرة، فلا يكون هناك مجال للأسير إلا الدوران فيها وكأنه يدور حول نفسه. وهناك أسلوب شائع ومعروف للتواصل بين الأسرى في أقسام السجن المختلفة ومع السجون الأخرى ومع الخارج أيضا. ورغم انه معروف، إلا أن سلطات السجن والمخابرات لم تستطع وضع حد له ويسمى «الكبسولة». وهو لفظ مشتق من الكلمة الإنجليزية (capsule) أي الوعاء البلاستيكي الذي يوضع فيه الدواء ويكون رقيقا ومحكم الإغلاق، ولا يتم هضمه إلا في المعدة، ويصعب فتحه. أما كبسولات الأسرى فهي «أوعية من النايلون الملفوفة جيدا، تغطى بها مادة مكتوبة، والتي عادة ما تكون على ورق شفاف وبخط صغير جدا، ويتم إغلاقها بالتسخين على لهب قداحة. ويتم وضع عنوان المادة المكتوبة على ظهر الكبسولة وتستخدم لنقل المادة المكتوبة من سجن لآخر عبر أسير من هذا السجن إلى ذاك. فيبلع السجين الكبسولة وتدخل معدته، ويخرجها عندما يقضي حاجته، والأمر نفسه مع أسير يتم الإفراج عنه، فيبلع كبسولة هو الآخر». وتلعب الكبسولات دورا مهما، للتواصل ونقل المعلومات بين الأسرى داخل السجون، ومع تنظيماتهم وقياداتهم في الخارج. ويتم نقل الأسير من سجن لآخر بواسطة «البوسطة»، وهي «سيارة نقل الأسرى التابعة لإدارة السجون. وغالبا ما تكون عبارة عن مركبة كبيرة، لا يوجد فيها سوى فتحات صغيرة جدا. وتشبه المركبة خزانا مغلقا لنقل الأسرى، الذين يتحملون أبشع أنواع الإذلال والعقاب والضرر الصحي، حيث تكون مملوءة بالأوساخ وتنبعث منها الروائح الكريهة. وهناك مركبات صغيرة تسمى «الترانزيت» تستخدم في حالات خاصة لنقل عدد من الأسرى. ويشرف على البوسطة شرطة خاصة تسمى «فرقة البوسطة» يمتازون بمعاملتهم الفظة للأسرى المنقولين». ولا يمكن أن يقدر بؤس وقسوة تلك المعاملة إلا الذي جربها.http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&article=444551&issue=10571

الأحد، 4 نوفمبر 2007

مقبرة فريدة في قرية عسكر

تقع قرية عسكر شمال شرق تل بلاطة، على السفوح الجنوبية الشرقية لجبل (عيبال) الشهير في نابلس ويكاد لا يعرف أحد أن في هذه القرية كنز أثري يقع على سفح عيبال.



الدكتور إبراهيم الفني، شارك في الكشف عن هذا الأثر الثري، وكان ذلك في عام 1971م، وبعد كل هذه السنوات الطويلة، عاد الفني برفقة مراسلنا إلى مكان الكشف، ليتحدث عن ما جرى في ذلك العام.
يقول الفني: "في عام 1971م، قامت بلدية نابلس بأعمال الحفر في المنطقة من أجل مد خط مياه الباذان، واستدعتني البلدية فور اكتشافهم القواعد الصخرية الأمامية لهذا الموقع، الذي لا يبعد أكثر من مائة متر عن بيوت القرية".

وكما يحدث في مثل هذه الحالات، تم إجراء تعديلات على خط الماء، من أجل الكشف عن هذا الموقع، وسط خلاف بين الأثريين فالبعض منهم قال، بأنه حديقة، معتمدا في تحليله على وجود أعمدة من النوع ( الدوري) تم الكشف عنها، بينما آخرون قدموا احتمالات أخرى.


وتوالت المفاجآت، بعد الكشف عن الأعمدة، فبعد تنظيف القواعد والمنطقة المحيطة بها، عثر الفريق الذي يقوده الفني على طبقة من الفسيفساء البيضاء وعلى بوابة حجرية، وفي وسط البوابة توجد حلقة برونزية، وسلاسل تستعمل لإغلاق الباب، وعندها أدرك الجميع أنهم أمام كشف أثري هام، واستطاع الفني أن يحدس عن ماهية هذا الكشف.


 مقبرة نارية


يقول إبراهيم الفني: "بعد أن كشفنا عن هذا الباب الحجري، أدركت أننا أمام مقبرة أثرية، تتضمن غرفة محفورة بسفح الجبل بقي من جدارها المرتفع خمسة أمتار نحو مترين عن سطح الأرض، واجهة المقبرة الضخمة باتجاه الجنوب عرضها ستة أمتار، وجدنا قواعد حجرية مربعة ملتصقة بجدار الواجهة، وهي مصنوعة من صخر ناري ومنحوتة جيدا، وعلى الناحية الشرقية وجدنا قاعدتين وجدار عليها بقايا عمودين، أما الجهة الغربية، فتم تدمير جزء منها عندما تم حفر القناة، وقواعدها سلبت من مكانها، وأمام الباب، عثر على قطعة مرصوفة بالفسيفساء البيضاء".



الفني الذي ما زال مبهورا بالكشف، حتى بعد كل هذه السنوات من الحفريات في قرية عسكر، يتحدث بحماس عن هذه المقبرة وعن "التقنية" التي بنيت بها.
يقول الفني: "وجدنا الجدار الشمالي ما زال واقفا على امتداد الصخر، الفراغ الموجود بين الجدار والصخر عبئ بحجارة صغيرة وطين، ومن القسم العلوي من الجدران، بقيت فقط القصارة السميكة التي غطتها من الخارج، وتوجد قناة من الماء تحيط بالبناء من ثلاث جهات، وهذه القناة موازية للجدران حتى تمنع الماء من الدخول إلى القبر، وحتى توصل مياه الأمطار إلى بئر الماء الذي وجد في الجهة الشرقية الموجودة في الساحة الأمامية".

ثلاثة أقواس


كان الأثريون يجولون في المقبرة، مبهورين، بدهشة من الاكتشاف الجديد خصوصا، وأن موجودات الاكتشاف تتوالى بسرعة، وفي كل لحظة يجدون شيئا جديدا في المقبرة.


يقول الفني: "وجدنا بقايا ثلاثة أقواس، تتألف منها القبة، القوس المركزي والقوس الغربي، وجد في مركزهما حجر مثلث، واجهته الداخلية مقصورة، وهذا الحجر مهم لأنه يمنح البناء شكل القبة، وبالقوس المركزي الموجود مقابل الفتحة، وجدنا تابوتا على شكل تخت، وجوانبه وزواياه حفرت بأشكال هندسية معينة، الغطاء مصنوع من لوح حجري دقيق، نقشت عليه خطوط أفقية متقاطعة، الناحية الأمامية منحوتة بشكل باقة ورد، ورمزها هركانيوس الذي يمثل حيات متقابلة بشكل زاوية".


*ما هو رمز هركانيوس؟


يجيب الفني: "هو حماية الروح من الشر، وتقوم على أسطورة (موزدا) وملخصها: إذا أردت أن تحمي روحا من الشر فيجب أن توجد شرا مثله ليقتله".



ويكمل واصفا لمحتويات المقبرة: "من جهتي أكاليل الورد، وجدت كتابة يونانية، أما في القوس الغربي فقد وجدنا تابوتا آخر مزين بأقواس ومربعات في جهته الأمامية، ويوجد على التابوت، كتابة يونانية، وفي القوس الشرقي وجدنا تابوتا بدون أي كتابة، وفي الجدار الشرقي لهذا القوس وجدنا فتحة صغيرة تؤدي إلى قوس محفور بالصخر، وبناء على العظام الكثيرة التي وجدت في هذا القوس، نعتقد أنه استخدم كمدفن مرة ثانية.

أغنياء وفقراء


في معظم دول العالم، لا يختلف الناس في أسلوب حياتهم كأغنياء وفقراء فقط، بل أحيانا في تصورهم لشكل حيواتهم الأخرى، فتختلف قبورهم، فهناك قبور..، وهناك أيضا قبور أخرى مختلفة.
في أرضية المقبرة توجد سبعة توابيت، قسم منها فخم، والقسم الآخر بسيط، وتساوت القبور، بعد كل هذه القرون، في أغطيتها التي كانت جميعها مكسرة، كما يقول الفني، ويضيف: "الرسوم على واجهات التوابيت مصنوعة بإتقان، ولفت انتباهي بشكل خاص ذلك التابوت الذي زين برسمة راس العجل، أما الرسوم الباقية فهي للنباتات مثل الورود والجذور وأوراق الشجر، ووجدنا على التابوت التخت سطرين من الكتابة اليونانية تعود لزوج وزوجته".

*من هما؟.


يجيب الفني: "السطر الأول يحمل اسم ارخلاديس الاسكندر سنسيوس، والسطر الثاني: يوستا بن بوستيوس يوسيوس، وهذه الكتابة تغطي واجهة التابوت الأمامية، وتأتي مباشرة بعد رسم الحيات التي تحدثنا عنها".


بعد كل هذه الموجودات في المقبرة، تأكد للفني بأنها مقبرة مبنية على النمط الكلاسيكي الروماني، تضم نماذج مختلفة من التوابيت.


كاس الفلاح


الأقسام المعمارية التي اكتشفت داخل الحفرية تضمن جملونات فخمة، والأدوات الفخارية والزجاجية التي اكتشفت داخل المقبرة والكتابات تعود إلى العصر الروماني، والموجودات الأثرية والنقوش التي تزين التوابيت، جعلت الفني، يحدد تاريخ هذه المقبرة الهامة.


يقول الفني: "الموجودات الأثرية تعود إلى القرن الميلادي الثاني، ونمط التوابيت هذا لم يظهر بشكل واسع في المقابر إلا في القرن الثاني الميلادي، ففي القرن الأول الميلادي نجد أن الدفن كان في مقابر منحوتة والقبور عبارة عن أكواخ صخرية، وفي مدينة نابلس كانت هناك مدرسة لصناعة التوابيت، بمواصفات خاصة".


ويكمل الفني: "حتى الرسومات التي وجدت على القبور تعني الكثير، فمثلا وجدنا رسما لشجرة الكرمة تغطي الواجهة الخاصة بالتابوت مع عنقود كبير وبالقرب من العنقود يوجد كاس، وهذا يرمز إلى الفلاح الذي يزرع الكرمة، ثم يقدمها إلى ضيوفه على شكل شراب".


*هل هذه الرسومات تحمل دلالات معينة على طبيعة المعيشة في تلك الفترة؟


يجيب الفني: "هذه التوابيت لشريحة من المجتمع الروماني، ولنأخذ مثلا، فالتابوت الذي تظهر عليه صورة راس العجل، نجد أن الإكليل موضوعا فوق راس العجل وليس أسفله، وهذا يعني أن هذا القائد كان منتصرا".


ويعتقد الفني، أن من شأن دراسة عملية شاملة لهذه المقبرة، والمقابر الأخرى التي وجدت في نابلس، من شأنها، أن تقدم فرضيات هامة عن مجتمع هذه المدينة، في تلك الفترة.


وعلى الأرجح فإن لا أحد يفكر في تنفيذ مثل هذه الدراسة الآن، وقد لا يكون ذلك مهما بشكل آني، ولكن ما يهم هو إنقاذ هذه المقبرة الفريدة، المعرضة للإهمال والتدمير.


http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFo6jTSEMonXRYjA32PMwfEb0giY2iNHfssVYyv854rCgQ%2bcsgKpgnfocOQM0jPXgqK0GMlu5sS4s3hEgUcF3yEOAXEVGOAbb7pRpinDYvGz%2f0%3d