أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 28 ديسمبر 2020

"مواضيع ليست متوفرة في سوقنا"


 


دوروثي أوبير، مديرة دار نشر "بيلفيل إيديشنز" التي أصدرت الترجمة الفرنسية لرواية مجانين بيت لحم:

"هذا الكتاب كان محط اهتمامنا قبل أن نعلم بفوزه. المواضيع التي يطرحها أسامة العيسة ليست متوفرة في سوقنا، لذا نشعر بأنه من الضروري توفير مثل هذه الكتب للقرّاء، كما إننا نحب طريقة الكاتب في صياغة الأحداث، وأسلوبه الذكي في طرح المواضيع المختلفة"

الأحد، 27 ديسمبر 2020

الكنيسة المفقودة..!


 


حتّى في ظل كورونا، يمكن للقدس، أن تتكلم، وتفصح عن جزء من جوانيتها.

على سفح جبل الزيتون وبجوار كنيسة الجثمانية الحديثة، التي تعرضت لاعتداءات مؤخرًا، عثر في حفريات انقاذية على بقايا كنيسة بيزنطية عمرها 1500 سنة، لم تخبرنا المدونات عنها.

يكشف الفحص الأثري بأنَّ الكنيسة استمرت في تقديم خدماتها في العهود الاسلامية الاولى في القدس، ودمرت، على الأغلب مع بداية السيطرة الأيوبية على المدينة.

حكاية الكنيسة المفقودة هذه، يمكن أن تعتبر نموذجًا، على تعامل الحكّام الذين توالوا على فلسطين، مع الأماكن المقدسة، وقدرة ناس البلاد، على نجاحهم أحيانًا، في الحفاظ عليها.

استمرار وجود الكنيسة، في العهود الأموية، والعباسية، والسلجوقية، والفاطمية، يشير إلى قبول مجتمع القدس المتعدد للاختلاف، وإيجاد أساليب لحل الإشكالات الناتجة عن الفروقات الدينية.

مع دحر صلاح الدين للصليبيين، سيتغير طابع القدس الديموغرافي، فبعد التطهير العرقي الذي مارسه الصليبيون، لم يعد هناك أي وجود، لليهود، وللمسلمين في المدينة، وبشكل أقل للمسيحيين الشرقيين.

بعد أقل من قرن، على الانتصار الصليبي، سينتصر صلاح الدين، وسيتراجع عدد المسيحيين في المدينة، بشكل حاد، والموقف من وجود الكنائس (كنيسة القيامة مثلاً)، سيكون مجالاً للنقاش، يمكن تتبعه في كتاب العماد الأصفهاني، مؤرخ تلك المرحلة، المقرب من صلاح الدين.

الاعتقاد الأولي، أن الكنيسة المفقودة، ربّما دمرت، كما حدث لكنائس جبل الزيتون، في بداية الحكم الأيوبي، واستمرت في غياهب النسيان، رغم إنها أقيمت تخليدًا لذكرى، اعتقال السيد المسيح في بستان الجثمانية. واستخدمت حجارتها، كما غيرها مما دمر في ترميم سور المدينة.

الإبقاء على المعالم الدينية، أو هدمها، واستخدامها في ورشات التدوير الضخمة في القدس، هو ما أصبح عاديًا، في تاريخ المدينة الطويل، وهو ما يحدث الآن.

يمكن لسلطة الآثار الاحتلالية، أن تروج للاكتشاف الجديد، التي نفذت الحفريات فيه بالتعاون مع المعهد الفرنسسكاني للآثار وفي الوقت ذاته تتعرض كنيسة الجثمانية لاعتداء من متطرف احتلالي، وعلى بعد أمتار يمكن رؤية العصف الاحتلالي في الموقع، بما يناسب رؤية احتلالية، تقدم عبر المسارات، والكتيبات، وروايات حول معالم أخرى.

القدس ضحية الاستخدام المفرط للدين في السياسة، من قبل الحكّام، الذين استخدموا الدين، لتقوية سيطرتهم على المدينة، والمؤسف، أن الأمر لن يتغيّر في هذا القرن أيضًا، ستنز الدماء، وتهدم المعالم.

الخميس، 24 ديسمبر 2020

إعادة اكتشاف بشارة دوماني


 

سعدت باستضافة القناة الفرنسية، بشارة دوماني، للحديث عن "إعادة الفلسطينيين إلى صلب السرد التاريخي، وقلب المفهوم الاستعماري للتاريخ" وحاوره بفهم وسيم الأحمر.

من الواضح أنه وظف بفهمه، وليس بحزبه الحاكم، أو عائلته، أو بتوصية من المخابرات.

قبلها شاهدت مقتطفات من برنامج على قناة فلسطينية، عن قبة الصخرة، تحدث فيها مرشد سياحي، والدكتور يوسف النتشة، والحديث مزيج من شعبوية دينية وسياسية واسطورية، انتهت بالدكتور النتشة للإشادة بالملوك والسلاطين، السابقين والحاليين، فأمر القبة دائمًا كان برأيه أميريًا وملوكيًا. (ناس البلاد مش مهمين).

مثل هذه البرامج هي السائدة على الفضائيات الفلسطينية والعربية المطبعة والممانعة والخاصة، التي تفضل استضافة أصحاب الصوت العالي، والجهل الأعلى من دكاترة، وشيوخ، ومطارنة، وكأنَّ هناك خطة لاستمرار تغييب الوعي حول القدس وفلسطين.

في المقابل يُغيّب عن الشاشات ووسائل الاعلام الأخرى أمثال: نظمي الجعبة، وخضر سلامة، وسليم تماري، وعصام نصار، وبلال شلش، إضافة إلى ثلة باحثين أجانب وإسرائيليين، قدموا اسهامات بارزة في تاريخ القدس وفلسطين.

إذا كانت معظم الفضائيات تُطبع، وأدخلت رموز اليمين الإسرائيليّ إلى المنازل العربية، فيمكنها، من باب ابراء الذمم، أن تستضيف باحثي المعرفة الإسرائيليين، أفضل بكثير من استضافة الزاعقين الدينيين الوطنيين الثوريين.

أوّل مرة أرى دوماني في مقابلة تلفازية، سعيد بإعادة التلفزة، اكتشاف من ساهم في "إعادة اكتشاف فلسطين"، ويقدم خلاصة دراساته في الموضوع الفلسطيني، للأميركيين والبريطانيين.

**

رابط حلقة دوماني

https://www.france24.com/ar/20200613-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%8A%D8%B9%D8%B1%D8%B6-%D8%AA%D8%B5%D9%88%D8%B1%D9%87-%D9%84%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B1%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE%D9%8A

الجمعة، 27 نوفمبر 2020

العيسة يطلق سراح مجانين بيت لحم بعد قبلتها الأخيرة

إعداد: جميل عليان

في رواية جديدة، تناولت موضوعا قد يكون الأول في الأدب العربي الحديث، يؤرخ روائي فلسطيني بمهارة وبسرد أدبي يضع الحقائق في سياق بنيوي روائي مدهش لانهيار وطن المجانين في الأرض المقدسة، تزامنا مع وطن أناسه من العقلاء ، ولكنه يتقلص هو أيضا.

في روايته (مجانين بيت لحم)، استحضر كاتب الرواية أسامة العيسة، عبر أمواج تعلو وتهبط من الحقائق الدرامية التاريخ، والجغرافيا، والحكايات الغرائبية، عن قادة، وسياسيين، وأدباء، ومدعي نبوة، ولاعبين معروفين ومجهولين، في روايته الثالثة التي صدرت مؤخرا في العاصمة اللبنانية بيروت، لتشكل حلقة جديدة من مشروعه الروائي الذي يستلهم فيه الواقع الفلسطيني، ضمن فضاءات واقعية وتاريخية وغرائبية.

والرواية هي ثلاث محاولات لكتابة رواية، يقدمها الروائي، في محاولة للإلمام بعالم المجانين، الذي يقدمه على أنه غير منفصل عن عالم العقلاء، مستحضرا روح المجنون عُجيل المقدسي (توفي عام 406هـ)، الذي يستمع الناس إلى حكمه، وشطحاته الصوفية.

وكما يبدو أن روحه تناسخت في البطل الرئيس للرواية، إذا جاز الحديث عن بطولة في عالم مجنون، كهذا الذي يعصف بالأراضي المقدسة وأهلها منذ قرون.

وخلال المحاولات الثلاث، لكتابة رواية، هناك اعترافات من الروائي للقراء، من خشيته، بعدم النجاح، وذلك لجعل القارئ متيقظا، ومساهما في صناعة العمل. وفي نهاية العمل، يعترف الروائي، بأنه تجنب سرد حكايات بعض المجانين، خشية البطش من عالم العقلاء.

وكما هو ديدن الروائي في رواياته السابقة، تبدو الرواية في جانب مهم منها، رصداً للتغيرات التي عصفت بالمكان، وبعوامل محلية، وإقليمية ودولية. وفي رواياته السابقة ظهر الروائي يدافع بقوة عن أفكار الشهود على العصر الذي يحاكمه في رواياته بكل جرأة.

يقول العيسة: “الدفاع عن وطن المجانين المجازي، هو دفاع، عن الشذرات التي تبقت من الوطن الأكبر. عندما لا يجد المجانين وطنا في وطنهم، فإن هذا يعني أنه لا وطن أيضا للعقلاء”. والمجانين يصيغون سيرة المكان بكفاحهم، كما يظهر في الرواية، ولكنهم يكافؤون بانقضاض العقلاء عليهم.

“لقد حاولت ان أُقدم حكايتنا بدون أية بهارج، أو بطولات زائفة، أو اتهامات مرسلة، وهي مهمة ليست سهلة”، قال الروائي.

قدمت دار نوفل الرواية: “تبشيرٌ ألماني رائد، وطموح إمبراطورٍ مغامر، قدَحا شرارة الدهيشة، وطن مجانين فلسطين منذ الانتداب البريطاني. لاحقًا، سيتمّ الاعتداء على ذلك الحيّز، في ظروف سياسية جديدة، وضعت المجانين ووطنهم على المحكّ. تحكي 'مجانين بيت لحم’ عن وطن المجانين الفعلي، وناسه”. 

“هي ترمز إلى الوطن الذي يتآكل تحت وطأة التغيّرات السياسية التي تعصف به. تقتحم موضوعا يكاد يكون بِكرا في الأدب العربي الحديث، وتقدّم الفلسطينيين كما هم، بشرا، من دون نبرة خطابية ولا مناجاة غنائية. رواية جديدة ليس فقط في موضوعها، ولكن أيضا في اقتراحها شكلا يناسب المضمون”.

وقال الروائي ربعي المدهون عنها: “رواية تتخلى فيها شهرزاد عن دورها لسارد مسكون بالحكاية الشعبية والتراث، يقلب ألف كتاب وكتاب، باحثا عن كل ما هو مدهش ليقدم هذا العمل المختلف، عن شخصيات تنمو وتتطور في فضاء يتشكل من واقع متخيل وخيال واقعي”.

وتذهب الرواية إلى تفكيك مذهل لنسيج عالم يصغر مع مرور الوقت، مع ظهور أقوى للقوى السياسية العالمية، التي  كانت فاعلة في صلب الوضع الفلسطيني، لدى إقامة وطن المجانين.

يتساءل الروائي من هم المجانين، ومن هم العقلاء، في بلاد تُسرق فيه الأوطان الصغيرة والكبيرة؟

وقال الروائي: “اشتغلت في هذه الرواية على الشكل، لإيماني، بأنه لا يجب على الكاتب اأن يكتب روايته مرتين، والمقصود بنفس الشكل، وحاولت أن أجعل من القارئ متلقيا فاعلا، وليس سلبيا، بفتح حوار معه، وكشف بعض أسرار اللعبة الفنية. أظن بوجود علاقة جدلية بين الشكل والمضمون، في النهاية كل مضمون يختار شكله الذي يناسبه، وإذا لم يفعل، فإن بوادر الفشل ستلوح، من المهم أن نقدم رؤانا الأدبية في أشكال تناسبها”.

ووطن المجانين، هو الاسم ذاته للمصطلح الشعبي المتداول مستشفى المجانين، أو الاسم العلمي، مستشفى الأمراض العقلية، وهو واحد من مستشفيات قليلة  مشابهة أقيمت في بعض المدن العربية الرئيسة في بدايات القرن المنصرم. 

يقول العيسة: «العنوان يعود إلى وطن مجانين فلسطين، منذ أكثر من قرن، وهو المستشفى الوحيدة للأمراض النفسية في فلسطين التي كانت تستقبل المرضى من مختلف الأديان، في حين كانت هناك مستشفى صغيرة، في القدس الغربية، لا تقبل إلا مجانين اليهود».

ولا يبعد مكان المشفى عن مكان سكن الروائي، في مخيم الدهيشة، لذلك يبدو الروائي يعيش روايته كل يوم، أو يطل عليها من شرفة منزله على أطراف مخيم الدهيشة.

تقع هذه المستشفى في منطقة الدهيشة في مدينة بيت لحم، وبعد نحو نصف قرن من إنشائها، نشأ بالقرب منها مخيم الدهيشة للاجئين الذين شردوا من قراهم في مناطق القدس، وبيت لحم، والخليل، والهضاب المنخفضة، في مرحلة جنون جديدة تتعرض لها الأراضي المقدسة.

يقول العيسة: «ارتبط تأسيس المستشفى بتقاطعات علاقات الامبراطورية العثمانية مع قوة دولية مؤثرة، مثل ألمانيا في عهد الإمبراطور غليوم، الذي افتتح المبنى الذي شيد على قطعة أرض ضخمة، شهد المبنى على حربين عالميتين، وحروب إقليمية ومحلية، وكان، مثل وطن «العقلاء»، عرضة للتغيرات الدراماتيكية التي عصفت بالجميع. في ظروف سياسية جديدة، تقلص وطن العقلاء، بفعل الاستيطان والإجراءات الاحتلالية، ما أدى إلى تقليص وطن المجانين، بسبب زحف «العقلاء» نحوه. 

هل هناك أي رابط في الرواية بين البعدين الديني التاريخي والمجانين؟

يقول العيسة: «بالطبع، في الواقع إن معظم الأنبياء، والقادة الاستثنائيين، والقديسين، اتهموا في فترات تاريخية، بإصابتهم بمس من الجنون». قبل مجانين بيت لحم كتب العيسة روايته «المسكوبية»، التي روت بشجاعة مبنية على تجربة ذاتيه، مرارة ذلك المكان، وأيضا ارتبطت الروايتان ببيت لحم وأطرافها المقدسة بشكل ما.

يقول العيسة: «الرواية هي استكمال لمشروعي عن تقديم بيت لحم، كمكان روائي، وهو ما بدأته في (قبلة بيت لحم الأخيرة) تخبرنا المدونات التاريخية، عن نظرة كل مجتمع تجاه الجنون، لدينا تراث عربي زاخر يقدم الجنون بصورة غير تلك الموجودة لدى العامة في عصرنا». 

بالنسبة للعيسة يظهر الجنون في روايته الجديدة ككناية عن الاستتار، كما فهمه العرب، ويكون ذلك خشية أو خوفا من بطش ما.

«لذا قد لا يكون المثل السائر (خذوا الحكمة من أفواه المجانين) مجرد قول عابر (...)، المجانين لديهم قدرة دائما على إثارة الدهشة، دهشة العقلاء، وإن كان من غير المحبب بالنسبة لي الفصل بين عالمي المجانين والعقلاء، فهو عالم متداخل أكثر مما نتوقع، كما يمكن للقارئ أن يجد في روايتي». قال الروائي الذي كتب من قبل نص عن خاله المجنون الذي هو فصل من الرواية.

الراوي في (مجانين بيت لحم) اعتمد على أوراق تركها خاله المجنون الذي قضى انتحارا، والذي أنقذ الأوراق مجنون آخر، ويستنتج الروائي بأن الخال لا يمكن أن يكون مجنونا لأنه انتحر، والانتحار يحتاج إلى قرار. 

بيت لحم في فكر الروائي، وكما يراها أمام عينيه أيضا هي مدينة المجانين والأنبياء، مدينة السلام التي لم تحظ به، المدينة التي يقدسها الملايين، ولكنهم تركوها بلا قدسية تواجه مصائرها بنفسها.

« كم مرة هُدمت؟ وكم مرة سبيت نساؤها؟ كم نبي ومجنون طورد وقتل فيها؟» يتساءل الروائي؛ لذلك تختلط في الرواية الحقائق، بالغرائبي، بشخوص واقعية، عندما انكب العيسة على دراستها وجد أن سلوكها كما يقال يفوق بغرابته الواقع.

 وهو أيضا الذي إذا نظر إلى الدهيشة-بيت لحم، كمكان، وجده وكأنه رواية الدنيا، أنماط عمرانية من مختلف البلدان، سياسيون ورجال دين، ومجانين من مختلف القوميات والأديان والإثنيات، تمردات وثورات، خلال قرن من الزمن شهدت عصور: الإمبراطورية العثمانية، والبريطانية، ثم سلطة مصرية، فسلطة اردنية، فاحتلال إسرائيلي كولنيالي، وسلطة وطنية فلسطينية.

وهو يريد أن يقول: «لك أن تتخيل تأثير كل هذا على مكان صغير، دارت فيها وحوله المعارك، وسار فيه فاتحون، وغزاة، ودركيون، وصحافيون، وجواسيس، وعلماء آثار، أي وطن هذا هو وطن المجانين؟».

« وأيضا لنا أن نتساءل عن تأثيره على كل الذين مروا به، في الرواية نجد تأثيرا لا مراء فيه، يسميها الروائي (لوثة الدهيشة) التي أصابت أباطرة ورؤساء ومدعي نبوة»   

 

الأحد، 22 نوفمبر 2020

المسكوبية

رواية لاسامة العيسة تقع على متن ٢٠٣ من القطع المتوسط وهي من اصدارات الرقمية للنشر والتوزيع في طبعتها الثانية ٢٠١٩.

الرواية تتحدث عن سجن المسكوبية في القدس وما يتعرض له المعتقلين الفلسطينيين من عذابات بشتى الاشكال والالوان.

فالكتاب جاء بلغة روائية بسيطة وسلسة تختزن في ثناياتها نضالات الشعب الفلسطيني وتستعرض صور القهر والعذاب التي يواجهها الفلسطيني في المعتقل، فجاء الكتاب مصورا بالتفاصيل الدقيقة حجم الجحيم الذي يواجهه المعتقل الفلسطيني في اقبية التحقيق التي يحويها ذلك المعتقل المسكوبية والاشبه بمعتقلات النازية، والخالية من ابسط مقومات الاحتياجات الانسانية.

صور مؤلمة وموجعة تلك التي ينجح الكاتب في استعراضها وعرضها ضمن سطور النص باسلوب سردي متسق وسلس ومشوق، لكنه كثير الالم والوجع. ولا يفت الكاتب طيلة احداث الرواية عن تقديم الامل وبثه عبر اثير الرواية فتجده مثلا يتحدث عن اول شهداء هذا المعتقل، ثم يتحدث عن اشهر من دخل هذا المعتقل من القيادات الوطنية ومن النخب الثقافية، اضافة لحديثه عن تاريخ الشعراء واشهر القصائد والاغنيات الوطنية التي كتبت في السجون وفي سجن المسكوبية بالذات.

ولا يفوت الكاتب ان يستعرض كل تلك العذابات التي يواجهها المعتقل في معتقل المسكوبية، دون ان يفوته ايضا استعراضه لكثير من تفاصيل المكان في القدس، من خلال استحضاره لشخصيات وامكنة وازمنة واحداث شكلت بإجتماعها تاريخ المدينة المقدسة. فجائت الرواية رواية للمكان بقلم وقلب متخصص وباحث ومصور يتفنن برؤية زوايا المكان ويتقن معرفة كل بقعة فيه، تلك التفاصيل الصغيرة والاحداث الكبيرة التي يتشكل منها تاريخ القدس ويتشكل منها الامر الاكبر والاهم وهو الوعي والانتماء الفلسطيني، فمن الطبيعي في ابجديات الوطن ان يحب الانسان وطنه وهذا امر عادي، لكن الاهم ان يكون لديه انتماء وتجذر تجاه هذا الحب، وهذا لن يتم دون وعي بالمكان والزمان، وتفاصيله هذه تساعد في ادراك حجم الترابط والتجذر مع اي بقعة يرتبط بها.

ينجح الكاتب في التقاط صور عديدة للقدس لكن تبقى صورة النجاح الاهم تتمثل في قدرته على توظيفها في سياق النص، ورغم ان العديد من هذه الصور مألوفة ومعتادة وفي اغلبها تتعلق بالقدس وتاريخها، ويبدأ الكاتب بهذا السياق والتوظيف من بداية نصه، لا بل حتى من غلاف الكتاب وعنوانه(المسكوبية) فلا يترك لنا مجالا كثيرا للابتعاد عن سبب ذلك الاسم ومدلوله في تاريخ القدس. وحسنا فعل ذلك واجاد لان هذا الاسم المسكوبية اسم فاقع الدلالة والشهرة في فلسطين وفي القدس بالذات والاهم من ذلك كله انه معلم معروف ومكروه بشدة لدى المناضلين.

يستعرض الكاتب جزء كبير من تفاصيل القدس ومكوناتها من اهلها وناسها وسكانها كالغجر والنور وتاريخهم في القدس، اضافة الى استعراضه للعديد من الاماكن مثل باب العامود وحارة الشرف وحائط البراق ودرب الالام والكنائس ودروبها والنجمة الفضية المسروقة وحرب القرم وعلاقتها بذلك وارض المسكوبية وملكيتها وقصة اهدائها وغيرها الكثير، ولم يتوقف الامر عند هذا الحد وحسب، بل يعرج بنا الكاتب على تاريخ تلك البنايات(المقاطعة) في فلسطين من زمن الانتداب وحتى العثمانيين، فيبدأ بها من عند اريحا في توليفة لا تخلوا من مقاصده في بناء مداميك روايته اضافة الى اشارة سريعة منه الى خلفيته التنظيمية وانتمائه الحزبي.

وهذا كله بالاضافة الى قدرة الكاتب الكبيرة على توظيف الارث التاريخي والموروث الشعبي في فلسطين ضمن ثنايا البناء الروائي وبصورة شكلت اضافة نوعية للنصوص الادبية الفلسطينية واسهمت برفع قيمتها الوطنية والتعبوية. فنجد الكاتب قد تطرق الى التعريف بالاحتفالات الشعبية كعيد الفصح واعياد المواسم وشهر الخميس وغيرها.

ومن الممكن ان نقول ان هذه المعلومات من السهل جمعها والاطلاع عليها في اي مكان او ضمن اي كتاب او وثيقة لكن يبقى الاهم السياق التي جائت فيه تلك الشواهد والعلامات الفارقة، وهذا هو الفرق الذي نجح الكاتب في تقديمه في هذا الرواية وهذه احدى ميزات النص .

لا يتوانى الكاتب عن تقديم صور جديدة وغير مألوفة للقدس، كتناوله لمسألة المعتقلين الجنائيين من القدس وكيفية استعراضه وتناوله لقصصهم، ويقدم صورة كثيفة لهم وينجح بتسليط الضوء على من يحتكرون جزء كبير من شوارع القدس وحكاياه البعيدة النظر عنا وهو ما اسماه الكاتب العالم السفلي للقدس، وينجح الكاتب بطرح الموضوع من خلال حوار في المعتقل يدور بين الراوي وابو العز على ظهر الصفحات ٩٧-٩٩، ويتم توليد الحوار بصورة مشوقة فيبقى مستمرا بين الراوي وابو العز لكنه يدخل حيزا اخر هذه المرة؛ اذ يذهب الحوار الى اقصى غايته مع شخصية جمال وشخصية ابو العلم فيدور الحديث على لسانهما عن القدس وواقعها وظروف حرب ١٩٦٧ وسقوط القدس، حيث ينجح الحوار عبر الصفحات١٠٠-١١٨ بإلتقاط صور عدة لواقع القدس آنذاك غداة النكسة.

بعد ان ينجح الكاتب بتقديم عناصر المكان التي يريد ويربط الاحداث ببعضها ويوظفها طواعية بالسياق الذي يريد، لا يفوته ان يحدد زمن الرواية بدقة وهو 29/3/1982 وفي فترة اعتقال اقل من شهر ينجح الكاتب بادارة حوارات شتى غاية في الاهمية وتتفق مع القيم السامية والاهداف النبيلة التي يحملها الكاتب، كان اهمها ذلك الحوار مع احد قيادات فتح في المعتقل اضافة الى حواره مع ابناء القدس من رواد العالم السفلي وكيفية خروجه اليوم من قضية جنائية ليعود للسجن ثاني يوم مباشرة، لكن هذه المرة على خلفية سياسية وعلى اثر الحدث الابرز في الرواية اقتحام الاقصى وفتح النار على المصلين من قبل الجندي الاسرائيلي الان هاري غولدمان وما تبعه في تلك الفترة من الاحداث والاحتجاجات، وشملت فترة الاعتقال ايضا وهي الفترة الزمنية للرواية الظروف والايام السابقة على اجتياح بيروت.

الأحداث الواردة في الرواية شكلت قطعة فنية حقيقية من أدب السجون، ولم يكن بالامكان تقديمها بهذا الاتقان وبهذه الفنية العالية لو لم تكن تحتوي تلك الروح المناضلة الكامنة في احشائها، وهذا ما كان له ليتم لولا اننا امام سيرة حية وليست متخيلة لكاتب النص( اللفتاوي ابن مخيم الدهيشة)، بمعنى اننا قد نجد نصوص كثيرة تتعلق بادب السجون وتتحدث في سياقه، إلا انها فاقدة لتلك الروح التي تستطيع ان تعتقلك وتداهم منزلك وتزج بك في البوسطة وتعرضك لزنازين محددة بأهدافها وانواعها كالزنزانة رقم ١٢ في المسكوبية وما تتعرض له من شتى اصناف التعذيب والتي قد لا يكون اسوأها الضرب والشبح ووضع كيس الخيش ذوي الروائح الشنيعة على راسك وما يتبعه من سيل الضربات والتهيئات.

عندما ينجح الكاتب في التقاط تلك الصور لا يفوته ان يزرع الامل رغم الالم، فلا يعجز عن ابتداع عديد الصور لهذا الامل، والتي قد يكون اجملها: قدرة المعتقل على مقاومة اساليب السجان بكسر الارادة والتطويع والاسترسال في الحديث مع المحقق وغيرها الكثير، لكن يبقى ابتداع وسائل التواصل مع بقية المعتقلين من خلال لغة العيون والدق على الجدران هي الاجمل.

صاحب النص والذي اراه هو نفسه الكاتب، صاحب تجربة وطنية ناصعة وابن هذه الارض المفعم بحبها وبتفاصيلها حد الجنون، اسامة العيسة كاتب مجبول بالزمان مرهون للمكان، وقد نجح العيسة بتقديم المكان والزمان الفلسطينيين سرديا وهذا مشروع يستحق التقدير والثناء، وهذا دليل قاطع على اننا امام كاتب فذ ومبدع يدرك تماما طبيعة وابعاد الصراع مع الاحتلال الاسرائيلي.

نحن امام نص يدرك كاتبه تماما ان صراعنا مع المحتل في احد اوجهه الرئيسية صراع على الرواية ونقيضها، فتأكيد روايتنا يعني فيما يعني دحض رواية الآخر والقائها في مزابل التاريخ، هذا اذا وجدت لها متسعا هناك، وهذا هو جوهر الفكرة واساس المعركة بيننا وبين اصحاب الخرافة المتسللين خلسة الى سطور التاريخ.

 

الخميس، 19 نوفمبر 2020

لا زغاريد في القُدْس


 


عندما جلس ابن مدينة الناصرة ميشيل صبّاغ، على كرسي بطريركية القُدْس، كان الجلوس حدثًا، أوقف أعلا الفخر وقوفًا، ومدعاة للاحتفال الوطني، فهو أوَّل بطريرك عربي يجلس على الكرسي اللاتيني منذ تأسيسها الحديث في القُدْس (1847م). في بداية عام 1988م، قابل صبّاغ بابا الفاتيكان، وحضر سيامته سفراء عرب، ووفد كبير من الناصرة وفلسطين، ضم أكثر من مئة شخص على رأسهم  توفيق زيّاد، رئيس بلدية المدينة الشيوعيّ.

لم يكن الأمر يتعلق فقط بأوَّل بطريرك عربي، ولكن أيضًا بلحظة الانتفاضة الكبرى، ولم يكن أقدر من الباحث والمفكر والمترجم المجاز في الثقافة الإسلامية من السوربون (في الشعر الأموي وطبقات ابن سعد)، من التقاطها، وفي ذهنه تراث لاهوت التحرير في أميركا اللاتينية، فمدّ ذراع كرسيه إلى المنتفضين.

بعد تنحية صبّاغ بحكم قوانين السن الفاتيكانية، حلَّ محله، كما هو متوقع، بطريرك عربي آخر، ولكن من بادية عبر الأردن، وعندما نُحي هو الآخر، بعد كرور سنوات، كُشف عن جبل جليد ذائب، وديون بقيمة 100 مليون دولار.

هذه المرة، لم يعين الفاتيكان بطريركيًا، وإنما أوكل لحارس الأراضي المقدسة المنتهية حراسته، وبعد وصوله إلى ايطاليا، متقاعدا، مهمة تدبير الكرسي البطريركي.

امتلأ المُدَبِّر، بالشعور الإنجيلي الخلاصي، فالرّبّ وحده، من دبر عودته مجددًا إلى الأراضي المقدسة، ولكن كيف سيتدبر الديون؟ طرح مشروع بيع أراضي للرعية الفلسطينية في الناصرة، فانتفضت الرعية، دون أن يقف أحد من الوطنجية معها. وما زالت منتفضة.

لا يمكن أن يظل المُدَبِّر مدبرًا، فسامه البابا، بطريركًا، منهيًا ربيع البطريركية العربيّ، الذي يدأ صاخبًا صبّاحا مع صبّاح، إلى شتاءٍ مع خليفته.

الصوت الوحيد، الذي تناهى إلى مسامعي، متسائلاً عن مصير عروبة الكرسي البطريركي، جوبه بنقدٍ، من رعية البطريركية، في إعلان فاضح للنكوص العروبي.

لم تتغير مشاعر الرعية الوطنية، ولكنّها فضلت أجنبيًا على أي عربي آخر. ما الذي تغيّر؟

عندما وصل خبر تعيين صبّاغ بطريركًا، أطلقت والدته زغرودة، تردد رجع صداها فلسطينيًا وعربيًا وعالميًا. لا نعرف إذا كانت والدة البطريرك الجديد، زغردت، مأخوذة بتراث متوسطي أم لا؟ ولكن في القُدْس التي احتفت بالبطريرك الجديد، لم يزغرد أحد.

فلسطين تتغير ليس بالصدمة القاصمة، كما حدث في أمصار أخرى، وإنما بصدمات متتابعة.

قبل أوسلو كانت فلسطين "مشروع" و"مشاريع"، وبعدها أصبحت "مشاريع".

 

الأحد، 15 نوفمبر 2020

مجانين بيت لحم، بالفرنسية..!


 


صدرت في العاصمة الفرنسية باريس، ترجمة فرنسية لرواية مجانين بيت لحم، للكاتب الفلسطيني أسامة العيسة عن دار نشر Belleville، التي تأسست عام 2015م، وقدت لقراء الفرنسية مجموعة من العناوين لكتّاب من الشرق الأوسط والبلقان ومناطق أخرى.

الترجمة الفرنسية بتوقيع الكاتب والمترجم فرانسوا زبّال، وهو شخصية أدبية معروفة، وناشطة في التواصل بين الثقافتين العربية والفرنسية، وله مؤلفات، وترجمات عديدة.

صدرت الرواية بالعربية، عن دار هاشيت انطوان في بيروت، وحازت في عام 2015م، جائزة الشيخ زايد للكتاب في أبو ظبي.

تحاول الرواية تقدم الفلسطينيين، من خلال حكايات متداخلة، هزلية وعميقة ولاذعة ومرحة، كبشر، بدون تحيزات مسبقة، أو مواقف نمطية.

وقال العيسة، معقبا على صدور الترجمة الفرنسية لروايته: "يعلب الأدب دورا مهما، في تجسير المسافات، وتقديم الرؤى، خصوصا في وقت تكثير فيه غيوم التطرف، والعنصرية، وترسيخ الأفكار المسبقة عن الآخر"، مشيدا بالجهد الذي بذله زبّال في الترجمة.

منذ صدورها، حازت الرواية على تقريظ واسع في الصحافة العربية، التي قدم فيها الكاتب، مقترحا أراده جديدا في الشكل والمضمون، من خلال استخدامه لمستشفى الأمراض النفسية في بيت لحم، وطن مجانين فلسطين الفعلي، كرمز لجنون التاريخ والجغرافيا في هذه البقعة من العالم.

والترجمة الفرنسية للرواية، هي الثانية بعد ترجمة الرواية إلى اللغة الأوكرانية، التي أُطلقت في معرض فرانكفورت للكتاب في دورته العام الماضي.

الخميس، 12 نوفمبر 2020

"وكأنّ لا حب في ارطاس"


صورة المرأة في رواية جسر على نهر الأردن

دراسة للدكتورة هوازن عثمان علي القاضي

تنوعت صور المرأة في الرواية ما بين: جدة حكيمة واعية، وأم منتحرة مهزومة، وابنة مستسلمة لقدرها، ولاجئة متكيفة مع حياتها القاسية، ونازحة هي مشروع مقاومة. وتوزَّعت الشخصيات النسائية في الرواية ما بين نمطية وغير نامية (الجدة، والأم، والزوجة، واللاجئة)، وبين النامية التي تمثلها شخصية (النازحة). مروراً بما حلَّ بها بعد النكبة والنكسة، وتصوير حالها وما آلت إليه في مخيمات اللجوء والنزوح، ومحاولاتها التأقلم مع الوضع الراهن، والاندماج في الحياة المجتمعية الجديدة، التي تفرضها عليها المرحلة. لم يهتم الروائي بإطلاعنا على ماضي الشخصية النسائية، ولم يكشف لنا عن عوالمها الخفية، وحيواتها المستترة، وعواطفها المكبوتة، مكتفياً بوصف تصرفاتها، وأقوالها، وما يعتمل في داخلها لحظة الحدث. مستخدماً في رسمها المقياسين: النوعي، والكمي. واستعان -كذلك- بالأسلوبين: التقريري، والتصويري. كما قدَّمت الرواية صورة للمرأة المستشرقة الأوروبية (حليمة، والست لويزة)، المتقدمة، المتعلمة، التي جاءت لإنجاز العديد من الدراسات، التي عكفت عليها سنوات طويلة؛ لتُسجِّل عادات المجتمع الفلسطيني وتقاليده.. مقدماً إياها شخصية نامية متفوقة.

**

شكر كبير للدكتورة القاضي، على هذا الجهد الكبير، الدراسة كاملة:

https://www.refaad.com/Files/JALS/JALLS-2-3-4.pdf

 

الاثنين، 17 أغسطس 2020

الفلسطينيون صنّعوا صابون زيت الزيتون منذ 1200 عاما


 


كشفت سلطة الآثار الإسرائيلية، عن ورشة لصنع صابون زيت الزيتون، خلال حفريات أثرية نفذتها السلطة في منطقة رهط في النقب، في الأسابيع الماضية.

وأعلنت السلطة في بيان لها، بان الورشة التي كشفت عنها، هي أقدم ورشة لصنع صابون زيت الزيتون يعثر عليها في البلاد.

وعثر على الورشة داخل بيت أثري يعود للفترة الإسلامية قبل نحو 1200 عام، وهذه المرة الأولى التي تكشف فيها الحفريات الأثرية في فلسطين، عن ورشة لتصنيع صابون زيت الزيتون بهذا القدم، مما يسمح بإعادة دراسة تاريخ هذه الصناعة التقليدية التي اشتهرت في فلسطين، وما زالت موجودة حتى الآن، وعرفت بعض المدن كنابلس كمركز لصناعة هذا الصابون، الذي صُدّر باسمها إلى الخارج. وأدخل المصنّعون في المدينة تطويرا على الصابون النابلسي، ليواكب تطورات صناعة الصابون إقليميا وعالميا، ويصمد في المنافسة أمام أنواع لا حصر لها من الصابون، وسوائل التنظيف.

ويظهر من خلال البقايا الأثرية، مراحل صنع صابون زيت الزيتون قديما، حيث كان يحضر الخليط من زيت الزيتون يضاف اليه رماد شجرة العراد والتي تحتوي على البوتاس والماء، ويطهى نحو سبعة أيام، ثم يفرغ في حوض لمدة عشرة أيام، حتى يأخذ شكله الصلب، فيقطع، ويصبح جاهزا للاستخدام.

وحسب مدير التنقيب في الموقع د. ايلينا كوجان - زهافي، يبدو أن أصحاب الموقع صنعوا الصابون للاستخدام الذاتي والبيع في المنطقة، وقد تكون هذه التجارة هي مصدر ثرائهم، كما يمكن استشفافه من نتائج الحفريات التي تخبرنا عن الحياة اليومية للسكان، حيث عثر على أدوات تسلية قديمة، كاللعبة المعروفة اثريا باسم الطاحونة، والتي ما زالت تمارس في بعض البلدان العربية حتى الآن، وإن بأشكال مختلفة، وبأسماء متعددة، إلا أنها ما زالت معروفة في بعض الدول باسم الطاحونة.

وأدرك الإنسان، منذ زمن فوائد صابون زيت الزيتون، وفي فلسطين، حيث يكتسب زيت الزيتون أهمية خاصة، استخدم الصابون المصنع من هذه الزيت، على نطاق واسع.

واكتسب زيت الزيتون مكانة اقتصادية مهمة في فلسطين، وكذلك دينية، حيث أسبغت عليه صفات مقدسة، واستخدم في مسح الأنبياء والأبطال الشعبيين، وذكر في الكتب المقدسة.

ومن الواضح، كما يشير اكتشاف ورشة الصابون في رهط، إلى أن الفاتحين العرب المسلمين، حافظوا على مكانة زيت الزيتون، وهم يندمجون في النسيج الفلسطيني.

 

الأحد، 16 أغسطس 2020

قراءات الشهيد باسل الأعرج/دينا العثامين

الكتاب يتحدث عن سجن المسكوبيه ، وما يجري فيه من ممارسات ظالمة من الاحتلال الصهيوني

أجاد الكاتب عرض المعلومات واضاف لها جانبا شخصيا كونه عانى من الاعتقال في هذا السجن، ما أضفى على الكتاب بعدًا واقعيًا أكثر من كونه يحمل معلومات وحسب ..

هذا الكتاب هو اول ما اقرأ ضمن سلسلة قراءات الشهيد باسل الأعرج ، وهو عهد قطعته على نفسي منذ أمد بعيد.

https://www.goodreads.com/review/show/2674558427?book_show_action=true&from_review_page=1

 

السبت، 25 يوليو 2020

المجانين يتحدثون الأوكرانية/ عماد الدين رائف



يشهد شهر آب/ أغسطس المقبل إطلاق ترجمة الزميل بوهدان هورفات الأوكرانية لرواية الكاتب العربي أسامة العيسة "مجانين بيت لحم" (بيروت: هاشيت أنطوان، 2013)، وفق ما أعلنت دار "أنيتا أنتونينكو للنشر" في كييف. وبذلك سيحظى القارئ الأوكراني بالراوية العربية الثانية المترجمة لكتاب معاصرين، حيث صدرت الشهر الماضي ترجمة الزميلة أوكسانا بروخوروفيتش لرواية جبور الدويهي "طبع في بيروت" عن دار "نورا دروك للنشر" في كييف. ويأتي نشر سلسلة من الإصدارات العربية بالأوكرانية، والأوكرانية بالعربية، ضمن توجه عام لدى جمعية الناشرين الأوكرانيين لإطلاع القارئ الأوكراني على نتاج الكتّاب العرب، والقراء العرب على نتاج الكتاب الأوكرانيين المعاصرين.
"مجانين بيت لحم" التي حازت على جائزة الشيخ زايد للكتاب (2015)، يرسم فيها العيسة لوحات التمرّد البشري على الواقع المألوف حين يخرج المجانين من عَنابرهم وأقسامهم في "دير المجانين" ويقَدمهم لجمهوره تَحت لواء عَميد الجنون في فلسطين عجيل المَقدسي آتيا به من بطن التاريخ. "ولكن هذا لن يمنع القارئ من المطابقة بين الراوي والمؤلف، ولن يسبب لي ذلك أيّ حساسية ولن أجهد لنفي ذلك". المجانين في أسطورة العيسة "أولاد ناس" كما يقول المثل، وفوق إنسانيتهم يقدّم العيسة جنون الحياة والواقع المرير وجنون الجغرافيا والاحتلال والمجتمع الذي لا يرحم، في محاولة من الأديب لتبرير جنونه.
**
الزميل المترجم بوهدان هورفات أستاذ اللغة العربية في قسم لغات وآداب الشرقين الأوسط والأدنى، في معهد اللغات التابع لجامعة تاراس شيفتشينكو الوطنية الأوكرانية في كييف. وعمل هورفات منسقا للتعاون بين الدول في المركز المصري للغة والثقافة العربية في الجامعة عينها.


خنفساء زكريا..!







عندنا، وعندهم. ماذا لدينا لم يصبح عندهم؟ تمنت والدة نضال، أن يفرجوا عن ابنها ليموت عندها، وليس عندهم في سجونهم. تحققت أُمنيتها، بكفالة باهظة، وخرج نضال الذي يعاني من فشل كلوي، وسرطان في الكلى من السجن إلى المستشفى. إنجاز صغير، رطّب قلب أُمّه. عندنا أيضًا، في سجوننا، أُمّهات يطالبن بالإفراج عن أبنائهن المرضى. ما الفرق بين عندنا وعندهم؟ هل يهم الأم، في أي عِند يسجن ابنها؟ في أي عند أقف، أتشظى بين العِندين.
في تلنا، بدأوا موسم حفرياتهم الجديد، وبمحض الصدفة، تمكّن جهاد من الوصول إلى التل في نفس يومهم الأوّل. هذه المرّة، وهو يزور قريتنا التي أصبحت عندهم، أصّر على الوصول إلى تل زكريا. وصل، وصوّر. يجب أن يكون واحد منا، يطلطل على تلنا الذي عندهم. سنتناوب الطلطلة.
في يومهم الثاني في الحفر، أعلنوا مبتهجين، العثور على هذه الخنفساء (الصورة: تل زكريا من الجو +الخنفساء المكتشفة) مستلقية على ظهرها، على سطح تلنا، وكأنّها انتظرت ألاف السنين حتى يأتون ويلتقطونها.
هذا النوع من الخنافس، والتي استخدمت كأختام، ليس نادرًا في العصرين البرونزي والحديدي، وبعضها يشي بتأثير مصريّ واضح. هذه الخنفساء قد تعود إلى العصر البرونزي المتأخر. سيأخذونها إلى المكاتب، ويفحصونها، ويحددون أصلها، وفصلها، وعصرها، وستظل عندهم.
هم يأخذون تلنا، وعندنا منا من يأخذ تلال الغير. تمتد خيوط الأخذ عندنا، وعندهم.
جرن العماد الوردي، كان عندنا، وعندما أصبح عندهم، سأكتشف المنسوب المرتفع للرياء، والكذب، والخداع، والنصب عندنا، ومقدار الفضائح المعرفية فيما نشر في المواقع والصحف المحلية.
يتصل صديق، ويسألني إذا كان من المناسب مطالبة حماس، بإدراج استعادة الجرن مع صفقة تبادل الأسرى المرتقبة. ضحكت. كان الجرن عندنا، ولكننا تركناه مرميًا، ليظل عندهم، فهو أفضل له، وأيضًا وفرّ لنا فرصة للكذب، والتدليس.
ماذا يعني عندنا، أو عندهم، بين المزايدات، والشهوة الاستعمارية، نكابد، حتى يظهر خيطنا/خيطهم الأسود، من خيطنا/خيطهم الأبيض. لعله حلّ وسط تاريخي، لا يحقق عدالة، وحتّى يظهر فإننا سنراقب تلنا من بعيد، ومن قريب، وما يخرجون منه، وما يوثقون. سيظلّ التل، تلنا. ليست قوة الحديد تحدد المنتصر. حتّى الآن لم ننسى، وكأننا في يومنا الأوّل لمراكمة الذاكرة.

الأربعاء، 22 يوليو 2020

جذبتني للمدينة/جهاد فراج


سعدت جدا بقبلة بيت لحم الأخيرة، مع إنني كنت في البداية، ميّال أكثر للمجانين، لكن طريقة الكاتب في التنقل بالأحداث مع المعلومات والأشخاص كانت جذابة وأشعرتني بشوق اكبر للمدينة وللمعرفة
شكرًا على الإبداع الأدبي والإثراء المعلوماتي

الجمعة، 17 يوليو 2020

اشتباك مع المكان والزمان/عبد الله سويطي


اشتبك الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة في روايته "قبلة بيت لحم الأخيرة" بقسوة مع المكان والإنسان، في محاولة منه لتوثيق حقبة من الزمن شهدت تغيرات تدريجية، خاصة في صفوف اليسار الفلسطيني، لكنها جوهرية وكبيرة ألقت بظلالها على قضية يفترض أن تكون ذات أولوية للفلسطينيين وغيرهم.
فما هو سر التغير الحقيفي ..
وما الذي يأخذ الإنسان والمكان إلى ذلك ...

الأحد، 21 يونيو 2020

لماذا فضل والدي الموت قبل أوسلو؟/رحمة حجة



قبلة بيت لحم الأخيرة (2016) للروائي الفلسطيني أسامة العيسة. قرأتها بنسخة ورقية
"كلنا أجيال بلا ذاكرة، نظن أن التاريخ يبدأ من هنا." (ص246)
"وأنا كنتُ بحاجة لأن أستمع، وأستمع، لأن أصدّق أن نصف عمري كان شيئًا حقيقيًا، ارتبطت به هذه المدينة (بيت لحم) وتفاصيلها، درست في جامعتها، وسجلَت جدرانها همسات حبنا أنا وسميرة، وأمضيتُ طفولتي بين أزقتها وسوقها وسينماتها، ونفذت عملًا نضاليًا في شوارعها، وها أنا أعثر على واحد من زمني، أنا شاهد على زمنه، وهو دليل زمني." (ص247)
بين العبارة الأولى والفقرة الثانية، تتلخص رواية "قبلة بيت لحم الأخيرة"، فالذاكرة هي كل ما سبق لحظة لقاء رائد الحردان بحب حياته سميرة، بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه 20 عامًا.
أسمته والدته حنّا تيمنًا بجد الراهب الذي عمّده في كنيسة المهد، لاعتقادها بأنها تحميه من شرّ قرينته، وعن ذلك يقول رائد "كنت في المدرسة نهارًا حنّا وبعد الظهر في البيت والحارة والسوق رائد، في أحيان كثيرة لم أعرف متى أكون حنّا الحردان؟ ومتى أكون رائد الحردان؟"، وفي زمن التحولات ندمت الأم لأن شيخة أفتت لها بحرمة هذا العمل، ويتقاطع هذا مع حوار رائد مع صديق مسيحي، بعد تحرره أو ربما دخوله سجنًا آخر حين قال له "متى كنّا أطرافًا يا جريس؟" ص260
رائد شاب فلسطيني جامعي مجتهد جدًا في دراسته "لأن سلاح الفلسطيني الوحيد علمه" كما يقول والده، وهو "نسناس" برأي الطلبة الحزبيين الذين نشطوا في الحركة الطلابية أوائل الثمانينيات في جامعة بيت لحم، لكنه الجندي المجهول الذي يكتب لسميرة بياناتها السياسية، فهي حبيبته، وفي ذات الوقت إحدى قيادات الحركة الطلابية النضالية في الجامعة، التي لا ترضى إلا بفلسطين كاملة، غير مجتزأة، و"ستحرر فلسطين" يومًا ما، كما قال رائد بنبرة ساخرة وفي تالي الأيام قدّسها لفكرها حتى في خصامها، وهي التي فقدت إحساسها بجسدها بعد تعرضها للتعرية والإذلال في أحد السجون الإسرائيلية، ثم في ما بعد، تركت رائد، ببساطة هكذا، قررت إنهاء العلاقة، وهو رضخ لرغبتها دون جدال.
اجتهد رائد في البحث ونبش تاريخ مدينته ومن مر عليها من مستعمرين وقادة ومناضلين، من فنانين وسياسيين، يستذكر سميرة مع كل امرأة ينبش تاريخها، خصوصًا القويات من النساء، صاحبات المبادئ والقيم العليا، المعشوقات القاهرات مثل روكسلانة زوجة السلطان العثماني سليمان، صاحب الألقاب الكثيرة والكبيرة.
معلومات كثيرة وأسماء ووقائع تاريخية مهمة وهامشية أو مغيّبة، هي ما جعل من بيت لحم، المدينة التي نراها اليوم، التي يقصدها السوّاح ويعود إليها المنفيون وأبناء الجيل الثاني والثالث من المهاجرين ويتعلّق بها الغرباء الذين يصبحون مع الوقت جزءا منها، ويبقون فيها حتى لفظ آخر نفس، قتلى أو موتى أو أجسادًا متطايرة الأشلاء (الطبيب الألماني هاري فيشر).
لماذا هذه المعلومات كلها؟ لماذا هذا العرض المتتابع والمتسلسل لأشكال النضال الفلسطيني ضد الاحتلال؟ من خلال رائد قبل السجن وأبو العبد داخل السجن، والتحولات عبر رسائل محمدوف خارج السجن، الذي كان نافذة رائد على العالم خلف القضبان؟ ربما هو النفي المستمر لفكرة أن "التاريخ يبدأ من هنا" المذكورة أعلاه، وأيضًا في ص61 بصيغة مختلفة "كل جديد يرتكب حماقة هدم ما سبقه وإلغائه"، فمن يلغي التاريخ من السهل عليه نسيان المجد والتضحيات واللحمة الشعبية، من السهل التفرقة والانقياد، وماذا لو كان الموضوع أكثر حديّة بحيث يكون الذي ينسى كان هو نفسه جزءًا من ذلك التاريخ (مثال سميرة وحمدان الأحمر واليسار الذي غرق في الNGOs والباجيرو"؟ هذا ما لم يستطع رائد تحمّله وتفسيره أو حتى إيجاد مبرر مقنع له يجعله يمشي ويتجاوز كغيره من الذين تجاوزوا وصمتوا.
الحكايات مترابطة ومتواصلة ضمن مسار الرواية، فإذا ظننت أن حكاية السينمائي ميغيل ليتين مثلًا، تنتهي في ص54 واكتفيت، أخبرك أن "بعض الظن إثم"!
أنا بكيتُ كثيرًا على رائد بعد خروجه من السجن وحين قرأت حواره ومشاعره التي سردها خلال لقائه بسميرة، بكيتُ عليه صحيح، ولكن ما الفرق بيني وبين كل الذين أبكوه؟ أنا والكثير مثلي الذي استسلم وتجاوز وخلق لنفسه مبررًا لكي يتمكن من العيش وألا "يموت على الهامش" كما هو مبرر سميرة!؟ ما الفرق؟!
قالت أختي يومًا "موت أبي في أول التسعينيات (قبل أوسلو) كان لصالحه، أستطيع تخيّل ما سيعانيه إذا عاش التغييرات!" وأبي لم يكن مقاتلًا أو سياسيًا، كان أستاذًا في مدرسة ابتدائية تقاعد مبكرًا وتفرّغ لفلاحة أرضه، أعتقد بعد قراءة سيرة رائد، صار من السهل علي تخيّل غربة الأسرى الذين مروا بتجارب مشابهة له!



الاثنين، 15 يونيو 2020

ما هي الحقيقة فيما يجري في بطريركية اللاتين في القدس؟



بيت لحم-الحياة الجديدة-أسامة العيسة-ما كان يجري الحديث عنه همسا، وبعيدا عن الإعلام، حول ما تواجهه بطريركية القدس للاتين، خرج للعلن، وبدا الأمر صاعقا، من حجم الديون التي تقل البطريركية.
عندما أنهى البطريرك فؤاد طوال، مهامه كبطريرك للقدس، في 24 حزيران 2016م، امتنع الفاتيكان عن تعيين بطريركا، وبدا الأمر مستغربا، واستدعي بييرباتيستا بيتزابالا، الذي غادر القدس قبل فترة وجيزة، بعد أنهاء عمله كحارس للأراضي المقدسة، ليسمى مدبرا رسوليا.
وأثار تعيين بيتزابالا، التساؤلات، حول امتناع الفاتيكان عن تعيين بطريركا خلفا لطوال، وأيضا حول قومية بيتزابالا، فقد استقر لدى أبناء الرعية انه منذ تعيين البطريرك ميشيل صباح، بطريركا للقدس، أن البطريرك المقبل سيكون عربيا، وهو ما حدث عندما سلم صباح، عصا السلطة البطريركية في 12 حزيران 2008م، لطوال، في كنيسة القيامة.
وكانت هناك أسماء تتردد، لتولي المنصب، مثل المطران وليم الشوملي، وفتح عدم إيضاح الأمور من قبل البطريركية أو الفاتيكان، إلى انتشار شائعات، عديدة، تتعلق بسوء إدارة البطريرك طوال للبطريركية، خاصمة فيما يتعلق بتاسيس جامعة في مسقط رأسه مدينة مادبا الأردنية.
ولطمأنة، من يريد أن يطمئن، أعلنت مصادر في الفاتيكان، بأن تعيين بيتسابيلا، محدد بفترة زمنية، يفترض أن تنتهي أواسط هذا الصيف، وان تعيينه جاء: "لتصحيح وضع البطريركية المالي".
وقبل أيام، نشرت مواقع إخبارية عربية داخل الخط الأخضر، عن ما وصفتها صفقات "مشبوهة" لبيع أراضي اللاتين في الناصرة بثلث السعر، وان الذي يقف خلف البيع، المدبر الرسولي يبيتسابيلا، الذي "يعمل على بيع 300 دونم من أراضي البطريركية في قلب مدينة الناصرة إلي جهات مشبوهة وبثلث سعر السوق، وبمساعدة ثلاث شخصيات من الناصرة وحيفا".
وردا على ذلك أصدرت بطريركية القدس للاتين بيانا، نفت فيه الشائعات  والأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام حول موضوع بيع بعض ممتلكات البطريركية في الناصرة.
وأورد البيان معلومات صادمة عن ديون البطريركية: "لا يخفى على أحد أن بطريركية القدس للاتين تواجه في السنوات الأخيرة عجزًا ماليًا كبيرًا يبلغ حوالي ١٠٠ مليون دولار أمريكي، بسبب سوء الإدارة التشغيلية السابقة، الذي يرتبط مباشرة بالجامعة الأمريكية في مادبا. يذكر أن الديون المستحقة تعود لمصارف مختلفة وليس للفاتيكان".
وأضاف البيان: "في السنوات الأربعة الماضية، تم القيام بعمل هام لإعادة تنظيم الإدارة، رافقه وضع ضوابط وقيود داخلية مناسبة"، ولكن: "مع تراكم الديون الهائلة، وبالرغم من الجهود العديدة المبذولة لجمع المال، فقد اتضح لنا أن الحل الوحيد يتمثل في بيع بعض الممتلكات".
وأوضح: "يتم النظر أيضًا في بيع عدة ممتلكات في الأردن من أجل سداد بقية الدين وتم اتخاذ القرارات في هذا الشأن، حتى وإن كانت الظروف الاقتصادية في البلاد غير مناسبة، نظرًا للكساد الاقتصادي الذي تمر به البلاد. في الأردن، على كل حال، لا يوجد ممتلكات كافية لسداد الدين".
وبين البيان: "لهذا السبب، وبعد عدة محاولات جادة، تم التوصل إلى قرار بيع أراضٍ في الناصرة إذ تمت الموافقة عليه حينها من الأطراف المختصة، من بينها اللجان الداخلية في البطريركية اللاتينية والكرسي الرسولي. يستثني هذا البيع أكثر من ١٠٠ دونم من الأراضي في المواقع المميزة، والمخصصة لمنفعة الجماعة المسيحية في الناصرة في المستقبل".
وجاء في البيان أيضا: "سيتم البيع وفقًا للسعر التجاري واستنادًا لتخمين رسمي. كما ويجري البيع الآن لرجل أعمال عربي. لقد تصعب علينا اتخاذ هذا القرار إذ كان هذا الحل هو الوحيد الممكن. ستنشر البطريركية، في الوقت المناسب، بيانًا شاملًا ومحددًا حول عملية البيع هذه".
وأكد البيان: "إن جميع الأخبار المتداولة والتي تؤكد أمورًا أخرى كثيرة وتختلف في مضمونها عن كل ما ذكر في هذا البيان، أخبار وإشاعات مزيفة، لا أساس لها من الصحة وهدفها التشهير بمؤسسة عريقة".
ومثلما هاجمت بعض الأوساط في الرعية، المدبر الرسولي، فان أوساط أخرى كان لها رأي مغاير، فزار وفد من شباب ورجال حارة النصارى في القدس، المدبر الرسولي في مقره بالبطريركية، وعبروا عن تضامنهم الكامل معه، مؤكدين بأن: "أبناء الرعية تثق بحكمة شخصه الكريمة وإدارته، وان أملاك الكنيسة في الأرض المقدسة هي أمانة في عنقه، ونحن على ثقة تامة انه لن يتخل عن شبر واحد منها لأنه حارس ومؤتمن على الأرض المقدسة".
وعبر المتضامنون مع المدبر الرسولي: "عن غضبهم من التراشق الإعلامي والسموم التي تبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي من بعض الخارجين عن وحدة الصف، والذي لديهم مآرب وأهداف وأجندات شخصية منها زعزعة الثقة بين أبناء الرعية و الآباء الأجلاء".  وأكدوا ان كنائسنا و رموزنا الدينية وآبائنا الأجلاء خط احمر".
ومابين المؤيدين والمعارضين للمدبر الرسولي، ميز البعض مواقفهم، مثل يوسف وليم حزبون، الذي قال: "قبل كل شيء المدبر الرسولي الحالي يحمل الكثير من المسؤولة على عاتقه، وهو أفضل ألف مرة من البطريرك فؤاد طوال الذي أوصلنا إلى هذه المرحلة".
وأضاف: "إذا كان الحل هو البيع لماذا لا تباع ٤٠٪ من أسهم جامعة مادبا لمستثمرين، وهل عرضت هذه الأراضي على كنائس وطنية أخرى؟ أو على رهبانات مثل الفرنسسكان ورهبان الكرمل أو غيرهم؟ هل تم محاسبة المتورطين في هذه الديون؟ هل يوجد فساد؟".
وطالب بنشر ما فعلته البطريركية من محاربة الفساد، والتدابير التي اتخذتها: "لأن هذا سوف يساعد الناس في الكنيسة على الوقوف إلى جانب المدبر الرسولي، وعلى الكنيسة إعطاء الأولوية لأبناء الطائفة المقتدرين على شراء هذه الأراضي بسعر عادل".
وختم حزبون كلامه: "الثقة كبيرة في المدبر الرسولي ولكن لن تستمر إذا لم يكن هنالك شفافية كاملة".