أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 31 مارس 2020

تل الزعتر برواية جبريل



يكذب أحمد جبريل قليلاً وهذا، بالنسبة لي، مؤكد، وربما يكذب كثيرًا، وقد يحتاج هذا لجهد يؤكده، وما بين الكَذبين، يرمي أبو جهاد أحمد، وهو الاسم الترميزي الخاص بقائد القيادة العامة، في قائمة آباء الجهاد الفلسطينيين، بشذرات مواقف ملتبسة في قضايا بالنسبة لمعظم الفلسطينيين، غير قادرة، شمس الظهيرة، على تغطيتها.
يتحدث أبو جهاد أحمد، بوصف وكيلاً نضاليًا لنظام الأسد، في قناة الميادين، وكيلة الإعلام الممانع، عن موقف النظام إزاء مجزرة تل الزعتر.
يقول، بان قوات الجيش السوري رابطت على بعد 5-6 كلم من مخيم تل الزعتر المحاصر، بفاشيي المارونية السياسية، وكان بإمكان الجيش العربيّ صاحب الرسالة الخالدة، التدخل، لمنع المجزرة، ولكنّه اكتفى بالتفرج، ولسان حاله إزاء حال 40 ألفا من الفلسطينيين والعرب داخل المخيم، متشفيًا بالقيادة الفلسطينية التي ناصبته العداء: فليذوقوا مرارة غيرنا.
يقر أبو جهاد أحمد بالرقم خمسة آلاف، ضحايا المجزرة. كم عدد السوريين منهم؟ لماذا لم يتدخل جيش الأسد، بحكم الولاية، لإخراجهم، وإنقاذهم، ليصبح الموت فلسطينيًا خالصًا، وهو ما يوافق رؤى، غير معلنة، لدى قيادة منظمة التحرير التي بحثت عن مجزرة، لتملك أيضًا هولكوستها. الهولوكست، كما عند غيرنا، يمكن، أن يكون يد قيادتنا الأمينة والحكيمة، ورقة تلوح بها. مخضبة بدماءٍ حمراء خالصة.
كم عدد الضحايا من حلفاء الأسد، داخل تل الزعتر، من وكلاء فلسطينيين، كعناصر جبريل، والصاعقة؟ الوكلاء أيضًا يمكن أن يُضحى بهم.
يشعر جبريل بحزنٍ، على الضحايا، محملاً، أبو عمّار، وأبو الميساء، وأبو النوف، وقائمة أخرى من الأبوات، مسؤولية المجزرة، لأنهم رفضوا اقتراحه الذهاب إلى دمشق، ومقابلة بطريرك آخر، الأسد الأب.
لن يُتوقع، من لبنان، السيّد والمستقل، أن يجري تحقيقًا في المجزرة، ليس من أجل الضحايا، ولكنّه، ليصبح فعلاً مستقلاً وسيّدًا، وستبقى ميليشيا الإجرام، تعمل وفق قانونه، ورموزها في مناصب القيادة.
الاسم الترميزي للوكيل النضالي، يحتاج أيضًا لعدة، كجاكت الجلد، والشارب الثوري، والشعر الراقص، واللسان المفرعن، القادر على الاقتراب، بين كَذبين، من ذكرى مجزرة، ليخرج القليل مما يحفظ المسافة بين المجرم والوكيل.

الأحد، 29 مارس 2020

إبراهيم ملحم ورفاق السوء..!



يكاد يكون إبراهيم ملحم، الوحيد من جيل السبعينات والثمانينات في مخيم الدهيشة، الذي تمتع بقدر من التدين العقلاني، وسط رفاقه الذين تأرجحوا بين الإلحاد، واللأدرية، والوجودية، وعصفت بهم الأفكار السوفيتية والماوية.
ليس من الغريب، أن تتمتع، إيجازاته الصحافية اليومية، بمنسوبٍ من الآيات القرآنية والأدعية، دون أن تحمل أية دلائل يمكن أن تُأول سياسيًا، أو اجتماعيًا.
ملحم، الذي بدت إطلالاته الصحافية، أنجح من نظرائه في دولٍ عربية، حظي برضا جمهور واسع، كما تبين من حجم الاعتراضات على ما كتبته ناديا حرحش.
قرأت مقال حرحش، مدفوعًا بالانتقادات التي وجهت لها، والتي دفعت وكالة وطن التي تعمل بها حرحش، إلى شطب المقال عن الفيس بوك وإبقائه على موقع الوكالة الالكتروني، بسبب حجم الاعتراضات من الفيسبوكيين.
لم أجد في مقال حرحش، أية إساءة، لشخص ملحم، وهذا ليس مهمًا، فمن حق الكاتبة/ب أن تنتقد، وبأكثر الكلمات فظاظة، أية شخصية عامة، أمّا ان يفضح مقال حرحش كل هذا الكم من المعترضين، فهذا هو الأمر الصاعق. من أية ثقافة جاء هؤلاء؟
إذا لم يكن بإمكان حرحش، انتقاد الناطق بلسان الحكومة، حتّى لو كان أسلوبها لا يعجب البعض، وأنا منهم، فما معنى الحديث عن حرية الرأي.
لا أعرف إذا كان الصديق إبراهيم، قرأ مقال حرحش، أم لا، ولكنني أعتقد بأنه لن ينزعج مثل من سنوا ألسنتهم وأقلامهم، بغريزة قبائلية، مطاردين امرأة خرجت عن وسم القبيلة.
تأثر ملحم برفاق "السوء" في مخيم الدهيشة، وعلم وتعلم منهم، وتعايش والتحم بهم، وتمايز، وتميز، وهذا التفاعل في مجتمع صغير تعددي، يمكن أن نرى نتيجته في إطلالاته التي جعلت الكثيرين، يتنطحون للدفاع عنه، وهو ليس بحاجة لذلك.
أظن أن رفاق السوء الحقيقيين، هم الذين أساءوا لحرحش، وهم يفعلون ذلك، يمكن أن يسيئوا لملحم.
ملحم، الموظف عند شعبنا، ليس بحاجة لمدافعكم، ولا نحن أيضًا..!

السبت، 28 مارس 2020

يا كورونا قول الحق..!



ما هي السيناريوهات المقبلة؟
لا أعرف، ولكنني اضطررت أن أهرف بما لا أعرف، فعندما أعلم بأنَّ سيدة تمكنت من التسلل إلى مجلس إدارة العالم، وعلمت بأنَّ الرأسمالية المتوحشة قررت فرض منع تجول على العالم، وعندما يكون لصحافيين، مصادر موثقة في المكتب السياسي للحزب الشيوعي في الصين الرأسمالية، فيعرفون بمخططاتها التآمرية على أميركا، وعندما يكشف البعض المخطط الكوروني لتنفيذ صفقة العصر، تصبح عدم معرفتي الجواب، أمرًا يمس شرف العائلة، والأسرة الصغيرة، التي فيها وجود ممانع قوي، وآخر تروتسكي طفولي، بالإضافة إلى تيار إسلامي تلفيقي.
هل سيكون العالم غير العالم الذي نعرفه بعد كورونا؟
لا أعرف أيضًا، ولن أضطر لأن أهرف بما لا أعرف، حتّى لو مسّ ذلك شرف العائلة، وسأهتف مع السكندريين في مظاهراتهم الصاخبة:
يا كورونا قول الحق
أنت فيروس وإلا لأ
لم أتثقف، بعلم المستقبليات كفاية. قرأت بشكل متقطع، ومنذ سنوات بعيدة مقالات للصحافي المصري راجي عنايت، المختص بعلم المستقبليات، ويبدو أنني كنت قارئا سيئا.
ولكني أستطيع أن أخمن؛ ستبقى فلسطين محتلة، وسأظلّ لاجئا وستقضم دولة الاحتلال وتبلع وتهضم، وسيظلّ الفلسطيني فأر تجارب في مختبراتها، ومشبوه على نقاط العبور العربية، مطوقا من دول الطوق.
ستظلّ منظمة التحرير، ممثلاً شرعيًا ووحيدًا حتّى معركة وعد الآخرة، التي يحلم بها وينتظرها الدكتور الزهار، للقضاء على اليهود، وستظل فرائص خالد سليم ترتعد كلما رأى اللوحة في مبنى المنظمة تشير إلى الدائرة العسكرية، وسيستمر عماد الأصفر، وهو رجل ذكي، في عدم فهم، لماذا هتف أولاد الدهيشة:
لأنصب دوشكا في عمّان
لعيونك رفيق أوجلان
مثلما لم أفهم أنا، الأقل ذكاء من عماد، لماذا هتفوا بعد ذلك بسنوات، لطارد أوجلان:
شبيحة للأبد..لعيونك يا أسد
سيظلّ الفلسطينيون يهتفون، في المظاهرات وجنازات الشهداء: خبير خيبر يا يهود، ناكرين جميلهم  عندما قدموا، وهم لاجئين شمال الأردن، خدمات لوجستية لجيش المسلمين في واقعة اليرموك.
وسيظلّ رصاص التنظيم وسلاح الشرفاء (والتعبير لمحافظ جنين أكرم الرجوب) يلعلع في السماوات العلى.
وسيظل الياسر، كاسرًا، وحبش حكيمًا، ونايف ثائرًا لا يتقاعد..! والرموز، قادة بحجم الوطن المبتسر..! وسيزداد أعضاء المكاتب السياسية واللجان المركزية والكوادر، أمبيبا..!
وسيظلّ الأقباط في القدس خائفين من سبي البربر وسيف المسلمين، وجزعين على عقيدتهم أمام اختبارات الهراطقة الملاعين، الذين يرسلهم الشيطان مزودا ألسنتهم ببلاغة الأقوال، وعقولهم بحجج لا ترد.
ولن أمنع عقلي، وأنا المنشغل دائمًا، من الانشغال بأغنية وردة: في يوم وليلة، وسأظل محتارًا في كيف كانت مشاعر بليغ وهو يسمع لحن عبد الوهاب يرقص على شفاه حبيبته.
لن يتغيّر أي شيء. إنه الشرق الذي لا يتزحزح..!

الجمعة، 27 مارس 2020

الهراطقة قادمون..!



لا يصدق أبناء الأرض، بأنَّ أُمهم، كعادة جميع الأمهات، يمكن أن تغضب، وتعبّر عن ذلك بشكلٍ دوري، في محاولة لتصحيح خلل، أو إعادة توازن، أو إرسال رسائل لأبنائها، أو لمجرد الغضب فقط.
ولكنَّ الأبناء غالبًا، لا يأبهون برسائل الأمهات، وإن فعلوا، فيكون ذلك بعد فوات الأوان، فيجنحون لتقديم تفسيرات دينية، أو خرافية، أو أيدلوجية، أو سياسية، أو علمية، أو يلجأون إلى نظرية المؤامرة.
أتذكر تلك المرأة التي أعرفها مسبقًا، عندما التقيتها في مستشفى بيت جالا الحكومي، وأكدت لي، وكانت أخبار الكورونا محصورة في الصين، بأنَّ الفيروس لا يصيب المسلمين. ما فاجأني هو منسوب اليقين المرتفع الذي تحدثت به.
كثيرون في زمن الوباء، يجدون أنفسهم، مدفوعين بغريزة رسولية، إلى إرسال الروابط والفيديوهات والرسائل عبر المسنجر، الذي أنا لست على وفاق معه، ولا أجيد استخدامه، فاختصر وأبتسر.
مما يصلني، ومما أقرأه، أجد أن مِن أبناء الأرض مَن يحاول تفسير الأمر علميًا، فيعزوه إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض مثلاً، أو أيديولوجيا، فإحدى الشيوعيات تعتقد بأن الرأسمالية اتفقت على حظر التجوال في العالم، لأسبابٍ امبريالية  تتفق مع أهداف الرأسمالية المتوحشة التي أنا لا أفهمها جيدًا، وهناك من يعتقد بأنَّ الرأسمالية المتوحشة تريد الانتقام من الرأسمالية الشيوعية الصينية، وهناك، أيضًا، من يؤكد بأن الصين هي صاحبة السبق الانتقامي.
أعرف ممانعًا يؤكد بأنَّ إيران هي المستهدفة، والدليل ببساطة أن الفيروس الذي ضربها أقوى أربع مرات من الفيروس العادي، ويغير من طبيعته كل أربع ساعات، مختبرًا ثورية الجمهورية الإسلامية.
وهناك من يشعوذ، دون أن تنقصه ملكة التخيّل والتأليف، فيستند إلى كتاب اسمه عظائم الدهور، على الأغلب غير موجود، ولمؤلف اسمه أبو علي الديبيزي، وعلى الأغلب لم يدب على أمنا الأرض يومًا، تنبأ بالكورونا، وكتب قبل قرون بحس رؤيوي يحسد عليه:
عندما تحين العشرون قرون وقرون
.....وقرون يجتاح الدنيا كورون
يواجه أبناء الأرض، الكورونا بطرقهم، ومنها الصلوات والأدعية، ويبدو رجال الدين، وهم يواجهون رعاياهم، في حالة من الصلوات الفكهة، وهم يخاطبون التجمعات، معتقدين بأن الكورونا قد تصيب غيرهم فقط.
الشيخ من قرية شقبا، الذي تعهد، متحمسًا وغاضبًا، بفتح 300 مسجدًا، بدلاً من المساجد الثلاثة التي أغلقت، لم يخطر بباله، بأن الفيروس لا يبعد عنه إلّا خطوات، وهو يطرق باب القرية، متوطنا فيها.
الرهبان الأقباط فوق كنيسة القيامة، يعيشون، كما يبدو، في القرون الأولى للمسيحية، رفعوا دعوتهم إلى السماء، ليحمي الكنيسة التي أغلقت أبوابها، متضرعين: "نجنا من الغلاء والوباء والزلازل والغرق والحريق، وسبي البربر ومن سيف الغريب ومن قيام الهراطقة... آمين".
ربما يعنون بالبربر والغريب، العرب القدامى، أمّا بالنسبة للهراطقة، فعليهم الخوف من عودتهم فعلاً. لولا الهراطقة العظام، وغير العظام لما تطور الفكر الإنساني.
ما يظهر من مواجهة أبناء الأرض، لغضب أمهم، أننا بحاجة للهراطقة أكثر من أي وقت. لقد مضوا دون إكمال مهمتهم.
أهلاً بالهراطقة..!


الخميس، 19 مارس 2020

كورنة جسد الفلسطينيّ...!



احتاجت دولة الاحتلال، إلى أداة جديدة، لإحكام سيطرتها على الجسد الفلسطينيّ في زمن الكورونا، فلم يكن فرض طوق أمني على أجساد البيتلحميين، كافيًا، وتنافسيًا مع إجراءات السلطة الفلسطينية، التي سبقتها بإعلان حالة الطوارئ، ودحرجة الخطوات.
فجر اليوم، تعمدت قوات الاحتلال، التي اعتاد الفلسطينيّ، على احتكارها لفرض التجول عليه، ومصادرة حيزه الفيزيائي، ونخر حيزه الذهني، إلى تحطيم حظر التجوال، الذي أقره رئيس الحكومة الفلسطينية على بيت لحم، دون أن يسميه بذلك، نظرًا للحساسية الاجتماعية.
بعد ساعات، من قبول البيتلحميين الطوعي، لفرض السلطة، لأسبابٍ وقائية، حظر التجوال عليهم، وعزلهم بالحواجز، والمكعبات الإسمنتية، والأمطار السماوية، تصل جرافات الاحتلال لتزيلها، وتقتحم مخيم الدهيشة، وتعتقل ثلاثة شبان وتمارس ما اعتدنا عليه من تحطيم أبواب، وتفتيش، وترويع، ولكن هذه المرة، استلزمت إضافة احتلالية، تناسب الزمني الكوروني.
رمت للمعتقلين زي وقائي لارتدائه، وكمامات، فجسد الفلسطيني موبوء، في حين أن الجنود، التي تسجل في دولتهم 100 إصابة جديدة بالفيروس يوميًا، لم يتخلوا عن زي الجيش الذي لا يقهر، ولم يرتدوا الزي الذي يمكن أن يساويهم مع ضحاياهم. ويمكن أن يتجسد جسد الفلسطيني، ليس بكونه يردي زي الفيروس المخيف، وإنا أيضًا بالفيروس نفسه، ما يجعل أصابع الجنود، ترتخي أكثر على الزناد، ويصبح الجسد الفلسطيني، هدفًا للقتل الفوري، وكأنّ بقتله، يقتل الفيروس. لذا يجب أن يتميز المحتل عن الذي يحتل، بالزي، وبغيره.
كلاسيكيات الاستعمار مستمرة لدى ما يوصف بأنه آخر احتلال على الكوكب الموبوء.
في ساعات النهار، تظهر جهة أخرى، القوى الوطنية في المخيم، تمارس أيضًا قدرتها على فرض حضورها، في الحيز المحاصر بالكورونا، والاحتلال، فتنظم مجموعة مناضلين يرتدون الزي الكاكي، الذي يحيل إلى سلطة عسكرية، والحطات؛ سمراء وحمراء، للدلالة على التنوع التنظيمي داخل المجموعة؛ فتح وجبهة شعبية على الأغلب، لتغلق المحلات التي لم تلتزم بحظر التجول الوطنيّ الرسميّ.
هل تحتاج الكورونا إلى مظاهر ميليشوية من ملثمين؟
تقبل الجهات الرسمية، بهذا الحضور التنظيمي، حتّى في ظلّ حالة الطوارئ، وصراع السيطرة على أَحْياز المثقلين بتاريخ طويل من الحفر على أجسادهم.
في حارتي، سأفتقد صديقي مصطفى. أفرج عنه قبل اقل من شهر. التقيته في اليوم التالي، قال لي بأنه عاد إلى الجامعة وأبرز لي أوراقا تفيد بذلك. قلت له عليك أن تعدني بأن هذه ستكون أخر مرة تعتقل فيها. عليك أن تنهي الجامعة على الأقل.
ولم أكن أدري بأنه كان علي أن اطلب وعدًا من جهة قاهرة، لا تطلب منها الوعود.
يئن جسد الفلسطيني وحيزه الذهني، من تعدد السلطات التي استحوذت عليه، وأممته. ولا أمل ولا كُوَّات ولا أنفاق أصلاً.




الجمعة، 13 مارس 2020

في مواجهة عدو غير مرئي..!



*مقاربات أولى في زمن الوباء..!
أكثر ما أثارني في رواية الطاعون، لألبير كامو، وصفه لمدينة وهران، مسرح الرواية، ولناسها.
قد يكون كامو، أراد بوصفه للمجتمع الاستعماري في وهران، في أربعينات القرن الماضي، أن يرمز، كما فسر كثيرون الرواية، ولكن ما همني هو السؤال حول تنميط مجتمع معين بصفات محددة.
سمعت من أصدقاء كثر، من خارج بيت لحم، عن صفات وجدوها في ناس المدينة، ولكنني لم أجرؤ، على التفكير بوجود صفات نمطية يمكن وضع مجتمع في قالبها. فقاومت غواية تقديم أوصاف لأهالي مدينتي. ولكن وجودي في المدينة الآن، كأوّل مدينة عربية معزولة بكورونا، وبالحصار الاحتلالي أيضًا، يجعلني أتأمل..!
عشت أنواعا مختلفة من الحصار في بيت لحم، منذ ثمانينات القرن الماضي على الأقل، كحظر التجوال الطويل، وحظر التجوال الليلي، والاغلاقات. واخرها ما جرى في انتفاضة الأقصى وحصار كنيسة المهد، والآن حصار كورونا.
رغم أنّه لم يمض على الحصار سوى تسعة أيّام، إلّا أنه يمكن تسجيل ملاحظات سريعة، مقارنة بتعامل المجتمع المحلي والسلطات النافذة، مع الأزمة، وأزمات انتفاضة الأقصى.
في انتفاضة الأقصى كانت الخسائر فادحة، ومرعبة، حتى أن الموت أصبح عاديا. وفي بيت لحم سُجلت أول عملية اغتيال، وتهجير للأهالي في بيت جالا بؤرة الأزمة الحالية، ولكن تعامل الجهة المسيطرة آنذاك، وهي الفصائل المسلحة، لم يتحل دائمًا بالمسؤولية، فسادت الفوضى، وارتكبت الحماقات، بل وأكثر من ذلك. ربما عدم التعامل بمسؤولية، هو استمرار لنفس أسلوب الحركة الوطنية الفلسطينية من الحاج أمين، إلى منظمة التحرير وفصائل المقاومة المختلفة، رغم أن العدو معروفا وواضحا.
في أزمة كورونا، يُلاحظ مسؤولية أعلى في التعامل مع الحدث، قد يكون أحد أسبابه، وجود سلطة أكثر بيروقراطية ومركزية وكلمة الرئيس هي النافذة، من سلطة الفصائل، وربما أن العدو الذي تجري مجابهته غير مرئي، يعزز هذا النوع من المسؤولية.
لا خسائر في الأرواح حتى الآن، وتعامل المجتمع المحلي مع الأزمة، هو في نطاق المتوقع، من المزاح، إلى الصدمة، إلى الالتزام.
وربما ساعد غياب الأحزاب والفصائل المختلفة، لصالح الحزب الحاكم، في تعامل أوفق مع الازمة، فلا وجود لأمور يمكن الاختلاف عليها بين الفصائل التي تختلف على كل شيء، وتفتقر الفصائل المعارضة، لأية مبادرات، إمّا بسبب أنها لم تتقن غير الكلام، أو لأنها عاجزة، وغير قادرة على الإقدام على أية مبادرات.
في ظل بطالة الفصائل، يتسلى بعض أعضائها، خصوصًا من الفصائل اليسارية، بغباء لا يحسدون عليه، في طرح الأسئلة والإجابة عنها، حول مسؤولية الامبريالية الأميركية عن الفيروس، منتصرين للصين الشيوعية، وإيران الثورة.
لا يخلو الأمر من مظاهر تتعلق بالتقاليد الكلاسيكية لدى السلطات العربية، فوسائل الإعلام الرسمية الفلسطينية، مثلاً، وكذلك شبه الرسمية، وتلك التي تدور في فلكها، لديها الاستعداد دائمًا للتأكيد على دورها، كبوق للسلطة القائمة، رغم أنها غير مضطرة أبدًا لذلك. بل إن ذلك في غير صالح المواجهة مع عدوٍ غير مرئي، ولم يكشف عن أنيابه بعد، ولديه الكثير مما يخفيه، وسيظهر في الأيّام المقبلة.



الأحد، 8 مارس 2020

الموت محاصرا بالكورونا والاحتلال..!



اتصل الأسير محمد شعفوط، يوم أمس الجمعة، بشقيقه أكرم، من معتقل عوفر، وطلب منه التحدث مع والدتهما، ليطمئن على صحتها. لم يتمالك أكرم نفسه، وأعطى الهاتف لشقيقه الأكبر علي، ليتولى إخباره، أصعب ما يمكن أن يسمعه ابن عن أمه، خصوصا إذا كان أسيرا.
لقد غادرت الأم صفاء شعفوط (أم علي) الحياة، ولديها حسرة على غياب ابنها محمد خلف القضبان، كما حدث لها كثيرا في رحلة الحياة في مخيم الدهيشة، منذ أن أتت من غزة لتتزوج قريب لها في المخيم، في سبعينات القرن الماضي.
لجأت عائلة شعفوط، من قرية الفالوجة، ومثل أغلبية العائلات الفلسطينية، تشتت داخل الوطن، وخارجه.
الابن أكرم أوّل جريح في انتفاضة الأقصى في محافظة بيت لحم، أطلق جنود الاحتلال النار عليه، وعلى رفيقه مصطفى فرارجة، في مدينة بيت جالا، فاستشهد الرفيق، ودخل أكرم في غيبوبة، وعندما أفاق، اعتبر رفاقه ذلك، عودة من موت مؤكد. وهو الآن ناشط في المؤسسات التي تعنى بالجرحى، وهمومهم الكثيرة.
لم تتمكن العائلة وأبناء المخيم من الصلاة على أم علي في مساجد المخيم، بسبب قرار إغلاقها، فصلي عليها في قاعة أسر الشهداء، وهي نفس المكان الذي تلقت عائلة شعفوط العزاء بفقيدتهم، بعد الدفن.
تتصدر القاعة، لافتة كبيرة، مقدمة من حركة فتح، وعليها صورة للمرحومة وابنها الأسير محمد الملقب بأبي رشيد، وهو ناشط مدني في حركة فتح في المخيم.
روى أكرم لمراسلنا: "قرر محمد، الذي عرف بأنه مطلوب للاحتلال، أن يظل مطاردا، حتى يمضي أكبر وقت مع والدته المريضة، والتي يعرف خطورة مرضها، ولكن جنود الاحتلال، تمكنوا من الوصول إليه".
وأضاف أكرم، وهو يجلس في قاعة العزاء، الذي ظهر بعض المعزين فيها، وهم يرتدون كمامات: "منذ اعتقال شقيقي محمد، امتنعت والدتي عن تناول الطعام، وتراجعت صحتها، وزهدت بالحياة، حتى أخذ الله وديعته".
صافح أفراد عائلة شعفوط المعزين، ولكن بدون أحضان أو قبلات، فأجواء فيروس كورونا، كان مخيما على قاعة العزاء.
شُيع جثمان أم علي، إلى مقبرة قبة راحيل الإسلامية، المحاصرة بقوات الاحتلال، تحت الأمطار الغزيرة، وبدا أن كل شيء يحيط بالجنازة، يجري في ظروف استثنائية، من صلاة الجنازة عليها خارج المسجد، إلى عدم سماح الاحتلال لأقرباء لها بالمشاركة في التشييع، كما حدث مع ابنتها تغريد المتزوجة في غزة، حيث لم يمكنها الاحتلال من الوصول إلى بيت لحم، إلى غياب ابنها محمد خلف قضبان سجون الاحتلال.
قال أكرم، بان أشقاء وشقيقات والدته، موزعون على المنافي، وبالطبع لم يتمكنوا من تشييعها إلى مثواها الأخير.
اكتسبت أم علي احترام أهالي مخيم الدهيشة، وغادرت، في ظروف صعبة يواجها الأهالي كباقي الفلسطينيين، دون أن تتحقق رغبتها بالعودة إلى الفالوجة، حتى لتدفن فيها.


الثلاثاء، 3 مارس 2020

عندما تكون الكتب أقنعة..!


























تنتمي هذه الرواية، إلى ما يمكن وصفه، أدب الارتقاء باليافعين، أكثر من كونها رواية لهم، رغم أنه لا يوجد ما يشير إلى أنها موجهة إلى جيل معين، ولكننا، بطرقنا السهلة، ندرك ذلك، ولكن هذا لم يحلّ بالنسبة لي، المقصود باليافعين، فنحن جميعًا يافعين، إزاء هذه الرواية.
أتذكر أكثر من كتاب لمارك توين، متوفرة هنا في مكتبة تنوين، نشرت تحت قناع كتب أطفال، وهي، في الواقع لم تكن كذلك.
الكتب أيضًا أقنعة، يا لفخر من يكتشفها..!
عمومًا...
هذا يطرح مسألة التصنيف، وإلى أي مدى تصح في بعض الأعمال، كرواية أحلام هذه.
ولا شك أن الأمر لم يكف غافلاً على الكاتبة أو الناشر، فتم تجاهل الإشارة إلى نوع الفئة الموجهة لها الرواية، باستثناء الإشارة إلى وصولها إلى جائزة مخصصة لليافعين.
تكتب أحلام، وفي مخيلتها، فتية أذكياء، هي على قناعة، بأنّه لا يجب الاستهانة بأدمغتهم أو بذائقتهم، أو حتى بقدراتهم اللغوية. وهذه، لا شك مغامرة، مثل كل المغامرات، غير مضمونة النتائج، ولكنها في الحالات كلها، تكنفها نشوة الغموض، والذهاب إلى الأمكنة غير المتوقعة، وهي بهذا لا تراهن على الفشل.
جمعت أحلام مجموعة من الفتيان، وأجلستهم على قمة تل العاصور، في ظلال واحدة من أشجار الخروب، أكثر أشجار فلسطين صمودًا، ومقاومة للغزوات البشرية والحيوانية، فهي، مثلا هي الوحيدة القادرة على صد هجمات الجراد. ولا شك أن شجرة أحلام، تمكنت من النجاة من فؤوس إبراهيم باشا المصري، والباشوات الأتراك، ولكل سببه، في معادة أشجار البلاد، وقهر العباد.
صنعت أحلام من ذكرياتهم، جدائل معرفة، وحب، وصداقة، وخيال، وأحلام، وحياة. لم ترهقهم، بمقولاتٍ أو أحداثٍ سياسية، أو مواعظ، وأفكار ٍكونية، بل تركت كل منهم، يضيف نسيجه الفردي، الخاص، لجدائل الحياة، والحزن، والفقد، والأمل.
تمثّل أحلام، في روايتها، مستوىً متقدمًا، مما وصل إليه أدب الفتيان العربي، وبدت شاهدة على تلك المسافة الطويلة، من بدايات المؤسسين، إلى جيل من الكتّاب والكاتبات، غرفوا مما وصل إليه نظرائهم في الدنيا، وتركوا بصماتهم الخاصة. وهذا هو، في النهاية الأدب.
ولكن على المقلب الآخر، هل تطور القارئ العربي؟ ولن يقبل بغير الذرى الأدبية.
*أنا أعلم بأنه لا يجب أن تنقد كاتبة مسلحة، لذا فإنَّ ما سأذكره ليس نقدًا، وإنما اعتبره تنويهًا. تلّ العاصور، هو في الواقع، ليس أعلى قمة في الهضبة الفلسطينية الوسطى، فقد سبق الخلايلة، أهالي التلال المسطحة، فجعلوا من جبل النبيّ يونس، أعلى قمة في جبال الخليل، والقدس، ونابلس.
*مسألة أخرى، قد لا تتعلق بأحلام، وبروايتها، وإنما أكثر بغيرها من الكتّاب. أحببت  لو أنها أسطرت تل العاصور، وذرت القليل من نفحاته التاريخية، وموقعه التدرجي وهبوطه العظيم إلى قاع العالم، المكان الذي رأت فيه أحلام الدنيا، وأصبحت امرأة الشمس. كاتبة الروايات التي نحبها.