أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 26 مارس 2013

شياطين الأنس يتسللون بخجل إلى مغارة الشياطين




كلما لاحت قمة من جبل (المحفور) وابتهج رفاق الصعود الذي يقودهم شكوت ريّان (28) عاما ابن قرية قراوة بني حسان، في محافظة سلفيت، لاحت قمة أخرى، حتى بدا ان صعود المجموعة التي هدها التعب بعد يوم طويل في البراري الفلسطينية، مجرد أمل مخاتل، مع اقتراب غروب شمس ذلك اليوم.

ريّان المهتم بتاريخ بلدته، دعا مجموعة من المهتمين، من بينهم مراسلنا، لكي يكشف لهم عن مغارة اسمها مغارة الشياطين، قال ان عدد الذي يعرفونها الان، لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة من أبناء قريته، وكان معنيا القاء المزيد من الضوء عليها إعلاميا وهي من المغر التي يوجد مثلها في فلسطين، ولعل اشهرها ما يُطلق عليها الإسرائيليون مغارة الشموع، التي تبعد 17 كلم إلى الغرب من بيت لحم، في الأراضي المحتلة عام 1948، وحولتها حكومة الاحتلال إلى حديقة وطنية، ويسمونها أيضا مغارة (سوريك)، نسبة إلى وادي الصرار، الذي يطلق عليه الاسرائيليون (وادي سوريك)، أمّا النموذج الأشهر عربيا، لمثل هذه المغر، فهو مغارة جعيتا اللبنانية.

الصور التي زود ريّان بها أصدقاءه، كانت مثيرة بجمالها، ولكنها أيضا أثارت عماد الأطرش مدير جمعية الحياة البرية في فلسطين، لأنها تظهر ان تخريبا متعمدا تتعرض له المغارة.

عندما وصل ريّان إلى قمة الجبل، وقف أمام ما قال بانها فوهة بركانية يسميها الأهالي (المحفور) والتي أعطت الجبل اسمه، وهي تجويف ضخم، وشرح: "يعتقد أهالي القرية بان المحفور فوهة بركانية خامدة، ولقد زارها اساتذة في الجغرافيا من جامعات فلسطينية، بطلب من طلابهم من ابناء القرية، واكدوا علاقة الحفرة بالبراكين، من خلال رواسب وجدوها على الصخور، ولكن لا شك ان الامر يحتاج إلى مزيد من الدراسة".

فرحة الوصول إلى قمة الجبل، التي تشكل جزءا من أرض ممتدة، عكره، عدم استدلال ريّان على المغارة، رغم انه دخلها قبل فترة وجيزة مع اصدقائه-كما قال.

من هذا الموقع، تظهر عدة مستوطنات يهودية، إحداها لا تبعد اكثر من نصف كلم، ومبنية على طراز المنازل العربية، ولكنها تبدو أكثر تنظيما، ويبدو من الاشارات التي وضعتها سلطة الطبيعة الإسرائيلية، ان ثمة مسارات مشي متعددة في المنطقة الخلابة، بجمالها وبتنوعها النباتي الذي جعل عماد الأطرش ان يكون الأكثر بطئا في الصعود وهو يلتقط الصور لكل نبتة يراها، وبعضها من النباتات النادرة.

قال ريّان، بانه يتم الاستدلال على المغارة من 3 أشجار خروب، ورغم الوصول إلى هذه الأشجار، إلا ان البحث لمدة نصف ساعة عن باب المغارة لم يجد، فاتصل ريّان، بأحد الذين يعرفونها، الذي أعطى "الإحداثيات" بناءا على أشجار الخروب.

وعندما وقف ريّان، أمام فتحة صغيرة، لا يمكن ان تلفت احدا، اقتنع رفاقه فعلا بصعوبة الاستدلال عليها، وكان لا بد ان يكون هناك شخص ما خارج المغارة، لان أي سقوط لحجر مجاور للفتحة، يمكنه ان يغلقها بسهولة، وسيعاني من بداخلها الكثير قبل ان تصلهم النجدة، هذا إذا وصلت. تبرع المصور الصحافي أيمن النوباني بحراسة باب المغارة، ولكن اصوات زملائه المندهشة في الداخل، جعلته يدخل، تاركا الامور لقضاء الله.

الدخول إلى المغارة يتم زحفا على الظهر، لنحو 3 أمتار، حتى يقف المرء ويجد نفسه في عالم اخر مظلم، وبالاستعانة بإضاءة قوية، تظهر صخور وردية، ومنافذ، وأشكال جميلة، تكوّنت عبر زمن لا يمكن تحديده، من نقاط المياه، والذي يطلق عليها العلماء الأعمدة الهابطة والصاعدة.

يقول الأطرش: "نحتاج إلى العودة إلى ملايين السنين الماضية، حتى نستوعب كيف تكونت هذه الأشكال البديعة، الحجر الكلسي يذوب ببطء شديد في ماء المطر لأنه مشبع بثاني اكسيد الكربون  وهذا الذوبان البطيء الذي يستغرق ملايين السنين بل البلايين يؤدي في النهاية إلى تكوين الكهوف الجيرية، التي نستمتع بأشكالها الجميلة والغريبة".

تتكون المغارة من أربع غرف، متنوعة الأشكال، ومثيرة بما تحتويه، ولكن تظهر بعض الاعتداءات عليها، حيث تم قص أعمدة ونقلها إلى المنازل، كما أفاد ريّان، رغم قلة من يعرف موقع المغارة. بالإضافة الى كتابة شعارات لتنظيمات فلسطينية.

يقول ريّان: "الذين كانوا يقصون الأعمدة، أصبحوا الان كبارا في السن، لا يستطيعون القدوم إلى هنا، ومن يعرفها الان فقط أربعة أو خمسة شبان".

بعد الغرفة الرابعة، لم تتم أية عملية استكشاف للمغارة، حيث تظهر بئر طبيعية، يبدو انها ننتهي في خزان مياه جوفية.

وحول تعرفه على المغارة يقول ريّان: "من عرفني عليها خالي نعيم سلوم، وهو استاذ لغة انجليزية متقاعد، وعلمت ان اوّل من اكتشفها، فلاح كان معزب في منطقة اثرية اسمها خربة شحادة، وكان يضع في المنطقة مصائد للنيص (الشهيم)، ومرة فرّ نيص عبر فتحة، فقرر الدخول خلفه، ليرى عجائب الطبيعة، موقع المغارة، والرهبة التي حولها، واسمها الذي لا أعرف من أين اتى (مغارة الشياطين) تجعل الناس لا تفكر بالبحث عنها أو الدخول إليها".

ورغم ان المستوطنين اليهود، يأتون بشكل دائم، إلى المنطقة، الا انهم، حسب ريّان لا يعرفون عنها شيئا، داعيا الجهات الفلسطينية المختصة الاهتمام بها والعمل على حمايتها، قبل ان يصلها الإسرائيليون.

عماد الأطرش، اعتبر ان هذه المغارة، رغم عمرها الطويل، ما زالت بكرا: "انها ما زالت تتكون، نقاط الماء تتساقط من سقفها، التخريب فيها ليس كبيرا، عمرها حسب تقديري الاولي ما بين 10-15 مليون عام".

وبالإضافة إلى هذه المغارة، هناك مغارة هربة باطن الحمام في بيت ليد، التي يقدر الأطرش عمرها بأكثر من 40 مليون سنة، ولكنها تعرضت وتتعرض للتخريب، ومغارة كلزون في عابود، والتي يقدر عمرها ما بين 20-30 سنة، والتي تعرضت وتتعرض للتخريب أيضا.

يعتقد الأطرش، ان الاهتمام بهذه المغر الثلاث من شأنه ان يشجع السياحة إليها من مختلف المناطق الفلسطينية، ويرى بانه لا بد ان يهتم جيولوجيو فلسطين بهذه المغر، لتقديم مسح علمي عنها.

الأحد، 24 مارس 2013

فلسطيني يا بطم

أخذ عماد الأطرش، مدير جمعية الحياة البرية في فلسطين، يلتقط الصور بشغف، على حدود غابة في وادي قانا، شمال سلفيت، قائلا: إن أهم ما يميز هذه الغابة أشجار فلسطين التي يصفها بالأصلية كالبطم الفلسطيني (اسمه العلمي: Pistacia palaestina‏).
قال الأطرش، وهو يلتقط أنفاسه: "يعيش البطم الفلسطيني، على السفوح الغربية لبلادنا، وهو جزء من التراث الطبيعي فيها، لكنه يعاني من القطع والتخشيب، ونحن في جمعية الحياة البرية ندعو وزارة الزراعة لوضع خطط في برامجها لزراعة النباتات الأصلية في فلسطين، هذه الغابة تضم البطم والنباتات الأصلية ولا وجود فيها لأشجار كالصنوبر والسرو، التي أدخلها البريطانيون إلى فلسطين بعد عام 1926".
وحسب الأطرش، فان أكبر شجرة بطم معمرة في فلسطين، تقع في قرية عمورية، لكنه ليس لديه فكرة عن عمرها.
ويخلط المواطنون أحيانا بين السرو والصنوبر، وشجرة الكريش، وهي شجرة أصيلة في فلسطين، وذكر ثمرها المقدسي البشاري (947-990م) في كتابه (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم)، مشيدا بحب الكريش الفلسطيني.
ويدعو الأطرش، إلى إشاعة مفهوم الحماية الطبيعية في فلسطين، للمحافظة على أشجارنا مثل البطم الفلسطيني، وهو شجر معمر، موجود في حوض البحر المتوسط، وأخذ اسمه من المكان الأول الذي سجل فيه.
يقول الأطرش: "أي اكتشاف علمي يعطى اسما لاتينيا من مقطعين، الأول يتعلق بالمواصفات كالصنف، والثاني يخص الموقع أو الشخص". ويضيف: "قبل 150 سنة، بدأت التسميات العلمية تطلق على النباتات والكائنات الحية، وتجري الآن، مراجعة للأسماء وتجديدها، ونواجه كفلسطينيين، خطرا لأن بعض أسمائنا مهددة مثل البطم الفلسطيني، أو عصفور الشمس الفلسطيني، المقترح تسميته بالعصفور البرتقالي، الأمر لا يخلو من هدف سياسي، يجب ألا نكون غائبين عما يجري".
ولم يتحمل الإسرائيليون، تسمية البطم بالفلسطيني، ويطلقون عليه (ايلاه)، واضافوا اليه كلمتي (ايرتسيسرائيليت)، أي البطم الذي ينمو في "أرض اسرائيل".
يقول الدكتور شكري عراف: "البطم من الأشجار الحرجية المعمرة، وهو ينمو في جميع أنواع التربة، تطورت هذه الشجرة في الأماكن التي حافظ عليها الانسان من الرعي والقطع. اذ بلغ ارتفاع بعض أشجارها عشرة أمتار، أما في المناطق التي تعرضت للعمليتين السابقتين فقد نمت بشكل أجباب وشجيرات صغيرة".
ويضيف: "أوراقها مركبة مريشة، تتساقط في فصل الخريف، لكن الشجرة تبدأ بالتبرعم مع قدوم فصل الربيع، وبعد التلقيح تحمل أغصانها ثمارا صغيرة دائرية على شكل عنقود، منها تتغذى الطيور والنمل. تنتشر بواسطة زرق الطيور، عندما تتوفر لها عفنة مظللة ورطبة. كثيرا ما نلاحظ تورمات على النبتة لها شكل القرون، تنتج من حشرات تدخل مادة إلى الأوراق وتحدث انتفاخا فيها يسمى (العفْصة) كما يحدث في الميرمية وغيرها من النباتات التي تصاب بهذا التورم".
وحسب عراف الذي أصدر مجلدا عن النباتات في الكتاب المقدس: "استعمل القرويون ثمار البطم في الخبز، وسموا الخبز الذي تدخله ثمار البطم (دكاديك) أي (قراقيش) البطم، لأن الخبز مع الثمار يقرش عند أكله، ويميل لون الثمر الذي يدخل في هذه الأكلة إلى الخضرة، وهناك من أكل أغصان البطم الطرية العليا. استخرجوا من الثمار الناضجة زيتا طيارا استعملوه في دلك الاجسام التي تعرضت للآلام. وركب بعضهم الفستق الحلبي على أغصان شجرة البطم".
واحصى عراف، أكثر من 120 موقعا في فلسطين ترك البطم اسمه عليها، منها: أكثر من 65 حوضا، و15 واديا مثل شمال غرب بيت قاد، وجنوب غرب عين ماهل، ووهدة الرامان، وشرق عتير، وجنوب غرب الدوايمة، وجنوب دير غزالة".
وسميت نحو 13 خلة بالبطم، في الخليل، وسبسطية، والظاهرية، وكفر ثلث، وقنير والمغار.
وتحمل 10 خرب اسم البطم في دورا، وشرق بئر السبع، وجنوب غرب جرجا، وجنوب الشيوخ، وجنوب شرق تل الصافي، وطمون، وقباطية.
وسميت 3 آبار على الأقل باسم البطم، في الخليل، وسبسطية، وقباطية، وتحمل 3 عيون اسمه في بيتللو، وأبو شوشة، وصفد، ويحمل جامعان اسمه في ياسوف وبيت صفافا، وجبلان في أم بطمة، وكفر اللبد، وموقع واحد لكل من: تل وسط مرج البطوف، ومغارة في عرب العرامشة، وشارع في يافا، وقرية البطيمات/الروحا، جسر شرق الحمة/اليرموك.
ويقول الشاب شوكت ريان، من قرية قراوة بني حسان إن ثمار البطم تدخل في صناعة (الدقة) المحلية مضافا الى الزعتر ومكونات  أخرى.

الثلاثاء، 19 مارس 2013

بقايا الولجة القديمة




على أنقاض منازل قرية الولجة المدمرة، ومقبرتها المنبوشة، يتنزه إسرائيليون، في مسارات مشي، وضعتها سلطة الطبيعة الاحتلالية، وطرق تم شقها للسيارات، وأخرى للدرجات الهوائية.

حولت سلطات الاحتلال القسم الذي احتلته من قرية الولجة، جنوب القدس، عام 1948، والذي يسمى الان الولجة القديمة، الى غابات تمتد الى قرى مدمرة اخرى، في فضاء ارادته ان يكون "سويسريا" ليلائم طبيعة المستعمرين اليهود الذين اتوا من خارج فلسطين، وقليل منهم يأبه للآثار الباقية للولجة المدمرة، التي لم تستطع كل العقود الماضية بعد النكبة من محوها.

وتطلق جمعية (ذاكرات) الإسرائيلية، التي تسعى لرفع ما تصفه الوعي لدى الجمهور الإسرائيلي بالنكبة، قرية الولجة، بانها قرية العيون، والتي تُعتبر من اكثر المقاصد السياحية للإسرائيليين، في حين ان أيا من مواطني الولجة الجديدة، التي أُقيمت على ما تبقى من اراض القرية جنوب سكة الحديد القدس-يافا، معرض للاعتقال اذا حاول تجاوز السكة، ليلقي نظرة على بقايا منازل الاجداد.

وفي وسط الولجة المدمرة، ثمة مجموعة من العيون التي أدخل المحتلون، عليها تعديلات لتناسب وظيفتها لخدمة المستعمرين الجدد، مثل عين البلد، التي يقع بالقرب منها مسجد الاربعين.

ويحلو لأبناء قرية الولجة، إعادة هذه العين الى العصر الكنعاني، ويستدلون على ذلك من طريقة بنائها والنفق الذي حفر في الصخر ومنه تنساب المياه الى بركة.

في العصر الاسلامي طرأ تغير على النظام المائي لهذه العين، حيث تم جر مياهها عبر قناة لتوصيلها إلى مسجد القرية، والاستفادة منها في الوضوء والطهارة، اضافة الى دورها كمورد ماء رئيس لأهالي القرية، أما الماء الزائد عن حاجة الناس، فيسير عبر قنوات لسقي جنان القرية التي بنيت على مدار عهود.

الان اصبحت العين، مستهدفة من قبل المتدينين اليهود، مثل عيون الولجة الاخرى، لاستخدامها بطقوس الطهارة والتعميد الخاصة بالدين اليهودي، حيث تلعب مياه الينابيع دورا مهما في ذلك. ويدخلون الى نفقها عراة، للاستحمام.

وقال احد المستوطنين اليهود الذي كان وصحبه يستمتعون بمياه العين لمراسلنا، بان ثمة ما وصفه صراع على هذه العين بين السلطات الرسمية والمتدينين، على وظيفتها، حيث تسعى سلطة الطبيعة الاحتلالية الى توسيعها لخدمة المتنزهين الاسرائيليين الذين يزداد عددهم. في حين يريد المتدينون المحافظة عل وضعها كما هي.

وغيرت سلطات الاحتلال اسم العين الى (نبع ايتمار) ووضع المحتلون، لوحة على أعلى مدخل النفق، تشير الى ان اسمها الجديد، نسبة الى ايتمار دورون "الذي قُتل في هذا المكان بتاريخ 13.10.1998". (نشكر المدون محمد أبو علان على ترجمته للوحة خدمة لهذا التقرير).

ويروي من تبقى من سكان القرية في (الولجة الجديدة) بعد احتلال أرضهم شمال سكة الحديد ان المحتلين لم يتمكنوا من هدم مسجد الاربعين، رغم عدة محاولات، ويتم تداول حكاية اسطورية بكثير من الرهبة، وهي ان احد العملاء العرب، نبه قوات التدمير الإسرائيلية، بانه لا بد من وضع 40 لغما، لتدمير المسجد، وهو ما حدث. ولكن يبدو ان القوة التي اكتسبها المسجد من الأربعين قديسا (كما يفترض) الذين لا نعرف عنهم شيئا، تغلبت نسبيا على الأربعين لغما، فما زالت بعض جدرانه صامدة، ويتفيأ المستوطنون في ظلها.

ومثل بقايا المسجد، صمدت بقايا أخرى، بشكل بيدو غريبا، في مواجهة حملة التدمير والتطهير العرقي القوية، مثل دوامر حديد لمنازل ما زالت مثبتة في الارض، وبقايا قبور على فتحات تم تفريغها من العظام، أما النبات الذي يفخر الفلسطينيون به بشكل يضعونه في مكانة رمزية تعبيرا عن الصمود، وهو الصبر، فينتشر في كل مكان، بين الانقاض والسلاسل الحجرية، التي احتار الاثاريون الاسرائيليون بها، وأعادوها الى اكثر من 7 الاف عام.

الأحد، 17 مارس 2013

‏‏مصورو بيت لحم: خلدوا زمنها ونسوا انفسهم..!!


يتضمن كتاب (بيت لحم ومصوروها)، الصادر حديثا عن (ديار للنشر) في بيت لحم، مجموعة من الصور النادرة، لمخيم الدهيشة للاجئين، في بداية تأسيسه، توثق لمعاناة سكانه.
والكتاب من تحرير متري الراهب، الذي سلط الضوء على مجموعة الأب هربرت ايدر (1926) لبيت لحم ولمخيم الدهيشة، والتي تظهر فيها النساء اللاجئات حافيات وهن ينقلن الماء والحطب إلى الخيام التي تأوي عائلاتهن.
ومن صور الكتاب المؤثرة، المتعلقة بأطفال اللاجئين الرضع في الخيام، وحسب احصاءات، فان 40% من أطفال المخيمات ماتوا بين عامي 1948-1965م، ويمكن تصور ذلك من الصور التي تكشف ظروف حياتهم القاسية.
وقال الراهب: "ولد هربرتايدر في النمسا عام 1926، درس البيولوجيا ثم انتقل في عام 1949 إلى اسطنبول حيث عمل اولا مدرسا ومن ثم مديرا لكلية القديس جورج. في عام 1950 قام هربرت برحلة إلى سوريا ولبنان وفلسطين. حيث وثق بعدسته معالم هذه المنطقة وعلى الاخص حياة سكانها اليومية ووظفها للحوار بين الحضارات والاديان. في عام 1970 رجع إلى النمسا حيث عمل مدرسا ومن ثم كاهنا في الكنيسة الكاثوليكية".
ويستعرض الدكتور عدنان مسلم، دور الاخوين إبراهيم وبدر الأعمى (لاما) في صناعة السينما المصرية، الاخوان لاما من بيت لحم، وعندما عادا من مهجرهما كانا ينويان تأسيس صناعة سينمائية في فلسطين، ولكن لدى نزولهما الاسكندرية، وجدا مصر، أكثر ملاءمة لمشروعهما التأسيسي الكبير.
ويقدم الدكتور قسطندي الشوملي، للحياة الاجتماعية في بيت لحم من خلال التصوير السينمائي، وذلك من خلال مجموعتين من المقاطع الفيلمية لمشاهد من مدينة بيت لحم صورت الاولى عام 1919، والمجموعة الثانية صورها الفرنسي كميل سوفاجو (1889-1961).
ويستذكر جورج ميشيل الأعمى، المصور زخريا أبو فحيلة (1885-1951)، واليه تعود اولى صور الزفاف التي التقطت في بيت لحم عام 1907، ويشير الأعمى إلى علاقة ربطت أبو فحيلة بالمصور الفلسطيني خليل رعد. في ستينيات القرن الماضي هُدم استوديو أبو فحيلة في ساحة المهد، مع بنايات أخرى لتوسيع الساحة، وحسب الأعمى فان عائلة أبو فحيلة تشتت ولم يبق منها أي فرد في بيت لحم.
ويكتب متري الراهب عن المصور توفيق باسيل (1888-1961)، معتبرا اياه: "شيخ المصورين في عائلة باسيل، وهو الابن الأكبر لمختار الطائفة الانجيلية. ورّث مهنته لابنه خليل".
وتقول نانسي سلسع ان المصور يوسف الشامية (1891-1991) أسس في عام 1942 شركة (المصورون الشرق اوسطيون في فلسطين)، التي هدفت إلى انهاء الاحتكار اليهودي لسوق التصوير وتوحيد المصورين الفلسطينيين.
ويبدي متري الراهب اهتماما خاصا برائدة التصوير الفوتوغرافي في فلسطين كريمة عبود (1893-1940)، والتي ولدت في بيت لحم للقس سعيد عبود راعي كنيسة الميلاد الانجيلية اللوثرية، وكان لها عدة استوديوهات في حيفا، والناصرة، وبيت لحم، وربما في القدس.
يقول الراهب: "لكونها امرأة التقطت كريمة بعدستها كما هائلا من صور النساء والأطفال، والتي نستطيع بواسطتها التعرف على جوانب كثيرة من الحياة الاجتماعية في فلسطين في فترة الانتداب البريطاني".
ويكتب جورج الأعمى عن عيسى الزغبي (1908-1999) الذي بدأ حياته المهنية برسم اللوحات، ومنها للملك فؤاد الاول ملك مصر عام 1926. ساهم مع شقيقته منّه في توثيق التحف الصدفية الذي اسسه والدهما في الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
وعاش المصور سمعان السحار (1915-1993) ظروف النكبة واكتوى بنارها، فعائلته خسرت أملاكها في القدس الغربية، ولجأت إلى بيت لحم، ووثق لحظات واحداثا تاريخية عام 1948.
وحسب متري الراهب، فان سحار، كان أحد المصورين الرئيسيين المعتمدين من قبل البلاط الملكي الاردني، واعتمدته الاونروا مصورا لخدماتها، وعمل مصورا حتى رحيله.
أمّا المصور ميشيل باسيل (1921-2003) فورث مهنة التصوير عن والده خليل وجده توفيق، وورث استوديو التصوير الخاص بالعائلة في حارة العناترة، وبقي هناك حتى ستينيات القرن الماضي، حيث ترك التصوير، ولكنه ترك مجموعة مهمة من الصورة التي تخلد لحظات مدينة وناسها، في اوقاتها القلقة، وما اكثرها.
وتكتب نانسي سلسع عن موريس ميكيل (1932-) الذي بدأ العمل كتقني في سينما ركس في بيت لحم، وافتتح أستوديو خاصا به عام 1957 بالقرب من ساحة المهد، حيث ذاع صيته، وأصبح بعد عام 1967، المصور الرئيس للعديد من المؤسسات الاهلية والدينية في بيت لحم، وتكاد لا تخلو مناسبة في المدينة، من حضور عدسته.
ويعتبر ديفيد داود (1946-) أشهر مصوري بيت لحم، واخر الكبار في مهنة، تتعرض للانقراض بسبب الغزو الرقمي، وهو ما شكا منه في حديث لمراسلنا، ورغم انه استفاد من التقنيات الرقمية، الا انه حافظ على ما يقول بانها اسس المهنة.
وحسب نانسي سلسع، فان داود، بدأ العمل مع عمه عبد النور اسحق في استوديو خالد بين عامي 1964-1968، وبدأ التصوير منذ عام 1960 حتى الان، خط طريقه وحده منذ عام 1978.
مصورو بيت لحم الكثر، من العرب والأجانب، خلدوا زمنها الذي مضى، ومنازلها التي لم يعد لها وجود، وابناءها الذين هاجروا، وازياءها التي توارت، وارثها الذي يتبدد، وهذا الكتاب محاولة، للإضاءة على من وقفوا خلف الكاميرات، ولكنها لم تتمكن من ذكرهم.
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=3&id=200027&cid=2888

الثلاثاء، 12 مارس 2013

وداع مُرّ لزمن مضى في ملحمة روائية لأسامة العيسة

جميل ضبابات*
في تجربة روائية جديدة استعاد الكاتب الصحفي الفلسطيني أسامة العيسة، حكايات وأساطير المدينة التي صنعت هوية بيت لحم الحديثة عبر حاراتها، وناسها، والاحتلالات التي تعاقبت عليها.
وفي روايته الجديدة التي جعلت حجارة بيت لحم تتكلم لغة مؤلمة، يرصد الروائي الذي بدأ بمشروع روائي يغلب عليه طابع التشاؤم التغيرات الدراماتيكية التي حدثت لها خلال فترة قصيرة وتكاد تصل الى حد ملحمة اسطورية.
"بيت لحم. يا بيت لحم...يا قاتلة العشاق والأنبياء" هكذا انتهت الرواية، بنداء المدينة القاتلة. فالرواية التي صدرت مؤخرا عن دار الغاوون للنشر في نحو 300 صفحة رصدت تراجع النخب الثقافية التي قدمت نفسها بعد الاحتلال الاسرائيلي في حزيران 1967 كنموذج معين وتصارعت ما بينها لكسب الجماهير بتقديم وعود لها لكنها، وبشكل سريع ومفاجيء القت أسلحتها، وربطت نفسها ببرامج وأموال تاتي عبر الحدود، وهو ما لا يستطيع بطل الرواية رائد الحردان فهمه، عندما يجد مزايدي الأمس هم في طليعة المشاريع المثيرة للجدل.
يحضر في الرواية أشخاص باسمائهم الحقيقية، وذلك جزء من اللعبة الروائية، التي يمتزج فيها الواقع بالخيال، بالبحث الميداني الذي استمر لسنوات. يقول كاتبها: ان البحث عن الشخوص والأمكنة قاده الى اسطنبول لمعاينة مسجد السليمانية وقبري السلطان سليمان وزوجته خاصكي، وهي إحدى اساطير بيت لحم، التي ما زالت تؤثر في حياة المدينة اليومية من خلال ملكيتها لأراضيها.
قال العيسة: "مزجت في الرواية بين أسماء حقيقية، زججت بها في أتون الاحداث دون استئذانها، بعضها كان رحل عن عالمنا، والآخر ما زال موجودا، استخدام الأسماء الحقيقية هو ليس فقط جزءا من الشكل الفني للعمل الروائي، ولكن أيضا كنوع من التحية لهم".
"لم أحاول أبداً خلال كتابة الرواية السيطرة على شخصياتها، وهذا لم يكن في الواقع رغبة مني، بقدر ما ان هذه الشخصيات امتلكت منذ البداية القدرة على التمرد والاستقلالية، وأخذت تقودني. شكرا لها لانها كانت أبعد نظراً وعمقاً مني".
وأضاف: "الرواية تسعى لاستعادة هوية بيت لحم التي خبرها الراوي رائد الحردان، ويحاول التوقف عند هويتها التي نراها بعد عشرين عاما من الغياب خلف القضبان بانها تتغير، فوجد السينما وقد أغلقت، وتراجعت الحياة المدنية في المدينة، وتوارت الأفكار العلمانية حتى في المؤسسات الأكاديمية ".
تبدو الرواية محاولة للبحث ليس فقط في تاريخ المكان، بل ايضا بحثا عن هوية متطورة وفي حالة ديناميكية، هي رواية ليست فقط عن المكان ولكنها أيضا عن الهوية. وهي أيضا رواية تنبش في رماد الذكريات.
هي رحلة للكاتب في المكان، واكتشافه لخباياه، فقد حاول العيسة ان يشارك القراء في الاكتشاف ودهشته، بدون أية آراء أو مواقف مسبقة.
"درج الروم " هو البقعة الجغرافية المميزة في الرواية، هو واحد من أطول وأهم أدراج بيت لحم القديمة، سمي بذلك نسبة لكنيسة الروم الكاثوليك التي تقع بجواره، وتخص أولئك المسيحيين العرب الذي اعتنقوا الكاثوليكية، وفي الوقت ذاته حافظوا بتصميم على عروبة الكنيسة، ويفخر حتى رجال الدين الاجانب فيها بعروبتها.
"درج الروم" يوصل إلى شارع النجمة، وهو أهم شوارع المدينة التي تتحدث الحكايات على ان العذراء مريم سارت فيها، ودخلت من بوابتها الى مدينة بيت لحم، وهي تعتبر الآن مسار البطاركة الذين ياتون الى بيت لحم كل عام، وتم تسجيلها مع كنيسة المهد ضمن لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو.
والعمل هو بشكل او بآخر تحية لشخوص المدينة الذين لوّنوا حياتها بهجة ومقاومة مثل جبرا ابراهيم جبرا، والبطل احمد عبد العزيز، وانطون دواد، وبِرت معلوف اللبنانية واحدى رائدات الحركة النسوية في فلسطين قبل النكبة، والتي واصلت مسيرتها رغم مقتل زوجها الدكتور في حوادث القتل العشوائي التي ترافق أعمال المقاومة.
الرواية حكاية حب لمدينة لم تعد كما كانت، وهذه حقيقة تقدمها الرواية بدون رتوش، انها قبلة بيت لحم الأخيرة، قبلة الوداع لزمن مضى، وحل محله زمن اخر، بعيدا طبعا عن دموع النستولوجيا الفجة، وانما وداع مؤثر وحقيقي لبيت لحم التي كانت، المدينة التي أطلقت للعالم رسالة السلام، ولكنها لم تنجح في صنع سلامها الخاص.
الراوي كلي المعرفة في الرواية، هو رائد الحردان الذي أمضى في السجن عشرين عاما، ترك مدينته وخرج ليجد أن كل عوالمه انتهت، هو جزء من حراك الحركة الطلابية النشطة في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، تمثل حبيبته سميرة نموذجا اخر لمن نشطوا في ذلك الحراك، الذين انتهوا نهايات غير متوقعة أبداً، بقيادة منظمات ا'لان جي اوز' ( المنظمات غير الحكومية)، التي ما زال الكثير منها يثير جدلا في الساحة الفلسطينية.
قال العيسة: "لم يكن لدي أو لدى شخوص الرواية أية أوهام رومانسية عن واقع متحرك أو متقلب، ولكن يبدو انه كان فاجعا اكثر مما يمكن تصوره في اكثر الروايات جنوحا عن الواقع".
يقول كاتب الرواية "في بيت لحم مثلا التي كانت تمور بالحياة المدنية، فيها دور سينما رئيسة من اولى دور السينما التي تأسست في الضفة الغربية، تم في بداية الانتفاضة الاولى مهاجمتها بالحجارة وإغلاقها، زمن السينما الجميل في بيت لحم الذي صاغ وجدان أجيال من أبنائها انتهى هكذا بمزحة، بقرار، قد لا يهم ذلك الآن، ولكنه كان حاسما في وضع حد نهائي لعصر مدني في بيت لحم، التي صاغ مسيحيوها ومسلموها ثقافة واحدة، هي مزيج من تطورات الهوية الفلسطينية، وجذور يعود بعضها الى سبعة آلاف عام".
يبدو أن كل شيء من ذلك انتهى الآن. يُذكر ان الكاتب أسامة العيسة أصدر قبل سنتين رواية "المسكوبية" فيما انتهى من مشروع روائي جديد هو "مجانين بيت لحم".

السبت، 9 مارس 2013

عبد لاند




يخوض عبد الفتاح عبد ربه (55) عاما، الصامد في أرضه في قرية الولجة، جنوب القدس، صراعا محتدما مع حكومة الاحتلال، على المغارة التي ينام فيها.

ويعيش عبد ربه، في قطعة أرضه، التي تعتبرها حكومة الاحتلال شوكة في التمدد الاستيطاني، في منطقة استراتيجية، جنوب القدس، منذ 18 عاما، يصفها بانها معركة كفاح لم تهدأ مع حكومة الاحتلال التي تنوي طرده من أرضه. لربط مجموعة من المستوطنات واقامة مستوطنة باسم (جفعات يائيل) على اسم عين يالو، التي يُطلق عليها المحتلون (عين ياعيل).

ونجح عبد ربه، في استقطاب متضامنين من مختلف أنحاء العالم، الذين يطلقون على أرضه التي تعتبرها حكومة الاحتلال جزءا من حدود القدس المحتلة، (عبد لاند).

وكانت عائلة عبد ربه، لجأت إلى مخيم الدهيشة بعد النكبة، واحتلال القسم الأكبر من قريته الولجة، وبعد احتلالها لمن تبقى من القرية في حزيران 1967، ضمتها بدون السكان إلى حدود القدس وفقا للرؤية الاحتلالية.

وعاد عبد ربه إلى أرض جدوده، يعيش حياة بدائية بدون خدمات، وينام في مغارته، رغم المحاذير المحدقة، لعدم وجود جيران في المنطقة، بينما تمر من جانبه طريق استيطانية شقتها حكومة الاحتلال لربط مستوطنات أُقيمت في رأس بيت جالا، بالقدس.

وغير بعيد عن مسكن عبد ربه، أقامت قوات الاحتلال حاجزا عسكريا، بجوار سكة حديد القدس-يافا، بينما سيارات الأمن التابعة للجيش والمستوطنات، تدور في المنطقة على مدار الساعة.

ولم يكن صمود عبد ربه، بدون تحقيق انجازات، فهو نجح، وبعد معارك قضائية مع الاحتلال، من تثبيت حقه في الحمام الذي بناه، بشكل بدائي، وكانت سلطات الاحتلال قررت هدمه، ولكنها اخفقت أمام صمود عبد ربه، والأمر نفسه ينطبق على عريشة بناها له متضامنون، وكذلك أرضيتها التي أُنجزت بفضل متطوعين من إيطاليا، ويقول عبد ربه وهو يتصفح مجموعة من الدفاتر التي علق ووقع عليها زواره: "لقد كسبت معركة الحمام والعريشة، وهي انجازات اعتبرها هامة جدا، وانتظر ماذا سيحدث في معركة المغارة، حيث ستعقد جلسة في شهر نيسان المقبل للبت فيها، وامل ان اكسبها حتى احافظ المكان الذي اوي اليه في الليل".

ويحاول عبد ربه، ان يثبت بان مغارته هي عبارة عن تجويف طبيعي، ولم يحدث عليها اية تغيرات، وانتدبت المحكمة احد العاملين في الاثار لتفقد المغارة، الذي اقر، كما يقول عبد ربه، بانها مغارة طبيعية.

يفخر عبد ربه، بانه اصبح نموذجا للصمود، ويقول وهو يشير إلى الأشجار والنباتات التي زرعها: "هذه جنتي الصغيرة، لن ارحل، مهما كانت الصعاب".

الجمعة، 8 مارس 2013

صرخة ضد الاعتقال السياسي

تستعيد مسرحية (مذكرات الدكتور بالمي: ماريا سولا) أجواء الحرب الاهلية الاسبانية، وتركز على قضية الاعتقال السياسي، وأرادها كاتبها انطونيو بويرو بايخو، ان تكون صرخة احتجاج على القمع والتعذيب الذي تمارسه السلطات ...الدكتاتورية في كل الازمنة، وهو الهدف ايضا من العرض الفلسطيني، المعد عن المسرحية بدعم من الصندوق الثقافي الفلسطيني-وزارة الثقافة.
أعد المسرحية وأخرجها أكرم المالكي، ومثّل فيها دور دكتور بالمي، الاخصائي النفسي، الذي يعالج دارنيلو (كامل الباشا) المحقق الذي يمارس التعذييب ويصاب بالعجز الجنسي، في ربط قد يتجاوز الجانب الرمزي بالعجز السياسي وإدانة الاعتقال السياسي.
الشخصية النسائية في المسرحية هي ماريا (ريم تلحمي) الزوجة المحبة الصابرة على عجز زوجها، والتي تكتشف حقيقة عمله والجرائم التي ترتكب، خصوصا بعد اطلاعها على تعذيب واغتصاب صديقتها لوسيلا (شادن سليم).
يحاول بابا جدو (ماجد الماني) معالجة ابنه دارنيلو بالوصفات ولكنها تفشل، وتنتهي المسرحية بعظة على لسان الدكتور باملي، تدين الاعتقال السياسي، وكأنه يريد ان يُسمع الاطراف المتصارعة في فلسطين، والذين يمارسون الاعتقال السياسي، وفقا للتقارير الهيئة الفلسطينية لحقوق الانسان-شبه الرسمية.
إذا أردت ان تتحدث عن ما يجري في فلسطين، فتحدث عن ما جرى في أسبانيا، وبتمويل من وزارة الثقافة الفلسطينية.
في الكتيب التعريفي بالمسرحية نقرأ: "في منطقتنا هناك أنظمة ديكتاتورية تنهار ولكن للأسف تقوم مكانها أنظمة ديكتاتورية من نوع اخر. هذه المسرحية هي صرخة تحذير من استمرار هذا المسلسل الدموي والدعوة لقيام نظم أكثر عدالة واكثر ديمقراطية وانفتاحا على الاخر المختلف في المجتمع".

السبت، 2 مارس 2013

عندما أنشد معروف الرصافي لتلاميذ فلسطين

عاش الشاعر العراقي معروف الرصافي (1875 - 1945 م) فترة من حياته في القدس، وكان جزءا من فضائها الثقافي، المتفتح على بزوغ القرن العشرين الجديد آنذاك، وما حمله "قرن العلم والتقدم" هذا من آمال لمثقفي فلسطين، الذين فجعوا لاحقا بالمآسي وضياع وطنهم.
ويمكن تلمس حضور الرصافي الثقافي في فلسطين، في مصادر قليلة، مثل يوميات المربي خليل السكاكيني (1878 – 1953)، ولكن بعض جوانب ذلك الحضور بقيت مجهولة، أو لم يسلط عليها الضوء الكافي، مثل مساهمته التربوية، التي تظهر في مجموعة من الأناشيد المدرسية صدرت بالقدس عام 1921.
ووفقا لما تضمنه كتيب "مجموعة الأناشيد المدرسية" الذي ضم منظومات الرصافي لتلاميذ فلسطين، يبرز دور لتربوي رائد هو خليل طوطح مدير دار المعلمين بالقدس ناشر الكتيب، والذي جمع مادته وانتخب ألحانها، التي تظهر مرافقة ككتابة موسيقية للأناشيد.
في تلك الفترة كان الرصافي أستاذاً للغة العربية في دار المعلمين بالقدس، وكتب طوطح في تقديمه للكتيب: "من ضروريات المدنية في هذا العصر انتشار الأناشيد الوطنية وغير الوطنية بين جميع طبقات الأمة، ولا سيما بين طلبة المدارس حتى لقد أصبحت الأناشيد المدرسية من وسائل التربية والتعليم كما هو مشاهد اليوم عند الأمم الراقية".
تعكس هذا الكلمات طموح جيل من المثقفين والتربويين الفلسطينيين، لديهم حلم اللحاق بركب الأمم المتقدمة، والتقوا في لحظات فارقة، ليقدم كل منهم، ما يستطيع.
ويشرح طوطح فكرة الكتيب الموسيقي: "ولما رأينا مدارسنا اليوم في البلاد العربية يعوزها مثل هذه الأناشيد انتهزنا فرصة وجود الأستاذ معروف الرصافي بيننا فانتخبنا بعض ما رأيناه موافقا للمطلوب من الألحان الغربية والأغاني العربية، وطلبنا إلى معروف الرصافي أن ينظم لنا كلاما ينطبق على تقاطيع الألحان المذكورة ليغني بها أبناء مدارسنا فأجابنا إلى ذلك فجاءت مشتملة على مواضيع وطنية علمية تنشط التلاميذ إلى طلب العلم وتغرس في نفوسهم حب الوطن".
ويقول طوطح، بان الهدف من هذه الأناشيد أيضا الترويح عن نفوس التلاميذ من عناء الدرس، وليترنموا بها ويستفيدوا.
ويبدو أن أديب العربية إسعاف النشاشيبي (1882-1948م)، الذي كان الرصافي يحل ضيفا عنده في قصره الذي ما زال قائما في حي الشيخ جراح( من ضواحي القدس)، لم يفوت فرصة صدور الأناشيد في كتيب، فكتب مقدمة جذلة وقصيرة جدا، بخط يده، تحت عنوان (كلمة مستجيد لهذه الأناشيد) جاء فيها: "أما بعد فقد استمعت تلك النشائد التي نظمها شاعر الأمة (الأستاذ الرصافي) فألفيتها قد جازت الغاية في الإبداع، وان المدارس في فلسطين وفي كل إقليم ينطق بالضاد أهله لمفتقرة جد مفتقرة إليها. ولن يجود جائد في العلم على معاهده في هذا الوقت بمثل الذي جاد الرصافي به فليجزه الله بصنعه الجميل جزاءه وليجز الأستاذ خليل أفندي طوطح ناشر هذه النشائد فقد ظاهر الرصافي في إحسانه. وكان في بث هذا الخير من اعوانه".
قصر أديب العربية يقع الآن في بؤرة التوتر، في ظل نجاح مجموعات من المستوطنين اليهود بالسيطرة عل منازل فلسطينية في حي الشيخ جراح.
القصر الذي بناه النشاشيبي، وزخرفه بقطع الموازييك الأزرق التي ما زالت تزينه حتى الآن، حل به كثيرون من أعلام الأدب العربي مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وحافظ إبراهيم (شاعر النيل)، ومعروف الرصافي، صاحب هذه الأناشيد، والذي تذكر أيامه المقدسية، في قصيدته التي يقول فيها: "ويل لبغداد مما سوف تذكرني عنها وعن الليالي في الدواوين".
واستذكر القدس وأصدقائه فيها:
"إذ كان فيها النشاشيبي يسعفني
وكنت فيها خليلا للسكاكيني
وكان فيها ابن جبر لا يقصر في
جبر انكسار غريب الدار محزون".
والإشارة واضحة لإسعاف النشاشيبي، والمفكر الفلسطيني خليل السكاكيني، وعادل جبر وهم الذين دعوه للتعليم في القدس، بعد ان تناهى إلى أسماعهم ظروف صديقهم التي لم تكن ملائمة في بغداد لطموحه، فوصل القدس وأصبح مدرسا في دار المعلمين يتقاضى ثلاثين جنيها، وحصل على سكن في دار المعلمين، واشترت وزارة المعارف ألف نسخة من كتيب الأناشيد المدرسية، وأصبح جزءا من شلة الأدباء التي تجمعت حول جبر والنشاشيبي والسكاكيني، وفي زوجة الأخير سلطانة (أم سري) كتب الرصافي ممتنا لحسن استضافته وباقي الشلة في منزل السكاكيني الذي فقده عام 1948:
"أأم سري انت سلطانة اليها اطاعك منه ما عصى الناس اجمعا
ولم يرَ نقصا في محياك ناظري سوى ان كل الحسن فيه تجمعا"
ولا يعرف ماذا كان سيكتب الرصافي، لو قدر له أن يعيش ليرى حال القدس الآن وحال قصر أديب العربية، ومنزل السكاكيني الضائع، وحال تلاميذ ومدارس فلسطين، وحال فلسطين نفسها.
وربما من الأفضل له أن لا يعرف المكان الذي عثر فيه يوسف الشرقاوي، وهو مقاتل سابق ومحلل عسكري حاليا، على كتيب أناشيده، الذي كان ضمن كتب وأوراق مربية راحلة اسمها بديعة أبو رمان من مدينة بيت جالا، ضاقت عائلتها بحاجياتها فرمتها في القمامة، فحملها الشرقاوي وقدمها هدية لكاتب هذه السطور.
http://www.qabaqaosayn.com/content/%D8%B9%D9%86%D8%AF%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D9%86%D8%B4%D8%AF-%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B5%D8%A7%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%B0-%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86

‏"محارب" في سوق الخواجات

يتوارى مسجد ولي الله محارب في واحدة من أكثر أسواق بلدة القدس القديمة تهميشا، وبما لا يعكس أبدا تاريخها العريق، الذي يعود إلى حقب تاريخية قديمة، في مدينة يشكل فيها التاريخ المعلم الثابت والمجمع عليه من محبيها وكارهيها.
يتكون المسجد من غرفة واحدة، مستطيلة الشكل، فيها محارب، تطل على شارع ضيق يؤدي إلى ما يعرف الان بحارة اليهود، ويقع قبالته محل لاصلاح الاحذية، يديره اسكافي، يفخر بأنه ثابت في المكان منذ الاحتلال البريطاني، ولا يمكن جره إلى الحديث بسهولة عن المسجد الذي يقع في سوق الخواجات، ولكنه يكتف بالقول ردا على عدة اسئلة: "كان المسجد في السابق عرضة لاعتداءات المستوطنين اليهود، حيث كانوا يلقون فيه النفايات، ولكن الامور الان افضل حالا".
ويظهر المسجد كمعلم عربي وسط حركة المشاة بجانبه، الذين يمكن تمييز ملامحهم الغريبة، التي تشي بهوياتهم الاستيطانية.
وتعرض النقش القديم على واجهة المسجد، إلى التآكل أو التخريب، والذي يشير إلى هوية بانيه ولي الله محارب "العبد الفقير لله الراجي رحمته"، وتاريخ التأسيس 595 هـ/1198م، وهو ما يشير إلى ان المسجد بُني في العصر الأيوبي.
لا يُعرف الكثير عن ولي الله محارب، ولا شك انه واحد من عشاق القدس، الذي أراد ان يربط اسمه باسمها، فبنى المسجد الصغير وأوقف عليه كما يُفصل النقش.
وربما لم يخطر بباله، الأهمية التي سيكتسبها مسجده في عصر القدس هذا وهي تصارع احدى اشد الغزوات الاحتلالية قسوة. ولا يوجد افضل من اسمه يمكن ان يكتسب معنى رمزيا للاشارة إلى الحرب المحتدمة على المكان وسوق الخواجات في القلب منه.
يعتبر سوق الخواجات، جزءا من السوق الثلاثية في بلدة القدس القديمة، وهي واحدة من اجمل أسواقها، المكونة من سوقي اللحامين والعطارين، المعروفتين على نطاق واسع، في حين يتوارى اسم سوق الخواجات من الذاكرة، ومن الوجود الفيزيائي، لعدة عوامل سياسية، وتاريخية.
لسوق الخواجات أسماء أخرى مثل سوق الصياغ، نسبة إلى الصاغة الذين كانوا يعملون فيه، وهم من سكان القدس من الجوالي غير العربية، ومن هنا اتى الاسم (الخواجات) على الأرجح، ولكنهم هجروا السوق إلىأماكن أخرى، وحل محلهم، حرفيو الملابس التقليدية الفلسطينية، ولكن عدم الطلب على هذه الملابس التي في طريقها للانقراض، أدى إلى ركود، واغلاق جزء من محلات السوق، التي قضمت حارة اليهود أجزاء منها.
وتسمى السوق ايضا باسم سوق التجار، وهو الاسم الذي ذكرها فيه عارف العارف ووصفها: "كائنة إلى الشرق من سوق العطارين، وتسير على محاذاة نصفها القبلي، ثم تتصل بها. وهذه السوق أيضا مقبوة. وفي سقفها نوافذ تنفذ أشعة الشمس منها فتضيئها. ويسميها البعض سوق الصياغ".
ومؤخرا اعلن المخرج عمرو صفافي عن فلمه (الخواجا)، وهو فلم وثائقي يتحدث عن عملية بحث مخرج الفلم عن ماضي سوق الخواجات، ويعرض كما يقول في الاعلان الترويجي للفلم مشاكل الوعي الثقافي لدى الكثير من المقدسيين. وهدم التاريخ العربي في القدس وبناء تاريخ صهيوني جديد مكانه. http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=3&id=198756&cid=2874