أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

ظله على الأرض

 لا أعرف ما الذي كان يجعلني أهتم كثيراً بالنقوش التي تنتشر في الحرم القدسي الشريف وفي مدينة عتيقة كالقدس تكاد الأسوار تخنقها؟
ربما اهتمام جنيني بالتوثيق والفن وعشق التاريخ، عبرت عنه لاحقاً بإعداد تحقيقات وتقارير صحفية، بفهم أردته مختلفاً عن معالم أثرية مقدسية وفلسطينية. ولكن ظلت تلك النقوش المقدسية التي تسمى، أثرياً، رقومياً، تشغلني، خصوصاً عندما تنبهت إلى ندرة الاهتمام بها وبأهميتها لدى الكثير من الأثريين الفلسطينيين، بعكس الأهمية الخاصة التي يوليها لها باحثون أجانب وإسرائيليون.
في هذا الكتاب حاولت أن أقف عند الألقاب الكثيرة في الرقوم محل الدراسة، وهي ألقاب تثير الانتباه بشدة، ومع ذلك لم يتوقف عندها أحد. ومع إدراكي أنه من الخطأ علمياً (.. وربما إنسانياً) محاكمة ظاهرة مثل الألقاب بمعزل عن ظروفها التاريخية، ولكن يخيل إلي مع ما يجري الآن، من التطويع الوظيفي للألقاب، يدل على أننا في حضرة وضع تاريخي واحد وكأنه لا شيء يتغير في هذا الشرق.
فثمة ألقاب، معاصرة حاضرة، متشابهة إلى حد التطابق، مع ألقاب حكامنا السابقين ولكن الأهم هو الوظيفية التي تؤديها هذه الألقاب السياسية في تاريخنا حاضراً وماضياً، وهي برأيي تكريس للأبوية السياسية والاجتماعية ولاستبداد مقيم عمره قرون طويلة.. طويلة.
وإذا نظرنا مثلاً إلى أي سلوك لأي أمين عام لحزب سياسي عربي (يساري أو يميني) فإننا لا نجده يختلف عن سلوك أي خليفة أو سلطان أو وال أو قائمقام طوال تاريخنا الماضي، مع الأخذ في الاعتبار الإمكانيات الذاتية والفروق في القدرة والتنفيذ، ولكننا نكاد نكون في مواجهة ثقافة واحدة.
وكذلك الأمر في سلوك حكامنا القوميين والماركسيين والإسلاميين والملكيين، ومثلما ارتبطت ألقاب الحكام السابقين على نحو وثيق بالمقدس الديني فإن الأمر لم يختلف كثيراً لدى الحكام المعاصرين.
وفي نهاية هذه الخطبة أرى من الواجب الإشارة إلى أنني اعتمدت في نصوص هذه الرقوم على عدة مراجع مثبتة في نهاية الكتاب إضافة إلى توثيق شخصي قمت به خصوصاً فيما يتعلق بالرقوم الحديثة وأخرى أغفل ذكرها في المراجع التي درستها.
وأشير إلى أنني اكتفيت برقوم المسجدين الأقصى وقبة الصخرة وحرمهما، مع أهمية رقوم أخرى كثيرة ومتنوعة خارج الحرم في القدس القديمة ومساجدها وشوارعها وكنائسها وسبلها وأبوابها وسورها العظيم، ولكن بحث ذلك كان متعذراً علي في ظل الاحتلال.
وهذا لم يمنعني من إضافة رقوم أخرى خارج موضوع البحث للدلالة على فكرة، أو لتثبيتها في هذا الكتاب خصوصاً إذا كانت مهددة بالإزالة أو التزييف نتيجة النشاط الاستيطاني وتغيير الجغرافيا بالقدس لأسباب سياسية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق