أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 29 فبراير 2008

عماد مغنية الوجه والظل: العميل (ز) و"التمام الأخير" (2-3)

12.jpg

في العام 2002، عيّن أرئيل شارون، مئير دغان، رئيسًا للموساد، الذي وجد أمامه عدة مهام، واجبة التنفيذ، من بينها التخلص من عماد مغنية، وهو هدف لم يكن سريًا. ففي العام 2004، أوردت صحيفة يديعوت أحرنوت، مثلاً، قائمة بما أسمتها إخفاقات دغان، كان من بينها عدم تمكنه من إغتيال مغنية. وإتضح الآن، بأن دغان كان هو الرجل المناسب لتنفيذ المهمة، حيث جاء إلى منصب الرجل الأول في الموساد مسلحًا بخبرته مع الملفين الفلسطيني واللبناني. وفي العام 1980، عيّن دغان قائدًا لمنطقة جنوب لبنان في الجيش الإسرائيلي، وخلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982، أصبح دغان قائدًا لوحدة المدرعات في تلك الحرب، ثم رئيسًا لوحدة التنسيق، والتي تولت مهامًا استخبارية. وخلال منصبه هذا، نسج علاقات واسعة مع بعض الأطراف اللبنانية السياسية، وجند عددًا غير معروف من العملاء الفلسطينيين واللبنانيين. وقبل ذلك بزمن بعيد، قاد وحدة استخبارية لتصفية نشطاء المقاومة في قطاع غزة، بعد حرب حزيران (يونيو) 1967، وحقق نجاحًا ملفتًا الى جانب صديقه شارون.

دغان والعملاء

 ويتذكر المحلل العسكري يوسف الشرقاوي، في الجزء الثاني من حديثه لـ "إيلاف"، نشاط دغان الاستخباري ويقول "كان مائير دغان الذراع الأمني لارئيل شارون في جنوب لبنان وهو أشرف شخصيًا على تجنيد عدد من العملاء، وعرفنا ذلك من خلال اعترافات بعض هؤلاء، وكان دغان يتدخل في تفاصيل التفاصيل، وفي علاقات العملاء مع بعضهم البعض، وحياتهم الشخصية".

ماذا تذكر من أساليب دغان في العمل مع العملاء في تلك الفترة؟
أظهر دغان نشاطًا غير معهود، ومن خلال اعترافات عدد من العملاء الذين ألقي القبض عليهم، نستطيع أن نستنتج، بأن دغان كان حذرًا جدًا، فمثلاً عندما يستدعي الموساد أي عميل من لبنان إلى إسرائيل، خاصة عن طريق البحر، كان رجال الموساد يحتفظون بغيار العميل الداخلي ويطلبون منه قبل النزول إلى البر عند العودة أن يستحم بمياه عذبة، خوفًا من الوقوع ولو بثغرة أمنية واحدة، لأنهم يفترضون بأن عميلهم مراقب، وخوفًا من تذوق جسمه بوساطة اللسان بعد غيابه، واكتشاف رائحة البحروطعمه فيه. واستخدم دغان أسلوبًا، لزرع الثقة في عملائه، فحين كان يغيب أحدهم فترة، ويتم سؤاله من قبل فصيله أين كنت؟، كان يجيب متهكمًا: في تل أبيب..!، وهو أسلوب استخدم لإبعاد الشبهة عن العميل، وهو ما كان يستخدمه أيضًا العميل الشهير عدنان ياسين الذي عمل في مكتب محمود عباس (ابو مازن) في تونس، وكان يستقبل أعضاء منظمة التحرير الذين يصلون تونس، ويطلب من الواحد منهم عدة صور، جميعها لترتيبات الإقامة ولملفات منظمة التحرير إلا واحدة كان يقول ياسين بثقة إنها للموساد، وهو ما تبيّن انه صحيح فيما بعد.

*كيف كان دغان يختار العملاء؟
-كان جهاز الموساد يبحث عن أشخاص لديهم غطاء تنظيمي، ومحميين، من فصائل فلسطينية، أو من أجهزة امنية فلسطينية، ومن العاملين فيها، وأيضًا كان الزعران والقتلة، من المرشحين للتجند في صفوف الموساد. وأستطيع القول إن دغان حقق نجاحات في هذا الجانب، وتمكن من تصفية ما تبقى من مجموعة القائد الفلسطيني وديع حداد، في منطقة صيدا، وآخرهما: زاهر ومحمود المجذوب، وكلاهما من المقربين لحداد، وأيضًا كانا من أصدقاء العميل (ز) الذي يفترض انه يعيش الآن في كندا. وتمكن دغان قبل أربع سنوات، من قتل خضر سلامة (أبو الحسن) الذي كان يد عماد مغنية اليمنى، وفي صيدا أيضًا. كان أبو الحسن، رجلاً عسكريًا، وضابطًا مقدامًا جدًا، وكان الجاسوس (ز) يعرفه جيدًا، مما يطرح تساؤلات عن دوره في مقتله، ولا استبعد أيضًا أن يكون له دور في اغتيال عماد مغنية نفسه.

العميل (ز)

*كيف تربط بين الجاسوس (ز) واغتيال مغنية؟
-خلال حرب تموز، اظهر جهاز الموساد، فشلاً أمنيًا مريعًا وذريعًا، وجميعنا نذكر مثلاً إنزال بعلبك، الذي كان الهدف منه خطف عضو مجلس الشورى في حزب الله الشيخ محمد يزبك، الذي كان يتولى التنسيق بين إيران وحزب الله، وكما تبين فإن الإنزال الإسرائيلي تم بناء على معلومات مغلوطة حول تحركات الشيخ يزبك، وهو ما يعتبر فشلاً للموساد ولعملائه، وتكرر الفشل أيضًا في عملية الشبريحة، وبرأيي أن الفشل الأكبر للموساد، هو عدم معرفته بالأسلحة التي بحوزة حزب الله، والتي تمكن بوساطتها من تدمير البارجة في البحر، واعطب الدبابات الإسرائيلية، ولو لم يفعل ذلك لوصلت هذه الدبابات إلى الضاحية الجنوبية. هذا الفشل الذي واجهه الموساد، جعل دغان، يفتش في دفاتره القديمة، واعتقد انه ربما استعان بالجاسوس (ز) الذي كان يعرف عماد مغنية جيدًا ويتردد عليه، وربما كان دور (ز) تنفيذًا لِما يسمى بـ "التمام الأخير" أي تأكيد تشخيص هوية مغنية، قبل اغتياله، وهو أمر متبع لدى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية والعالمية، وهو ما حدث مثلاً مع كارلوس، الذي كان يتردد على النادي الدبلوماسي في الخرطوم، وتم استدعاء عملاء سابقين نشطوا وسط المقاومة الفلسطينية، وعرفوا كارلوس جيدًا، وأكدوا هويته، قبل خطفه وترحيله إلى فرنسا. واميل إلى الاعتقاد، أن أمرًا مشابهًا حدث مع الجاسوس (ز) في ما يتعلق باغتيال عماد مغنية.

*ما هي المعلومات المتوفرة لديك عن من تسميه العميل (ز)؟
-هو شخص كان نشيطًا في صفوف المقاومة الفلسطينية، وعرف عماد مغنية وآخرين من المقربين إليه، مثل الذين ذكرتهم سابقًا عن قرب، وفي عام 1992، كشف جاسوس لإسرائيل اسمه فتحي، فجاء (ز) بعد أن شعر بالخوف واعترف بأنه يعمل لصالح الموساد. والان أتذكر كيف أن (ز) الذي كان يظهر إخلاصًا للمقاومة، امتاز بكثير من ميزات العملاء، مثل التعصب المبالغ فيه، وافتعال المشاكل مع الفصائل الأخرى، مثلما افتعل اشتباكًا بين مجموعة من فتح وأخرى من الجبهة الديمقراطية في منطقة الصرفند، وقتل بنفسه ثلاثة من عناصر الديمقراطية.

من الجزائر إلى الدانمارك

*بعد إلقاء القبض على (ز) ماذا فعلتم به؟
-أرسلناه إلى سجن في الجزائر، بمساعدة الجزائريين، وفي عام 1997 التقيته في سجنه في الجزائر، وسألته كيف تم تجنيده من قبل الموساد، فقال لي إنه ذهب يستطلع مقر الحاكم العسكري في صيدا، ودخل هذا المقر ليلتقي أحد أقربائه الموقوفين، فعرض عليه الموساد العمل جاسوسًا، ولكن اظن ان روايته فيها الكثير من الثغرات، وعلى الارجح فإنه لم يكشف عن قصته كاملة مع الموساد.
 
*إلى أي سنة بقي في السجن؟
-أنا رأيته في السجن في عام 1997، وعندما سالت عنه لاحقًا قيل لي بأنه افرج عنه ورحل إلى الدانمارك، وهناك احتمال بأنه عاد للعمل مع الموساد، ومما يزيد من احتمال ذلك، نجاح الموساد بقتل خضر سلامة، ذراع مغنية، كما أشرت سابقًا، لأن (ز) كان على علاقة وثيقة به.

*لماذا ترجح أن يكون لـ (ز) علاقة بقتل مغنية في دمشق؟
-هذا الجاسوس يعرف مغنية بشكل جيد جدًا، ولا أظن أن الموساد، يمكن أن يترك أي خيط يمكن أن يوصله إلى مغنية ويتركه، وهذا ما يجعلني اعتقد بأنه تم استدعاء (ز) في وقت ما من الدانمارك، وتم الاستفادة منه، على الأقل في تشخيص هوية مغنية.

*هل تعرف المنطقة التي قتل فيها مغنية جدًا، وبتقديرك كيف يمكن اختراق هذه المنطقة التي قيل بأنها أمنية؟
_انها منطقة كفر سوسة، اعرفها جيدًا، وفي الواقع إن كل سوريا هي "منطقة أمنية"، ولكن لا شك أن هناك مناطق أمنية اكثر من غيرها، وفي ما يتعلق بالمنطقة التي اغتيل فيها مغنية، يمكن القول إنه كانت هناك سيطرة أمنية بنسبة بنسبة 95% ولكن توجد ثغرة بنسبة 5% يمكن أن يتسلل منها القتلة.

*هل تعتقد أن الأمن السوري مخترق أو متورط في الاغتيال؟
-لا أظن ذلك، ولا تتوفر لدي معلومات، وإن كان لا يجب اهمال أي احتمال، أنا اعتقد بأن دغان درس عملية اغتيال مغنية واعد لها جيدًا، ولم يكن تعيينه عام 2000 على راس جهاز الموساد، من باب العبث أو الصدفة، لقد عينه شارون، وهو يعرف قدرات وتاريخ دغان جيدًا، وها هي الثمار تظهر أخيرًا بقتل مغنية.

بين عياش ومغنية

*لماذا تم اختيار سوريا لقتل مغنية وليس لبنان بتقديرك؟
-ربما أرادت إسرائيل التشكيك بالسوريين، وبقدراتهم الأمنية، او لتعريضها لاتهامات بقتل مغنية، وهو ما تحدثت به بعض اقطاب الموالاة في لبنان، وإظهار سوريا كمنطقة مكشوفة أمنيًا للإسرائيليين، كما حدث في الغارة على دير الزور، وقبلها، بقتل أحد كوادر حماس، والتحليق فوق القصر الرئاسي في اللاذقية، والاغارة على موقع تدريب فلسطيني، ولكن أيضًا علينا أن نتذكر بان الموساد فشل باغتيال مغنية في لبنان، واشير هنا إلى عملية الاغتيال التي ذهب ضحيتها شقيقه بدلاً منه، وعمومًا فإن الموساد ما كان ليضيع أي فرصة للتخلص من مغنية، سواء كان في سوريا أم لبنان أم أي بلد أخر في العالم.

*حادث اغتيال مغنية في دمشق، أثار عدة أسئلة حول الإجراءات التي يتخذها لضمان أمنه، أين كان حراسه مثلاً؟
-لم يكن عماد مغنية يعتمد على حراس شخصيين، ولكنه يعتمد على ذاته، ولم يكن يمكث في مكان فترة طويلة، وعلينا أن ننتظر نتائج التحقيق الذي أعلن عنه، كي تكشف أبعاد ما حدث أو على الأقل جزءًا من الصورة.

*هناك من يحاول ألا يتهم الموساد بعملية الاغتيال، كيف ترى الأمر أنت؟
-البيان الذي أصدره مكتب اولمرت بعد حادث الاغتيال، نافيًا مسؤولية إسرائيل، لم يكن مقنعًا لأحد، حتى للإعلام الأميركي مثل مجلة النيوزويك الشهيرة، ويمكن أن نرى بصمات الموساد في عملية الاغتيال، ونقارن بينها وبين عملية اغتيال المهندس يحي عياش، الذي تم استبدال هاتفه بوساطة أحد العملاء وزرع عبوة ناسفة داخله، وتفجيرها عن بعد، أما في حالة مغنية، فما سمعناه انه تم استبدال مسند رأس مقعد السائق، بآخر مفخخ، وتفجيره عن بعد. هناك من راقب، ومن تسلل إلى السيارة، واستبدل مسند الرأس بآخر طبق الأصل، وهناك من شخّص عماد مغنية، وهناك من ضغط على الريموت كونترول.

في الحلقة الثالثة والأخيرة
احمد الحلاق الذي فشل في إغتيال مغنية


http://65.17.227.80/ElaphWeb/Politics/2008/2/308165.htm

الخميس، 28 فبراير 2008

عماد مغنية... الوجه والظل (1-3)

32.jpg

أعاد حادث إغتيال عماد مغنية، الذي إعتبر ضربة كبيرة تلقاها حزب الله، الإهتمام بسيرته، وتطوره الفكري، والحياتي، ونشاطه، حتى أصبح مطلوبًا لأكثر من أربعين دولة على رأسها إسرائيل وأميركا. وبسبب عمل مغنية، في بداية نشاطه مع الفصائل الفلسطينية، خصوصًا حركة فتح، فإن بعض كوادر هذه الحركة تمكنوا من نسج علاقات معه، ومن بينهم المحلل العسكري يوسف الشرقاوي، الذي تحدث لـ "إيلاف" عن المرحلة التي عرف فيها مغنية خلال السنوات 1981-1992، في لبنان.

شاب استراتيجي


متى تعرفت على عماد مغنية؟ 
تعرفت عليه عام 1981، كان شابًا متدينًا ومتحمسًا، وكان عضوًا في حركة فتح. 

*كيف اكتسب مغنية مكانته وسط المقاتلين؟
- ارتبط اسم عماد، في عمليتين مهمتين جدًا في حينها، وأشير هنا إلى عملية احمد قصير التي أسفرت عن تدمير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، وأهمية هذه العملية، أنها جاءت والمقاومة الفلسطينية كانت مهزومة بعد الاجتياح الإسرائيلي الواسع للبنان، وأيضًا ارتبط اسمه بتدمير دبابتين إسرائيليتين في منطقة خلدة، وشكلت هاتين العمليتين انعطافة مهمة في العمل المقاوم ومستقبله في لبنان.

*خلال هذه الفترة، هل كانت له علاقة بحركة فتح؟
-أستطيع القول إنه كان لديه خيطًا داخل فتح، ولكن ليس له علاقة تنظيمية، في تلك الفترة السلاح كان لدى فتح، وعماد كان شابًا ذو تطلع استراتيجي، يتطلع مع رفاقه مثل الشيخ راغب حرب، إلى السيطرة على منطقة النبطية، التي تشكل غناء لحزب الله ومخزونًا نضاليًا له، وخصوصًا بلدة جبشيت، ومن هذه المنطقة، انطلقت شرارة المقاومة التي بدأت بعصيان مدني.

*ما هو دور مغنية تحديدًا في هذا الأمر؟
-مغنية أحد تلامذة العلامة محمد حسين فضل الله، الأب الروحي لحزب الله، ومن خلال علاقته براغب حرب وعبد الكريم عبيد، كان يخطط للسيطرة على النبطية، لأنها نقطة الوصل ما بين القطاع الشرقي والقطاع الأوسط، في جنوب لبنان، وفي فترة لاحقة، عام 1989، عرفت كم كان لدى عماد عقلية استراتيجية، عندما بدأ يحاول وصل الضاحية الجنوبية مع صيدا، التي اعتقد أن فيها كانت مخازن أسلحة حزب الله، وكان عماد يريد نقطة ارتكاز في صيدا.

*ما هو الهدف من ذلك؟
-عماد ورفاقه كانوا يريدون التمركز في الجنوب، ويعملون خط تماس مع إسرائيل، وكان أمامهم لتحقيق ذلك، السيطرة على طريق يبدأ من بلدة العبرة، نحو إقليم التفاح فالنبطية، وهذا ليس طريق سير عاديًا، ولكنه قتاليٌّ، ينطلق من كفر حتى- كفر ملكي- جرجوع- عرب صليب، ثم يصل النبطية.

*هل كان يعبر عن أهدافه في اللقاءات التي جمعتكما معًا؟
-لم يكن يتحدث مباشرة في الموضوع، ولكن سلوكه على الأرض وممارسته العملية في الميدان تدل على ذلك.

*كيف ترى صفاته الشخصية؟
-كان عماد عصبيًا ومتحمسًا، ولكن في المعارك، يبدو عكس ذلك تمامًا، كان هادئًا، يتميز بتخطيط عسكري محكم.

*كيف حددت بان تخطيطه العسكري بأنه كان محكمًا؟
-عندما احتل الإسرائيليون جنوب لبنان، وجدت مقاومة ليست كبيرة ولكنها مقبولة، مثل طريق خلدة-صور، التي أسميت طريق هوشي منه، نسبة للزعيم الفيتنامي المعروف، لأن الإسرائيليين كانوا يتعرضون لضربات المقاومة فيها. ونحن نعلم بأن هدف الاحتلال الإسرائيلي كان منع صواريخ الكاتيوشا التي تنزل على المستعمرات الشمالية، بينما كان، عماد مغنية، يخزن الصواريخ في الجنوب ليضرب تلك المستعمرات.

*هل كان ذلك يتم بالتعاون مع الفلسطينيين؟
_نعم كان هناك تعاون بين ما تبقى من المقاتلين الفلسطينيين ومغنية ورفاقه، ولا بد من الإشارة هنا إلى انه كان له موقفًا ضد حصار المخيمات الفلسطينية من قبل حركة أمل.

فصل في مغدوشة

*ماذا تتذكر عنه بهذا الشان؟
-يمكن هنا الإشارة إلى معركة مغدوشة، وهي عبارة عن تلة عالية جدًا مطلة، على عين الحلوة، تمكنت قوات منظمة التحرير الفلسطينية، من احتلال هذه التلة من حركة أمل في عام 1986، ومغنية في تلك الفترة كان يتواجد في مغدوشة وزبدرايا، والهدف هو إيقاف القتال بيننا وبين حركة أمل، عن طريق نشر مقاتلي حزب الله كخط فصل بين أمل، والفلسطينيين، واذكر بهذا الشأن مواقف مغنية الإيجابية جدًا، وكذلك مواقف رفاقه مثل عبد الهادي حمادة، من قيادة حزب الله. لقد عرفت مغنية ورفاقه عن كثب في تلك الفترة، والتي سبقتها، وأدركت كم هم عقائديون، ولمست لديهم رفضًا لقيادة صبحي الطفيلي أمين عام حزب الله الأسبق، وإن كان هذا الرفض لم يعبر عنه علنًا.

*ما هي الخطوات الإيجابية التي اتخذها مغنية ورفاقه بشأن حصار المخيمات الفلسطينية من قبل حركة أمل؟
-مواقف مغنية ورفاقه كثيرة، منها مثلاً تأمين دخول مبعوثي القيادة الإيرانية لحل الأزمة وهما ستاري، وطبطابائي على مخيم الرشيدية المحاصر، وأيضًا كان لمغنية موقف ضد داود داود القيادي في حركة أمل الذي اتخذ موقفًا متشنجًا بشأن حصار مخيم الرشيدية وإسقاطه، وأيضًا من هيثم جمعة، وعقل حميه اللذين قادا حصار شاتيلا وبرج البراجنة، في بيروت.

*هل الموقف من هؤلاء كان فقط بسبب حصار المخيمات؟
-كان عماد يأخذ عليهم، ضمنهم أشخاص تعاونوا مع الإسرائيليين في الجنوب، والذين أطلق عليهم كتائب التوبة، والتحقوا بحركة أمل، وعمومًا فإنه رأى في حرب المخيمات، حربًا ظالمة على المخيمات الفلسطينية وغير مبررة ابدًا.

*ولكن الخلاف نشب لاحقًا بين مغنية ومقاتلي منظمة التحرير، كيف حدث هذا؟
-حدث ذلك في عام 1991، حيث وقعت معارك مؤسفة جدًا، كانت مهمة قوات منظمة التحرير، منع حزب الله من الوصول، إلى إقليم التفاح، بناء على تعليمات قيادة هذه المنظمة في تونس، التي استجابت لمطالب، قوى علمانية، داخل الحركة الوطنية اللبنانية، اتصلت بها، وحذرت من حزب الله، ونعتته بالطائفية، ورأت انه يشكل خطر على الحركة الوطنية اللبنانية التي اعتبرت أنها هي من بدأت المقاومة. وربما اشير إلى أن الخلاف مع حزب الله  بدأ عندما اضطر جيش لحد إلى الإنسحاب من قرية بصليا في جنوب لبنان، التي تعتبر بوابة اقليم التفاح باتجاه جرجوع وعرب صاليم، والتدخل الفلسطيني ضد حزب الله لصالح امل، كان في احد اوجهه، لإثبات حضور منظمة التحرير في لبنان كعامل توازن بين الطوائف وفي داخل كل طائفة، وكان ذلك تمهيدًا للدخول في مفاوضات تسوية،  بمعنى تقويه اوراق منظمة التحرير في اي مفاوضات مقبلة قبل مؤتمر مدريد.

*هل يمكن الكشف عن القوى اللبنانية التي تدخلت لدى عرفات ضد حزب الله؟
-يمكن الإشارة هنا مثلا إلى جورج حاوي، زعيم الحزب الشيوعي، ومحسن إبراهيم قيادي منظمة العمل الشيوعي، وكان للاثنين علاقات مميزة مع ياسر عرفات.

واندلعت المعركة

*هل استجبتم لقرار القيادة في تونس؟
- إلتقيت عماد مغنية الذي كان يقود مجموعات حزب الله، وفي تلك الأثناء، حدثت عملية للمقاومة الفلسطينية في القدس، وقال لي حينها: أتمنى أن تركزوا جهودكم وتعملوا عمليات مثلها، وتتركوننا في حالنا، انتم هدفكم القدس، ونحن أيضًا، وحركة أمل تريد أن تعمل حاجز بشري في وجهنا كي لا نصل إلى الحدود.

*وماذا كان موقفك؟
-نقلت هذا الكلام بأمانة إلى عرفات، ونبهته إلى خطورة مواجهة حزب الله، ولكن عرفات لم يقتنع، وإضافة إلى قوات المنظمة كانت حركة أمل المتحالفة مع السوريين (بقيادة عبد الحليم خدام) يقفون ضد حزب الله، وعندما وجد عماد مغنية أن جهوده لمنع المواجهة لم تفلح قال لي بمرارة: جربوا حظكم.

*واندلعت المعركة..
-نعم اندلعت المعركة في كفر ملكي بيننا وبين حزب الله، وسقط لنا خلال 3 ساعات 137 عنصرا، وبعد ثلاثة أيام انتهى هذا الأشكال بشكل مرير، لم يسقط أي موقع لحزب الله، من وادي الليمون، إلى القرّية، حتى كفر ملكي، وهو مفتاح جرجوع، عرب صليم، النبطية، وقاتل رجال الحزب تحت قيادة مغنية ببسالة، واحتراف.

*هل قابلت مغنية بعد المواجهة؟
-نعم بعد فترة من ذلك، لأنه كان لديه أسرى من أشبالنا، وعندما طلبت الإفراج عنه، لم يتردد وافرج عنهم فورًا، وقال لي: انتم اعتديتم علينا وهدفنا هو مواجهة إسرائيل وليس انتم.

*عن ماذا أسفرت المواجهة؟
-تمكن مغنية من السيطرة على كفر ملكي، واستطاع ورفاقه أن يكسروا شوكة أمل.

*ما هي مميزات مغنية كقائد عسكري؟
-هو يؤمن بروحية الفريق، أي ليس دكتاتورًا، طبعًا كان يقف على رأس الهرم ولكن لديه قيادة جماعية، وتمكن من نيل ثقة ضباط المواقع في الجنوب، لذا فإن أي أمر كان يصدره ينفذ فورًا.

*هل رأيته بعد المواجهة؟
-رأيته مرتين، في بلدة عبره، وكان حينها حريصًا جدًا على عدم الظهور، ومرة ثالثة التقيته في صور

*متى كان ذلك؟
-في عامي 1992 و1993.

*ماذا تقصد بأنه كان حريصًا على عدم الظهور؟
-كان مغنية ورفاقه يحضرون لتمركز قواعد لهم في الجنوب، ولذا كانوا يحيطون عملهم بالكتمان.

*ماذا دار في آخر حديث كان بينكما؟
-عندما رايته في صور في منطقة اسمها كفرا، كان الإسرائيليون يريدون أن يقطعوا الطريق باتجاه كفرا، وسط الثلوج، ومغنية هو من أعطى أمرًا بالصمود، لقواته، ولم يتمكن الإسرائيليون من المرور.

في الحلقة المقبلة:
هل تورط الجاسوس (ز) في قتل مغنية؟


http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/2/307865.htm

طيور عالمية تتحدى الجدران وتصل أريحا

31.jpg

حضر الربيع مبكرا، هذا العام في فلسطين، وتفتحت النباتات البرية، ومعها بدا موسم هجرة الطيور الربيعية إلى فلسطين، غير عابئة بما يصنعه الجيش الإسرائيلي من جدران واقامة حواجز.ووفقا لأبحاث جمعية الحياة البرية في فلسطين، فان أنواعا مميزة من الطيور، تم تسجيلها في الحديقة النباتية في مدينة أريحا التي تديرها الجمعية، وهي عبارة عن محطة لمراقبة ودراسة الحياة البرية.

ومع بدء موسم الهجرة الربيعية، سجل باحثا الجمعية في علم الطيور، طلال بني عودة، وعماد الأطرش ما وصفاها بأنواع مميزة من الطيور المهاجرة، وقالا بأنهما تمكنا من مراقبة تزاوج الطيور المقيمة في الحديقة.وذكرت جمعية الحياة البرية في فلسطين، في تقريرها الأول لهذا العام مع بدء موسم الهجرة الحالي بان البومة القرناء واسمها العلمي (Long Eared Owl) قد استقرت في الحديقة وتم تسجيل تسعة أفراد منها منذ تاريخ التاسع عشر من كانون الثاني (يناير) وحتى يوم الأحد 24 شباط (فبراير) الجاري, ويأمل الباحثان، مع مزيد من الحظ، أن يستقر هذا الطير، ويتزاوج ويفرخ في الحديقة.

ويخضع سلوك هذه البومة حاليا،  للمراقبة بشكل مستمر من قبل الباحثين وتتميز هذه البومة بقوامها الطويل والريش الذي يعلو رأسها وكأنها قرون حقيقية، ومن هنا جاء اسمها.

وتمكن الباحثان أيضا من تسجيل طيور أخرى مثل طائر أبو مغازل المائي، واسمه العلمي (Black winged Stilt)، ووصل الحديقة من هذا الطائر عائلة صغيرة مكونة من ثلاثة أعداد: الذكر والأنثى وصغيرهما، وهذا أمرا مألوفا بالنسبة لها الطير، حيث من المعتاد أن يأتي الآباء وصغارهما ضمن الهجرة العالمية لتعليم الصغار على طرق وأساليب الهجرة، كي يتمكن الصغار في المستقبل من اقتفاء أثار الآباء، بعد أن تعلموا منهم بان للسفر والهجرة، ربما اكثر من سبع فوائد كما يقول بني البشر، وليعلموا ذلك للاحفاد.

وسجلت أيضا طيور أخرى مثل الخضاري، والشهرمان، ومالك الحزين الأرجواني، والبط، وبالنسبة للطيور المغردة فقد سجلت الجمعية ثمانية من طيور السمن المغرد واسمه العلمي (Song Thrush ) وهذا يحدث لأول مرة، وسجلت أيضا طيور القليعي المطوق. 

أما بالنسبة للطيور المقيمة في الحديقة والمنطقة فتشهد حاليا هذه الطيور فترة بداية التزاوج وسجلت طيور وروار الشرق الصغير، وهو معروف في بلاد الشام، وغنت له يوما المطربة المشهورة فيروز اغنية (دخلك يا طير الوروار) تشكو له غربة الاحباب، واسمه العلمي (Little Green Bee-eater)، وسجل أيضا طير ازرق الخد، أو آكل النحل الذي يتواجد على مدار العام في الحديقة، وطيور دوري البحر الميت المعروفة علميا باسم (Dead Sea Sparrow )، بالإضافة إلى طيور: الثرثارة العربية، والدوري الأسباني، والبلبل، ومالك الحزين الرمادي، والزقزاق، ودجاجة الماء، ومرعة الماء أيضا.

وقال عماد الأطرش، الباحث والمدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية لايلاف، بان ميزة هذه الحديقة/المحطة، كونها تقع في مدينة أريحا التي تعتبر عنق زجاجة لهجرة الطيور العالمية حيث من المتوقع وصول الطيور المحلقة الكبيرة في اقرب وقت من هجرتها الخريفية السابقة قادمة من أفريقيا في عودتها إلى موطنها الأصلي في أوروبا بهدف تزاوجها ومن ثم عودتها في خريف العام المقبل.

وتمر عادة فوق سماء فلسطين ملايين الطيور في هجرتها السنوية سواء كانت ليلية أو نهارية، وسجل في الحديقة 26 طيرا تتزاوج فيها وما يقارب من 320 طيرا مهاجرا, وتعتبر المعلومات التي سجلت في هذه المنطقة هي الأهم فلسطينيا، الذي قادها خبراء وعلماء الجمعية الفلسطينيين منذ بدء العمل بها منذ عام 2001 وحتى الان.

واستضافت الجمعية علماء في الطيور من أوروبا عملوا لفترات وجيزة لمساعدة الجمعية في طرق البحث العلمي ومن المتوقع أن ينضم بعضهم في الشهر المقبل لطاقم الجمعية.

ويذكر أن موقع الحديقة/المحطة كان وضع على خريطة العالم الجديد لهجرة الطيور التي اعدتها الجمعية بالتعاون مع مجلة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة، فيما يخص خريطة الشرق الأوسط وبمساعدة المجلس العالمي لحماية الطيور-مكتب الشرق الأوسط.



وتستمر الجمعية بالية عمل محددة، على مستوى العالم لنشر أبحاثها مع المؤسسات الدولية العاملة في هذا المجال، وخاصة دراسة الطيور المقيمة والمهاجرة عن طريق إمساكها بواسطة شبك خاص وتحجيلها بحلقة فلسطينية الهوية وتحمل اسم الجمعية (الحياة البرية فلسطين/Wildlife Palestine).

وتم إعلام الجمعية من المؤسسات الدولية العاملة في هذا المجال في بولندا، والدانمارك، عن إمساك نوعين من طيورها التي تم تحجيلها في محطة أريحا، في سنوات سابقة وبالإضافة إلى إمساك طير آخر في منطقة بيسان الفلسطينية، المحتلة منذ عام 1948.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Entertainment/2008/2/307904.htm

الأربعاء، 27 فبراير 2008

المطر في عمان

4.jpg3.jpg

حاصرني المطر الشديد في العاصمة الاردنية عمان، وفي مواجهة المطر المنهمر الغزير المفاجيء، غطى ركاب مركبة مكشوفة، كانت تسير امامي، انفسهم باكياس سوداء كما يظهرون في هذه الصورة، بينما كان السائق خلف مقوده ينعم بالدفيء.

الأحد، 24 فبراير 2008

صدور طبعة ثانية بعد 84 عاما من كتاب مثير للاهتمام

بمبادرة عائلية قدّر لأحد أهم الكتب العربية، الذي يؤرخ لتاريخ الكنيسة في الأراضي المقدسة، أن يعاد طبعه بعد 84 عاما من طبعته الأولى.



وصدرت الطبعة الثانية من كتاب (تاريخ الكنيسة الرسولية الاورشليمية) لمؤلفه خليل قزاقيا، بمبادرة من "أولاد وأحفاد قاليوبي جريس انسطاس" الذين أعادوا طبعه "وفاء لذكرى المرحوم الخال خليل إبراهيم قزاقيا".


ورغم شهرة الكتاب، إلا أن الحصول على نسخة منه كان أمرا صعبا، لأن ما تبقى من نسخ منه تحتفظ بها بعض العائلات، كإرث عائلي، لم يكن يعمم.


ومؤلف الكتاب خليل قزاقيا، كان ناشطا من أجل نصرة القضية الأرثوذكسية، ومناهضة السيطرة اليونانية على الكنيسة العربية الأرثوذكسية في الأراضي المقدسة، وهي القضية التي لم يقدر لها أن تحقق نصرا حتى الآن.


ويمكن بشكل أو بآخر، القول بأن لجوء قزاقيا إلى كتابة هذا الكتاب، كان بهدف تدعيم مطالب القضية الأرثوذكسية، ولكن الكتاب تحول إلى مرجع مهم في موضوعه.


ولد خليل إبراهيم قزاقيا عام 1864، وكان قسم من عائلته يقيم في مدينة بيت لحم، والقسم الآخر في اسطنبول، وتوفي والده وشقيقه ودفنا في اسطنبول، التي وصلها للدراسة، بعد أن أنهى دراسته الابتدائية في مدرسة البنين الأرثوذكسية في بيت لحم.


وبعد أن أنهى جزء من دراسته في اسطنبول، عاد قزاقيا إلى بيت لحم، ووفقا للباحث حنا جقمان فإن قزاقيا التحق بمعهد اللاهوت الأرثوذكسي في دير المصلبة بالقدس لمدة أربع سنوات، وبعد إنهائه للدراسة في المعهد عين معلما في مدارس البطريركية الأرثوذكسية في فلسطين.


وتميزت ثقافة قزاقيا، بإتقانه لعدة لغات منها اليونانية، والتركية، والروسية، وهو ما أفاده في جهوده البحثية لاحقا.


وإلى جانب التدريس، عمل قزاقيا مع والده وأخيه في التجارة، وخصوصا تصدير منتوجات الأراضي المقدسة التذكارية المصنوعة من الصدف وخشب الزيتون، وغيرها، إلى روسيا وتركيا.


ولم تكن حياته الشخصية بالنجاح الذي حالفه في حياته العملية، فزوجته الأولى وهي من عائلة أبو سعادة الفلسطينية، توفيت وكذلك أولاده منها، فتزوج مرة ثانية من فتاة يونانية مقيمة في القدس، ولكنها توفيت بدون أن تنجب أطفالا.


ثقافة ونشاط قزاقيا، جعلته يحسب على الرعيل الأول من النهضويين الفلسطينيين في مطلع القرن العشرين، أصحاب الأحلام الكبيرة، والذين عاشوا بين حربين كونيتين طاحنتين، وكانوا يبحثون لبلادهم عن مكان تحت الشمس، في ظل قوى كبيرة قاهرة.


وأصبح من أعلام الحركة الوطنية الأرثوذكسية، وكان عضوا في المؤتمر العربي الأرثوذكسي الأول المنعقد في حيفا بتاريخ 15 تموز (يوليو) 1923، وكذلك كان عضوا في الوفد العربي الأرثوذكسي المكون من ممثلين فلسطينيين وشرق أردنيين، الذي ذهب إلى اسطنبول، لعرض مطالب العرب الأرثوذكس من بطريركيتهم في القدس التي يسيطر عليها اليونان.


وأمضى أعضاء الوفد أشهرا طويلة في العاصمة العثمانية، وذلك لكسب دعم الحكومة العثمانية لرعاياها العرب الأرثوذكس.


ويمكن الآن تصور معاناة أعضاء الوفد في عرض مطالبهم، من المدة التي قضوها في اسطنبول، وعندما عاد أعضاء الوفد إلى ديارهم، بقي قزاقيا في العاصمة العثمانية، ليبذل جهدا إضافيا لشرح القضية الأرثوذكسية هناك، ويتضح مما نعلم الآن، أن قزاقيا لم يقصر جهده على المؤسسة الرسمية العثمانية، ولكن أيضا وبشكل أساسي طرح القضية على المؤسسات الصحافية والشعبية.


وبعد أن استنفذت المهمة التي ألقاها على نفسه، غادر اسطنبول، ولكن ليس إلى فلسطين، وإنما إلى دير القديسة كاترينا في شبه جزيرة سيناء، وفي هذا الدير انزوى باحثا ومنقبا في مخطوطات مكتبة الدير الشهيرة، ولم يغادر الدير إلا ومعه مخطوطة كتابه الذي أصبح معروفا على نطاق واسع فيما بعد.


وحمل قزاقيا مخطوطة الكتاب، وقصد القاهرة، لتخرج طبعة كتابه الأولى عن مطبعة المقتطف والمقطم عام 1924م، وعاد إلى فلسطين بكتابه (تاريخ الكنيسة الرسولية الاورشليمية).


ويقول جقمان: "عاد قزاقيا من القاهرة بغنيمته النفيسة، وقد لاقى كتابه رواجا كبيرا في فلسطين وشرقي الأردن وغيرها، ولم يبق بيت فيه وعي وحب الثقافة إلا واقتنى نسخة منه، إن كان في الكرك ومأدبا والسلط، أو في مدن فلسطين بأكملها".


ويضيف: "بعض العائلات حافظت على هذا الكتاب من الجد إلى الأحفاد وعرفت قيمته، وبعضهم فقده بسبب إهمال الأبناء والأحفاد، وقد اعتبر هذا الكتاب مرجعا أساسيا لتاريخ كنيسة القدس في مراحلها المختلفة التي تبدأ بعهد أول أسقف لكنيسة القدس، ثم باقي المراحل حتى مطلع القرن العشرين".


وضمن قزاقيا كتابه مواضيع تتعلق بالقضية الأرثوذكسية حتى عام 1923، أي قبل عام من صدور كتابه الذي لا يزال مرجعا أساسيا لتاريخ الكنيسة في فلسطين.


وحسب جقمان فإنه: "عدة كتب تناولت موضوع تاريخ الكنيسة في الأراضي المقدسة، كانت موادها وحوادثها مسروقة عن كتاب قزاقيا، وكان آخرون صادقين فأشاروا في كتاباتهم بأمانة إلى مصدر هذه الأخبار".


ولكن يلاحظ في معظم الذين يدرجون الكتاب كمرجع في أبحاثهم، أنهم يذكرون اسم الكتاب خطأ أو اسم المؤلف أو كليهما معا، مما يشير إلى أن هؤلاء الباحثين لم يعتمدوا على نسخة من الكتاب وإنما نقلوا عن كتب أخرى ربما استخدمت كتاب قزاقيا كمرجع لها.


وحتى الآن لا توجد في بعض المكتبات الهامة، مثل مكتبات الجامعات الفلسطينية، نسخا من الكتاب، وفي جامعة بيت لحم مثلا، توجد نسخة مصورة عنه، بعد أن أعارت إحدى العائلات التي تملك نسخة من طبعة الكتاب الأولى، نسختها لمكتبة الجامعة لتصويرها، ثم استردتها.


ورغم شهرة الكتاب وصاحبه، على الأقل في أوساط المعنيين بتاريخ الكنيسة في الأرض المقدسة، إلا أن هناك من كبار السن، ممن عرفوا قزاقيا، كانوا أشاروا في أحاديث سابقة مع كاتب هذه السطور، بأنه لم يكن يملك أسلوبا مميزا في الكتابة، وربما هذا ما يفسر ما ذكره قزاقيا في الصفحات الأولى لكتابه إلى أن "هذب لغته ناصر عيسى لواصي".


وقد يشكل صدور الطبعة الثانية من الكتاب، وإن كانت طبعة محدودة واحتفالية، مناسبة للباحثين والمهتمين تقديم قراءات نقدية لما قدمه قزاقيا في كتابه، الذي يعتبر أحد أهم المراجع العربية في موضوعه، وسط وفرة في المراجع الأجنبية التي كتبها باحثون من مختلف البلدان عن موضوع مهم يتجاوز كثيرا كونه موضوعا محليا، حيث تصارع على كنيسة القدس، وما يزال، عناصر من مختلف أنحاء العالم، خاضوا حروبا، ومعارك، وسفكوا دماء باسم المثل الدينية.


http://www.thaqafa.org/Main/default.aspx?xyz=BOgLkxlDHteZpYqykRlUuI1kx%2fVDUOFoybElcbDBn9ki84CIki4IU2VXx4fo%2blJ4w9UYuxqY%2bKXeGr7qcw%2fuiQLgxi9IsvpQChWe%2bFbyuKRNnYGi%2bpgy8%2b6K5SiTiZ9vnQUUX04CIm0%3d



الجمعة، 22 فبراير 2008

ملحمة سالومي والمعمدان في البادية الأردنية

لا يمكن إحصاء الأعمال الإبداعية التي استوحت قصة سالومي، التي ترقص عارية أمام الملك هيرودس، وتطلب راس يوحنا المعمدان، المعروف إسلاميا بالنبي يحيى، على طبق، وفي مكان ناء في الصحراء الأردنية، مطل على الجانب الشرقي للبحر الميت، تقع قلعة مكاور، التي تعرف بأنها المكان الذي شهد تلك المأساة التاريخية، والتي ألهمت، مبدعين من مختلف أنحاء العالم، أعمالا سينمائية، وتشكيلية، وروايات، ونصوصا نثرية وشعرية.

تبعد قلعة مكاور، نحو 70 كلم عن العاصمة الأردنية عمان، في منطقة تسكنها عشائر بني حميدة، وتعرف باسم جبل بني حميدة، تمتد بين وادي الزرقاء - ماعين ووادي الوالة - الهيدان، ووادي الموجب، وتضم بلدات وقرى ومناطق رعوية متسعة تابعة لهذه العشيرة، كثير منها اصبح منذ سنوات معروفا لدى علماء الآثار في العالم، بعد كشوفات أثرية متتابعة، أبانت عن بقايا كنائس واثار بيزنطية ذات أرضيات فسيفسائية مبهرة، تشير إلى استمرارية لوجود مسيحي متقدم في المنطقة خلال العهدين الأموي والعباسي.


والقلعة التي تسمى أيضا (المشنقة) هي عبارة عن جبل مخروطي، شديد الشبه بقلعة هيرودس في برية القدس، ولكن هذه الأخيرة عبارة عن تل صناعي، أما قلعة مكاور فلا شك أن جزءا منها بني صناعيا، حتى يأخذ الشكل المخروطي. وترتفع القلعة، التي تطل على مواقع عديدة في الضفة الغربية لنهر الأردن، 730 م عن سطح البحر، و1125م عن سطح البحر الميت، الذي تشكل زرقة مياهه، خلفية ذات معنى مثيرة لمشاعر زوار القلعة الذين يستحضرون مأساة يوحنا المعمدان.


وتحديد القلعة، كمكان لوقوع تلك المأساة، قديم، وذكره المؤرخ يوسيفوس فلافيوس، ولكن القلعة الرومانية الأصل التي أعاد هيرودس بناؤها، دمرت فيما بعد على يد الرومان، وتشير الدلائل أنها طويت في ثنايا التاريخ، رغم أن الاستيطان البشري استمر في بلدة مكاور نفسها، في العهد البيزنطي، وبعد سقوط البلاد بيد العرب، الذي يدب أحفادهم الحمايدة الان على هذه المنطقة منها.









وقدر لقلعة مكاور أن تعود لتأخذ مكانها في التاريخ، عندما زارها الرحالة الألماني سيتزن في كانون الثاني (يناير) 1807م، الذي قدم وصفا متواضعا لها، ولكنه كان كافيا لإثارة شهية الرحالة والباحثين الغربيين، الذين وجدوا في الأرض المقدسة، مكانا بكرا، لتفحص مواقع الكتاب المقدس المفترض بشكل متأن، وهو الأمر الذي لم يحدث منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية.

وفي شباط (فبراير) 1872م، وصل الدكتور هـ. ب. ترسترام، على راس بعثة بريطانية إلى المكان، ليقدم وصفا هو الأهم لقلعة مكاور، ضمن رحلته في تلك الأرض العذراء، حتى ذلك الزمن.


وبعد 135 عاما، من تلك البعثة ذات الأهمية الاستثنائية، التي سلطت الضوء على الجانب الشرقي لنهر الأردن، بعد أن كانت الجهود الغربية تركزت سابقا على فلسطين، وصل مراسلنا مقتفيا خطوات ترسترام، إلى مكاور، التي شهدت خلال هذه الفترة حفريات أثرية عديدة، أهمها ما جرى في السنوات 1978-1981م، على يد علماء المعهد الفرنسيسكاني للآثار في القدس، برئاسة الأب فرجيلو كوريو، بدعم من الحكومة الإيطالية، وتم الكشف خلال هذه الحفريات عن آثار القلعة على قمة الجبل، كبقايا الأسوار، والأبراج، والقصر الملكي، والحمامات التي تعتبر من مميزات القلاع المنسوبة لهيرودس.


وعثر على أرضيات من الفسيفساء، بعضها صنف بأنه اقدم فسيفساء عثر عليها في الأردن، والتي تشبه ما لكتشف من فسيفساء في قصور وقلاع هيرودس في فلسطين.


وجميع هذه الأرضيات الفسيفسائية نقلت من مكانها إلى مواقع عرض في مدينتي مادبا وعمان، وما يوجد في الموقع، المحاط بأودية طبيعية، الان بقايا الأعمدة القديمة وتيجانها، والطريق القديم الروماني المؤدي إلى القلعة، الذي يستصعب الكثيرون السير فيه صعودا إلى القلعة، فيكتفون بمعاينة عظمتها من بعيد.


ويوجد على راس الجبل بئر كبيرة وعميقة، يمكن النزول إليها بسلم خشبي، ولكنه غير آمن أبدا، بالإضافة إلى آبار أخرى صنفت كزنازين، لأنها تختلف عن البئر الكبيرة، كونها غير مقصورة بالشيد بعكس البئر العميقة.


ولا يوجد في الموقع الذي يعاني من إهمال غير مبرر، غير بعض الرعاة من بني حميدة، الذين يقدمون خدمات معينة للزوار، ومن بينهم شاب في مقتبل العمر يستعد للالتحاق بالجيش الأردني ليؤدي خدمة العلم.


ويظهر هذا الشاب، الذي لم يفضل ذكر اسمه اهتماما بتاريخ الموقع، وخلال سنوات تعرف على الكثير من علماء الآثار والزوار الأجانب الذين يقصدون القلعة، وأبدى ملاحظة بدت غريبة، انه في هذا الوقت من العام يبدي السياح الكوريين رغبة بزيارة القلعة، بالإضافة طبعا إلى السياح من مختلف أنحاء العالم، ومن بينهم سائح سويسري حضر مع زوجته، قابلهما مراسلنا، وأبديا سعادتهما بالوصول إلى القلعة، وهما يتفحصانها بجدية وشغف، ودراسة مسبقة عنها.


ويظهر على راس الجبل، قوس حجري، كشف عنه حديثا، قبل عدة اشهر، عالم آثار إيطالي، وحدد الموقع بأنه بقايا كنيسة، ولكن أهم ما يبحث عنه الزائرون هو المكان الذي شهد مأساة يوحنا المعمدان، وقبل سنوات حضر عالم آثار ألماني، وقال "اعلم مكان سجن وقطع راس يوحنا المعمدان وسأكشفه للعالم" وسار بثقة إلى سفح الجبل الشمالي الشرقي، وامر بالحفر هناك، حيث عثر على مغارة مستطيلة، تشبه في هندستها ما تركه مهندسو هيرودس في قلاعه الفلسطينية، وفيها عثر على ما صنفه العالم الألماني أجزاء من المشنقة المفترضة التي علق عليها يوحنا المعمدان ليقدم رأسه على طبق إلى سالومي، المتهتكة.


وتوجد بالقرب من مكاور بلدة يطلق عليها (الزينة) ولكن بعض أفراد من الحمايدة، تحدثوا لمراسلنا، قائلين أن الاسم تحريفا عن (الزانية) والمقصود سالومي، ويعرفونها بأنها القرية التي عاشت فيها الراقصة المثيرة، ويبدو أن "لعنة سالومي" طالت سكان قرية (الزينة) الأردنيين هذه، الذين هجروها، بسبب عدم وصول الخدمات الحديثة إليها.


يكاد المكان، لم يتغير كثيرا كما وصفه ترسترام، فأبناء الحمايدة، ما زالوا يسكنون في المغر والكهوف حول القلعة، وكذلك في الجبال المحيطة بها، ومن الغريب ان الكثيرين منهم يعرفون القلعة عن بعد، ولم يسبق لهم الصعود اليها، وانضم إليهم في الوهاد والجبال الممتدة نحو البحر الميت، عشائر أخرى، بفعل الحروب الإسرائيلية-العربية، مثل عشائر الجهالين والعزازمة، التي تصنف الان كعشائر فلسطينية.


وفي حين أن الحمايدة استقروا أيضا في بنايات أسمنتية في قراهم ومناطقهم، إلا أن الجهالين والعزازمة، ما زالوا يعيشون في بيوت الشعر، بالقرب من شواطئ البحر الميت الشرقية، ولا توجد علاقات مصاهرة بين بني حميدة والجهالين والعزازمة.



ويشكل وجود هذه العشائر البدوية، مشهدا ضروريا في ملحمة المكان، الذي شهد مجدا غابرا، وحروبا مستمرة حتى الان، وحيكت حوله ميثولوجيا، تأثيرها على المبدعين في العالم كان حاسما، وان كان الأمر لا ينطبق على المبدعين العرب المحليين، الذين لا يرغبون كما يبدو بمغادرة المواضيع المطروقة إلى آفاق ارحب، إلى ملاحم الفيافي والصحاري والبحار، حتى وان استعاروا أشكالا تعبيرية حديثة.
ورغم كل شيء فان البدو هناك يغنون للعشق ومفردات الحياة البدوية، ويمكن أن يسمع المغادر من القلعة، سيرا على الأقدام، في الهضاب المقفرة، إلى البحر الميت، لحنا شجيا يردده أحد البدو متحسرا:

"يا بنات بلادي
لا تتغربن
اجمعن دموعي
..واشربن".

وكأن الفاتحين الذين جاؤوا من جزيرة العرب، ليغيروا، في لحظات تاريخية فارقة، شكل المنطقة، لم تغيرهم منطقة الحضارات العظيمة كثيرا، فما زالوا ينشدون للعصبية حتى في الحب والنساء.


http://65.17.227.80/ElaphWeb/Entertainment/2008/2/306130.htm

الأحد، 17 فبراير 2008

قبر النبي يوسف

يقع مقام يوسف الإسلامي، بالقرب من المنازل السكنية في قرية بلاطة المجاورة لمدينة نابلس، ولا يشير الهدوء الذي يحيط في المكان، إلى انه شهد اكثر المواجهات دموية بين متظاهرين فلسطينيين وجنود الاحتلال في بداية انتفاضة الأقصى.وارتبط المقام، لفترة طويلة، وغير معروفة بمعتقدات شعبية إسلامية، باعتباره مقام لرجل صالح، ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، اصبح مقصدا للمتدينين اليهود باعتباره مقام النبي يوسف الصديق، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2000، مع اندلاع انتفاضة الأقصى جرت في محيط المقام مواجهات عنيفة أسفرت عن سقوط نحو 30 فلسطينيا، وعدد من جنود الاحتلال الذي يسيطرون على المقام.وأدت هذه المواجهات إلى حرق المقام، وتهدم أجزاء منه، وخلال سنوات الانتفاضة، عاد المستوطنون اليهود بحماية الجيش الإسرائيلي إلى المقام اكثر من مرة، وخلال الفترة الأخيرة، كانت مجموعات من المستوطنين المسلحين يتسللون إلى المقام واداء شعائر دينية تحت حراب السلاح.وتحول المقام الان إلى مصدر جديد للتوتر، مع تزعم ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لجهود إسرائيلية من اجل إعادة السيطرة على المقام، ضمن ما يعتبره الفلسطينيون صراعا على مرجعيات ثقافية تخصهم ويسعى الاحتلال إلى سلبهم إياها.ويعتقد الفلسطينيون أن إثارة موضوع المقام الان، يأتي ضمن خطة مبرمجة إسرائيلية يهودية، وفي الأسبوع الماضي، اتصلت القنصلية الفرنسية بالقدس، بالسلطة الفلسطينية المحلية في نابلس، وطلبت منها ترتيب زيارة إلى المقام للحاخام الأكبر للجالية اليهودية الفرنسية واسمه يوسف سيتروك، فاعتذرت السلطة لأنها تدرك صعوبة الأمر من ناحية أمنية، ولأنها لا ترغب بفتح موضوع المقام الجالب للمتاعب من جديد.ولكن الحاخام الفرنسي لم يستسلم، ولم ينتظر موافقة السلطة الفلسطينية صاحبة السيطرة الاسمية في مدينة نابلس، فدخل إلى المقام متسللا في الليل مع مجموعة من رفاقه الحاخامات الإسرائيليين، وبحماية من الجيش الإسرائيلي، الذي يحاصر مدينة نابلس بالحواجز العسكرية، والأبراج العسكرية.وكانت زيارة الحاخام الفرنسي لمقام يوسف، مناسبة لطرح موضوع المقام من جديد بالنسبة لأوساط إسرائيلية، فقدم العشرات من أعضاء الكنيست عريضة إلى اولمرت دعوه فيها إلى مطالبة السلطة الفلسطينية بترميم مقام يوسف "الذي دمر على أيدي فلسطينيين"، وبين موقعي العريضة رئيس حزب شاس الوزير في الحكومة الإسرائيلية ايلي يشاي، وزعيم المعارضة النائب الليكودي بنيامين نتنياهو.  وتبنى اولمرت الموضوع وقال بان إسرائيل قررت مطالبة الفلسطينيين بترميم ضريح سيدنا يوسف، واشار إلى انه أوعز لوزير دفاعه أيهود براك باتخاذ الخطوات اللازمة بهذا الشان، وأضاف أن الموضوع سيكون مدار بحث خلال المحادثات مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض.وقال اولمرت بتأثر "يوسف الصديق يشكل بالنسبة لنا رمزا لمواجهة الأوضاع الصعبة من خلال الإيمان العميق والقدرة على قلب الأوضاع وتحويلها إلى أداة للتقدم إلى الأمام".وتدخل الاتحاد الأوروبي في الموضوع، وطالبت جهات أوروبية من السلطة الفلسطينية السماح بترميم مقام يوسف، ليعود كما كان جاهزا لاستقبال المتدينين اليهود.والتدخل الأوروبي فيما يجري في نابلس ليس جديدا، وخلال الأشهر الماضية زار المدينة جنرالات وضباط أمن من أوروبا وأميركا لترميم أجهزة أمن السلطة. واعلن الجيش الإسرائيلي بأنه سيزيد من عدد الزيارات التي اسماها مشروعة لمقام يوسف موفرا الحماية لها، مطالبا المستوطنين بوقف التسلل إلى المقام، كي لا يكونوا في مواجهة ظروف أمنية صعبة. وفي مواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية غير المتوقعة لاستعادة مقام يوسف، ليس لدى الفلسطينيين الضعفاء الكثير ليفعلونه، فإسرائيل تستطيع إدخال من تريد للمقام مثلما فعلت مع الحاخام الفرنسي، ومثلما تفعل بشكل شبه يومي من اجتياحات واغتيالات تنفذها في نابلس.وفي ردات فعل غريبة أخذت شخصيات فلسطينية، بما فيها دينية مثل قاضي القضاة، التقليل من أهمية مقام يوسف، والإشارة إلى انه لا يمت أبدا بصلة بالنبي يوسف الصديق، وان قبر لشخص غير معروف ولا يشكل أية أهمية دينية لاحد.ولكن الإسرائيليين غير معنيين بمثل هذا الخطاب، فالأمر بالنسبة لهم محسوما، ولا يغير من حقيقة كون المقام إسلاميا أي شيء لديهم، خصوصا وانهم اعتادوا السيطرة على مقامات إسلامية وتحويلها إلى مرجعيات ثقافية دينية، والأمثلة اكثر مما تحصى، ورافق ذلك التحول عمليات تدمير لارث ثقافي فلسطيني ذو طابع عالمي، مثلما حدث في مقام النبي صموئيل غرب القدس، حين هدمت السلطات الإسرائيلية قرية فلسطينية بأكملها بمنازلها الأيوبية والمملوكية، ودمرت آثار رومانية وبيزنطية، من اجل السيطرة على المقام.وحدث أمر مشابه فيما يتعلق بقبر الشيخ السعدي في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، الذي حوله الإسرائيليون إلى قبر شمعون الصديق.وتجري الان عملية تهويد للحي العربي، الذي يقع خارج أسوار بلدة القدس القديمة، واخذ الحي اسمه من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي.وتسكن الان سبع عائلات يهودية في الحي، في منازل تم طرد سكانها الفلسطينيين منها، وتزعم عملية الطرد عضو الكنيست بيني ايلون عندما كان وزيرا للسياحة، وتم ذلك في شهر نيسان (أبريل) 2003.ويعود الان ايلون إلى الواجهة مع مخطط جديد، بالاستيلاء على 18 دونما بالقرب من قبر شمعون الصديق، ووفقا لهذا المخطط كما أعلن عنه أيلون، وطرح على لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية القدس، فانه سيتم إقامة 200 وحدة سكنية.وقال أيلون بوضوح بأنه من اجل تنفيذ المخطط "ينبغي هدم المنازل الفلسطينية الموجودة في الحي، ووجوب ضم المناطق المفتوحة هناك إلى خطة البناء المقترحة". والهجمة الإسرائيلية المكثفة التي لا تهدا على الإرث الثقافي الفلسطيني، لا تقف عند حد السيطرة عليه وتغيير هويته، واستغلاله لتنفيذ مخططات استيطانية، ولكن أيضا بتنفيذ اعتداءات عليه مثلما حدث على مسجد تاريخي عمره 700 عام يحمل اسم (مقام الحميدية) ويقع في خربة أثرية جنوب القدس تحيط بها عدة مستوطنات يهودية مثل مستوطنة اليعازر التي أقيمت عام 1976، ومدينة افرات الاستيطانية التي أقيمت عام 1979، ومستوطنة دانيال التي أنشئت عام 1982، بالإضافة إلى بؤر استيطانية أخرى.والخربة هي قرية كنعانية قديمة تدعى (فاغور)، تحوي بقايا أثرية رومانية، بالإضافة إلى منازل مهدمة مبنية وفقا للعمارة الفاطمية والمملوكية.ويقول الشاب إبراهيم داود موسى الذي تملك عائلته أرضا في المكان للشرق الأوسط بأنه "في عام 2004 رممنا المسجد، واخذنا بترميم المنازل القديمة المهدمة، ويبدو أن هذا أثار حفيظة المستوطنين، فاقدموا على حرق المسجد".ويضيف موسى وهو يشير إلى أثار الحريق "بعد الحادث وصلت قوات كبيرة من جنود الاحتلال الذين يمنعونا في العادة من الوصول إلى المسجد، ووصل أيضا قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلي، واقر بمسؤولية المستوطنين عن الحريق، ولكن لم تتخذ أية إجراءات ضدهم".وليست لدى موسى أية أوهام في أن الجيش الإسرائيلي سيلاحق المستوطنين الذين حرقوا المسجد، ولكنه يشير إلى مفارقة إعلان هذا الجيش معرفة الجناة، دون أن يلاحقهم.وإذا كان المستوطنون في بعض الحالات هم من يلجاون إلى تدمير المواقع الأثرية والدينية، فان السلطات الإسرائيلية الرسمية تفعل ذلك في معظم الحالات، واخرها قرارها بهدم مسجد قرية أم طوبا التاريخي جنوب القدس، والذي يعود إلى الفترة الأيوبية- المملوكية، واستمر استخدامه وتعميره طوال الفترة العثمانية حيث خضع لعمليات ترميم في القرن الماضي، ويعتبر المسجد من المعالم التاريخية الهامة بجوار القدس.وأدانت الدكتورة خلود دعيبس وزيرة السياحة والآثار في السلطة الفلسطينية، قرار هدم المسجد الذي يزيد عمره عن 700 عاما وقالت للشرق الأوسط بان هذا القرار يأتي "في سياق الاستهداف المتعمد للتراث الثقافي الفلسطيني في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة".ودعت دعيبس إسرائيل "إلى وقف اعتدائها على مسجد أم طوبا التاريخي، وإلغاء هذا القرار الجائر فورا والتوقف عن استهداف الأماكن الثقافية والتاريخية والدينية واحترام مسؤولياتها كقوة محتلة بموجب القانون الدولي، وخصوصا الاتفاقية الدولية لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح لسنة 1954 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي العالمي لسنة 1972 والاتفاقية الدولية لمنع التدمير المتعمد للتراث الثقافي لسنة 2003". وأهابت دعيبس بـ "منظمة اليونسكو ومديرها العام ومركز التراث العالمي والايكوموس الدولي ومركز الايكروم والمدارس الأثرية في القدس والمؤسسات الأثرية في العالم لإدانة هذا القرار والدعوة الفورية لوقف هذا الاعتداء الموجه ضد هذا المبنى التاريخي والديني، وإلزام إسرائيل على القيام بواجباتها بموجب الاتفاقيات الدولية في حماية التراث الثقافي للشعب الفلسطيني". ويبدو أن لا أحد يريد أن يسمع مثل هذه النداءات، فتستمر إسرائيل في استهدافها للمعالم الأثرية والدينية والتاريخية الفلسطينية، في ظل صمت عالمي غريب ومقلق.  http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issueno=10669&article=458297&feature=1

الأربعاء، 6 فبراير 2008

القدس بعيون فرنسية

تعمل في مدينة القدس العديد من المؤسسات العلمية والبحثية والأثرية الأجنبية، التي تأسس معظمها في القرن التاسع عشر، ومن بينها «المعهد الإنجيلي الأثري الفرنسي» الذي أنشئ عام 1890، ومعه تأسست مكتبة المعهد التي تضم الآن آلاف الكتب والمراجع عن القدس باللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وغيرها.

ويعود الفضل في تأسيس المعهد إلى مجموعة من الرهبان الدومينيكان، بهدف إجراء أبحاث أثرية في الأرض المقدسة، ودراسة النصوص وفقا لمنهجية تاريخية معينة. في البداية، اشتهرت من المعهد مكتبته، التي استقطبت الباحثين الشباب من رجال الدين الذين استهوتهم الأراضي المقدسة، ثم توسع الاهتمام ليشمل أيضا العلمانيين.

وشكل م. ح. لاغرانغ، مؤسس المعهد، فريقا من الباحثين الشباب المتحمسين، لدراسة الكتاب المقدس وربط أحداثه بمحيطه الطبيعي والتاريخي، ويعبر ذلك عن مدرسة كانت وما زالت شائعة في النظر لأحداث الكتاب المقدس.

ورغم المآخذ الكثيرة على وجهة النظر هذه، إلا أنها بقيت سائدة، ولعب متبنوها دوراً مهماً من خلال الحفريات الأثرية والكشوفات. وبالنسبة للمعهد الإنجيلي الأثرى الفرنسي، فإن باحثيه عملوا على نشر نتائج حفرياتهم أولاً بأول. ولهذه الغاية أسسوا في عام 1892، دورية لنشر نتائج الحفريات والمكتشفات، مرفقة بالصور.

ثروة المعهد، اليوم، من الصور الخاصة بالقدس وفلسطين، لا تقدر بأي ثمن، ولا يمكن إحصاؤها، ويزيد عددها على العشرين ألف صورة.

وتعود أولى الصور إلى عام 1890، عندما عمل مؤسس المعهد لاغرانغ، ومساعده بول سيجورني، على التقاط الصور للقدس وأماكن أخرى في فلسطين، في بداية قد لا تكون احترافية، لكنها نضجت بوصول كل من: انتونان جوسين (1871 ـ 1962)، ورافائيل سافينياك (1874 ـ 1951) إلى القدس. كان عمر الأول 19 عاما، والثاني 18 عاما، وقدر للاثنين أن يفنيا حياتيهما في التصوير الفوتوغرافي.

ومن خلال ما تركاه من ثروة بصرية غير مستغلة، ومجهولة، للباحثين الفلسطينيين والعرب، يمكن تحسس حرفية عملهما، ومعرفتهما بفلسطين وعادات سكانها وتقاليدهم.

وحسب الخبراء في المعهد الإنجيلي الأثرى الفرنسي، فإن 80% من ثروة المعهد من الصور تعود لكل من جوسين، وسافينياك، والباقي يعود لآخرين من الرواد.

هذه المجموعة من الصور، التي يحويها أرشيف المعهد، ما زالت تثير الدهشة، وخلال السنوات الثلاثين الماضية، حظيت باهتمام استثنائي، عندما وصل إلى المعهد العالمان: جان ميشيل تارغوان، وجان باتست اومبر.

وروى تارغوان، ما رآه وزميله اومبر: «منذ ثلاثين عاما حين وصلنا إلى القدس، فوجئنا بعظمة مجموعات الصور والألواح التي عثرنا عليها في الأرشيف، خصوصا أن اللوحات الزجاجية (ديابوزيتيف) لم تكن قد استثمرت بعد. ومن أجل الاستجابة لمقتضيات التصوير الأثرى لحفرياتنا، أنشأنا مختبرا صغيرا للصور بالأبيض والأسود».

والمختبر الذي أنشأه تارغوان، وامبر كان في الواقع تطويرا للمختبر الذي كان يستخدمه سافينياك وزميله جوسين، قبل أن يهجر لاحقا.

عمل تارغوان وامبر من اجل إخراج الثروة التي عثرا عليها من الصور، لتكون في أيدي الجمهور والباحثين، واستعملا أنواعاً مختلفة من آلات التصوير القديمة، وسحبا كليشيهات فوتوغرافية من مجموعات وضعت في الأرشيف، ولم يكن الأمر سهلا أبداً، لأنه يجري مع مجموعة هائلة تضمها مكتبة الصور التابعة للمعهد، ومن بينها 15 ألف نسخة سلبية، و5 آلاف عدسة زجاجية موجبة كانت تستخدم سابقا قبل شيوع تقنيات احدث في التصوير. وهذه العدسات التي يطلق عليها «ديابوزيتيف» استخدمت في حينه، على الأغلب، للعروض التربوية والترفيهية.

هذه الصور التقطت بآلات تصوير ما زالت موجودة بلوازمها في المعهد مثل: البصريات، المناصب الخشبية، الحقائب، إطارات اللوحات الزجاجية، بالإضافة إلى الآلات الخاصة بالتصوير ذي الأبعاد الثلاثة، وآلات لتسليط الصور على الزجاج. وجزء من ثروة المعهد من الصور الزجاجية اشتريت من السوق المحلي، وأصبحت بعد ذلك بقرن، كما يرى تارغوان «شاهدا على الإنتاج الفوتوغرافي التجاري الرفيع الجودة في الأرض المقدسة»، والجزء الآخر يعود لرهبان دير نوتردام في القدس، ووصلت العدسات الزجاجية التابعة إلى المعهد عام 1995، بعد العثور عليها في مستودع للسيارات منذ ان تركت فيه خلال حربي 1948 و1967.

ورغم الشغف الذي يبديه تارغوان تجاه ثروة المعهد من الصور، إلا انه يضعها ضمن سياقاتها التاريخية والمعرفية، ويرى بأن «من خصائص هذه المجموعة، أنها لا تعكس مدرسة جمالية معينة أو مشروعا استعماريا ضمنيا ـ كما كان الحال في غالب الأحيان في عام 1890 ـ إنما هي تعتنق الأبحاث التأويلية والأثرية لأساتذة المعهد». وهو بذلك يضرب تحت الحزام، الجهود التي بذلها الأميركيون والبريطانيون التي لم تخلو من أغراض غير بحثية.

ويشير تارغوان إلى ما فعله أساتذة المعهد مثلا، وجميعهم من الرهبان، من تسيير بعثة بحثية للحجاز، ويتابع ما قاله «من هنا يمكن تفسير الانفتاح المفاجئ أحيانا (بعثة الحجاز) والثغرات التي يؤسف لها اليوم رغم مرور قرن عليها، والمتعلقة بمواضيع دراسات لم يولها المعهد أية أهمية».

أما مجموعة المعهد من الصور فيشير تارغوان إلى انه «لا يمكن القول إنها تركز على المشاهد الطبيعية أو تتميز بطابع سياسي أو ديني، أو ترفيهي، بل على العكس، فهي تنطلق من علم الآثار والهندسة وعلم النقوش كما اهتمت بعلم خصائص الشعوب».

وبدأ تعرف الجمهور الواسع على هذه المجموعة من الصور عام 1995، عندما نظم معرض في القدس بعنوان «مسارات إنجيلية» استناداً إلى صور المجموعة. ونظم المعرض بالتعاون بين «المعهد الإنجيلي»، والقنصلية الفرنسية بالقدس، و«معهد العالم العربي» في باريس، ولحقه عدة معارض عن البحر الميت، والحجاز. لكن أكثرها إثارة كان المعرض الذي نظم عام 2002 بعنوان «القدس الشريف: وثائق فوتوغرافية»، وضم صورا لمنطقة الحرم القدسي الشريف التقطت ما بين عامي 1890 ـ 1925، وأراد له منظموه أن يشكل حدثاً مهماً، وافتتحه في القدس وزير الخارجية الفرنسي آنذاك دومينيك دو فيلبان.

وتزامن المعرض مع ظروف قاسية جداً، عاشتها الأراضي الفلسطينية والقدس تحديداً، خلال انتفاضة الأقصى وعبر عنها في تقديمه لكتالوج المعرض مستشار التعاون والنشاط الثقافي في القنصلية الفرنسية بالقدس الذي ربط بين زمن إقامة المعرض و«انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أسوار الحرم، في الوقت الذي كانت فيه الشرطة والجيش الإسرائيليان يقرران بصورة عشوائية، مثلما ما زالا يفعلان، حول من يمكنه الدخول ومن لا يمكنه الدخول إلى باحة المسجدين للصلاة والتجمع». وأضاف بأن الهدف من المعرض هو «بكل بساطة أن نمكن أولئك الممنوعين من الوصول إلى قبة الصخرة من التمتع بمشهد هذا المكان الساحر والمقدس على صورته التي كان عليها، قبل قيام قوى الحلفاء تحت إمرة الجنرال اللنبي البريطاني، بالدخول إلى القدس في 8 ديسمبر (كانون أول) 1917، مع التبعات التي نعرفها والتي ما زلنا نشهد آثارها المدمرة».

وتوجه المعرض للجمهور الفلسطيني والمسلم والغربي في الأرض المقدسة، لتعريفهم باللوحات الزجاجية للقدس الشريف التي تم تحميضها وعرضها، للمرة الأولى، بعد نحو قرن من التقاط بعضها، لتمكين الجمهور من اكتشاف مدينة السلام والحرب والديانات، خصوصا المكان الفريد المعروف بالحرم القدسي الشريف، ولخلق الحلقة المفقودة بين الماضي والحاضر والمستقبل، لكل من حلم بالقدس من حجاج وباحثين وصحافيين ومسافرين وعابرين ومتيمين. كل ذلك من خلال الصور التي التقطها رهبان «معهد الآثار الإنجيلي الفرنسي» الممزوجة بخلفيات أثرية وشاعرية وإثنوغرافية.

واستخرج صور المعرض من مجموعة المعهد الكبيرة، كل من الأب تارغوان، والأب اومبر، وعنها يقول تارغوان «تم تصوير القدس القديمة على يد سافينياك على الخصوص، بينما صور جوسين بعض الكليشيهات فقط، لم يصور الرجلان القدس على نحو شامل، غير أنهما عالجا موضوعين رئيسين: تناول أولهما الأسوار تناولاً دقيقاً وشاملاً، وتضمن الثاني الحرم الشريف».

ونهل معرض القدس الشريف من المشروعين، ويعزى تصوير الأسوار للراهب سافينياك عامي 1904 و1905، ويرجح تارغوان أن ذلك تم بهدف تربوي خاص بسور القدس «إذ تبين مجموعة صور الألواح المقاطع المتتالية والمتصلة للسور، دونت عليها بالحبر الأسود أرقام الأبراج ومماشي الجدران العالية ومواقع التميز المعماري، والقوالب البارزة، وتم ذلك كما لو أريد تصوير دراسة، لم تبصر النور حول الأبراج والمماشي المرتفعة الجدران».

أما صور الحرم فرأى تارغوان أنها «اقل دقة ومع ذلك نلاحظ حملتي تصوير على الأقل: سلسلة متجانسة من الصور الخارجية للمعالم من زوايا متكاملة، وبالآلات نفسها مع سحبها كالعادة في مقاييس عديدة من الاحتياط وهي طريقة معروفة لدى سافينياك وجوسين. أما السلسة الثانية فهي لجوسين وحده وهي عبارة عن صور داخلية لقبة الصخرة تم التقاطها من أعلى اسطوانة القبة، ودفعت شهرة مسجد الحرم وروعته الجمالية المصورين إلى العودة إلى عين المكان مرات عديدة».

ولا يعرف إلى أي مدى كان الراهبان سافينياك وجوسين، يعلمان أهمية ما يفعلانه بخصوص مكان يتعرض للتغيير والتهويد، بسرعة لا يمكن تصورها. وهذا أحد الأسباب التي تجعل مجموعة المعهد من الصور ثروة لا تقدر بثمن، عن زهرة المدائن التي تذوي وحيدة، ويرفض العالم سماع أنّات آلامها المدمية.

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issue=10662&article=457328

الحدود الفلسطينية-المصرية مشتعلة منذ أكثر من قرن

بعد أكثر من قرن، على ترسيم الحدود الفلسطينية المصرية، من قبل طرفين ليس لهما علاقة بالفلسطينيين والمصريين، ما زالت هذه الحدود ساخنة كما تظهر أحداث الفترة الأخيرة، والتي تطورت من تفجير الحدود، إلى مواجهات بين متظاهرين فلسطينيين ورجال أمن مصريين. وما يحدث على الحدود طوال هذه الفترة الطويلة، قد لا يكون له مثيلا في أي منطقة في العالم، حتى التي يقف فيها على جانبي الحدود أطراف متعادية ومن قوميات مختلفة. وتم ترسيم هذه الحدود في عام 1906، من قبل العثمانيين الذين كانوا يسيطرون على متصرفية فلسطين، وبين البريطانيين الذين كانوا يحتلون مصر. وجاء تخطيط أول خط هندسي حدودي بين الطرفين، في أعقاب توترات وقتال بين العثمانيين والبريطانيين استمر اكثر من عشر سنوات وتركز في رفح وطابا. وتم ترسيم الخط الحدودي الذي اعتبر تعسفيا من قبل المواطنين العرب على جانبيه، بطول 240 كلم، من راس طابا حتى تل الخرائب برفح. واعتبر المواطنون العرب الذين قسمهم الخط الحدودي آنذاك، هذا التقسيم تعسفيا، لان في واقع الأمر شتت العائلات والعشائر التي هي واحدة على جانبي الخط، بل أن نسبة كبيرة من الذين كانوا يعيشون في بعض المدن الفلسطينية مثل غزة هم من المصريين، أما مدينة يافا مثلا، فنسبة قد تكون غالبة من سكانها من أصول مصرية، وبقي هذا حالها حتى سقوطها عام 1948، لتصبح جزء من دولة إسرائيل الوليدة، وحتى الان فان ما تبقى من حواري يافا القديمة، يذكر بحواري مدينة القاهرة. وسبب أخر للاستياء الشعبي له علاقة بالسياسة، فترسيم الحدود بالطريقة التي تم فيها، والذي عكس ميزان القوة على الأرض بين الإمبراطورية العثمانية الآفلة، والإمبراطورية البريطانية، كان لصالح الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وبموجب هذا الترسيم أضحت بريطانيا تتحكم في سيناء عمق مصر الاستراتيجي. وترافق مع ترسيم الحدود كما يذكر المؤرخ الفلسطيني المقيم في غزة سليم عرفات المبيض ما يسميها هجمة صهيونية على جنوب فلسطين تمثلت عام 1906، بشراء أراض فلسطينية بالقرب من رفح لصالح اليهود، بواسطة قنصلي بريطانيا في القدس وغزة.وترافق معه أيضا تشجيع بريطانيا للهجرة اليهودية إلى فلسطين، حتى وصل عدد المهاجرين اليهود ما بين عامي 1901 و1914 إلى 30 ألف، أي نحو 2% من سكان فلسطين. وما بين عامي 1914-1917، عاشت الناس على الحدود ظروفا مأساوية، وبلغ الجوع في غزة، ومدن فلسطينية أخرى، بسبب الحرب العالمية الأولى إلى أكل لحوم الحيوانات النافقة، وروث خيول الجيوش التركية. وفي عام 1917، أجلى العثمانيون أهالي غزة، استعدادا لمعركة اعتبرت فاصلة مع البريطانيين، الذين تمكنوا من إلحاق الهزيمة بالعثمانيين، لتصبح الحدود الفلسطينية (والبرية الشامية)-المصرية مفتوحة. ومن المثير انه راودت المفكرين والمثقفين الفلسطينيين، في السنوات الأولى للانتداب البريطاني حلم الوحدة مع مصر، أو الانضمام إليها، كخيار افضل من الانضمام إلى سوريا، الذي كان مطروحا آنذاك، باعتبار فلسطين هي جنوب سوريا او سوريا الجنوبية. وسرعان ما أدرك هؤلاء ما اعتبر "خيانة" بريطانيا لوعودها للأحرار العرب الذين ساندوها في مواجهة الإمبراطورية العثمانية. وبالنسبة للسكان على جانبي الحدود، فان الأمر الهام، كان هو استمرار تنقلهم بحرية وذلك "بفضل" الاحتلال البريطاني الذي يسيطر على فلسطين ومصر، ويخطط من القاهرة لإعادة رسم خريطة منطقة الشرق الأوسط، وتطبيق ذلك كما يمكن رؤيته الان. وفي عام 1948، ومع قرار الانتداب البريطاني الرحيل، دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، ومن بينها الجيش المصري، الذي احتفظ بقطاع غزة، بعد قيام دولة إسرائيل. وخضع القطاع لإدارة مصرية عسكرية، ما زالت هياكلها التنظيمية موجودة وتعمل في القاهرة حتى الان، وبرز في تلك الفترة الضابط المصري مصطفى حافظ الذي كلفه الرئيس جمال عبد الناصر بقيادة مجموعات الفدائيين خلف خطوط العدو، وتحول حافظ إلى أسطورة، نظرا لنجاحه المبهر في مهمته، وتمكنت المخابرات الإسرائيلية من وضع حد لهذه الأسطورة، وذلك باغتياله بواسطة طرد مفخخ. ومن المفارقات أن ابنة حافظ التي تطلق على نفسها اسم (نوني درويش) هي كاتبة معروفة في أميركا بتبنيها لوجهة النظر الإسرائيلية، وتدعى بانتظام لزيارة إسرائيل. وخلال الإدارة المصرية لقطاع غزة، شهدت الحدود المفتوحة حركة لا مثيل لها ومتنوعة، من حركة الناس، إلى السياسيين، إلى رجال الأمن، الذين كانوا ينقلون النشطاء الفلسطينيين من أخوان مسلمين وشيوعيين إلى المعتقلات، كلما شنت السلطات المصرية حملات على أخوان وشيوعي مصر. وتمكنت إسرائيل، خلال ما سمي حملة سيناء الأولى (1956-1957) من اجتياح الحدود، واحتلال غزة وسيناء، لتخرج منها بعد اشهر. ولم يكن ذلك إلا بروفة لما حدث بعد ذلك بعشر سنوات، عندما تمكنت إسرائيل من اجتياح الحدود مرة أخرى، واحتلال غزة وسيناء، وارتكبت ما اعتبر مجازر ضد أفراد الجيش المصري المتقهقرين. وعادت الحدود الفلسطينية-المصرية من جديد مفتوحة، وهذا المرة بسبب الاحتلال، الذي استمر حتى مبادرة الرئيس المصري السابق أنور السادات، بزيارة إسرائيل وإبرام اتفاقية سلام معها. ونتيجة هذه المعاهدة تم ترسيم الحدود من جديد، ومعها قسمت مدينة رفح من جديد، وقسمت بالتالي العائلات الفلسطينية والمصرية التي تسكن على جانبي الحدود، وحتى داخل الحدود المصرية بقيت مخيمات للاجئين الفلسطينيين اتفق على إعادتهم بالتدريج إلى رفح الفلسطينية. وخلف التقسيم ظروفا انسانية صعبة جدا وسط السكان، ما زالوا يعانون من ذيولها حتى الان، ولسنوات طويلة مقبلة. ولم تسلم إسرائيل طابا، إلا بعد عشر سنوات من المفاوضات الشاقة، وتم ذلك بترتيبات أمنية إسرائيلية، وهو ما حدث أمر مشابه في سيناء وهو المعمول به في المنطقتين حتى الان. وتحولت إسرائيل إلى المتحكم الأول بالمعابر السبعة التي تربط غزة بإسرائيل ومعبر رفح الذي يربط غزة بمصر، وكان لها وحدها حق السماح لمرور أي فلسطيني، وأيضا حق المنع. وطرحت مسالة الحدود من جديد، مع خطة الانفصال أحادية الجانب عن غزة، التي طرحها رئيس وزراء إسرائيل السابق ارئيل شارون عام 2005، ومعها ارتفعت المطالبات الإسرائيلية بتحمل مصر المسؤولية عن أي خرق يحدث للحدود. ودرست إسرائيل عدة اقتراحات أمنية مثل استحداث بحيرة أو بركة أو حاجز مائي عند رفح، وتعزيز الجدران والاسيجة، وفي النهاية تم التوصل إلى اتفاق لادارة الحدود وتنظيم معبر رفح، بمشاركة فلسطينية ومراقبة أوروبية، وإشراف أمني إسرائيلي. ولم تسير الأمور بشكل روتيني على معبر رفح، وكان يغلق بشكل مستمر، حتى تم إغلاقه نهائيا مع سيطرة حماس على قطاع غزة في شهر حزيران (يونيو) الماضي. ويتصدر ما يحدث في هذه الأيام على الحدود المصرية-الفلسطينية، الأنباء العالمية، بعد أن ازدادت سخونة، وهو أمر ليس غريبا عليها ويحدث منذ اكثر من مائة عام على الأقل، وخلال كل ذلك فان السكان العرب على الجانبين هم من يدفعون الثمن.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/2/301790.htm

الثلاثاء، 5 فبراير 2008

إسرائيل تحول الشيخ جراح المسلم إلى شمعون اليهودي

اخذ حي الشيخ جراح بالقدس اسمه، من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي، القائد الكردي المسلم، الذي تحول إلى رمز لأجيال عربية متعاقبة منذ نحو 900 عاما، ويتهدده الان مخطط إسرائيلي استيطاني تم الإعلان عنه ويتضمن بناء 200 وحدة سكنية لاسكان مستوطنين يهود فيها، وسط هذا الحي العربي الواقع في القدس الشرقية المحتلة عام 1967م.

ويشتهر الحي بوجود ضريح الشيخ الجراح فيه، الذي أقيم عليه مسجدا، ما زال يستخدم في وظائفه الدينية.


ومنذ سنوات يتعرض هذا الحي، إلى هجمة استيطانية إسرائيلية، وسيطر الإسرائيليون على مقام إسلامي في المكان يخص شخص يطلق عليه محليا (الشيخ السعدي) وحولوه إلى مقام يهودي باسم (شمعون الصديق).


وسكنت سبع عائلات يهودية في المكان بعد إخراج السكان الفلسطينيين من منازلهم، وتحولت المنازل الفلسطينية إلى منازل يهودية.


ونصبت أبراج حراسة، يداوم فيها جنود الاحتلال على مدار الساعة، وبدت الأمور ممهدة لإقامة حي يهودي في القدس العربية، وهو ما أعلن عنه هذا الأسبوع عضو الكنيست بيني ايلون الذي ينتمي إلى حزب الاتحاد الوطني (المفدال)، والذي شغل في السابق منصب وزير السياحة.


وقال ايلون، الذي يتزعم الجماعات اليهودية التي تسعى لإقامة حي يهودي في الشيخ جراح الذي اصبح اسمه بالنسبة لافراد هذه الجماعات (حي شمعون الصديق) بان الهدف من وراء مخطط الاستيطان اليهودي في الحي الفلسطيني "خلق تواصل سكاني يهودي يحيط بالبلدة القديمة" حسب تعبيره.


وأضاف ايلون "بالإمكان خلق تواصل سكاني يهودي في هذه المنطقة عن طريق الإعلان عن المزيد من الأماكن في القدس كحدائق وطنية ومناطق مفتوحة، بالإضافة إلى ضم أراض تعود ملكيتها إلى أشخاص ومواطنين يهود".


ويعرف ايلون تماما ما يتحدث عنه، وهو ما يمكن وصفه على ارض الواقع، بالمخطط المرعب لتهويد ما تبقى من القدس العربية، وبلدتها القديمة التي تضم الاماكن المقدسة.


وايلون الذي يعتبر عراب الاستيطان اليهودي في الشيخ جراح، كان تزعم بنفسه، عندما كان وزيرا للسياحة في إسرائيل، عمليات طرد السكان الفلسطينيين من الشيخ جراح، كما حدث في شهر نيسان (أبريل) 2003، عندما تم طرد 20 شخصا من عائلة غاوي من منازلهم.


ويعود الان ايلون إلى الواجهة مع مخطط جديد، بالاستيلاء على 18 دونما بالقرب من قبر شمعون الصديق، ووفقا لهذا المخطط كما أعلن عنه أيلون، وطرح على لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية القدس، فانه سيتم إقامة 200 وحدة سكنية. وقال أيلون بوضوح بأنه من اجل تنفيذ المخطط "ينبغي هدم المنازل الفلسطينية الموجودة في الحي، ووجوب ضم المناطق المفتوحة هناك إلى خطة البناء المقترحة".


ورغم هذا الحديث عن المخطط، إلا أن موقف بلدية القدس الإسرائيلية بدا غريبا، وتحاول التغطية عليه، وقال يشور كوبك نائب رئيس البلدية ونائب رئيس لجنة التنظيم والبناء انه لا يعلم شيئا عن هذه الخطة بالتحديد التي أعلن عنها أيلون، وان في نية البلدية وضع خطط للبناء للسكان اليهود والعرب في مدينة القدس.


وفهم من كلامه هذا بان هناك فعلا خططا لإقامة بؤر استيطانية في القدس، أما الحديث عن وحدات سكنية للعرب، فهو أمر أخر من يصدقه كوبك نفسه.


وكان رئيس بلدية القدس اكثر وضوحا، عندما تحدث صراحة عن الاستيطان في الشيخ جراح، بعد السيطرة على ضريح الشيخ السعدي وتحويله إلى قبر شمعون الصديق، وما تبع ذلك من احتلال طلاب يهود من المدارس الدينية، لخمسة منازل قرب الضريح، وحولوا أحدها إلى كنيس يهودي، وتولت حكومة إسرائيل إسكان سبع عائلات يهودية في منازل فلسطينية طرد سكانها، ويتم حراسة أفراد هذه العائلات على مدار الساعة من قبل فرق حراسة خاصة تعتلي أبراجا وضعت في المكان.


وربط رئيس بلدية القدس الإسرائيلية بين نواة الحي اليهودي الاستيطاني في الشيخ جراح، ومدينة معالية ادوميم الاستيطانية شرق القدس قائلا " إن الحي يقع بجوار الجامعة العبرية، ومن المقرر أن تطل مساكنه على الطريق الرئيسي المؤدي لمعاليه أدوميم من ناحية، وعلى حديقة (عيمك تسوريم) القومية من ناحية أخرى. وفي ضوء ذلك ولأسباب أمنية أيضاً، أعتقد أن إسكان اليهود في الحي، سيضمن أمن المسافرين على الطريق المؤدي لمعاليه أدوميم من ناحية، وأمن زوار الحديقة القومية من ناحية أخرى".


ومنذ سنوات تسعى إسرائيل للسيطرة على المنطقة المعروفة في المكان باسم (كرم المفتي) التي كانت تملكها عائلة الحسيني والت ملكيتها أبان العهد الأردني لشركة استثمارية خليجية، ولكن حكومات إسرائيل لم تنجح حتى الان في اخذ هذه الأرض.


وتسعى إسرائيل أيضا، إلى امتلاك مبنى في الشيخ جراح هو فندق شيبرد، كان مقرا للزعيم الفلسطيني الحاج أمين الحسيني، ويسيطر على الفندق الان وحدة من حرس الحدود الإسرائيلي، وبالقرب منه يقع كرم المفتي، الذي إذا تمكنت إسرائيل من تحويله إلى حي استيطاني، فإنها ستضمن تواصلا يهوديا من الشيخ جراح إلى حي وادي الجوز الذي يشهد هو الآخر هجمة استيطانية.


وتقع في الحي بعض المعالم الثقافية مثل القصر الذي كتب وعاش فيه أديب العربية إسعاف النشاشيبي (1882-1948م).


بنى النشاشيبي قصره في حي الشيخ جراح، ليس بعيدا عن مقام الشيخ السعدي، وزخرفه بقطع الموازييك الأزرق التي ما زالت تزينه حتى الان.


وفي هذا القصر حل كثيرون من أعلام الأدب العربي مثل الشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير)، وحافظ إبراهيم (شاعر النيل)، والشاعر العراقي معروف الرصافي، الذي نزل ضيفا في هذا القصر وذكره في قصيدته التي يقول فيها:



ويل لبغداد مما سوف تذكرني     عنها وعن الليالي في الدواوين
واستذكر القدس وقصر النشاشيبي بقوله:
وكان فيها النشاشيبي يسعفني   وكنت فيها خليلا للسكاكيني
والإشارة واضحة لإسعاف النشاشيبي، والمفكر الفلسطيني خليل السكاكيني.

ولا يعرف ماذا كان سيكتب الرصافي، لو قدر له أن يعيش ليرى حال القصر الان، فعلى بعد أمتار قليلة منه، أقام الإسرائيليون نصبا تذكاريا للقتلى من المنظمات الصهيونية الذين سقطوا خلال معركة شنها على قافلة لهذه المنظمات، المقاومون العرب عام 1948.


وتحول هذا النصب إلى ما يشبه حائط مبكى جديد، يأتي إليه المستوطنون بالحافلات، ويقفون بجانب قصر أديب العربية، الشاهد على مرحلة فكرية هامة من تاريخ القدس، ويعرجون على منازل المستوطنين اليهود وقبر وكنيس يعقوب الصديق، الذي اصبح الاسم اليهودي للحي العربي الشيخ جراح.


http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/2/301485.htm

السبت، 2 فبراير 2008

ترميم فسيفساء زجاجية عمرها 1400 عام

بشكل لا يخلو من الفخر، أعلنت سلطة الآثار الإسرائيلية عن تمكنها أخيرا، من ترميم لوحة فسيفساء زجاجية عمرها 1400 عام كان عثر عليها في مدينة قيسارية الأثرية الساحلية، التي تعتبر من أعرق المدن الفلسطينية. وتم اكتشاف هذه اللوحة الفريدة، في ما يصطلح عليه قصر فسيفساء الطيور في قيسارية، والذي يقع على تلة رملية، شمال أسوار المدينة التاريخية. تعود التنقيبات الأثرية في المكان إلى عام 1955، وتبين أن ما عثر عليه من أرضيات فسيفسائية يرجع إلى الفترة البيزنطية، ولم تستأنف السلطات الإسرائيلية الحفريات في المكان، بعد أن غطت ما اكتشفه إلا عام 2005م، رغم إدراك الآثاريين الإسرائيليين أهمية ما اكتشفوه، لكن وكما يحدث في كثير من الأحيان، فإن المكتشفات الأثرية ذات الدلالات المسيحية أو الإسلامية، لا تكتسب أولوية لدى سلطة الآثار الإسرائيلية.وبدعم من أحد الصناديق المانحة، أجرت سلطة الآثار الإسرائيلية حفريات جديدة في القصر الذي تبلغ مساحته نحو 3 آلاف متر مربع، ويعتقد أنه يعود لإحدى عائلات ذلك الزمن الثرية، ويحوي القصر أروقة وغرفا، وساحة تميزت بأرضيتها الفسيفسائية التي تبلغ مساحتها نحو (14.5×16 م). ولم تكشف الحفريات عن كامل القصر، ووفقا لكميل ساري من سلطة الآثار الإسرائيلية الذي أعدّ ملخصا عن تلك المكتشفات بان القصر هدم عام 640 م.

والحفريات كشفت فقط عن ساحة فسيفساء الطيور وعن هذه الفسيفساء يقول ساري "يعتبر الفسيفساء فريدا من نوعه وهو مزخرف بشكل مميز: على الأطراف مرسومة صور مختلفة من الكائنات الحية مثل الغزال, الدب, الفيل وغيرها. أما القسم الأوسط فهو مزخرف بجميع أنواع الطيور المعروفة لنا: عصافير, بط, وز, نعامه وغيرها". ولكن خلال حفريات 2005، عثر على شيء مثير فعلا وهو أرضية طاولة من الزجاج مصنوعة من مربعات فسيفسائية زجاجية، ومطلية بماء الذهب، وعليها أشكال نباتية بالإضافة إلى رمز الصليب.

وقدر عمر هذه القطعة المثيرة بنحو 1400 عام، وبدأت عملية ترميم لها انتهت هذا الأسبوع وهو ما أعلنته سلطة الآثار الإسرائيلية. وقال يائيل جورين روسين، رئيس سلطة الآثار الإسرائيلية، إن الحديث يدور عن قطعة فسيفسائية فريدة هي الأولى من نوعها، التي يتم اكتشافها في إسرائيل، من حيث قدمها، وشكلها، وبريقها، وتقنية صنعها بشكل يدوي.

ووصفها البروفيسور جوزيف باتريك، أستاذ علم الآثار في الجامعة العبرية في القدس بأنها قطعة فنية فريدة من نوعها، حافظت على حالتها الأصلية، وألوانها الأخضر والأزرق والذهبي، وأعاد الفضل في ذلك إلى المنقبين في الموقع، الذين حرصوا على إخراجها من الحفرية سليمة. وفي بيان سلطة الآثار الإسرائيلية الذي أكد أهمية وفرادة اللوحة المكتشفة أشار إلى انه "حسب علمنا قد تكون القطعة الوحيدة في العالم التي تم اكتشافها".

وتبلغ أبعاد القطعة المكتشفة 103 x 103 سم، وذكرت السلطة أنه تم اكتشاف هذه القطعة، خلال الحفريات التي جرت في ساحة فسيفساء الطيور عام 2005، لإعداد الساحة للعرض العام أمام الجمهور، وان التنقيب جرى تحت إشراف الدكتور يوسف بورات. وتم تأريخ القطعة إلى الفترة البيزنطية الأخيرة، أي أواخر القرن السادس وبداية القرن السابع الميلادي، وهو ما يتوافق مع تاريخ بناء القصر.

وتم استخدام تقنية ما اصطلح عليه (الذهب-الزجاج) في صنع هذه القطعة، وتحوي بالإضافة إلى المكعبات الفسيفسائية الزجاجية، رقاقة ذهبية علوية. وبعد الكشف عن هذه القطعة نقلت إلى مختبرات سلطة الآثار الإسرائيلية، لترميمها بدعم سخي من أحد الصناديق الداعمة. والإعلان عن ترميم هذه القطعة، يسلط من جديد الضوء، على مدينة قيسارية التي تقع جنوب مدينة حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وارتبطت بشكل خاص بمجد هيرودس الكبير، الحاكم الادومي العربي لمقاطعة فلسطين الرومانية التي ضمت أيضا شرق الأرض وأجزاء من سوريا، وتميز بمآثره العمرانية العديدة، ومن بينها قلاعه في القدس، وصحراء البحر الميت، وشرق الأردن.

وبنى هيرودس المدينة وأطلق عليها اسم القيصر الروماني أغسطس، وتم افتتاح المدينة باحتفال كبير حضره سياسيو الإمبراطورية الرومانية وكان ذلك عام 10 قبل الميلاد. ولكن الحفريات في المكان كشفت عن قدم المدينة، وبأنها تعود إلى القرن الثالث قبل الميلاد، واهتم بالمدينة كل من سيطروا عليها لاحقا من بيزنطيين، وعرب، وصليبيين، ويكاد يكون لها مع كل من هذه الحضارات قصة، ووفقا للتقديرات العلمية، فإن المدينة شهدت نهوضا استثنائيا خلال الفترة البيزنطية، حيث أصبحت المسيحية الديانة الرسمية للبلاد.

وتعرضت المدينة في عام 1948، إلى عملية تدمير واقتلاع لسكانها العرب، وأقيمت مستوطنة يهودية على أنقاضها، ولم يبق من آثار المدينة الفلسطينية العربية إلا القليل، أهمها المسجد الذي حوله الإسرائيليون إلى بار، وبعض القبور المقدسة لدى المسلمين (الأولياء) أصبحت حمامات عامة يستخدمها زوار المكان. وتعتبر قيسارية الان مقصدا سياحيا، وفيها الكثير من المواقع، مثل المسرح الروماني، الذي يحوي بقايا غرف الممثلين، ومضمار سباق الخيل، وقصر الحاكم، ومعبد، وبقايا قلاع، وحمام عام رممته سلطة الآثار الإسرائيلية ويتكون من عدة أقسام مثل أحواض المياه الساخنة والباردة، والأفران، وقنوات المياه وغيرها.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2008/2/300726.htm