أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 24 أبريل 2024

حكايات تتحدى النسيان بين الأجيال/ أحمد أسامة



 


الزمن.. سلاح فتاك لا يقوى شيء على مواجهته، يعبر ويمضي تاركًا خلفه حيواتنا وتفاصيلنا وأحلامنا، يظل هاجس الخلود أقوى هواجس الإنسان عبر التاريخ اعتقادًا منه أنه الوسيلة الوحيدة لكسر هيمنة الزمن، غافلًا عن أن الحكايات وحدها هي من تجسر على مجابهة الزمن وكسر سطوته، تطل برأسها عبر ثناياه غير آبهة بم يحدث، يحاول الزمن معها بشتى الطرق ويفعل أفاعيله بها، أقصى ما يمكنه فعله هو إضافة بعض التفاصيل أو حذفها، إلا أنه يفشل في محوها طالما بقي وسيط ينقلها، وليس هناك وسيط أقوى من السنة البشر.

تتلاقى الحكايات مع التاريخ لتنسج ملحمة من الصمود والمقاومة، إنها رحلة عبر أزقة القدس القديمة وحاراتها العتيقة، رحلة عبر ذاكرة شعب متجذر في أرضه، يحمل تاريخه في قلبه ويتناقله همسًا بين الأجيال.

"الحكي الشفهي" هو السلاح الذي يرفعه المؤلف في وجه النسيان، إنها قدس السبعينات التي مازالت تحتفظ ببعض من تاريخها القديم كما اعتاد عليها أهلها المقدسيون قبل النكبة، فالحكايات التي تنتقل من الجدات للأحفاد، ومن الآباء للأبناء، هي التي تحفظ تاريخ القدس وتفاصيلها الدقيقة في ذاكرة شعبها. إنها درع واقٍ يحمي المدينة المقدسة من الضياع، ويُبقي جذوتها متقدة في قلوب أبنائها.

يبرز والد البطل "أبو كافل" فهو يعي تمامًا أهمية الحكايات في حفظ تاريخ القدس وهويتها، ويحرص على تلقين ابنه "كافل" هذه الحكايات منذ نعومة أظفاره. يقص عليه حكايات الأجداد والآباء، حكايات المقاومة والصمود، حكايات الأزقة القديمة والحارات العتيقة. يروي له قصص البطولة والتضحية، قصص الحب والأمل، قصص الحزن والفقد، قصص الاحتلالات المتتالية والروايات الدينية التي اختلطت بالحكايات وتحولت إلى أساطير، كل أصحاب دين يؤولونها حسب معتقدهم كدليل إثبات أن قدسية المدينة تخصهم وحدهم، ولا يقاسمهم فيها غيرهم.

"أبو كافل" ليس مجرد أب، بل هو معلم وموجه وفدائي مناضل، يزرع في نفس ابنه حب القدس والتعلق بها. يأخذه في جولات ميدانية في أزقة القدس وحاراتها، يشير إلى البيوت القديمة ويحكي له قصص ساكنيها، يمر بالمساجد والكنائس ويحدثه عن تاريخها، يقف عند أسوار المدينة ويشرح له أهميتها.

بفضل أبيه، يتحول "كافل" إلى راوٍ لتاريخ القدس وحارس لذاكرتها، رغم تقلبات الدنيا ومرور الزمن، إلا أنه يعود في النهاية لمسقط رأسه يحاول إحياء ذاكرته وروحه، لم ينس القدس وأهلها، لم ينس خساراته الشخصية وأوجاعه، لم ينس أمه البسيطة المغدورة، لم ينس "لورا" التي أحب والتي لم تنسه أيضًا، عاد يحمل على عاتقه مسؤولية نقل الحكايات للأجيال القادمة، متمثلة في ابنه، ليضمن استمراريتها وتحديها للنسيان والزمن.

"سماء القدس السابعة" ليست مجرد عنوان، فعلى شاعريته، هي رمز للسموات السبع التي يجب أن يرتقي إليها المؤمن لبلوغ القدس السماوية. وفي الرواية، ترتقي الحكايات إلى هذه المكانة المقدسة، حاملة معها تاريخ المدينة المقدسة وحكايات أهلها المقاومين للنسيان.

رواية "سماء القدس السابعة" تذكير قوي بأهمية الحكي الشفهي في الحفاظ على الهوية والتاريخ. دعوة لاستلهام تجربة أهل القدس في المقاومة عبر الحكايات، وتذكير لنا بأننا جميعًا رواة لتاريخنا وحماة لذاكرتنا الجماعية. تقول "لور" في ثنايا خاتمة الرواية موجهة حديثها إلى "كافل":

"أُكمل دور والدك في رواية الحكايات، نروي الحكايات لنفتدي أعمارًا، كما فعلت شهرزاد، أو للمقايضة، كما كانت تفعل والدتك، بين الحكي والطعام، أو لبث الروح في الجسد والعظام، كما فعل والدك وجدي، ليرأف بهما تراب الوطن الغالي".

شكرًا أسامة العيسة على هذه التحفة والأيقونة التاريخية.. شكرًا منشورات المتوسط على هذا الإخراج الأنيق.

الاثنين، 22 أبريل 2024

"سماء القدس السابعة": تجديد الكتابة الروائية الفلسطينية



 أشهرت جائزة البوكر العربية، هذا العام، روايتين فلسطينيتين تتسمان بالتميز: "قناع بلون السماء" لباسم خندقجي، و"سماء القدس السابعة" لأسامة العيسة(*).

واجه الأول سجنه الإسرائيلي الطويل بإبداع تكشّف في ثقافة رحبة وأسلوب غير تقليدي، وأنجز الثاني عملًا "هائلًا"، أكان بصفحاته (676 صفحة)، أم بجهد بحثي ــ استقصائي جدير بصفة الندرة، يضيف إلى تاريخ الرواية الفلسطينية شكلًا غير مألوف يطرح أسئلة كثيرة على الكتابة الروائية. لكأن العيسة، الذي قدم سابقًا عملًا استُقبل بحفاوة ("مجانين بيت لحم" ـ 2015)، شاء تجديده كتابيًا شاملًا ونجح في رهانه. انتهى إلى "موسوعة مقدسية"، أو إلى موسوعة عن القدس في حاضرها وماضيها، وأبوابها وقبورها ومساجدها وكنائسها وحواريها وشوارعها وعادات أهلها وشهدائها المتوالدين من عام النكبة إلى ما تلاه من أزمنة لا ينقصها الأنين الفلسطيني ولا النكبات الجاثمة والمحتملة...
أسهمت رواية جبرا إبراهيم جبرا "صراخ في ليل طويل" (القدس، 1946)، التي طبعت بعد النكبة، في تأسيس أول رواية جادة للفلسطينيين، أمدّه غسان كنفاني في "رجال في الشمس" بمنظور جديد عنوانه: "مأساة العار في زمن الفرار"، وعاد إميل حبيبي ووسّع مداه في: "مغامرات سعيد أبي النحس المتشائل" التي ارتكنت إلى سخرية سوداء بديعة الكلام. ومع أن الرواية الفلسطينية بدت مكتفية "بهذه العلامات الثلاث". أضاف إليها حسين البرغوثي، الذي غادرنا مبكرًا، روايتيه "نهار أزرق"، و"سأكون بين اللوز" ووضع فيهما نثرًا متألقًا لا نقف على نظيره في الرواية العربية إلا صدفة.
اقترح كلٌّ من غسان، وجبرا، وإميل، العناوين الكبرى للرواية الفلسطينية المسكونة بالتأسيّ والمقاومة والمنىفى والاغتراب، وبالثقافة الروائية والعمل في اللغة، وتأمل شفيف لمعنى الوجود والاستلاب. أكّد الأول الحرية والمقاومة، واحتفى جبرا ببطولة الثقافة، وذهب إميل إلى هُجنة مبدعة، ووقع على الرواية التي يشاء.
استوعب أسامة العيسة إبداع الذين سبقوه، وعالجه بوسائل فنية خاصة به، بدءًا من زمن بالغ القدم، مرورًا بالنكبة. فكفاح فدائي بدأ هادرًا، وانتهى إلى الكساد، كما لو كان على الفلسطينيين أن يحتملوا شقاء الذين احتلوا أرضهم، ولهم جنسيات متعددة، ومهازل قيادات مشبعة بأخطاء تتاخم الفضيحة. هيمن على نصه المكتنز، إن صح القول، صوت التاريخ، إذ للرومان دورهم، وللعرب العاربة والمستعربة نصيبها، وللسيد المسيح، وعمر بن الخطاب، وجهد الأمويين، وعبث الانتداب الإنكليزي الدامي أزمنتهم "المشظاة"، فليس للقدس تاريخ بصيغة المفرد، إنما لها أقدارها التي لا يسيطر عليها أحد. انطوى تاريخها على "احتلالات" متعاقبة، وعلى جسد فلسطيني لا يكفّ عن النزيف.
أجابت رواية "سماء القدس السابعة" على سؤالين: كيف تكتب رواية مدينة تصارع فيها، منذ أزمنة عدة، المقدّس والمدنّس؟ وكيف تجعل من القدس مجازًا تاريخيًا متعدد الوجوه والأطراف، يسرد كفاح الفلسطينيين من "ما قبل النكبة إلى ما بعد الحاضر"، ويفصح عن دلالات المتعدد والتسامح والإقصاء والاستبداد، كما لو كانت القدس مرآة للطبيعة الإنسانية، بصيغة الجمع، فالطبيعة الإنسانية المفردة أسطورة المخلوقات البريئة؟
كان نجيب محفوظ قد اتخذّ من مدينة القاهرة بطلًا روائيًا وزعه على أمكنة متجاورة الأزمنة: خان الخليلي، بين القصرين، والسكرية.... شخصن فيها أحوال مدينته في النصف الأول من القرن العشرين. ارتكن العيسة إلى قدس تاريخية متعددة الأديان والثقافات، واشتق تاريخها الطويل من الأحجارالمختلفة الألوان، والقبور المتواترة، والشوارع والحارات والكنائس والمساجد، وعادات البشر، وسطوة المحتل الصهيوني، وأحوال الفلسطيني الذي يرفض الهزيمة ولا يستطيع دحرها، وحياة الذي افتدوا مدينتهم المقدسة بدماء لا تعرف الجفاف.
نى العيسة التاريخ المقدسي بمتواليات حكائية متعددة المراجع، فللحجر المقدسي ألوانه وتاريخه، وفضاء المدينة تتصادى فيه أصوات الفلسطينيين، واليهود، والأرمن، والأقباط، والمغاربة، والجيش البريطاني الذي سرق "أموال وذهب" الفلاحين خلال الثورة الكبرى في الثلاثينيات، و"أرزاق بدو بئر السبع" التي اغتصبها الجنود العثمانيون عندما دهموا مضارب البدو لتحصيل الضرائب... لكل موضوع وحَدَث وحديث حكايته، ولكل حكاية أخرى تضيئها، والمحصلة "منمنمات حكائية" تؤالف بين البشر والحجر وبين الحياة اليومية الراهنة ووقائع وطنية تمتد من زمن الأحلام إلى أزمنة الكوابيس. فالحكايات المتداخلة تعانق التاريخ وتقوم بتأويله وتنتهي إلى حزن مديد.
تأمل العيسة في منمنمات حكائية متوالدة مواضيع لا تقبل الاختزال، مراياها: أقدار القدس التي تأسىّ عليها السيد المسيح قبل أن يرى "أبناء الشهداء، أيتام الثورات المتتابعة في فلسطين"... والمأساة الفلسطينية الممثلّة بفلسطيني مهزوم يصارع هزيمة قوية البنيان، وبصهيوني تسيّد المكان لأسباب واضحة وغامضة. وهنا حكايات السجون والعشق والسياح الذين جذبهم عبق القدس، فتاهوا في جمالها الحزين.
في رواية "سماء القدس السابعة" ما يعلن عن بطولة المكان، الذي يضع البشر جانبًا، ويتابع حياة مضطربة، ويعلن أكثر عن تشاؤم الفلسطيني الذي كان مرتاحًا إلى مدينته، وغدا سجينًا بين جدرانها. تنشر نهايات فصول الرواية، وهي ستة وعشرون، ألوان التشاؤم المتعددة، كأن نقرأ في نهاية الفصل الأخير: "ما يزال سُلّم القدس الخشبي في مكان، ينظر من علٍ ويتعجب السّلم رمز الصعود، ليتحوّل لدينا إلى مهزلة تقهقر. فتعجَّبْ من مكانك القصيّ على حالنا. وحال أرضنا المقدسة...!"... "أحاول النوم، ولكنه كيف يجيء في مدينة العجائب؟ّ ص: 676"، أو أن نقرأ في بداية الفصل الواحد والعشرين: "في القدس ظهرت عائلات كثيرة تتوارث النبوّة. وفي يوم واحد قتل اليهود سبعين نبيًّا في القدس. ص227". كما نقرأ في الفصل "العشرون" صورة "اليأس المقاوم": إذا استمر التمدّد الأفقي للقبور، فإن القدس ستتحول كلها إلى مقبرة، وخصوصًا وأن هذه المقبرة تستقبل موتى يهود من مختلف أنحاء العالم..."، ويرتفع صوت الألم في جملة لاحقة: "ستذرف القدس الدموع مرات ومرّات، وكأنها ليست مدينة للسلام وإنما للقهر... القدس لم تُنه حسابها بعد مع الألم والدموع. ص: 111".
أدرج العيسة في عمله المتميّز المثير للدهشة إلى جانب حكاية القدس الكبيرة حكاية "صغرى" قوامها عائلة فلسطينية حسم مصيرها الموت قبل الأوان: الأب فدائي رحّله إلى العالم الآخر شقاؤه الممتد، والأم خنقتها هموم الحياة، والجار الذي خذله العمل الوطني وسقط في "العِنّة" وأكمله بالانتحار، وابن لقيط الذاكرة يحفظ ما يعيش يتلو على ابنه القادم آيات من جمال القدس ومصير الأبطال الخائبين. الذاكرة، لا التذكّر، هوية فلسطينية، فالذاكرة الصحيحة فعل وطني منفتح على المستقبل، والتذكّر "قراءة الفاتحة" على ما كان جميلًا وذهب. واءم الروائي المتميّز بين الحكاية المجاز والحكاية المباشرة ورسم القدس في أزمنتها المختلفة.
نقد العيسة في كتابته الوطنية المبدعة وجوه التخلّف الاجتماعي التي تستولد الهزيمة، بدءًا "بشيخ" يعهد بأحوال البشر إلى إيمان مجهول الهوية وصولًا إلى تربية ذكورية تختصر المرأة في شيء رخيص الثمن. احتفى بجغرافيا القدس، أمكنة وبشرًا وتاريخًا، مصرّحًا: أن الكتابة المبدعة فعل وطني مضيء، وأن الروائي النبيه الذاكرة يستدرك ما ينساه تجاّر السياسة وصغار الكتبة. من المحقق أن رواية العيسة عمل بارز الريادة والتجديد، وبداية كبيرة لرواية فلسطينية مختلفة، رواية واسعة المعرفة متقنة الكتابة توجع القلب وتحتفل بالذاكرة المقاومة، تبدأ من المعيش وتنتهي إليه، فلا أحد يتجوّل بصيرًا بين عيون القدس ومسامها إلا فلسطيني أدمن التجوال في مدينة عشقها. إنه الشغف الذي يحفظ صاحيًا تفاصيل الحياة، ويؤثّث الرواية الوطنية بالمعرفة والبصيرة. لكأن رواية العيسة دليل إلى ما كان مقدسيًا ولا يزال، وصوت مقاتل يحترم الشهداء، ويرجم "فدائيين زائفين" تحرّروا من حمل السلاح وانجذبوا إلى الملاهي، كما جاء في فصل من هذه الرواية. وإذ كان اللسان الإنكليزي يقول: "شاهد لندن ومُتْ"، فإن لسان أسامة يقول: "اعشق القدس تكتب لك النجاة". لذلك أوغل في وصف ملامح وجهها المرئي وتفاصيل وجوهها المحتجبة.
و"سماء القدس السابعة" مرآة تاريخ وذاكرة ومدينة ورواية مختلفة الأقلام وشعبٌ وثقافة وحيوات متعددة المآلات، ومرآة كتابة متقنة تعلمت من غيرها، وتعلِّم غيرها، وتبقى عصيةٌ على المحاكاة.

الأحد، 21 أبريل 2024

مدينة الحكايات والحجارة والنساء/ أحمد أسامة


 


«إنها حكايات يا بُنيَّ، حكايات تُؤوّل وتترى وتكبر وتصغر. القدس مدينة الحكايات التي تُؤلَّف من خيال جامح، لقد حافظت على وجودها بالحكايات، التي اختلف الناس في مراحل مختلفة على تأويلها، فشقت الصفوف، وأسالت الدماء، وفي أحيانٍ ليست قليلة كانت سبباً في تدميرها، ولكنها كانت دائماً تنهض من بين دمارها، كيف يحدث هذا؟ لا تسألني، إنه لغز هذه المدينة القَدَرِيَّة».

"القُدس، مدينة الحجارة، وتدويرها، ما تهدمه الاحتلالات تبنيه احتلالات أخرى، وتواصل المدينة القدرية رحلتها، ونظل نحن فيها، مثل هذه الحجارة، قد تهدم وتشتت، ولكنها تعود مبنية من جديد"

لم تقتنع والدتي كثيراً بكلام الوالد، وربما جعلها تخشى من المستقبل، فأنهت النقاش كحكيمة تعلم اليقين: «النضال الحقيقي ليس بزرع قنبلة يموت زارعها، وإنما بجلب قُوت العائلة، وتعليم الأولاد أحسن تعليم، إنه الصمود في الأرض، وليس في الموت عليها، فاليهود يريدوننا أمواتاً، ليأخذوا أرضنا، وعندما نموت هكذا، وبشكل عشوائي، فإننا نقدم أفضل خدمة لهم».

#أحمد_أسامة

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

السبت، 20 أبريل 2024

قلق في بلدة رطبة/ وفاء بونيف


 


بمناسبة اقتراب الإعلان عن نتائج البوكر

"دخلت من الباب، والعمل مازال جاريا لتثبيت النجمة، وبدت القدس القديمة رغم شمسها الساطعة الحارة، بلدة رطبة، تخترق الشمس جدرانها، فتنبت قلقا، مدينة تطفو على قلق، لم أشعر بهذا أنا فقط، بل تخيلت بأن اليهود المتدينون، بسوالفهم الطويلة، وأغطية رؤوسهم السوداء، ونساءهم بأرديتهن المحتشمة، وهم يسرعون إلى الحائط، ينطلقون، وهم على قلق، من أن تفوتهم نوبة بكاء، أو أن يتغير كل شئ وهم يضربون رؤوسهم في الحائط، كأن تندلع الحرب فجأة، أو أن يصحى الموتى على جبل الزيتون ورأس العمود، ويسرعوا إلى هنا، فيعرفون بأن يوم الدينونة جاء، ولا يدرون ماذا سيفعلون بنسائهم في الجانب الٱخر، حيث يصلين مراعيات الحدود التي وضعها رجالهن في الفصل بين الذكور والإناث".

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#قراءات_وفاء

#أقرأ_فلسطين

#أسامة_العيسة

الخميس، 18 أبريل 2024

موسوعة سردية لمدينة القدس!


 


"تاريخ القدس المكتوب، هو تاريخ منتصرين، سنجد الفخر، والزهو بسيول الدماء التي سُفكت في المدينة، لدى الرومان، والعرب، والصليبيين، والمماليك، والعثمانيين، وأخيرًا الإسرائيليين.

نحن أمام محاولات طويلة لإسكات صوت المهزومين، قتلى الحروب، والنساء ضحية الاغتصابات، والفلاحين الذين فقدوا أرضهم، وواجهوا الولاة، والخلفاء، والسلاطين، والكتبة، والأغوات، والبشاوات، والأرستقراطية الدينية، التي تتوارث المناصب والنفوذ والثروات.

أنا سليل عائلة من الفلاحين، أضحت فجأة من اللاجئين، بعد احتلال أرضها، وطردها من قريتها، غرب القدس. أنا أنتمي للمهزومين، أحمل حكاياتهم، وأحاول روايتها".

الحوار بالإنجليزية:

https://www.arabicfiction.org/en/node/2359

الحوار بالعربية:

https://www.arabicfiction.org/ar/node/2358

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الأربعاء، 17 أبريل 2024

من المكتبة العامة/ واجد النوباني


 


توجهت اليوم لمكتبة بلدية رام الله، وأنا سعيد جدا باشتراكي في هذه المكتبة وأنصح كل شخص بذلك فالاشتراك يقابله فقط مبلغ ٣٥ شيكل بالسنة.

أحببت أن تكون رواية سماء القدس السابعة هي أول كتاب أستعيره، وبالمناسبة الكاتب أسامة العيسة ابن بيت لحم "، هو كاتب على درجة عالية جدا ومميزة من الإبداع.

#واجد_النوباني

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الثلاثاء، 16 أبريل 2024

غُصَصٌ!



أوَّل أمس، مررت على فشك، في دكَّان خلايل اللوز. قلت له ضاحكًا:

-عاشت الذكرى!

بدا فشك، الذي يعرف كل شيء، كما يُظهِر لي، رغم فشله المتكرر في تفسير لقبه، وكيف لصق به، أنَّه لم يفهم. كان فرصتي لأشرح له، ضامنًا ضمته:

-الفيس ذكَّرني، بما كتبته عندما أفرج عنك، وقصتك مع صديقك الشهيد رائد.

مررت أمس من أمام الدكَّان، لكنّني، لم أُميِّل على فشك. فجر اليوم، اقتحم الجنود، المخيم، واعتقلوا فشك.

قدَّرت، أنَّ الاحتلال، يريد تنغيص فرحة اطلاق سراح والده، المقرَّر اليوم.

أنتظرنا الإفراج عن الأستاذ خالد، حتى الثامنة مساءً، بدلًا من إطلاق سراحه، جددوا له الاعتقال الإداري. خالد الصيفي في وضع صحي صعب في المعتقل.

التنغيص، حُوِّل إلى غُصَّة!

الصورة: فشك مخفورًا، صباح اليوم.

#خالد_الصيفي

#ميدو_الصيفي

الخميس، 11 أبريل 2024

أعياد الشرق الأوسط وقرابينها!


 


أنتمي لانتفاضة الفتية ضد كامب دفيد؛ واحدة من انتفاضات عديدة مغدورة!

لكل جيل فلسطيني ربيعه، يبذر دماءً، لأرض عطشى، لتحمَّر شقائق النعمان، وتملأ الأودية والتلال، زنابق، وأناشيد!

من يتذكَّر: مصطفى عشو، وخالد الإسلامبولي، وحبيب الشرتوني!

الثلاثاء، 9 أبريل 2024

الجمعة، 5 أبريل 2024

تسعيرة الفلسطيني!


 


Shir Aharon، هو ناشط يساري يهودي، يشارك في الاحتجاجات على ممارسات الاحتلال في القدس، كما في حالة الشيخ جراح. رأيته يجلس على درجات باب العمود، ويحاور الشبان. لم يحدث أي حوار بيني وبينه.

نشر على حسابه على الفيس بوك صورة عائلة فلسطينيَّة يعرفها في خيام النزوح مكونة من ستة أشخاص، تعرضوا لكل ما تعرضت له غزة، من موت أقرباء، ونزوج، وتشريد، وجوع. لكنَّهم الآن غير قادرين على التحمل ويفكرون بمغادرة غزة، ولكن لا يمكنهم الخروج دون الدفع.

حسب أهارون، فإنه يتوجب على كل كبير منهم دفع 5 آلاف دولار والصغير يدفع 2500 دولار. طلب من متابعيه التبرع لتتمكن العائلة من الخروج من جحيم غزة، وبدء حياة جديدة.

صديقي في رفح الذي أخبرني أن قطاع غزة لم يعد مكانًا صالحا للعيش، فإن التسعيرة 7 ألاف دولار للفلسطيني للمرور عبر معبر رفح، وما يشكِّل عزاء له، أنَّ شقيقه المصري المحشور في غزة له تسعيرة "أرخص" عليه دفع 700 دولار للعودة إلى بلده، ومنزله، وحارته. أمَّا الأجنبي، فيخرج من معبر رفح ويدخل ببلاش، مع تعظيم سلام.

موظفو رجل المافيا العرجاني، منتشرون في رفح، وأحدثوا "ثورة" في بيروقراطية السبعة آلاف عام في مصر.  يمكن لم يرغب بالسفر التوجه اليهم ودفع الأتاوة، فيتصلون واضعين اسمه على المعبر.

هذه واحدة من التسعيرات العربية للفلسطيني، أمَّا بالنسبة للتسعيرة اللإسرائيليَّة فتبقى الأعلى. قتل فلسطيني أو جرحه أو تشريده أو كل ذلك، بصاروخ أو جزء منه، يكلِّف الملايين.

يقال إنَّ الإسرائيلي لا يدفع من جيبه، إنما يموِّل حروبه من جيوب عربية.

في يوم ما جاء إدوارد سعيد إلى بيت لحم، وحاضر في جامعتها. في اليوم التالي زار مخيم الدهيشة، وقرى تُبنى على أرضها المستوطنات، أبدى استيائه من المليارات العربيِّة في البنوك الأميركيِّة، التي يرفض أصحابها أخذ العمولة لموانع شرعيَّة، فتجيَّر في النهاية، وبطرق مختلفة إلى سلاح دولة الاحتلال.

#معبر_رفح

الخميس، 4 أبريل 2024

وبكى المسيح!


يمثِّل العهد الجديد رواية فلسطينيَّة جدًا، ليس فقط لكونه يقدِّم حكاية متمرِّد فلسطينيِّ على المؤسسة الدينيَّة المحليَّة، ولكن أيضًا على السلطة الرومانيَّة، من خلال تقنية الأصوات المتعددة، أو زوايا نظر أربعة رأوا أنَّه من الضروري كتابة ما خبروه، وسيحتاج العرب حتى ستينيات القرن الماضي، ليستخدَّم نجيب محفوظ التقنية في روايته البديعة ميرامار، الشجاعة في نقدها لحكم العسكر.

يا له من معلِّم! ويا لها من معلَم!

قد يقلِّل من أهمية زوايا النظر، أنَّ ثلاثة من الرواة كتبوا الأناجيل التي تسمى الإزائية، وسنرفع القبعة ليوحنا، الذي حاول أن يكون متفردًا. ليس فقط في إنجيله ولكن في سفر رؤياه!

في الواقع ان تقنية الأصوات المتعددة لم تقتصر على الأناجيل الأربعة الرسمية، فكُشف، وربما سيكشف لاحقًا العديد من أناجيل الذين رأوا ضرورة أن يقدِّموا وجهات نظرهم، وقد يكونوا هم فعلًا كتبوها أو كتبها غيرهم وحملت أسمائهم كانجيل مريم المجدلية، وهي واحدة من أكثر شخصيَّات العهد الجديد إثارة للجدل. لكنَّها تظل أناجيل منحولة، غير معترف بها من المؤسسة الدينيَّة الرسميَّة، التي نهضت على ركام المؤسسة التي تمرَّد عليها المسيح. لا يحقِّق الثوَّار والمتردون انتصارات حاسمة. تنحني المؤسسات أمامهم، ثم تنهض لتتابع من انتهت اليه المؤسسة القديمة، رافعة شعارات الثورة. لو وجد مسيح اليوم، فلا شك لثار على كثيرين ممن ينطقون باسمه.

العهد الجديد رواية المكان الفلسطينيِّ، ومثل أيَّة رواية حديثة ليس شرطًا أن تكون الوقائع قد حدثت فعلاً، عن طفل المغارة، الذي أضحى ملكًا وسيدًا وفاديًا، وابنًا للرَّب، وأخيرًا الرَّب نفسه، أحاطه شخوص فلسطينيَّة، وقبضة من المريمات، اللواتي أثّرن في وجدان العالم.

في مثل كل عام في مثل هذا الوقت، كان أدونيس (السيَّد) يعود من الموت، ولاحقًا وطأ السيَّد المسيح الموتَ بالموتِ، وصعد للسماء، بعد أن فشل في بناء قدس جديدة، ومثل أبطال الروايات العظيمة، نظر وهو على جبل الزيتون للقدس الحزينة، وعاتب المدينة، قاتلة الأنبياء والمرسلين إليها، وذرف دمعة ساخنة على خده، حزنًا، وألمًا.

لم تكن المرَّة الأولى التي يبكي فيها المسيح، فعندما وصل العيزرية وعلم بموت اليعازر، بكى، وأعاده إلى الحياة.

في تقنيات الكتابة الحديثة يوجد ما يسمى (وبكى المسيح) وهي تشبه تقنية قمة جبل الجليد العائم، التي برع فيها همنغواي، حيث يترك للقارئ لتخيل ثلثي الجبل تحت الماء، في أعماق المحيط.

في كل عام، تؤثر أعظم رواية فلسطينيَّة على عددٍ غير معروف من الذين تصيبهم "لوثة القدس" وهم يدركون أنَّهم يسيرون على الطرقات التي سار عليها ابن الأرض والسماء، والتي دخلها راكبًا حمارًا، وفي كل عام تستقبل المشافي النفسية الاحتلالية نحو 20 من هؤلاء، للعلاج من داء القدس.

يا لعظمة الرواية وتأثيرها!

يا لعظمة من أوحت لهم بأعمالٍ عظيمة مثل كازنتزاكس، وجوزيه ساراماغو، ومن ستوحي لهم!

لكن مدينة الوقائع حزينة الآن، في عيد قيامتها. محاصرة، ولا مسيح يبكيها!

قدَّمت إنجيلي، فمنع من عنوانه، من المؤسسة التي تدعي حماية إرث المسيح، مواطني، وبلدياتي. ولدت مثله لاجئًا، في نفس المدينة!

#الإنجيل_المنحول_لزانية_المعبد

#المؤسسة_العربية_للدراسات_والنشر

#منع_في_عمان

#أسامة_العيسة 


الأربعاء، 3 أبريل 2024

حكَّاء ومدينة/ هيام محفوظ


 


لأنَّ القدس بلد الحكايات، كانت بحاجه لحكَّاء يرويها، وما الحكايا إلَّا وجه الحنين الذي يحيي الذاكرة ويحميها، لذا كان أسامة العيسة، حاضرًا يروي القدس بأسفارها الثلاثة: سفرٌ للحياة، وسفرٌ للحزن، وسفرٌ للبقاء.

رواية بدأت بالتاريخ، بالحياة التي عاشها أهلها يعرفونها وتعرفهم، ولكنَّها إذ انتهت بواقع حزين غرَّب أهلها، إلَّا أنَّها تبقى خالدة في قلوب ساكنيها.

عمل رائع يحترم وقت القارىء.

 ليعودوا فيَرووا الحكايا من جديد.

#هيام_محفوظ

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الاثنين، 1 أبريل 2024

اقتباسات من سماء القدس السابعة/ايمان خفاجة


 


-ياولدي، أحيانا يحتاج ناسنا إلى مصطلحات تخديرية، لا يريدون أن يدركوا الحقيقة، رغم أنهم أكثر من يعرفونها، ولكننا هكذا نحن!

-قد يتغير العالم آلاف المرات، ولكن هذه الأرض التي تسكنها الأساطير، لن تتغير، ستعيد دائمًا إنتاج ذاتها.

-وتفعل الحكاية في الأهالي مفعولًا مطمئنا، معزيا، بأنهم ليسوا أول من ضحى، وأن هناك من سبقهم، وما يحدث لهم من آلام يتجرعونها تجرع مثلها غيرهم، وعندما يعمم الألم، وتؤمم الأحزان لتعم، ترطب النفوس المكلومة ولو إلى حين.

#إيمان_خفاجة

#سماء_القدس_السابعة

#منشورات_المتوسط

#أسامة_العيسة

الأحد، 24 مارس 2024

مع سماء القدس/ منير الحايك


 "نجوتُ لأروي قصَّتي، وأنتَ نجوتَ، لترويَ قصَّتَكَ، ولعلّ قصّتَينا قصّة واحدة، قصَّتنا معًا، وقصّتنا مع الآخرين، أو قصّتهم معنا" تقول لور لكافل في إحدى رسائلها قُبَيل نهاية رواية "سماء القدس السابعة" (منشورات المتوسّط 2023) لأسامة العيسة. ولعلّ هذه الجملة تختصر الكثير من تساؤلات كلّ متلقٍّ يحمل الكتاب، ويتهيّب البدء بقراءة صفحاتها التي تقترب من الـ700.

فمن كان يتوخَّى الـمُتعة من خلال التجديد والتجريب والتقنيات أو الألاعيب الروائية الجديدة، أو يتوخّى الغموض والتشويق والمفاجآت وانتظار الخواتيم المفتوحة والمدهِشة، لن يستطيع إكمال صفحات الرواية الأولى حتّى. وعلى الرغم من أن البعض وصفها بأنها رواية توثيقية، ولم يكن عمل أسامة العيسة سوى توثيق الحكايات والأمكنة في أزمنة حاضرة أو من خلال التذكّر والحَكي، فإنّ غرض الكاتب كان غير ذلك.
تبدأ الحكاية في السبعينيات، بأنّ السَّبعَ "طربَل"، السبع وهو قريب والد الطفل كافل، وبشكل أدقّ "ذو الكفل"، الذي ينقل لنا في قسم الرواية الأول "سِفر للحياة" حكايات والده، تلك الحكايات التي يرويها الأب عن القدس وأحيائها وشوارعها ومبانيها وأزقتها وساحاتها، ويروي عن ناسها وتاريخها وحاضرها، والد كافل الذي نسمعه يحكي فلا يكلّ ولا يملّ، وهو الشيوعي الذي يشارك في عملية ضد الاحتلال ويُؤسر على إثرها، ذلك الأسر الذي يقود الرواية في جزئيها الثاني والثالث "سفر للحزن والحياة" و"سِفر للبقاء والحزن والحياة"، وهما أقصر بكثير من الأول، نحو تحوّل من الحكي إلى الغايات الأخرى بعد الحكي للتأثير بالمتلقّي.
تبقى حكاية السبع وطربلته (عجزه الجنسي)، مع زوجته الأولى ومن ثمّ الثانية، والتي تؤدّي به إلى مشكلات كبيرة كالعدوانية والإدمان وغيرها، ليصل في النهاية إلى أن ينتحر، حكاية السبع التي أرادت منها الرواية الإضاءة على جانب من مجتمعنا، الذي يتدخّل فيه الكل في شؤون الكلّ، حيث تدخل الخرافة والدين بشكل علني ومسيطر على حساب العقل والعلم، الأمر الذي يحيلنا إلى تساؤلات كثيرة حول جهل هذه البيئة، التي يجب أن تحارب جهلها حتى تستطيع التحرّر فكريًّا قبل كل شيء.
تستمرّ حكايات الأب من خلال مشاهداته مع ابنه، حكايات حول القدس، المدينة التاريخية، التي تتوالى عليها الاحتلالات والصراعات مع توالي العصور، لتقول الرواية بأنه على الرغم من كل ذلك، تبقى المدينة، ويبقى ناسها، ليعطي الأمل الذي أراده الوالد زرعه في أفكار طفله وخيالاته، علّه يقوده نحو مستقبل مختلف، ولكن الأمور تأخذ حيّزًا أكثر واقعية، فبعد كل حكايات الوالد وآماله وابتساماته المسيطرة، وبعدما توهمنا به الرواية بأنّ أمورًا إيجابية كانت تحصل لدى الناس العاديين في المدينة، فهنا الشيخ نعيم يحاول فكّ الحجاب، والشيخ عبد ربّ النبي يعارضه، والسبع يضرب خطيب زوجته الأولى بسبب الغيرة، ووالد كافل يلتقي مريم التشادية لتطاله شكوك ابنه وزوجته والقارئ، وهناك حوارات مع يهود و"إسرائيليين" من التي اعتدنا سماعها في الروايات والأخبار حول الحقّ والتاريخ والمقاومة والمستقبل، ولكن يأتي أسر والد كافل، مصدر الحكايات التي طالت، بعد فشل عمليته ورفاقه ضد الاحتلال، لتتكشّف الأمور، ويتكشّف الواقع الذي سيؤدّي إلى المستقبل الخارج عن إطار الأمل الذي تعطينا إياه الحكايات، فتموت الوالدة التي طلبت الطلاق واتّهمت بعلاقة مع رامي اليهودي، ومن بعدها يموت الأب، ليصبح مصير كافل السفر والتبني في إحدى المدن البريطانية وعائلاتها.
في الجزء الثاني من الرواية يخبرنا كافل بموت أمه، ومن بعدها موت أبيه، كأنه مذيع في محطة إخبارية أجنبية، الأمر الذي كان له الأثر الكبير على المتلقّي، فالسرد البعيد عن وصف الحالة الشعورية للطفل، أدى إلى إثارة تساؤلات وتأثيرات كانت غرض الكاتب الأساسي، ليقول إن خبر وفاة امرأة من فلسطين أو أسير في سجون الاحتلال، ليس سوى خبر، قد نسمعه ولا نسمعه في الوقت نفسه، وقد يؤثّر خبر حالة الطقس فينا أكثر من هذا الخبر. في هذا الجزء نسمع صوت كافل مع شخصيات أخرى بشكل أكبر، أما في الجزء الأخير، فتحضر لور برسائلها، لتأخذ دور الوالد، ويأخذ كافل الوالد مع ابنه دور والده، لتكون نهاية الرواية تشبه بدايتها، ولتقول إن للحَكي دورٌ هو أحد أدوار المقاومة، فالحكايات يجب أن تبقى، والرواة يجب أن يستمرّوا بالحَكي، فتبرّر الرواية لنفسها كثرة الحَكي فيها، فتكون هي الغاية بذاتها.
مأخذ على الرواية على الرغم من دَور الأب وحكاياته فيما تم ذِكره سابقًا، وهو جزء الرواية الأول، الذي كان يمكن أن يكون أقصر بكثير أو أطول بكثير، فلو أن بعض الحكايات جاءت أقلّ توثيقية، لما شعر المتلقّون، بالملل الذي شعروا به فتركوا الرواية ولم يكمولها، لأنهم حكموا عليها بأنها للتوثيق فقط، فغاية "الحَكي" التي تحدّثنا عنها، يجب أن يقرأها الناس العاديون وليس النُّخَب، الذين أصبحوا قلّة قليلة جدًّا، فلغة النصّ وسلاسة السرد وواقعية الشخصيات والأمكنة والأزمنة، كانت كفيلة بشدّ القارئ، لو لم تحاصره كثرة الحكايات في البداية. تلك الحكايات تقودنا إلى سؤال تقنيّ قد يكون مأخذًا آخر على النص، فكيف يمكن لطفل في العاشرة أن يحفظ تفاصيل حكايات والده بدقة، ويسردها عندما يكبر؟!
إنها رواية صعبة، ولكنها ضرورية، نحتاجها ويحتاجها جيلنا والأجيال القادمة، فالقُدس أولوية كما كلّ شبر من أراضي فلسطين المحتلة. وأختم من الرواية نفسها "القُدس، مدينة الحِجارة، وتدويرها، ما تهدمه الاحتلالات تبنيه احتلالات أُخرى، وتُواصِلُ المدينةُ القدَرية رحلتَها، ونظلُّ نحن فيها، مثل هذه الحجارة، قد تُهدَم وتُشَتَّت، ولكنها تعود مبنيّةً من جديد".

الثلاثاء، 19 مارس 2024

كفّ غليص/ خالد قراقع


 


وانا اقرأ لك عن تلك الفتره التي كنَّا فيها اطفالًا، وكنَّا زملاءً في نفس الصفّ، وأصدقاء بالطبع، أذكر أنَّني كنت موقوفًا ذات مرَّة وجاؤوا بك، وكان أحمد أخوك رحمه الله، والكثير من طلَّاب مدرسة الدهيشه الإعدادية، وكنت في الغرفه معك، وكان بالطبع أبو الفهد الضخم بالنسبه لنا في تلك الأيَّام، وأذكر أن جندي ضخم أيضًا، كان يدخل علينا ومن شدَّة قسوته أطلق الشباب عليه لقب غليص. هذا الجنديّ ضرب أحد الموقوفين بجانبي كفّ، بقيت أذني تؤلمني أكثر من أسبوع من شدَّته، وتعجبت كيف لهذا المسكين تحمل ألمه.

لقد عبرت عن تلك الفتره وعن تاريخ مرّ على هذا الشعب، فأحسنت وأبدعت صديقي أسامه لك كل الاحترام.

#خالد_قراقع

#مخيم_الدهيشة

الاثنين، 18 مارس 2024

أسامة العيسة: نجوتُ لأحكي

 


روايته "سماء القدس السابعة" رشحت لجائزة "البوكر"

أسامة العيسة

مهما تنوّعت إصدارات الروائي والباحث والصحافي الفلسطيني أسامة العيسة، تبقى فلسطين حاضرة في أعماله، بدءا من مجموعاته القصصية التي سجلت بداية تجربته الأدبية عام 1984، ثم رواياته السبع ومنها "وردة أريحا" و"قط بئر السبع" و"مجانين بيت لحم" التي أهلته للحصول على جائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عام 2015، في حين وصلت روايته الأخيرة "سماء القدس السابعة" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) 2024.

ما بين إصدار أدبي وآخر كان العيسة حريصا على تقديم فلسطين بمنظور تاريخي وبحثي وأصدر كتبا عدة من بينها "ظله على الأرض: ألقاب حكام مسلمين في رقوم مقدسية" و"مخطوطات البحر الميت: قصة الاكتشاف". هنا حوار معه.

  • وصلت روايتك "سماء القدس السابعة" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية، فهل ترى أن هذا الترشح جاء نتيجة مقاومة من نوع مختلف؟

لا أحب أن تكون لديَّ ادعاءات كبيرة أحمّلها للعمل الأدبي. أعتقد أن أي عمل أدبي عليه تقديم نفسه كأدب دائما، لكن لو حدَّثت شخصا عن يوميَّات الكتابة والحياة في ظل الاحتلال، ربما اعتُبر ذلك بطولة.

أعيش في مخيم الدهيشة الذي يتعرض منذ عقود لاقتحامات نهارية وليلية، واعتقالات وشهداء وجرحى ودهم منازل وحظر تجوال كان يستمر أحيانا في المرة الواحدة، أكثر من ستة أشهر. هناك أمر يتعلق بالتعود، ولا تستثنى الكتابة من ذلك. يرتقي مثلا شهيد أعرفه أو أعرف والديه، وبعد الجنازة والحزن، يكون عليَّ ايجاد أي مكان أجلس فيه لأكتب حكاية الدم الراحل. الكتابة ذاتها، في مختلف ظروفها تعتبر مقاومة، ليس فقط بالمعنى الوطني الذي يشمل الدفاع عن الأرض المغتصبة، لكن أيضا هي ديناميكيات الكاتب الدفاعية عن ذاته الإبداعية في مجتمعات ليست الكلمات من أولوياتها. كل ليلة، أُخبئ الحاسوب المحمول، تحسبا لاقتحام منزلي، وحتى لا يصادر وتذهب معه كتابات.

يدهشني كيف تصمد أساطير الناس وتنتقل كنسغ عبر القرون، لتتشكل مع ما يفد من أفكار وأديان ثقافة جديدة

  • استغرقتك كتابة "سماء القدس السابعة" سنتين من التنقل بين القدس وبيت لحم، كيف ألهمتك هاتان المدينتان؟

عشت وما زلت، على أرصفة هاتين المدينتين. المسافة إلى باب العمود، وسط البلد في القدس، من منزلي كانت تستغرق سبع دقائق، عشت لأختبر كيف يمكن أن يكون السفر إلى أيّ  دولة في العالم أسهل من قطع هذه المسافة، بسبب إجراءات الاحتلال. في أوقاتٍ كثيرة خلال كتابة الرواية، وفي ظروف معينة، كنت أقطع المسافة بين المدينتين مشيا.

بيت لحم والقدس مدينتان توأم، ولو لم تُنكبا لصارتا مدينة واحدة. حدود القدس الاحتلالية الآن جزءٌ كبير منها يمتد على أراضي بيت لحم التي تُخنق مثل باقي المدن الفلسطينية. حكايات المدينتين في الحرب والحب والمجتمع تضافرت، حاولت لملمة ما تبقى من هذه الحكايات، وكثير منها تركها أصحابها وفرّوا، حاملين معهم وطنهم، مع قناعة أن من الصعوبة العيش فيه.

  • يحضر الرقم سبعة في عنوان روايتك، وهو رقم له خصوصية دينية أو علمية، فمعادن الأرض سبعة (على سبيل المثل)، فلماذا السماء سابعة عندك؟

الرقم سبعة رقم سحري في ثقافة الشرق القديم، تمكَّن من الصمود لدى شعبنا، وهو يغيِّر دينه على الأقل ثلاث مرات خلال ألفي عام. يدهشني كيف تصمد أساطير الناس وتنتقل كنسغ عبر القرون، لتتشكل مع ما يفد من أفكار وأديان ثقافة جديدة، ولكنها ذات جذور.

أسامة العيسة

الفلسطيني، يعيش وفيه من جذوره الوثنية واليهودية والمسيحية والإسلامية الكثير. هذا هو نسغ الهوية، التي تتمتع بدناميكية، ولكن ليس إلى حد الخروج عن الشروط المكانية لهذا الحيّز الصغير، طريق الحضارات والغزاة والفاتحين والأفاقين والمغامرين، الذي يحمل اسم فلسطين.

هذا نوع من المقاومة، الانحناء أمام الأنواء، هو صمود، ثم تفرد الهوية عودها، وما توقعنا أنه انتهى نراه يتجدد في الأمثال، والدين الشعبي، والتقاليد وغيرها. هذا سرّ الرقم سبعة.

آمن ناسنا بمقولة: "يا ناصر السبعة على السبعين" وعاشوا الأمل. في فلسطين يعيش الإنسان حالما، مؤسطرا الحياة، مؤمنا أن السماء ستتدخل في وقت ما لتحسم الكثير.

المكان الفلسطيني

  • للمكان حضور أساسي في أعمالك الأدبية، فكيف توظف المكان الفلسطيني وتمنحه بعدا روائيا تاريخيا؟

مشروعي الروائي قائم على تقديم المكان والزمان الفلسطينيين. من المؤسف أن من احتل فلسطين قدَّم رواية منتصرين، بمن فيهم الحكّام المسلمون، بمختلف تنويعاتهم. فلم تقدم تلك الرواية إضافة معرفية الى المكان الفلسطيني، واستثنيت منها رؤية الناس لأنفسهم، وللآخر. الرواية لديّ، هي أيضا تاريخ المهزومين.

أنا ابن عائلة لاجئة، فجأة فقد الوالدان عالمهما ومنزلهما وأرضهما وقبور أسلافهما وهويتهما الفلاحية وكل شيء. ولاذا بالصمت في مخيم اللاجئين، وهما يعانيان من الحكام والقمع وفقدان الأبناء. حسب إحصائية للانروا، فإن 50 في المئة من أبناء المخيمات منذ بداية خمسينات القرن الماضي حتى منتصف ستيناته، ماتوا. أنا من الذين نجوا وقد نجوت لأحكي الحكايات.

رواية فلسطينية

  • لديك إصدارات قصصية وأخرى روائية، فمتى تكتب القصة ومتى تتجه إلى الرواية؟

أوّل إصدار لي كان مجموعة قصصية صدرت في القدس عام 1984 بعنوان "ما زلنا نحن الفقراء أقدر الناس على العشق"، وفي العام التالي أصدرت في رام الله قصة طويلة بعنوان "الحنُّون الجبلي"، وسمعت من كثيرين أنّ عليَّ أن أكون روائيا. فكتبت رواية واحدة على الأقل لم تنشر، ومجموعة من القصص صدرت لاحقا.

أشعر بالقرف من المدّعين والشلليين الذين لا يعرفهم سوى جمهور "فيسبوك"

لا أعرف متى عليَّ أن أكتب رواية أو قصة أو بحثا، أو الأصح متى أنشر. أكتب في هذه المجالات كلها. لكن سوق النشر يتحكّم. الرواية هي السائدة حاليا. القصة ليس لها سوق، أما الأبحاث فتحتاج إلى إنتاج من ناشر يقدّر أهمية نشر أبحاث ذات طابع موسوعي استغرق إعدادها ميدانيا سنوات طويلة، وأن لها أن تكون استثمارا ثقافيا ومربحا أيضا.

  • متى تتجه إلى إصدار الكتب التي تستمر فيها بالتوثيق بطريقة مختلفة، وإن بقي الموضوع دائرا في الفلك الفلسطيني؟

هذا هو مشروعي الثقافي، عن فلسطين المكانية-الزمانية، البحث يحتاج إلى وقت طويل، وهذا يناسب طبيعتي المنقبة الشغوفة وظمئي المعرفي الذي يصعب إرواؤه. أشعر أحيانا أنني أبحث لنفسي، لكي أفهم أولا، أو أحاول الفهم، لذا تتعدد الاهتمامات، وما زلت لا أستعجل النشر في المجال البحثي.

  • ماذا عن أفلامك التسجيلية التي تراوحت بين السياسة والثقافة؟

أعددت أفلاما عن الأغنية السياسية في فلسطين والثقافة في بلادنا، لكن ما واجهته هو الفقر الرؤيوي لدى المنتج وجهات الإخراج والتنفيذ. اعتقدت أن هذا النوع من الفنون، كالصحافة، غير راسخ في بلادنا العربية. هناك استسهال في الإنتاج لتلبية رغبة قنوات فضائية لتعبئة ساعات البث، يستفاد من ذلك أن المشاهد العربي غير متطلب. 

صناعة ثقيلة

  • إلى أيّ  حدّ تعتبر نفسك حرا في ما تقدمه، وإن ظهرت التحديات فكيف تواجهها؟

أنا حرّ ولكن؟ أنا كاتب في شرط مكاني وتاريخي محدد. لست كاتبا من أميركا اللاتينية مثلا. ما هو مقبول من كاتب أجنبي، غير مقبول من كاتب عربي. أعتبر هذا القارئ الذي لا يتقبل مني ما يتقبله من نظير أجنبي، شريكا وأتصالح معه، فأخطو وإياه خطوات إلى الأمام مع كل عمل. وكل عمل بالنسبة إليّ هو مغامرة في الأسلوب والمضمون. يبدو أن الأمور تنجح حتى الآن.

  • كيف ترى المنتج الروائي الفلسطيني؟

لن تكون نظرتي موضوعية إلى هذا المنتج، كواحد من أبناء الكار. لكن ما أستطع قوله إنه بعد سنوات مرحلة أوسلو طرحت أسئلة كثيرة حول الأدب المقاوم الذي أنتج قبلها، وكتب "بالدم" كما كان كتَّاب منظمة التحرير يقولون، لكن القراء رأوهم يعودون للجري وراء المناصب والمكاسب ويتبوؤن مقاعد فساد. لا أرغب في استثناء أحد منهم.

تعجبني المغامرات الروائية الطموحة، كأعمال عبَّاد يحيى، وباسم خندقجي مثلا. أشعر بالقرف من المدّعين والشلليين الذين لا يعرفهم سوى جمهور "فيسبوك".

  • ماذا بعد "سماء القدس السابعة"؟

لديّ  مسودات كتبت قبل رواية "سماء القدس السابعة" لكنني أتمهل في النشر. أكتب يوميا، وأبحث وأقرأ وأنقب. الكتابة صناعة ثقيلة.