قفز بسرعة، طار، ثم
حط على الأرض، وكرر ذلك أكثر مرة، مثل طير حَجَل فَزِع قبل أن يسقط على الأرض. عرف
بعض الفتية هوية المصاب، وهتفوا: صالح..!
الفتية كانوا
تراجعوا، خلال المواجهات مع قوات الاحتلال على قبة راحيل، بعد أن بدأ جنود
الاحتلال استخدام العيارات النارية، ولكن الأمر لا يشكل أي فرق بالنسبة لصالح سعدي
(40) عاما، الذي يعاني من إعاقات متعددة، وليس لديه القدرة على السمع أو الكلام.
يعرف النّاس في بيت
لحم، صالح، الذي يمضي معظم وقته في شوارع المدينة، ويبدون تعاطفا كبيرًا معه، ومنذ
اندلاع الهبة الجماهيرية في شهر أكتوبر الماضي، أصبح صالح، يظهر بشكل شبه دائم في
المواجهات التي تتركز في خط التماس قرب قبة راحيل، وهي مقام إسلامي، في مدخل مدينة
بيت لحم الشمالي، حوله المحتلون إلى جيب عسكري-استيطاني، في المدينة التي فقدت مدخلها
التاريخي إلى القدس.
تعرض صالح، إلى
العديد من الإصابات خلال الأسابيع الماضية، واعتدى عليه جنود الاحتلال بالضرب أكثر
من مرة، ولكن كل هذا لم يجعله يتراجع عن وجوده على خط المواجهات، ويقترب صالح
دائما من جنود الاحتلال، ويقاوم بطريقته، بصوته، وبالحركات، والإشارات، التي
يشرعها في وجوه جنود الاحتلال الذين يقفون أمام الجدار المحيط بالقبة، ويتقدمون
باتجاه الشبان، عندما يشنون هجماتهم بالغاز المدمع، أو العيارات بمختلف أنواعها.
أبدى صالح، اليوم
حماسة خلال المواجهات، كما قال زملاؤه، وروى مازن العزة من الإغاثة الطبية، انه
أجبر صالح، على التراجع مرتين، بعد أن تقدم كثيرا باتجاه الجيش.
وبعد ساعات من الوجود
في الميدان، وفي حين تراجع الفتية، ظل صالح في موقع المتقدم، حتى أصيب بعيار ناري
في ساقه، ليراه الفتية الذي كانوا يراقبون الميدان، وهو يرقص رقصة الحَجَل المصاب،
فهرعوا إليه، مع وصول سيارة الإسعاف، ونُقل إلى مستشفى بيت جالا الحكومي.
يعاني صالح، من فوبيا
المشافي، ووجد الطاقم الطبي في المستشفى صعوبة في إقناعه بالاستجابة لهم، خصوصا
وان لغة التفاهم معه، بسبب ظروفه الصحية، صعبة.
صالح هو أكثر رجال
الشوارع في بيت لحم شهرة، لا يعترف بأية قوانين، يسير في وسط الشوارع، وعُرف
بمشيته السريعة، وبالسيجارة التي لا تفارق فمه، ومع الوقت، ضبط سائقو المركبات
العمومية، إيقاع مسيرهم على الشوارع، على إيقاع صالح، الذي شوهد اليوم، وهو يؤدي
إحدى أصعب حركاته على الشارع، رقصة الحَجَل المصاب..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق