يعتبر رأس العد، في أوّل وادي البيار،
من أراضي بلدة الخضر، جنوب بيت لحم، النبع الرئيس، الذي يُغذي قناة وادي البيار
التاريخية، التي تحمل مياهه إلى برك سليمان، ومن ثم عبر قنوات إلى القدس، ضمن نظام
مائي مبهر، عمل نحو الفي عام، وانتهى مع النكبة الفلسطينية عام 1948م.
نبع الدرج
يسيطر المحتلون، على النبع، ويعتبرونه
ضمن أراضي مدينة افرات الاستيطانية، ويروجون له سياحيا، باعتباره، أحد المعالم
الاثرية الهامة، التي تقع، ضمن تجمع مستوطنات غوش عتصيون.
تنبع مياه العين، من مغارة عميقة، ينزل
إليها بدرج محفور في الصخر (وربما لهذا السبب يسمى أيضا نبع الدرج)، فنفق محفور في
الصخور، طوله 84م، يُدخل إليه زحفا حتى الوصول إلى مغارة تنبع منها المياه، بُني
مدخلها وجوانبها من الحجارة، منسوبها 3,5 أكواب في الساعة، وتقع على ارتفاع 880م
فوق سطح البحر.
ويطلق على المكان الذي تقع فيه (وادي
المصري) وهي أرض يملكها أحمد أبو شما، الذي خاض معركة طويلة مع المستوطنين للحفاظ
عليها من التهويد.
وتعتبر هذه العين، من العيون المهمة
التي ترتبط بنهضة القدس الرومانية والحقب اللاحقة حتى منتصف القرن العشرين.
مدينة افرات الاستيطانية، تنمو كل يوم،
على حساب أراضي الفلاحين الفلسطينيين، محطمة بذلك، آثارا هامة، أوّ مستولية عليها
ومن بينها عين رأس العد، التي تسمى إسرائيليا (هأما)، والتي أغلقتها بلدية
المستوطنة، بسقف وباب حديدين، وتتقاضى رسوم دخول إليها، وبنت بجانبها محطة
لاستراحة الجائلين والسياح، ووضعت السلطات الإسرائيلية المسؤولة، مسارا سياحيا على
الأقدام يبتدئ منها، إلى نهاية ما تبقى من القناة، التي دمر أجزاء منها، النشاط
الاستيطاني في المنطقة.
وتقدم الرواية الصهيونية
مكان النبع، على انه مسرح لرواية التوراة عن جاسوسيين إسرائيليين، تسللا إلى أرض
كنعان وعادا يحملان قطف عنب، وضعاه على عصا كبيرة، من ثقله، واتخذت إسرائيل من رسم
للاثنين يحملان قطف عنب شعارا للسياحة فيها.
وعلى طول القناة التي
تبدأ من عين رأس العد، توجد، فتحات استخدمت في حفر نفق للقناة في الصخور، ولأعمال
الترميم، وللتهوية، لضمان انسياب المياه فيها، قُدر عددها بنحو 80، ولم يبقَ ظاهرا
من هذه الفتحات، إلا اثنتين أوّ ثلاث، ويمكن الاستدلال على عدد أكير من ذلك،
وأهمها على الإطلاق واحدة يطلق عليها الفلاحون اسم (بئر التينة)، وهو بناء وان كان
أقل فخامة من رأس العد، إلا انه يشبهه في أوجه كثيرة.
ولا شك أن اختيار
موقعه، كان على أسس هندسية دقيقة، بنى أعلاه بالحجارة، وهو محفور في الصخور، وينزل
إليه، بصعوبة، استعانة بمقابض حديدية حتى الوصول إلى جزء من أرضيته العلوية، حيث
توجد درجات صخرية عريضة تصل إلى المياه.
ومازال بئر التينة
شاهدًا على عظمة مهندسي القناة، التي مازال إنجازها يثير حيرة البعض، ومن بينهم
بعض فلاحي المنطقة، وأحدهم مصطفى وهو على قناعة، بان النبي سليمان، بناها مع غيرها
من القنوات التي تصل إلى القدس، مسخرا بذلك الطيور والحيوانات، وانها لا يمكن ان
تكون من صنع بشر.
قناة وادي البيار
هذه القناة من المآثر
الحضارية في فلسطين، وهي جزء من شبكة المياه التي حملت معها مياه الينابيع من هذه
المنطقة إلى القدس، وهي وان كان أسسها الرومان، إلا أنها لم تهمل من قبل الحضارات
اللاحقة، فجددها الحكام المسلمون وأطلقوا عليها اسم قناة السبيل، وأوصلوها إلى
المسجد الأقصى المبارك
تبدأ قناة وادي
البيار، الذي أخذ اسمه من وجوه فتحات التهوية (الآبار) لهذه القناة فيه، من نبع رأس
العد، وهي مغطاة الان بحقول العنب، وتسير تحت الأرض بعدة أمتار، كما يمكن معرفة
ذلك من معاينة بعض الفتحات، مثل بئر التينة.
والقناة جزء منها
نفقين محفورين في الصخور، وأجزاء أخرى، مبنية، ومسقوفة، ضمن مقاييس هندسية دقيقة،
ويقدر طول القناة من رأس العد إلى برك سليمان، التي تصب فيها، نحو 8كلم.
ويبلغ طول النفق الأوّل
نحو 5872م، وارتفاعه 1,5م، وعرضه 80سم، له 80 فتحة عمودية، تفصل بين الواحدة
والاخرى نحو 35م.
هذا الجزء المحفور في
الصخور من القناة، يسير تحت وادي البيار، ولا يظهر منه شيئا، وتنتهي في بئر أوّ
خزان، يطلق عليه اسم (السدادة) وهو موقع لحقه التدمير الذي أحدثه شق الطريق الرئيس
إلى مدينة افرات الاستيطانية، وبعد هذه البئر، تتخذ القناة شكلا مختلفا تماما، حيث
تسير بمحاذاة الصخور، لعدة أمتار، ثم تظهر فوق الأرض، بعضها مغطى، وأكثر أجزاءها
غير مغطاة، والسبب يعود للتدمير والإهمال، ويبلغ طول هذا الجزء من القناة الظاهر
فوق الأرض 700م.
وتظهر أجزاء القناة
فوق الأرض، بعض الفنون الهندسية، التي تعود لعدة عصور، لان أعمال ترميمها واصلاحها
لم يتوقف، وأكثر مقاطعها المميزة، هو بناء جدران استناديه داعمة لها، في سيرها
المنحني، وهذا الجزء منها تعرض للتدمير، نتيجة شق شارع استيطاني مؤدي لمستوطنة
افرات، وينتهي هذا الجزء الظاهر منها، إلى نفق محفور في الصخور، يمكن معاينته
والدخول إليه، ينتهي إلى فتحة تهوية محفورة في الصخر، وبعد عدة أمتار توجد فتحة
أخرى، بجانب بؤرة استيطانية يهودية مقامة في منطقة (باطن المعصي)، وضع الاحتلال
الإسرائيلي، سياجا حولها، كجزء من النظام الأمني للبؤرة الاستيطانية، وعندها ينتهي
مسار سياحي، وضعه الإسرائيليون، يبدأ من رأس العد إلى هذه النقطة.
وفي هذا المكان تخترق
هذه القناة جبل صخري، وهو جزء مذهل منها، ولكن من الصعب معاينته، بسبب وجود البؤرة
الاستيطانية فوقه، وطول هذا النفق الثاني نحو 938م، وله 10 فتحات، يتراوح عمق
الواحدة منها ما بين 30-50م.
ويمكن تتبع مسار
القناة، في الطرف الآخر، ولكنها تبدو أصغر، في بعض المقاطع، وتكمل سيرها، وبعض
أجزاءها مدمرة، وهذه المرة بسبب نشاط السكان المحليين، حتى تصل فوق برك سليمان
الثلاث، وطول هذا الجزء من القناة يقدر بنحو كيلو متر واحد وتنزل منها قناة تصب في
البركة التحتا، بينما تواصل سيرها حتى البركة الوسطى، وينزل منها قناة أخرى تصب في
هذه البركة، ولكنها تستمر في السير إلى البركة الفوقا، وتنتهي بها.
وهذه القناة، جزء من
النظام المائي الذي صمم لإيصال المياه إلى القدس، واستمر بالعمل، من العهد
الروماني حتى النكبة.
الآثار في خدمة
الاستيطان
"عمق شبيه" هي مؤسسة تضم علماء
آثار ونشطاء جماهيريين، وتركز على دور علم الآثار في المجتمع الإسرائيلي وفي
الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وجهت هذه المؤسسة
نقدا، لسلطات الاحتلال، في منطقة غوش عتصيون، واستخدامها الآثار في خدمة
الاستيطان.
يذكر تقرير للمؤسسة:
"جوش عتصيون، كما يسمى من قبل الكثير من الإسرائيليين، يقع في الضفة الغربية
ويحدّ القدس شمالا. وهو يشمل كل المنطقة الواقعة غربي وشرقي مدينة بيت لحم. يحدّ
جوش عتصيون من الجنوب البلدات الفلسطينية في منطقة الخليل (حلحول، سعير وغيرها).
يعتقد الكثيرون في الجمهور الإسرائيلي أن هذه المنطقة بمعظمها ستبقى بأيدي إسرائيل
في أي اتفاق سياسي بينها وبين الفلسطينيين. خلال العامين الأخيرين تعالت أصوات بعض
الساسة الإسرائيليين المطالبين بفرض السيادة الإسرائيلية على منطقة جوش عتصيون. في
هذا الصراع السياسي على ضم المنطقة تقوم إسرائيل باستخدام الأثريات كأداة أساسية
لتحقيق مأربها. إذ تستثمر حكومة إسرائيل ملايين الشواقل في تطوير المواقع الأثرية،
مثل هيروديون ووادي البيار، وتبرز أهميتها بالنسبة لتاريخ شعب إسرائيل وتتجاهل
تاريخ هذه المواقع في فترات أخرى أو تتعاطى معها بشكل محدود. وبينما يتواجد السياح
والزوار والمواطنون الإسرائيليون بكثافة في هذه المنطقة، يكاد ينعدم تواجد
الفلسطينيين فيها، الأمر الذي يعزّز السيطرة الإسرائيلية عليها. ويتعامل مئات آلاف
الزوار مع المنطقة على أنها موقع سياحي غنيّ بالأثريات اليهودية، متجاهلين السياق
السياسي للمكان، ويعزّزون بذلك الطابع الإسرائيلي-اليهودي للمنطقة".
وأضاف التقرير:
"الصراع على المنطقة والمواريث المحلية هو جزء لا يتجزّأ من الصراع السياسي،
فالمواقع الأثرية هي الشاهد الأساسي القائم على الأرض بخصوص الماضي الغنيّ للبلاد.
تحتوي هذه المواقع على إمكانيات ثقافية كبيرة لدراسة المنطقة والماضي، كما أن هناك
قابلية اقتصادية لتطوير السياحة وزيادة حركة الناس في المنطقة. ولكن بينما تقوم
إسرائيل بشكل مكثّف باستخدام المواقع الأثرية لأغراض سياسية، ثقافية واقتصادية، لا
يزال المجتمع الفلسطيني متأخرا عن التعاطي مع الأثريات كجزء أساسي من هويته، ويبدو
أنه لم يستوعب بعد أهميتها في الصراع السياسي".
شكرا اسامة لهذا المبحث وتسليط الضوء على قناة السبيل
ردحذف