أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 19 فبراير 2016

فلاح من بَتّير..!


ربما لم يكن الأستاذ أبو عصام، ليس الأستاذ الأفضل لتعليم أولاد مدرسة الدهيشة الإعدادية، الحساب، رغم تطويره لأسلوب في التدريس، ولكنه الذي علمنا، أثمن من ذلك بكثير..!
لم نكن نعرف هذا الفلاح الآتي من قرية بَتّير، إلّا باسم (أبو عصام)، وبخلاف جميع المعلمين، يرتدي الكوفية والعقال، مثل آبائنا، وبخلافهم، يرتدي البنطلون والجاكيت..!

كانت لديه، قدرة سحرية على معرفة ماذا أفطر طفل المخيم، يضع يده على رأس الواحد مِنّا، ويقول بثقة الساحر صاحب القدرات الخارقة بالنسبة لنا: "أنت أفطرت اليوم زيت وزعتر، وشقفة خبز"، و"أنت أفطرت زيتون، وحمص، وفلافل، وبصل".
وفي كل مرة نعجب كيف يعرف أبو عصام ماذا كُنّا نفطر في منازلنا...!
عندما يسأل أحدنا: من أين أنت؟ فالويل لمن يقول: أنا من المخيم، بل عليه ان يذكر بكل ثقة اسم قريته المهجرة..!
نادرة هي الأيّام التي تغيّب فيها أبو عصام عن المدرسة، ولاحقا طوّر مهاراته التدريسية، بالانتساب لجامعة بيت لحم، وهناك حاول أن يمارس دوره الأبوي على الطلبة المتحمسين، ولكنه لم ينجح،  ولم يريدوا أن يصدقوا، مِثلنا، بأنه يمكن أن تتأخر المظاهرة، والاعتصام، وضرب الحجارة على الجنود، إلى ما بعد أن ينتصف نهار فلسطين..!
تقاعد أبو عصام، قبل سنوات طويلة، وقبل أشهر فقد زوجته، وعلى غير العادة، أبّنها بكلمة مؤثرة، خلال التشييع..!
عندما أمشي، من رأس بيت جالا، إلى المخرور، وانتهي في بَتّير، أراه أمام بيته في أخر المسار، أتحدث معه، وأحيانا يصر على تناول القهوة، ونحن نطل على سكة الحديد، في وادي الصرار، التي كانت لنا، تسير عليها القطارات بين القدس ويافا..!

أبو عصام، ما زال مرتبطا بالأرض، ويعمل في فلاحتها، مثل أي فلاح معتبر في عرقوب القدس..!  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق