كره أستاذي محمد أبو
شلباية، محمد حسنين هيكل، ووصفه مستنكرا بالصحافيّ الأوحد بقرار من عبد الناصر، وأنا
أحببت الأستاذ، واعتبرته فعلا الصحافيّ العربيّ الأوحد..!
عَلَمَ أبو شلباية،
عن طريق شخصية مهمة، قبل أشهر، من احتلال الضفة الغربية، بان إسرائيل ستستلمها،
على طبقٍ من ذهب، أو حديد، أو حتّى بدون طَبق..!
هيكل، شكل المدفعية
الإعلامية، والتعبوية، للهزيمة غير المتوقعة..! (سيقدم لاحقا في ثلاثياته عن حرب
الثلاثين عاما، مراجعة نقدية ومعلوماتية مهمة).
لم يغادر أبو شلباية
منزله في حي وادي الجوز بالقدس، الذي لجأ إليها عقب النكبة..! وأراد أن ينتقم
بالكتابة، من محظورات الرقابة التي عاني منها طويلا في ظل الحكم السابق.
الأستاذ هيكل، رأى
فيما حدث نكسة. أبو شلباية وجد في الواقع الجديد، فرصة لإعلان دولة فلسطينية حُرة
في الأراضي التي احتلت في حزيران 1967، وصاغ اقتراحه في كتاب لاقى رواجا، والتخلص
من عبء الأنظمة العربية على القضية الفلسطينية، خصوصا وان تجربة اعتقاله في معتقل
الجفر الأردني في الستينات، تركت لديه غصة لم تزول، وكذلك ما آل إليه حزب البعث
الذي سُجن بسبب عضويته به، وكرهه حتى العمى، كما يقولون.
أيد أبو شلباية كامب
ديفيد، واستقبل صحافيين مصريين وصلوا القدس، وأنا شاركت في انتفاضة شعبنا ضد كامب
ديفيد، وكنت عضوا في مجموعة، أحرقت الصحف المصرية التي وصلت فلسطين، ضمن مناخ
السلام الجديد، وسأشكر الظروف كثيرًا، بأنني لم أُكلف بحرق الصحف، وإلا لكنت ندمت
طوال عمري..!
أحبَ أبو شلباية،
السادات، وحزن عندما اغتيل، ونظر بإكبار لمصوري أخبار اليوم الذين وثقوا حادث
المنصة ولم يرتبكوا او يهربوا كغيرهم، وتعالى بمدرسة علي ومصطفى أمين التي يعتبر
نفسه ينتمي إليها، وبكى هيكل في معتقله، صديقه السادات الذي اعتقله، وأنا فرحت
عندما سمعت أمام قهوة المسمس خبر اغتيال الخائن، الذي كان يتلفظ "عزيزي
بيغن" مُنغمة، وأصبحت الضفة الغربية بالنسبة له يهودا والسامرة..!
وقرأت بشغف مُقدمة
كتاب هيكل (خريف الغضب) عندما نشرتها صحيفة الأهالي المعارضة، التي مُنعت من نشر
بقية الفصول، ولاحقا قرأت الكتاب، وبشكل لم يحدث لي، إلا مع ألف ليلة وليلة، مرتين،
واعتبرته فتحا في الصحافة العربيّة.
أبو شلباية، كتب مُجلدا
(أكثر من 700 صفحة) في الرد على هيكل: "فلسطيني يرد على خريف هيكل-قصة الكذب
والتآمر على الفلسطينيين والشعوب العربية أربعين عاما"، وكتب إهداء لطيفا:
"إلى أخي أسامة العيسة مع الاحترام-أخوك 26-11-1984م".
قرأت معظم كُتب أبو
شلباية المعادية للأنظمة العربية، وللتيارات الراديكالية في منظمة التحرير،
واختلفت معه كثيرا، وكان يبتسم. قرأت معظم ما خطه هيكل، وتعلمت أسرار الحرفة.
وحدث، أن غاب أبو
شلباية في النصف الأوّل من عقد التسعينات، وأبنته في تقرير، ولم يسر في جنازته
كثيرون، وبعض الكتب التي كتبها، ربما لا تتسع الحرية المتوفرة في فلسطين الان لإعادة
طباعتها.
وجرت مياه كثيرة في
جداول فلسطين، والعالم العربي، وكثر الأعزاء، من رابين، إلى بيرس (الذي تجند في
حملته الانتخابية بعد مجزرة قانا الأولى راديكاليون سابقون مِن الذين ندد بهم أبو
شلباية، وشاعر مقاومة كبير)، وحتى شارون، الذي لم أتخيل انه يمكن أن يصافحه
فلسطيني.
ولدت في شارع
القدس-الخليل، الذي سار عليه هيكل، خلف ومع المتطوعين المصريين والعرب، الذين
جاؤوا لإنقاذ فلسطين، ومارسوا القمع ضد ناسها في المناطق التي بسطوا نفوذهم فيها،
وأجبروا الشباب على العمل سخرة في حفر الخنادق، وعلى هذه الشارع، تقهقرت القوات
العربية عام 1967، ودخلت القوات الإسرائيلية، ورغم تغير الكثير، إلا ان العنوان
الذي اختاره هيكل لسلسة مقالاته عن حرب 1948، ما زال يصلح حتى الان: "النار
فوق الأرض المقدسة".
عندما يغيب مُعلم،
ومَعلم في حرفتنا، علينا ان نحزن، وسنكتشف لاحقا، بأنه كان علينا أن نحزن كثيرا..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق