تنتاب عوني
الشيخ (76) عاما، مشاعر مختلفة، في انتظار الحصول لأول مرة على بطاقة الهوية
الفلسطينية.
يعيش الشيخ
وحيدا في منزل على شارع القدس- الخليل، في بلدة الخضر، غرب بيت لحم، مع عدد من
رؤوس الاغنام، توفر له دخلا متواضعا جدا، غير كاف لمساعدته على ظروفه الصعبة التي
يعيشها منذ حزيران 1967.
عندما احتلت
اسرائيل، ما تبقى من فلسطين، واراضي عربية اخرى، كان عمر الشيخ 29 عاما، وكان يعمل
معلما في مدارس وكالة الغوث (الاونروا)، وخلفه سيرة من العمل النقابي في جمعية
موظفي الاونروا، التي كان عضوا في قيادتها قبل الاحتلال.
قرر الشيخ،
اعلان الاضراب، احتجاجا على تدخل الاحتلال الاسرائيلي غير الشرعي في المناهج
التعليمية، وأبلغ رئاسة الاونروا بذلك، وبينهما مراسلات عديدة. ورفض الشيخ،
استصدار بطاقة هوية اسرائيلية، فاستدعته مخابرات الاحتلال، الى مقر الحكم العسكري
في بيت لحم يوم 15-9-1968. يستذكر الشيخ وهو يجلس في شرفة منزله: "طلبوا مني
امّا ان اذهب الى عمان او استصدر هوية من سلطات الاحتلال، فرفضت الذهاب الى عمّان
رفضا لسياسة الابعاد، وللثبات في المناطق المحتلة، ورفضت تسلم هوية من سلطات
الاحتلال، وأبلغتهم بان هذا الرفض تعبير عن رفض الاحتلال، الذي هو احتلال مؤقت
وغير مشروع".
لم يعد الشيخ
الى منزله، فسلطات الاحتلال اعتقلته حتى تاريخ 15-2-1969م، ومنذ اليوم الأول
لاعتقاله، اعلن الاضراب المفتوح عن الطعام.
يقول الشيخ:
"اعتدى علي جنود الاحتلال في مقر الحكم العسكري في بيت لحم، ومركز الشرطة في
ساحة المهد، وفي سجن الخليل الذي نقلت اليه، قبل ان انقل الى سجن الرملة، وبدأت
اضرابا مفتوحا عن الطعام استنكارا ورفضا لوضعي في السجن، ولطلب بحث قضيتي والافراج
عني، وحماية وصيانة لموقف الجهاد الذي اتبعه واتمسك به".
ورفض الشيخ،
تناول الحليب بالقوة، وبواسطة الانابيب، ولكنهم اجبروه على ذلك، ويقول:
"كانوا يعطونني الحليب عن طريق الأنف بالأنبوب الى المعدة، وفي ذلك الكثير من
الألم والمعاناة والتعذيب، واعتدوا علي بالضرب ما ادى الى كسر يدي، كل ذلك وأنا
مستمر في الاضراب، ولم أر الشمس طيلة فترة اعتقالي، التي امضيتها في سجن انفرادي،
وخرجت من السجن هيكلا عظميا، بوزن 56 كلغم، بعد ان دخلته ووزني 85 كلغم، ولكنني
خرجت من السجن دون قيد او شرط".
واستخدم
الشيخ، الذي لم يغادر فلسطين تمسكا بالارض ورفضا للاحتلال، جواز سفره الاردني،
عندما يوقفه جنود الاحتلال، ويضطر في كل مرة لأن يشرح، سبب عدم استصدراه لبطاقة
الهوية.
واستخدم لعدة
سنوات العملة الاردنية، وعمل عاملا، وراعيا، ولم يتزوج لعدم توفر ظروف مناسبة مع
استمرار الاحتلال، ويشعر بالفخر لأنه رفض الاحتلال غير الشرعي للارض الفلسطينية.
يقول الشيخ
بأن الحكومة الاردنية، استمرت في دفع رواتب معملي المدارس الحكومية الذين اعلنوا
الاضراب، ويطالب السطلة بمساعدته في تحصيل رواتبه من الاونروا، أسوة بما حصل
لمعلمي الحكومة.
ويضيف الشيخ:
"استمررت في الاضراب، كمبادرة ذاتية فردية تتفق مع الموقف الرسمي للحكومة
الاردنية الرافض لمبدا التدخل غير المشروع من قبل سلطات الاحتلال في المناهج
التعليمية، كما يتفق مع موقف وكالة الغوث التي تتبع الامم المتحدة والرافض لمبدأ
ذلك التدخل غير المشروع في المناهج التعليمية في اثناء فترة الاحتلال، كما ان هذه
المبادرة الذاتية الفردية لا تعطل العملية التعليمية وانما تبرز قضية وطنية هامة،
هي رفض مبدا التدخل غير المشروع في المناهج التعليمية".
بعد قيام
السلطة الوطنية الفلسطينية، تغيرت نظرة الشيخ للأمور، وسعى للحصول على بطاقة هوية،
ولكنه لم يتمكن من ذلك، واصبح له ملف لدى الدوائر المختصة في السلطة، وفي الدفعة
الاخيرة للم الشمل أدرج اسمه ضمن مستحقي بطاقات الهوية، وأصر في تقديمه لطلب بطاقة
الهوية، ان يؤكد بأنه يستحقها لانه ثبت على ارضه. وهو الآن في انتظار صدور بطاقة
الهوية، التي سيحملها لأول مرة منذ عام 1967.
حياة الشيخ
صعبة، ولا يفكر في طلب مساعدة من السلطة الوطنية، او اي جهة، ولكنه لا يمانع، اذا
كانت هناك مبادرة ذاتية من الرئيس او السلطة بمساعدته، ليحيا بكرامة.
شريف عمارنة
صديق الشيخ، والتقاه في السجن، يقول: "عوني الشيخ، نموذج للمقاوم الحقيقي،
مارس العصيان المدني ضد الاحتلال، منذ البداية، يستحق من مجتمعه ومؤسساته،
الالتفات له، ودعمه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق