يبدو منظر
كنيسة المهد، غير مألوف، وهي تتحول إلى خلية نحل، مع استمرار اعمال ترميم سقف
الكنيسة ونوافذها، بإشراف اللجنة الرئاسية لترميم الكنيسة.
وما اعتبر
خلال عقود طويلة، بانه معجزة، تتحقق الان، على يد خبراء ايطاليين، يعملون بهدوء
وصمت، كي لا تؤثر أعمال الترميم، على الحجاج، والزوار للكنيسة التي تعتبر واحدة من
أقدم الكنائس في العالم.
وتم تغطية بعض
معالم الكنيسة المهمة بحمايات مؤقتة من الأخشاب، كي لا تتضرر مثل الأعمدة الحجرية
الحمراء في قاعة الكنيسة الرئيسة، المعروفة باسم قاعة بين العمدان.
وكذلك تم وضع
حمايات مؤقتة، لحماية الفسيفساء الجدارية، ذات الأهمية التاريخية، والتي تآكل
بعضها بمرور الزمن، وعدم اجراء ترميمات، جعلت الرطوبة تتغلغل إليها.
يعتبر ترميم
سقف الكنيسة ونوافذها المرحلة الأولى، من مشروع، يأمل الكثيرون ان يستكمل، لترميم
جميع أجزاء الكنيسة، التي حالت الأوضاع السياسية، والخلافات بين الطوائف، دون
اجراء ترميمات منذ فترة طويلة، ما جعل الأمطار تنساب إلى داخلها خلال الشتاء.
مسح متعدد
الاجراءات الأولية قبل البدء بالترميم، شملت
اجراء مسح قياسي وتصويري لجميع عناصر الكنيسة من أجل توثيق جميع المعلومات
المعمارية والانشائية والزخرفية.
عمد المرممون،
إلى تركيب سقف حماية مؤقت، معتبرين أن ذلك ضروريا خلال مراحل الترميم، لحماية
هياكل السقف الأساسية، واعمال الترميم من الظروف الجوية المختلفة.
وترتفع حول
وداخل الكنيسة السقالات، التي أُحضرت جميعها من إيطاليا، والتي تم تركيبها جميعا
خلال الليل، لكي لا يتم ازعاج الحجاج والزوار، الذي يسمح لهم الدخول إلى الكنيسة،
التي تغلق أبوابها الساعة السابعة مساءّ.
وتم تركيب
السقالات الداخلية بحيث تتضمن سقفين بمستويين مختلفين، الأول على ارتفاع 8 أمتار،
والثاني على ارتفاع 12 مترا، وذلك من أجل ضمانة سلامة الحجاج والزوار داخل
الكنيسة، وسهولة الوصول والعمل في أثناء عملية الترميم. تم تصميم السقالات
الداخلية والخارجية بشكل مدروس فنيا، بناءّ على تقييم انشائي دقيق للأحمال خلال
عملية الترميم ضمن اشد الظروف الجوية المتوقعة.
الجمالونات
تم اجراء تحليل تشخيصي للهياكل الخشبية
(الجمالونات) وفقا للكود الايطالي، بعد اجراء الفحوصات المختلفة في الموقع، وذلك
من أجل توثيق الحالة الانشائية والتاريخية للموقع.
الترميم يتم
باستعمال قطع بديلة من الاخشاب، التي جلبت من ايطاليا، متطابقة مع الخشب الأصلي
الذي يعود عمره الى 300-400 سنة، حيث تم مراعاة نفس اللون والكثافة.
تعتمد منهجية
ترميم الجمالونات على ازالة الجزء التالف منه بقصه حسب المخططات التنفيذية
المعتمدة من قبل خبراء الترميم المشرفين، حيث يتم استبدال الجزء التالف بقطعة
خشبية بديلة، بنفس أبعاد ونوعية ومواصفات القطعة الأصلية، يتم اختيار القطعة
البديلة، بعد اعتماد المخطط التنفيذي للجمالون، من ثم يتم تثبيت القطعة البديلة مع
الجمالون الأصلي بواسطة قضبان حديدية، وغراء ايبوكسي خاص بالأخشاب.
وحسب الفنيين،
فان القطعة البديلة تعزز قوة الجمالون من الناحية الانشائية، والميكانيكية. يتم
وضع القضبان المعدنية والغراء داخل القطعة البديلة، والقطعة القائمة من الجمالون
على حد سواء. أمّا الغراء الايبوكسي المستخدم، فهو مكون من مادتين يتم خلطهما جيدا
قبل الاستخدام، وفقا لطريقة العمل المعطاة من قبل المنتج.
أمّا بالنسبة
للتشطيب فيتم كما يلي، فمجرد وضع وتثبيت القضبان المعدنية بواسطة الغراء داخل
الفتحات المستحدثة في الأخشاب، يتم وضع شرائح خشبية لإغلاق هذه الفتحات في قطعتي
الخشب القائمة والبديلة واخرا يتم ترميم وجه الاخشاب وطلاءها بلون مماثل للون
الاصلي للأخشاب للمحافظة على الانسجام الشكلي والجمالي.
خلافات معطلة
سقف الكنيسة القديم مصنوع من خشب أرز لبناني،
يعود إلى القرن الخامس ميلادي، وهو يدلف ماءً كلّما أمطرت السماء، وتهدّد سيول
الأمطار الجداريات الفسيفسائية البيزنطية والصليبية، التي لا تقدّر بثمن. الخلافات
بين الطوائف التي تدير شؤون الكنيسة، وهي الأرمن، والروم الأرثوذكس، واللاتين،
عطلت طوال عقودأية اعمال ترميم. التغيير الأخيرالذي طال الكنيسة كان على يد رونالد
ستورس، الحاكم العسكري البريطاني عام 1917. فعندما زار الكنيسة، رأى ستورس الجدار
الحاجز المبنيّ أمام الهيكل على يد الروم الأرثوذكس عام 1842، الذي يشوّه الكنيسة
بأكملها فكان من الضروري هدمه. وبعد جدل طويل، تمكّن ستورس من إقناع الطوائف
الثلاث بهدم الجدار. وعدّ ذلك الإنجاز معجزة.
أهمية الكنيسة
الدينية لا تقلّ عن أهميتها الأثرية. فهي تعدّ من أقدم الكنائس الموجودة في
العالم، ويعود بناؤها إلى القديسة هيلانة (والدة الإمبراطور البيزنطي قسطنطين) في
القرن الرابع الميلادي (326م)، وشيّدت على هيكل لعبادة الإله أدونيس الروماني.
دامت الكنيسة البيزنطية التي عُرفت بكنيسة هيلانة، أو قسطنطين نحو قرنين من
الزمان، وتظهر بقاياها في الفسيفساء الجميلة المعروضة في قاعة الكنيسة، بعدما
كشفتها الحفريات الأثرية التي شهدتها الكنيسة بين عامي 1933ــــ 1934 على أيدي
البريطانيين. وخلال تلك التنقيبات، كشف العلماء على طبقة سميكة من الرماد، وقطع
الخشب المحترقة، ممّا يشير إلى حادثة حرق الكنيسة على يد السامريّين عام 529 م
خلال ثورتهم على البيزنطيين في عهد الإمبراطور جستنيان، الذي بنى الكنيسة الحالية
على شكل صليب، وسقفها بخشب الأرز المستورد من لبنان، وطلاها بالرصاص. وفي عام
1262م، دمّر الظاهر بيبرس مدينة بيت لحم، لكنه ترك الكنيسة التي رمّم سقفها الآباء
الفرنسيسكان عام 1395م بإذن من السلطان المملوكي برقوق. ومرة أخرى، في عام 1435،
جرى تجديده على يد الصليبيّين. وفي عام 1560، أجرى البطريرك جرمانوس ترميمات في
الكنيسة، وفي الأعوام 1607 ـــــ 1617م أُجريت إصلاحات على الكنيسة من جانب الآباء
الفرنسيسكان، الذين جلبوا الاخشاب من البندقية، وفي سنة 1671جدّد البطريرك دوسيتوس
سقف كنيسة المهد، وأجرى عليها إصلاحات.
ثبات طويل
منذ أن أعاد جستنيان بناء الكنيسة خلال السنوات
(530 ـــــ 533م) حتى الآن، لم تجر إضافة أو تغيير على بناء الكنيسة الخارجي، وإن
كانت قد أضيفت مبانٍ حولها كدير الأرمن وكنيسة القديسة كاترينا للّاتين، التي لجأ
إليها الآباء الفرنسيسكان، بعد طردهم من كنيسة المهد بفرمان من السلطان العثماني
مراد الرابع. وفي 25 نيسان 1873 حُرقت الكنيسة، واتهم الروم بذلك إثر خلاف مع
اللاتين، ما أدى إلى أزمة عالمية تدخّلت فيها الدول الكبرى آنذاك. ونتيجة توازن
القوى، ساد ما عُرف بـ (الستاتيكو)، أي الحفاظ على الوضع القائم، وهي الحجة التي
استخدمتها الطوائف المختلفة لعدم إحداث أي تغيير في الكنيسة المهمّة المتداعية.
الامور تغيرت،
عندما وضعت السلطة الوطنية ثقلها لإقناع الطوائف بإجراء الأعمال، وألّفت لجنة لهذا
الغرض، وأصدر الرئيس محمود عباس مرسوماً، بعدما اتفق مع ممثلي الطوائف المشرفة على
الكنيسة، وشكل لجنة رئاسية لهذا الغرض.
بعدما أنجز
ستورس معجزته وأزال الحاجز، ذكر في مذكّراته مفتخراً أنه أقنع الطوائف بوجوب إزالة
هذا الحاجز، لكنها لم تتفق على من يتحمّل التكاليف، فكتب "لقد كان لي شرف
الدفع". الامور تغيرت الان، حيث تتوفر الأموال ويتزاحم الداعمون، والمعجزة
تحققت، وبدات المرحلة الاولى بترميم السقف التي ستكلف 1.9 مليون يورو، وتنفذ الترميم
شركة عائلية ايطالية، متخصصة في الحفاظ على الهياكل القديمة. ويتوقع ان ترميم
الكنيسة بأكملها سيكلف نحو 15 مليون يورو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق