تتوارى راهبات
دير السالزيان، في منطقة كريمزان، في مدينة بيت جالا، عن عدسات الكاميرات، ويتجنبن
بخفر التقاط الصور لهن من قبل الصحفيين، وسيكون عليهن، إذا نجح المخطط الاحتلالي،
باقتطاع المنطقة، إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية، واحاطتها بمقطع من الجدار
العازل، ان يواجهن ما هو أخطر من كاميرات الصحفيين التي تحاول نقل ما يحدث في
المنطقة إلى العالم، الذي يستمر، وفقا للمواطنين هنا في صمته.
دير الراهبات
ليس الدير الوحيد في المنطقة، وعلى بعد نحو مائة متر، يقع دير كريمزان، ويطل
الديران، على مناطق طبيعية خلابة، عملت فيها أيدي فلاحي بيت جالا، لتحويلها، إلى
جنان من الزيتون، والأشجار المثمرة الأخرى، ولكن احتلال ما تبقى من فلسطين في
حزيران 1967، حمل معه عهدا جديدا من المعاناة، تتمثل في مصادرة آلاف الدونمات من
المنطقة، وبناء مستوطنة "غيلو"، التي يعتبرها المحتلون، حيا من أحياء
القدس. والآن يخوض الرهبان والمواطنون، ما يسميه البعض المعركة الأخيرة والخطيرة،
للحفاظ على الحد الأدنى من التواصل الجغرافي لما تبقى لمدينة بيت جالا، ومحافظة
بيت لحم، في حدودها مع مدينة القدس الجنوبية.
منذ سنوات
يستهدف الاحتلال هذه المنطقة، ومنطقة بئر عونة المجاورة، من خلال منع البناء،
والهدم، ومداهمة المنازل، بدعوى ان الأهالي يعيشون في منازلهم دون تصاريح، وفرض
ضرائب الارنونا، واغلاق مساحات واسعة، ووضع بوابات، وبناء جسور وأنفاق ضمن مشروع
شارع الستين الاستيطاني، ولكن التصعيد الابرز بدأ مع كشف الاحتلال عن نيته بناء
مقطع من الجدار في المنطقة، لضمها فعليا، وعزل الديرين عن الرعية، وعزل الأراضي
الزراعية عن اصحابها، حيث ستضرر 58 عائلة من ذلك.
تحرك المجتمع
المحلي على صعيدين، الأول تنظيم اعتصام اسبوعي يتخلله قداس ديني على الأراضي
المهددة، والثاني قانوني.
خلال
الاعتصامات الاسبوعية، حضر متضامنون من جميع الدول، ويوم أمس الاول، نظمت مؤسسة
"سانت ايف" الحقوقية، جولة في المنطقة لنحو 40 من المطارنة والقساوسة من
بريطانيا، واسبانيا، والولايات المتحدة، وكندا، وجنوب افريقيا،إضافة للقنصل
البريطاني العام السير اليستر مكفيل.
أبدى اعضاء
الوفد، الذي يزور فلسطين، تضامنا مع أهلها، دهشتهم واستنكارهم لما يحدث على الأرض.
على الصعيد
القانوني، لم تنته المعركة وإن كانت النتائج تكاد تكون ملحوظة، يوم 11 آب 2014 قررت
المحكمة العليا الإسرائيلية في القدس، بأنه على الحكومة الإسرائيلية الاخذ بعين
الاعتبار الاحتمالات المختلفة لمسار جدار العزل في المنطقة التي يمكن من خلالها
ابقاء دير راهبات السالزيان ودير كريمزان للرهبان داخل المنطقة الفلسطينية من مسار
الجدار المخطط.
خطورة القرار،
انه أكد بناء الجدار في المنطقة، وهو ما يعتبره المواطنون كارثة كبيرة، في حال
تنفيذه، ستؤثر حياتيا، وجغرافيا، واقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا عليهم.
المحامي تسفي
أفني، محامي دير الراهبات تحدث لمراسلنا عن آخر التطورات في القضية: "لدى
الحكومة الإسرائيلية، عدة اقتراحات سخيفة، للالتفاف على قرار المحكمة العليا
بإبقاء الديرين في الطرف الفلسطيني، منها بناء بوابة للتواصل الجغرافي بين
الديرين، واقتراح ان يتولى الرهبان الأمن على البوابة، وهذا يتناقض طبعا مع أي
مفهوم للرهبنة، ويحول الرهبان، على أرض الواقع، إلى عملاء للاحتلال بشكل رسمي،
وكذلك بناء اسيجة حول الأرض والديرين، وفتح بوابة زراعية، كل هذه الاقتراحات
مرفوضة بالنسبة لنا".
وأضاف:
"الحديث عن ثلاثة الاف دونم منها 600 دونم للرهبان والراهبات، وتقترح الحكومة
الإسرائيلية، السماح لهم بالدخول إلىأراضيهم من بوابات، وطبعا هذا اقتراح غير
عملي، وسيؤدي عزلهم عن أراضيهم إلى خراب هذه الأراضي المزروعة".
الكل يؤكد
وحدة أراضي المنطقة، والتعامل معها كوحدة واحدة، سواء كانت الأراضي للمواطنين، أو
الرهبان أو الراهبات، محكمة الاحتلال، كما يقول أفني، عقدت جلسة يوم 30-11-2014،
مساء في وقت غير مناسب أبدا، للضغط على جميع الاطراف للاتفاق على حل.
يضيف أفني:
"الحل المقبول لدينا هو وقف بناء الجدار، كل الحلول المطروحة سيئة، سنسعى،
للوصول لأى حل لإنقاذ هذه الأراضي، والمحافظة على المنظر الطبيعي، وعدم إحداث أي
ضرر بالبيئة".
مجلس الأمن
والسلام الاسرائيلي، الذي يضم جنرالات متقاعدين، قدم مساراً معدلا للجدار في منطقة
كريمزان، وهو ما سيسعى أفني وزملاؤه المحامون، للاستفادة منه. والاقتراح يعني
ابقاء نحو 90% من الأراضي المهددة على الجانب الفلسطيني.
من الصعب
القول بان هذا الاقتراح مثالي، ولكنه ما يتمسك به المحامون، لإنقاذ ما يمكن انقاذه
من المنطقة التي تثير شهية حكومة الاحتلال، لتهويدها، وتأمين تواصل بين عدة
مستوطنات في المنطقة، عملت هذه الحكومة، منذ سنوات طويلة، لتكون فضاء لخططها
التوسعية جنوب القدس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق