أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 9 يناير 2015

المسكوبية والمجانين والحزب الذي غادرناه/وداد البرغوثي


الرفيق العزيز زياد العزة أرجو أن تكون بخير أنت والعائلة. أشكرك على إعجابك بما كتبت، وأنا فعلا أشجعك على القراءة لأسامة العيسة. فقد عرفته وقرأت له للمرة الأولى عام ٨٤/٨٥ حين أحضر لصحيفة الميثاق نسخة من روايته الأولى الحنون الجبلي ، كان شابا صغيرا خاض تجربة اعتقال وأراد أن يخرج منها برواية، كانت في دلك الوقت فيها نوع من الدعاية لحزب كنا على خلاف معه وغادرناه، أو هكذا أحسست، وكتبت نقدا لتلك الرواية، وإن كنت احترمت في حينه شابا يتحمس لكتابة رواية وهو بالكاد فد بلغ العشرين من عمره، إلا أن الرواية من وجهة نظري تحتاج لخبرة حياتية فذة وناضجة، فتتوج الرواية التجربة المختمرة، لذلك رأيت أن تلك التجربة كانت فجة. لم أره بعدها إلا عام ٩٢ حين بدأت العمل بوظيفة جزئية في صحيفة المدى الأسبوعية والتي كان أسامة ثاني أهم محرر بعد رئيس التحرير فيها، كان قد كبر ونضج، لكن أشياء في السياسة والمواقف ظلت موضوع خلاف، أغلقت الجريدة بعد فترة وتفرقنا ولا أذكر أنني التقيته بعدها أو رأيته إلا مرة على الشاشة. لكني قرأت له موضوعا عن الصحفيين الإسرائيليين، رأيت فيه أسامة الذي تمنيت أن يكون. وقبل عامين تقريبا جاءتني إحدى الطالبات في جامعة بيرزيت تحمل روايته وقد كتب إهداءه لي مشكورا. قدمت لي الرواية قائلة: بسلم عليك عمي أسامة وبعث لك هذا الكتاب. كان رواية المسكوبية. تلهفت لقراءتها بأسرع ما يمكن، وأصدقه القول أن لهفتي كانت ليس لقراءة رواية أسامة ولكن لقراءة المسكوبية التي أيقظ اسمها في ذاكرتي خمس ليال عجاف قضيتها في زنزانتها وعرفتها، كانت هذه الليالي في سنة من أشد السنوات ألما على قلبي حتى ذلك الوقت وبعده بسنوات، خاصة أن تلك الليالي ما بين ١٨-٢٣ آب ٨٢ شهدت هزيمة المقاومة في بيروت. وما أقساه من شعور بين إحساسك بفقد أمل كبير وتشفي سجانك بذلك، وهو يحاول أن يساومك على موقفك لأن ما اعتبرته أنت وكل بني قومك قيمة وأملا انهار في بيروت وبلا رجعة. قرأت المسكوبية ووجدتها مدهشة، لذلك سأقرأ مجانين بيت لحم بلهفة أكبر أو لنقل بلهفة مزدوجة، لأن أسامة العيسة كتبها، ولأنني أتوقع أن تكون أكثر إدهاشا ، فأنا أحترم المجانين لعلمي ويقيني أن وراء جنونهم اختبأت الحكمة، ووراء جنونهم تكمن العبقرية، وهم وحدهم من يجرؤون على قول ما لا بجرؤ المثقفون على قوله أو فعله، فكم من مسلسل أو عمل فني وجدنا فيه المجانين جاهزين للنطق بالحكمة والموعظة والتجرؤ على المقامات العليا، خاصة في الأفلام والمسلسلات العربية، إذا كانت كليلة ودمنة قد انطقت الحيوانات والطيور ما جبن البشر عن نطقه فقد أنطقت الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والأغاني المجانين بما جبن العقلاء عن قوله، أما الأشرار فقد أسبغوا صفة الجنون على المجرمين كي ينفذوا من شر جريمتهم، كما يحاول الاحتلال أن يبرر جرائمه بالجنون. الجنون أنبل وأشرف وأرق من أن يكون إجراما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق