أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 6 يناير 2015

عرّابة: قصور وحكايات وتاريخ








تقع قرية عرّابة على الأطراف الشمالية لجبال نابلس، إلى الجنوب الغربي من مدينة جنين التي تتبع لها، وتبعد عنها نحو 12 كيلو متراً، لعرّابة أهمية استراتيجية، فهي تشرف على سهلي عرّابة، ومرج بن عامر وتتبع لها عدة مواقع تاريخية مهمة مثل بئر الحفيرة أو جب يوسف، وخربة دوثان التي تعاقبت عليها حضارات عديدة.

يُطلق على عرّابة، عرّابة جنين، تمييزا لها عن عرّابة البطوف، وبالإضافة إلى الطبيعة الخلابة التي تحيط بها، والتي يمكن للزائر التمتع بها، والتجوال فيها، فهي تحتضن قصور عائلة عبد الهادي، التي تُعتبر، من قلاع العائلات الفلسطينية الإقطاعية، التي ارتبطت بالتاريخ السياسي والاجتماعي، ليس فقط في فلسطين ولكن بالمنطقة ككل وبالقوى العالمية المؤثرة في فترة من الفترات الفارقة في تاريخ فلسطين، في القرن التاسع عشر، مثل الإمبراطورية العثمانية، أو مصر بقيادة محمد علي باشا الكبير وابنه إبراهيم باشا الذي قاد مغامرة والده إلى فلسطين الشام مدة عشر سنوات. وخاض صراعا مع شيوخ الجبال الذين رفضوا اصلاحاته، وقراراته فيما يتعلق بالتجنيد الاجباري، والضرائب وغيرها.

كرسي عبد الهادي

تعتبر عرّابة، واحدة من قرى الكراسي، التي شكلت مراكز للعائلات الاقطاعية، تقول الدكتورة سعادة العامري التي أعدت كتابا عن قرى الكراسي في فلسطين: "شكلت الناحية، وتدعى أيضا المشيخة، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وحدة ادارية ضريبية مستقلة، وقد تمتع المشايخ، حتى منتصف القرن التاسع عشر، بقوة سياسية عالية ونفوذ وثروات وفيرة نسبيا، وذلك من خلال النظام الضرائبي المعروف باسم الالتزام".

وحسب العامري: "كان لكل مشيخة مركز اداري يدعى قرية الناحية، أو قرية الكرسي، وهي عادة مقر ادارة لشيخ الناحية، ومكان سكنه".

وفيما يتعلق بعرابة وعائلة عبد الهادي تذكر العامري: "ارتبط اسم وشهرة عرّابة، وآل عبد الهادي من بعدها باسم الشيخ المحنك والمناور سياسيا حسين عبد الهادي، ففي عام 1834 كان الشيخ حسين عبد الهادي من أهم وأقوى الشخصيات السياسية في المنطقة على الاطلاق، ليس فقط في جبل نابلس، بل في بلاد الشام، وبذلك تقدمت مكانة آل عبد الهادي في عرّابة على جميع العائلات الاقطاعية في المنطقة، وقد كان ذلك بسبب تحالف ومساندة الشيخ حسين لإبراهيم باشا ومحاربته شخصيا معه ضد الصف المناويء للحملة الفرنسية على فلسطين".

مشيخة عائلة عبد الهادي انحصرت فيما يعرف بمنطقة الشعراوية الشرقية، الواقعة غرب الطريق الواصل بين نابلس وجنين ومركزها بالطبع عرّابة، وعددها 14 قرية.

وحظيت عرّابة، باهتمام المستشرقين والرحالة، لأهميتها ودورها السياسي-الاجتماعي-الاقتصادي. في 8 نيسان 1827، زار الكونت الفرنسي ليون دي لابوردي عرّابة، وما كتبه يشكل شهادة مبكرة على نفوذ عائلة عبد الهادي ومدى غناها، مع انه كان يحمل رأياً مسبقاً مخالفاً لذلك قبل وصوله إلى القرية.

وكتب لابوردي عن زيارته لعرابة: "توقعنا أن نحظى بمأوى من فلاح ما يمنحنا غرفته الوحيدة وبقايا عشاءه المتواضع. وكم كانت مفاجأتنا كبيرة عندما تمت مرافقتنا إلى بيت فسيح جدا. احتشد تحت قوس البوابة جمع من الخدم الذين تقدموا بنشاط لأخذ ألجمة مطياتنا. بإمكان المرء أن يتخيل انه في قصر مسحور. وقد علمنا اننا ننزل في ضيافة الشيخ عبد الهادي، صاحب أكبر نفوذ في المقاطعة بأكملها، وبعد أن ترك لنا مجالاً للاستمتاع بوجبة أولية، جاء الشيخ عبد الله لزيارتنا وتحدث كرجل ملم بشؤون الحكم، واستمرت عظمة هذا الاستقبال غير المتوقع حتى لحظة رحيلنا".

صراع وتدمير

عرّابة شاهدة على الصراع الدموي، الذي كانت تشهده المناطق الفلسطينية في القرن التاسع عشر، بسبب صراع شيوخ الجبال مع بعضهم أو مع الحكومة. يقول حمدان طه، مدير عام دائرة الآثار الفلسطينية السابق: "كانت هذه القرية موطئ قدم عشيرة عبد الهادي، وبالتالي كانت موقع قصور الأخوين عبد القادر وحسين عبد الهادي. وقد هيمن الحكام الإقطاعيون من هذه العائلة على المنطقة وأقاموا تحالفات استراتيجية مع المصريين والأوروبيين وسيطروا على مساحة شاسعة من الأراضي"، ويضيف: "لقد سادت الصراعات على النفوذ بين الشيوخ في فلسطين في العهد العثماني، ولم تسلم عائلة عبد الهادي من هذه الصراعات، إذ دخلت في حروب مع الحكام المتنفذين من عائلتي جرار وطوقان".

يذكر المستشرق الألماني الكسندر شولتز: "اتصفت عرّابة شأنها شأن جميع المراكز الاصلية للعشائر الكبيرة بموقع عسكري استراتيجي متميز. وكانت الآبار العامة القائمة داخل البلدة تضمن تزويدها بالماء واحاط بكرسي آل عبد الهادي سور ذو ابراج صغيرة ومجهز بأبواب مصفحة بالحديد".

أهم شهادة تتوفر عن قصور عبد الهادي، وما يجري داخلها، ووضع النساء في ذلك المجتمع، هي تلك التي كتبتها ماري إليزا روجرز، شقيقة القنصل البريطاني في حيفا، التي تعرفت على أفراد من عائلة عبد الهادي في حيفا، وعندما وصلت عرّابة، دخلت جناح الحريم في شباط 1856، لتكتب شهادة نابضة بالحياة، وتذكر روجرز كيف استقبلت من قبل النساء باهتمام بالغ، وكيف اهتمن بوضعها الاجتماعي، اذا كانت متزوجة ام لا؟

وقُدر لروجرز، أن تكون أيضا، وهي مقيمة في حيفا، شاهدة على تبعات الخراب الذي ضرب قصور عبد الهادي، وتراجع دور عرّابة.

في عام 1859، تمكنت الحكومة وحلفائها المحلين من وضع حد لأسطورة آل عبد الهادي، وعرابة. يذكر المستشرق الالماني الكسندر شولتز: " كانت هناك ويلات تدبر ضد آل عبد الهادي تجسمت في قوة مقاتلة حشدت جنوبي عرّابة: 400 رجل من المشاة، و200 من الفرسان، و80 من الرماة، ومدفعا ميدان، وقوة من الفلاحين تابعة لحزب طوقان-جرار. وفي 17 نيسان اقتحمت عرّابة. وسقط الأفراد البارزون في عائلة عبد الهادي أو فروا أو وقعوا في الاسر. ونهبت البلدة وقوضت تحصيناتها، وهدمت بعض بيوتها بأيدي بنائين امروا بالتوجه إلى عرّابة خصيصا لهذا الغرض، وتم ايواء الجنود في جزء من مبانيها. وذكر تقرير من دمشق انه سقط زهاء 200 قتيل وجريح من المحاصرين وزهاء 30 من الجنود العثمانيين".

ويذكر شكري عراف: "جرت آخر معارك قيس ويمن في فلسطين عام 1859، في معركة عرّابة جنين، يوم حاولت استانبول آنذاك اثبات سلطتها في البلاد بعد غياب حكمها المركزي لزمن طويل. كان اليمنيون مؤلفين من آل طوقان ومعهم مشايخ آل البرقاوي من وادي الشعير وصاحب مجدل يابا ونصف بلاد جمّاعين وآل جرار، وكان القيسيون من آل عبد الهادي ونصف بلاد جماعين والجياسية من بلاد بني صعب وغيرهم".

الحياة تدب في القصور

تقع قصور عبد الهادي ضمن مجموعة قصور ضخمة على قمة تل في عرّابة، تتكون من طوابق متعددة وساحات وأبراج دفاعية وفتحات لإطلاق النار.

وقبل سنوات، مكنت شراكة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي/ برنامج مساعدة الشعب الفلسطيني ووزارة السياحة والآثار الفلسطينية وبلدية عرّابة، وبتمويل من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ـ ضمن مشروع لإيجاد فرص عمل والحد من الفقر ـ من ترميم قلاع وقصور من بينها قصور عبد القادر عبد الهادي وحسين عبد الهادي.

وتم تحويل قصر عبد القادر عبد الهادي إلى مركز ثقافي بهدف صيانة الإرث الغني لقرية عرّابة وإيجاد فرص عمل وتوفير متسع للأنشطة الثقافية والترفيهية.

يذكر سكان عرّابة اسطورة عن قصر الشيخ عبد القادر، تروي الاسطورة الشعبية ان أسدين كانا يحيطان بمدخل القصر الرئيسي، وكانت مهمتهما حماية زوجة الشيخ على مسافة ثلاثة امتار من مدخل القصر. وكان ذلك في فترة احتدام الحرب الأهلية مع عائلة جرار، كان الشيخ يخشى ان يسعى احدهم لقتل زوجته أو اختطافها.

وتم تحويل قصر حسين عبد الهادي إلى مركز للأطفال. ويكتسب ترميم هذا القصر أهمية خاصة لسكان القرية، لأن جزءا من هذا المبنى كان يستخدم في السابق سجنا قبع فيه أجداد العديد من السكان.

يعود تاريخ بناء القصرين إلى أوائل القرن التاسع عشر، ويشكلان جزءا من البلدة القديمة في عرّابة. ويمكن الان زيارة هذين المعلمين، اللذين ارتبطا بصعود طبقة إقطاعية محلية في ذلك الوقت، وبتكريس زعامات في مواجهة الدولة العثمانية المركزية، وكان دور هؤلاء الزعماء مؤثر جدا في التاريخ الفلسطيني خصوصا خلال الحرب الأهلية التي شهدتها فلسطين في القرن التاسع عشر بين حزبي قيس واليمن، وانقسم الفلسطينيون، بمسلميهم ومسيحيهم ودروزهم، حسب القبيلة التي ينحدرون منها: قيس أم يمن.
http://www.alhayat-j.com/newsite/details.php?opt=7&id=252013&cid=3527

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق