في
أحد أيام شهر تموز 1936م الحارقة في فلسطين، توجه الشيخ محمود مشعل إمام قرية وادي
فوكين، وعطا عطية مختارها المحبوب إلى القدس يحدوهما الأمل، يحملان ثلاث صُرَّات،
وعندما وصلا مكتب اللجنة المركزية لإعانة المنكوبين في القدس، التي شُكلت مع
اندلاع الإضراب التاريخي، سلما الصُرَّات للموظف المختص، فسجل لديه متحمسًا، اسم
الشيخ مشعل ولسبب ما ذكر انه من قرية زكريا (حِرص بيروقراطي في التدقيق)، وكذلك اسم
المختار ومحتويات الصُرَّات:
· 3 جنيه و80 مل تبرع من تلامذة مدرسة وادي فوكين.
· 7
جنيه و910 مل من السيدات في وادي فوكين.
· 12
جنيه و660 مل من أهالي وادي فوكين.
ربما
لاحظ البعض مدى الدقة لدى محاسب اللجنة المركزية في تسجيل تبرعات وادي فوكين، والتي
نشرت في جريدة فلسطين (1 آب 1936) ضمن قائمة ما وصل من تبرعات اللجنة من تاريخ 1 تموز لغاية 25 تموز 1936.
الملفت
انه في تلك الفترة لم يكن هناك مدرسة في وادي فوكين، كما ذكر لي أحد كبار السن، ويؤكد
بان المدرسة أسست لاحقًا بعد عام 1943م، ويرجح بان الشيخ محمود مشعل كان بالإضافة إلى
وظيفته كإمام، يعطي دروسًا لأطفال وادي فوكين الذين جمعهم فيما يشبه المدرسة.
نعرف
من خلال ما يتوفر من تاريخ شفوي، يخص قريتي زكريا، ووادي فوكين، بأن عددًا من أولاد
الثانية، درسوا في مدرسة الأولى، وهذا ما أخبرتني به طالبة مدرسة زكريا رسمية محمد
عيد (تاريخ ميلادها: 18-4-1938)، وربما تم ذلك يدعم من الشيخ مشعل، وتتذكر الطالبة
رسمية، زميلها الطالب حلمي يوسف عطا من وادي فوكين.
لم
يعش الأمل كثيرًا، وتشرد أهالي زكريا ووادي فوكين خلال النكبة الكبرى، ومنهم من
تجاوروا في مخيم الدهيشة، وعُرفت الحارة التي لجأ إليها أهالي وادي فوكين بحارة
الوادية، وبرز منها عُشاق، وكتّاب، ونشطاء في السياسة والمجتمع.
وفي
إحدى المعارك حول وفي المجمع الاستيطاني كفار عتصيون استشهد سعدي يوسف عطا، شقيق
الطالب حلمي، الذي التحق بصفوف الجيش الأردني، واستشهد في العدوان الذي شنته دولة العصابات
الفتية على قلقيلية يوم 10-10-1956م، بينما كان في وظيفته في إحدى الخنادق.
تحققت
عودة منقوصة لأهالي وادي فوكين، التي تظهر بقوة في الأرشيف العثماني منذ القرن السادس
عشر، وتصدرت أخبارها وأخبار العمليات العدوانية عليها، باعتبارها قرية حدودية
صفحات الصحف.
وضع
مستوطنو كفار عتصيون، القرية الجميلة وينابيعها، على خارطتهم السياحية، فيما استمر
قضم أراضي القرية وحصارها.
قبل
أشهر زرنا وادي فوكين (صالح أبو لبن وأنا) لعيادة زميلنا محمد مناصرة، وعندما
وصلنا منزله، رأينا مسنة تتشمس، فقال لي صالح، بأنه يعرفها وانها من زكريا متزوجة
في وادي فوكين، واستمعت إلى حديث صالح معها، وأنا أفكر ماذا لو واصلنا المسير
ثلاثتنا إلى زكريا، سنصلها بالتأكيد في نصف ساعة. نصف ساعة فقط هي ما نحتاجه، لمحو
عار النكبة.
عشية
الانتفاضة الكبرى، وصل دافيد غروسمان إلى القرية، وحذره أحد رجالها من جيل النكبة،
من الريح الصفراء، التي إذا هبت ستأخذ معها العرب واليهود، واقتبس ذلك في اسم
الكتاب (الزمن الأصفر) الذي جلب له الشهرة.
هل
فكر الشيخ محمود والمختار عطا، عندما حملا ما جاد به أهالي وادي فوكين، بأن
أحفادهما سيكبرون في الزمن الصفر، وأنه سيطول ويطول؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق