يخشى فادي سند، من قرية إرطاس، التي تبعد ثلاث كلم جنوب
مدينة بيت لحم، على شجرة فلفل معمرة، تحولت خلال عقود إلى رمز لعلاقة الشرق
بالغرب.
جاء
إلى قرية إرطاس، العديد من الباحثين والمستشرقين والسياسيين، في بداية القرن
الماضي، لطبيعتها الجميلة وقدمها وقربها من القدس وبيت لحم، وسكنها كثير من أولئك
الذين فتنوا بالشرق، وعاشوا بين أهلها وكتبوا عنهم.
وما
زال هناك مواقع في القرية تحمل ذكرى أولئك الغرباء الذين تسللوا، في لحظات تاريخية
فارقة، إلى القرية. وفي مدخلها يوجد منزل قديم مبني على تلة وما زال السكان يسمون
ذلك الجزء من القرية باسم (شِعب الست لويزة).
وأهم
معلم في (شِعب الست لويزة) هو ذلك المنزل القديم المهجور الذي تقف أمامه، كبيرة
وضخمة وشامخة، شجرة غريبة جدًا عن النباتات الفلسطينية، ويصاب المرء بالدهشة عندما
يعلم انها شجرة فلفل.
الباحث
الراحل موسى سند، الذي أسس مركزا للتراث الشعبي في إرطاس، ربط شجرة الفلفل هذه بمن
سكن المنزل من باحثين أجانب. ويسمى المنزل ب (علية شرف) وجاء اسمه من مكان العالي
والمشرف على معالم هامة في القرية التي تقع بين التلال، فهو يشرف على دير راهبات
الجنة المقفلة، وعلى مسجد القرية والبلدة القديمة وعين القرية.
سكنت
المنزل عائلة بالدنسبيرغر، ومنهم فيليب الذي عاش منذ طفولته في هذا البيت وأصدر
عام 1913 كتابه (الشرق الذي لا يتحرك)، وأشهر من سكن البلدة هي الباحثة الفنلندية هيلما
جرانكفست، والتي أصبح اسمها معروفا على نطاق واسع، وأطلق عليها السكان اسم الحاجة
حليمة، وأصدرت جرانفكست خمسة كتب عن القرية تعتبر من المراجع العالمية عن الإنسان
الفلسطيني في فترة تحول تاريخي.
وهناك
باحثة أخرى اقل شهرة من هيلما جرافكست هي لويزا بالدنسبيرغر التي عرفت محلياً باسم
الست لويزة، التي استقبلت هيلما في
المنزل، وعاشت لويزا فيه حتى سن متقدمة من حياتها وأصدرت مع ماري جرس كروفوت كتابا
عن نباتات في فلسطين عام 1931، وكتابا أخر جمعتا فيه 38 قصة شعبية من إرطاس.
ولا
يوجد الان أي اثر لهؤلاء سوى شجرة الفلفل، التي زرعتها لويزا على الأرجح، بعد أن
تم إحضارها كشتلة من فنلندا أو من فرنسا.
وكان
من حظ هذه الشجرة ان جذورها تمتد إلى أكثر من 10 أمتار إلى عين القرية، وهذا ما
ساعدها على البقاء، رغم محاولات كثيرة بذلت لقطعها، من قبل السكان لأسباب مختلفة،
ولكن كل مرة كان يتم قطعها تعود قوية أكثر من قبل.
فادي
سند، الذي ورث الشغف بتراث القرية من والده الراحل الباحث موسى، يخشى الآن على
شجرة الفلفل من السقوط، وقال لمراسلنا: "الجدار المحيط بالشجرة، الهش أصلا،
قد يسقط في أية لحظة، وهناك احتمال لسقوط الشجرة في أي وقت نتيجة الرياح والأمطار،
وإذا حدث ذلك سنفقد جزءا مهما جدا من بقايا عائلة، كتبت ووثقت تاريخ القرية، واستقبلت
الباحثين. سيفقد الموقع إلى حد كبير جزءا من رمزيته".
المعمرة
حبسة عيسى سند، الذي يزيد عمرها عن مئة عام، تتذكر شجرة الفلفل، وتقول بأنه كان
إلى جانبها شجرة كينيا، وميزة شجرة الفلفل، بان أوراقها رفيعة، وناعمة وتتدلى إلى
الأسفل.
ويقول
فادي سند، بان المطلوب، بناء جدار إسمنتي مقوى بالحديد مع تلبيسه بالحجر للحفاظ
على المنظر القديم، بالإضافة لصيانة الحديقة أمام المنزل التاريخي، ويمكن استئجار
المنزل، لفترة زمنية من مالكه مقابل تكاليف العمل، واستخدامه في الأنشطة الثقافية.
ويدعو
وزارة السياحة والآثار، ومركز الحفاظ على التراث الثقافي في بيت لحم، وغيرهما من
مؤسسات رسمية وأهلية، للمساهمة في عدم سقوط الشجرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق