(تقرير إلى هَنْدَة)
لن أنتظر، موعدنا
السنوي، في موسم النبي موسى، لأبلغك، المستجدات، كالعادة ما يا جدتي، وعلى مسمع
زملائك وزميلاتك، بجانب الكليم.
وصلت يوم الجمعة الفائتة
(17-6-2016)، التل، الذي حولوه، بإضافة أراض من عجور، إلى ما يسمونه الحديقة
البريطانية. على مدخل الغابة الجبلية، التي تشقها طريق حديثة لم تحظوا بمثلها طوال
أربعة قرون من حكم الأتراك الغاشم، وضعوا لوحة تذكارية لليهود البريطانيين الذين
مولوا، الغابة التي تحمل اسمهم، على أرضنا، وزرعوها بأشجارهم التي خبروها في
بلادهم، وأدرجوا أسماء لحيوانات قد تكون موجودة في الغابة، غابتنا، التي رغم
أشجارهم البشعة، إلا أن أشجارنا ما زالت الأكثر لفتا للانتباه، والتي تحول بعضها
إلى معالم في الغابة، مثل الزيتون المعمر، الذي زرعه الأجداد هنا، قبل دَولتهم،
ودولهم، ودولنا الكثيرة، التي تعاقبت علينا، لتعاقبنا. ما هو سرّ الحقد علينا،
سكان التلال المنخفضة؟
الطريق الرئيسة في
الغابة تؤدي إلى التل، تل زكريا، أو تل عزيقة التوراتية، الذي ما زال النبش فيه
مستمرًا منذ أكثر من قرن، وفي كل صيف، يأتي شبان من مختلف دول العالم، لينبشوا. لم
أجد البروفيسور إسرائيل فلنكشتاين، الذي يقترح تاريخا تأويليا، نيابة عنهم وعنهم،
فموسم النبش لم يبدأ.
رفيقي الشاب من صور
باهر، خلبت لبه السناسل الحجرية، ولا أعرف لماذا، تعجب، وهو الذي عمل معهم في
حفريات أثرية في مواقع عديدة، من قِدم هذه المدرجات المبنية من حجارة بدون مواد
لاصقة.
تنتشر في الغابة،
أعداد لا تحصى من الزهور البرية، كالزنبق البري، وأشجار الأدغال، وأوفريس نحلي،
النبتة الساحرة، التي تحتاج ما بين 5-8 سنوات لتبلغ سن النضج.
تبدو هذه الأوفريس،
ولا أعلم ماذا كنتم تسمونها يا جدتي، كبنت مغرورة باسمة، أو كسرير حريري مغطى
بسجاد، ولأنها ملكة في فصيلتها، تشبه ملكة أخرى، هي ملكة النحل، وبسبب هذا
التشابه، تعتقد ذكور النحل الغبية، بأنها هي فعلا ملكة النحل، فتحط عليها بلا كلل،
للتلاقح معها، بما يظهر انه عملية اغتصاب جماعية.
لو ترين جنون ذكور
النحل الغبية، على الأوفريسة الوادعة..!
ورغم أنهم أعلنوا
الأوفريسة، من النباتات المحمية، إلا انني علمت إنها تواجه واقعًا صعبًا، وخطر
الانقراض، لان كثيرين وكثيرات منهم يقتلعها ليحتفظ بها، وفكرت أن أقتلع واحدة،
وأزرعها بجانبك في برية القدس، ولكنني أردت غطاءً أخلاقيا لما مقبل عليه، ولا بد
من استئذانك أولاً.
المهم، بالنسبة لهم،
هو عيش تجربة، داود وجليات، من أعلى التل المطل على وادي البطم، سهل ايلاه في
التوراة، الذي شغل العالم بحكايته، التي استثمرتها هوليود، وتظهر في أعمالٍ أدبية،
وفنية.
في الطريق المؤدية
إلى يافا، حيث كان منزلنا الذي استقبلتِ فيه زوجك الذي عاد ضريرًا من السفر بلك،
وضعوا أعمدة حجرية، تقتبس النص التوراتي، الذي يصف اللقاء التاريخي بين داود
الإسرائيلي الشجاع الفتي، وجالوت الفلسطيني العملاق الشرير.
بصرارة مقلاع يتغلب
داود على جليات. مَن صاحب الصرار في وادي الصرار، والمقلاع؟ مَن هو داود، ومن هو جالوت،
يا جدتي؟
الصعود إلى أعلى
التل، يا جدتي، يعني اقتفاء اثر مَن مروا هنا، من الفراعنة، والكنعانيين،
والفلسطينيين، والبابليين، وكان سقوط التل، يعني سقوط التلال المنخفضة، فتصبح قدس
اليهود، والأفندية، والمسلمين، والمسيحيين، والرومان، ثمرة تنتظر يد لتلتقطها.
يا لحسرتي على سبايا
لخيش، وعزيقة الذين جرجرهم سنحاريب، ووثق نكبتهم على جدران قصره.
لم تكن نكبتك يا جدتي
أخر النكبات، التي لم تتحملينها، فقررت المغادرة، بعد أشهر قليلة، في مخيم في
أريحا، لتنامين أخيرا بجوار كليم الله.
أعرف نضالك العصامي،
للحفاظ على أرضك وتوسيعها، ولكن المجتمع الذكوري بفقرائه، وأغنيائه، وكُتّابه،
وجيوش العرب الذكورية، ذكور النحل الغبية، أضاعوها..!
لسنا، إلا ذكور نحل
غبية، وكاذبة، وفاسدة، يا جدتي..!
سأكمل التقرير لاحقًا
في نيساننا المقبل، وفي حضرة كليمنا، وسيدهم، وسيدنا..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق