يبدي الخبير
الأثري الدكتور أحمد الرجوب، حماسا ملحوظا بمعصرة عبد النبي (شجرة الدُرّ)، في
بلدة الخليل القديمة، ويصفها بأنها من أهم المباني في البلدة التي تعاني من
اجراءات الاحتلال القاسية والمتعددة.
يشغل الرجوب،
مدير عام جنوب المحافظات الشمالية في وزارة السياحة والآثار، وساهم مع آخرين في
تجهيز المعصرة، بعد ترميمها من قبل لجنة اعمار الخليل، لتصبح متحفا، يروي جزءا من
تاريخ الخليل، وفلسطين.
تاريخ من
استخراج الزيتون
حسب الرجوب،
فان استخراج زيت الزيتون في فلسطين، يعودإلى العصر الحجري الحديث (4000-8500 ق.م)،
بينما ترجع زراعة وتدجين أشجار الزيتون إلى العصر الحجري النحاسي (4000 ق.م)،
فخلال العصور البرونزية والفترات اللاحقة كان زيت الزيتون من أهم السلع الفلسطينية
التي صُدرت إلى مختلف أنحاء العالم.
سُميت معصرة
عبد النبي (شجرة الدُرّ) بهذا الاسم نسبة إلى مالكيها عائلة عبد النبي النتشة، ويطلق
عليها معصرة شجرة الدُرّ، نسبة إلى مدرسة شجرة الدُرّ الواقعة في الطابق العلوي من
المبنى، وكانت تُعرف أيضا ببابور عبد النبي لاحتوائها على مطحنة حبوب.
يقول الرجوب:
"شُيد المبنى أوائل القرن العشرين، خلال الفترة العثمانية المتأخرة. وفي عام
1925 اضيفت اليه مطحنة الحبوب التي استمرت حتى بداية السبعينات من القرن الماضي،
ودلت البقايا واللقى الأثرية التي عُثر عليها في الموقع، على وجود بَدّ زيتون،
يعود للفترة العثمانية".
انتاج زيت
الزيتون
يقول الرجوب،
بانه إذا أراد باحث تتبع تطور انتاج الزيت في فلسطين، فعليه زيارة معصرة النتشة في
الخليل وهي أقدم من معصرة عبد النبي، التي شكلت تطورا في صناعة انتاج الزيت، وذلك بإدخال
الماكينات، التي تم استيرادها من الخارج، إلى هذه الصناعة، بينما في معصرة النتشة
الأقدم، كانت تستخدم البهائم، في تحريك حجر الدَرّس.
في معصرة عبد
النبي، كان يتم استخراج الزيت، بما يُعرف بالطريقة الباردة،فبعد طحن حبات الزيتون
وعصرها، يتم فصل الزيت عن الماء في ثلاث خطوات:
*درس الزيتون
للحصول على الدريس (الزيتون المهروس). وذلك باستخدامالمكبس والبَدّ
الذي يتكون من حوض دائري داخله حجر الهرس
يعلوه حجر دائري مزدوج كبير الحجم (حجر الهرس) يدور بواسطة محرك ميكانيكي ويوضع حب
الزيتون داخل الحوض فيهرسه الحجر الدوّار.
*عصر الدريس
للحصول على سائل ممزوج مكون من الماء وزيت الزيتون. فبعد الدرس
يوضع الدريس في قفف مصنوعة من الياف نبات القنب. وتوضع قفف الدريس فوق بعضها البعض
بشكل عمودي في المكبس ليتم ضغطها لاستخراج الشائل الممزوج (الزيت والماء) والذي ينساب
في حوض جانبي (الجرن) ومن ثم ينقل إلىأحواض خاصة ليفصل الزيت عن الماء ويخزن في
جرار.
*فصل الزيت عن
الماء.
بابور عبد
النبي
ولم يقتصر
نشاط المبنى الذي يحوي معصرة عبد النبي، على انتاج الزيتون، ولكنه امتد ليشمل مطحنة
عبد النبي (بابور عبد الني)، وهي مطحنة حبوب، تعود لفترة الانتداب البريطاني.
يقول الرجوب:
"استخدم سكان فلسطين أدوات مختلفة لطحن الحبوب منذ الاف السنين كان أقدمها
المطاحن اليدوية البسيطة المكونة من حوض محفور في الصخر الصلد والمدق الخشبي،
وأدوات طحن خشبية مُصنعة من الحجر البازلتي الصلد والتي طُورت إلى الشكل الدائري
وعرفت بالرحى (الجاروشة)، وفي الألف الأوّل ق.م،تم تطوير الرحى،إلى مطاحن تُدار
باستخدام القوة البشرية أو الدواب. وهي الطريقة التي استمرت في فلسطين حتى نهاية
الفترة العثمانية".
ويضيف:
"بدأ ظهور المطاحن الآلية في فلسطين مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن
العشرين، بعد استيرادها من أوروبا. وتشير سجلات المحاكم الشرعية إلى وصول ست مطاحن
قمح إلى الخليل لوحدها".
ويؤكد الرجوب،
بان "بابور عبد النبي" كانت من المطاحن المهمة في الخليل، فعمد الجيش
العثماني، قبل انسحابه، على تدميرها، حتى لا يستفيد منها البريطانيون.
وبعد التدمير،
نُقلت الى مبنى آخر، ويعتقد الرجوب، انه في عقد الثلاثينات من القرن الماضي، خضع
المبنى للتوسعة، واضافة معصرة الزيتون الحديثة، والمطحنة.
اعادة احياء
في عام 2014،
تولت لجنة اعمار الخليل، ترميم وتأهيل مبنى المعصرة بتمويل من الصندوق العربي للإنماء
الاقتصادي والاجتماعي، وفي عام 2015، تولت وزارة السياحة والآثار تطوير وسائل
العرض داخل المبنى بتمويل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وبالتعاون
مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم.
المهندس زياد
جابر، من وزارة السياحة والآثار، ساهم في جعل المبنى كما يظهر الان، ويقول بان
المبنى تعرض للسرقة، ومن بين المسروقات حديد، وحجارة، وبلاط، فتم اعادة تبليطه،
بحجارة قديمة، صادرتها وزارة السياحة والآثار، لانها كانت ستُهرب الى داخل دولة
الاحتلال.
يقول الرجوب،
بان انجاز هذا المبنى، على النحو الذي يظهر الان، يدل على الامكانيات المتوفرة،
لدى المؤسسات عندما تعمل بشكل جماعي. ويضيف: "لجنة الاعمار رممت المبنى، الذي
تعرض للنهب، ونحن في الوزارة جهزناه، ليصبح من أفضل المواقع في الخليل
القديمة".
محتويات
المتحف
أزال
المرممون، الإضافات الاسمنتية في المبنى، ومن بينها خزان ماء، للتخلص من الاملاح
الضارة، ولإحياء الجزء الشمالي من المبنى، بتوفير التهوية والاضاءة الطبيعية.
وتحتوي قاعات
العرض في المبنى، مكابس تعمل على الضغط الهيدروليكي، ومسن ميكانيكي مصنوع من الحجر
الرملي الصلب مثبت داخل اطار خشبي. كان يستخدم لسن الادوات المعدنية، وقفف،
وصناديق خشبية، وسراج معدني كان يستخدم للإنارة داخل المعصرة، وجرار تخزين الزيت
والماء، وهي مزججة من الداخل من أجل تفادي امتصاص الفخار للزيت واستخدمت ايضا لنقل
وتخزين المياه، وغيرها.
ويعرض أيضا،
اوراق عثر عليها في المبنى، مثل فاتورة ضريبة مروسة باسم حكومة فلسطين عام 1924، وسجل
المعصرة، ورخصة استخدام المعصرة صادرة في حيفا 1939، وسجلات الدين.
يقول الرجوب،
بان بعض المعروضات تم جلبها من متحف حمام سيدنا ابراهيم، الذي يتم تأهليه الان،
ولدى الوزارة خططا لتطوير المتحف.
http://www.alhaya.ps/est/istra7a28.pdf
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق