أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 27 أبريل 2015

رفيديا القديمة: حكايات الهوية والكفاح..!!






 

 
‏ جلست الناشطة النسوية ميسر عطياني على مدخل أحد الزواريب في رفيديا القديمة، شمالي نابلس، في انتظارنا، ولم تضيع وقتا، فأخذتنا في جولة على معالم ما تسميها (الحارة) وبيوتها وناسها. وتقصد ما يُطلق عليها رفيديا البلد، تمييزا لها عن باقي أحياء رفيديا التي تطورت بشكل مختلف عن البلدة القديمة؛ التي حافظت على هويتها المعمارية والمجتمعية.

تتمتع ميسر بحماسة لقضايا كثيرة، فهي دائما في مقدمة المسيرات والاعتصامات على دوار نابلس، انتصارا للأسرى أو للنساء وقضايا وطنية وسياسية أخرى، ولكن حماستها لحارتها وناسها، تبدو شيئا مختلفا.

قالت ميسر، وهي تتقدم تشير إلى البنايات القديمة، وتدخل البيوت الحجرية: "عُرفت رفيديا قديمة، كمنطقة بساتين بعيدة عن بلدة نابلس القديمة، تجري فيها العيون، نعرف منها ثلاثة: عين البصة، عين عويضة والعين الشرقية، والاخيرة هي التي ظلت تستخدم حتى الان لري المزروعات".

ولدى ميسر، حكاية عن سبب تسمية رفيديا: "رُفيدة بنت مسيحية، شك اخوتها الثلاثة، بسلوكها، وقرروا قتلها، فاتوا بها إلى هذه المنطقة، وبعد قتلها اكتشفوا بشكل أو بآخر انها بريئة فبقوا هنا، وتأسست قرية مسيحية من العائلات الثلاث هذه. ومع الوقت وصل إلى رفيديا فلاحون للعمل في البساتين، وعاش المسيحيون والمسلمون هنا بانسجام حتى الان".

حكاية ميسر لسبب التسمية، هناك من يخالفها مثل الأبجوني أبو خليل راعي كنيسة اللاتين في نابلس. قال أبو خليل، وهو يقف بجانب صورة قديمة معلقة على جدار في كنيسة القديس يوستينوس للاتين، تمثل ثلاثة أخوة وامرأة تموت بطعنة رمح: "هذه الصورة تمثل قصة بلدة رفيديا التي لم تكن في الماضي، كانت خالية من السكان بعيدة عن وسط المدينة، مسيحيو رفيديا جاؤوا من الكرك الأردنية، بعد أن أحب أحد الأمراء المسلمين، فتاة اسمها رفدة، فجاء ثلاثة من اخوة رفدة معها إلى نابلس، وأصبحوا دخلاء على شيخ كبير، وبعد ثلاثة ايام من الحماية، كما هي العادة، اقترح عليهم وضعهم في منطقة بعيدة نسبيا عن وسط البلد، وما حدث ان الامير لحق برفدة إلى هنا، وحدث صراع بين جيشه والاخوة، وطلبت رفدة أن يقتلها اخوتها لتستشهد حتى تحافظ على ايمانها المسيحي، ولا تضطر لتغيير دينها، وفعلا ماتت شهيدة، والاخوة الثلاثة: هريم، ديب، وفودة، هم أجداد الحمائل الثلاث التي تنتمي لها عائلات رفيديا المعاصرة".

وردا على سؤال إذا كانت الكنيسة اللاتينية طوبت رفدة، كشهيدة، قال بانها: "طُوبت شعبيا شهيدة، ولا يوجد اسم رفدة في سجلات كل انسان يستشهد من اجل دينه يصبح شهيدا".

وحول تاريخ الصورة قال: "هي صورة قديمة، موجودة منذ تأسيس الكنيسة عام 1985، وعندما رممنا الكنيسة، جددنا الصورة للحفاظ عليها".

وتمكنت، ونحن نقف أمام الكنيسة، بعد ان اعتمت الدنيا، وهبت نسائم منعشة على رفيديا، ان اسمع نقاشا بين ميسر والأب أبو خليل حول حقيقة رفدة أو رفيدة.

قالت ميسر بحماسة: "رفيدة أحبت الأمير وهو أحبها، وما حدث لاحقا من قتلها، يجعل منها شهيدة للحب".

عارضها أبو خليل، وقال: "الايمان هو الحب لا ايمان دون حب ولا حب دون ايمان".

وهناك رأي ثالث حول سبب تسمية رفيديا بهذا الاسم، ينسبها إلى كثرة روافد المياه، التي تغذي العيون، وتنعش البساتين.

ما تقوله ميسر عن الانسجام بين المسلمين والمسيحيين، يمكن لمسه بسهولة خلال التجوال في رفيديا القديمة، ندخل خلف ميسر إلى مبنى قديم، تقول بانه البد القديم (معصرة الزيتون) الذي تحول بعد ترميمه إلى (مضافة رفيديا)، ويستخدم لأنشطة الأهالي المختلفة، وتقام فيه الندوات والأفراح والأعراس، ويقدم فيه في مثل هذه المناسبات الطعام.

والاستفادة من المنازل القديمة، تبدو شائعة في رفيديا، فاحد المباني تحول إلى حمام تقليدي، خصص يومين في الاسبوع للنساء.

ورغم ان ميسر ترى في تخصيص فقط يومين، شكلا من التمييز ضد النساء، الا انها تتحدث بشغف عن طقوس الحمام: "لا يقتصر يومنا في الحمام على الاغتسال، ولكنه يشمل الجلوس، والأكل والشرب، والاراجيل، والرقص، والدربكة، نعيش يوما باريحية بوجود نساء موظفات من قبل ادارة الحمام".

قبالة الحمام، يقع بيت مهجور، تتذكر ميسر، كيف كانت تعيش فيه ثلاث نساء، كبرن، منهن لولو الخياطة، التي كانت تخيط التنانير والفساتين لبنات الحارة".

وتمت الاستفادة من ترميم منزل قديم، وجدت فيه بقايا اثرية تعود لنحو 1400 سنة، إلى مركز ثقافي وفني، يحوي مكتبة ومسرح.

وتوقفت ميسر، أمام منزل، وقالت مشيرة إلى الأعلى: هذه شرفة خالتي أم يعقوب".

وشرحت: "في السبعينيات والثمانينيات، وأنا صغيرة، اخذت اراقب امرأة احببتها جدا هي أم يعقوب الدواني، كنت اراها تخرج فجرا إلى السجن لتزور ابنها يعقوب المحكوم بالمؤبد، وتعود بعد ساعات طويلة منهكة، تخلع الشحاطة، وتجلس على الدرجات، وبعد سنوات أُدرج اسم يعقوب على قائمة الذين سيفرج عنهم في صفقة تبادل الأسرى (النورس)، تجمعت الحارة كلها عند خالتي أم يعقوب التي زينت الشرفة، وفجأة سمعناها تقول: يعقوب، نظرنا في كل الاتجاهات لم نر أحدا، انتبهنا إلى التلفزيون، كان يعقوب على درج الطائرة ينظر ناحية الوطن، الذي قرر المحتلون ابعاده عنه، لقد احتفظت بذهني طويلا بهذه الصورة".

يعقوب منفي الان في لندن، وأم يعقوب مريضة، تنظر عودته، وأزقة رفيديا خلت من الناس، مع تقدم الليل، والمنازل سكنت في انتظار صباح جديد.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق