رافعة لواء
المكان، انطلق الروائي الفلسطيني اسامة العيسة في روايته "مجانين بيت
لحم" إلى العالمية باسلوب روائي وأدبي فريد ومختلف، مَزَجَ بين اركان وتقنيات
الرواية التقليدية والعصرية وراوح بين التاريخ والتحقيق الصحفي ليضع أسمهُ على
قائمة المبدعين ويحصد جائزة "الشيخ زايد للكتاب".
"مبروك
للمجانين"، هكذا علق الروائي اسامة على صفحته الشخصية على موقع التواصل
الاجتماعي "الفيس بوك"، فور فوز روايته بجائزة "الشيخ زايد
للكتاب" في دورتها التاسعة، معبرا عن فرحته الكبيرة بالجائزة ذات القيمة
الثقافية والادبية من بين العديد من الاعمال الثقافية لنحو 31 دولة عربية واجنبية.
وقال العيسة
في حديث خاص مع القدس دوت كوم، "باعتقادي ان هذا الفوز مهم جدا وهو مكافأة
للجهد والعمل الجاد ومشروع الروائي القائم على احترام القارئ وتقديم ما هو جديد
وانحياز للمغامرة الروائية في الشكل والمضمون، هكذا افهم الجائزة، واعتقد أنها
مهمة للادب والرواية الفلسطينية هذا ما لمسته من الكتاب والصحفيين بالاضافة إلى
الاهتمام الرسمي - ان صح التعبير - من قبل اتحاد الكتاب الفلسطينيين ووزارة
الثقافة".
الرواية كانت
أمام تحد كبير، وربما مغامرة جديدة كونها قدمت شيئا جديدا للساحة الروائية
واستعانت باساليب جديدة من ضمنها اساليب تراثية وحكايات شهرزاد، وترافعت الرواية
عن عدم اشعار القارئ بان الكاتب يستعرض معلوماته الثقافية او المعرفية امامه، وقدم
رواية تستند على ارث قديم وفي نفس الوقت منفتحة على الحداثة الاوروبية.
يعتبر اسامة
العيسة القارئ شريكا في العمل ولا يراه متلقيا، وهو بذلك يعتبر نفسه أنه حاول خوض
تجربة جديدة معه - القارئ - "لكي نستكشف معا هذه العوالم الخفية الاجتماعية
والسياسية والاقتصادية والعاطفية بما يخص مجتمع محدد بمستشفى الامراض العقلية
كنموذج للمجتمع الفلسطيني".
لكن في
المقابل، قدم اسامة العيسة في روايته، اعتذارا للقارئ كونه لم يتطرق إلى الكثير من
المواضيع، لأن الراوي اذا كشف عن تلك المواضيع فإنه يتعرض لاخطار معينة، وأنه لم
يتمكن من عرض جميع روايات المجانين السياسية والاجتماعية والعاطفية، وفي هذا اشارة
إلى بعض المحاذير التي واجهت الكاتب ولم يستطع تجاوزها رغم الجرأة الكبيرة والطرح
الجديد الذي قُدم في الرواية.
الفوز بجائز
"الشيخ زايد للكتاب" هو أكبر تكريم ومكافأة للعيسة، وخصوصا بعدما وصفت
لجنة التحكيم "مجانين بيت لحم" بانها تحمل عملا جديدا أخذ الرواية
الفلسطينية والعربية إلى آفاق جديدة، ويتتبع تغييراته من خلال موضوع الجنون الذي
احتفى به العمل وصوره على نحو يؤرخ لحقبة فكرية في العالم العربي، وهو عمل يستلهم أساليب
السرد التراثية، فضلا عن أنه يستفيد من وسائل تقنيات السرد المعاصرة ويمزج مزجاً
إبداعياً بين التاريخ والتحقيق الصحفي، وبين الواقعي والغرائبي، وتظهر الشخصيات
على نحو ثري والحكايات الفرعية متناغمة مع الحكاية الأم.
"انا
اجتهدت وحاولت تقديم شيء جديد، وأرى أن هناك من قرأ لي وفهمني، أنا اقدر هذا العمل
عاليا وهذا يحفزني إلى أن اقدم اشياء جديدة في أي عمل جديد قادم وأن يكون مغامرة
في الشكل والمضمون".
اضحت رواية
"مجانين بيت لحم" تكتسب مكانة عربية مرموقة، وجذبت اضواء وسائل الاعلام
والكتاب والنقاد ومحبي القراءة إلى البحث عنها الغوص في محتواها، لكن حجم الاهتمام
الاعلامي كما يقول العيسة "اربكني وتلقيت دعوات كثيرة للمشاركة في فعاليات
ثقافية من عدة دولة ومنظمات ومؤسسات ثقافية خصوصا عربية".
على الرغم من
تربعه على رأس قائمة كتاب الرواية الحديثة، لكن ذلك لم يمنع العيسة من طرح اعمال
روائية وثقافية جديدة، وهو ما أكده بوجود عدة اعمال ثقافية وادبية جاهزة للطرح في
عالم صناعة الثقافة والابداع الفكري، سيتم اصدارها في الفترة القادمة ومن بينها
رواية "مجنون ابورقيبة" ورواية "وردة اريحا" التي وضع اللمسات
الاخيرة عليها ومعدة للنشر.
يكشف اسامة
العيسة في حواره الخاص مع القدس دوت كوم، عن بعض تفاصيل روايته القادمة "وردة
اريحا"، التي ستكون حسب ما يقول "اختبارا للتقاليد والعادات في ريف
القدس الجنوبي وتحديدا في النصف الأول من القرن العشرين من خلال التركيز على قديس
شهير "الخضر الاخضر" والسيدة مريم العذراء".
ويعرض العيسة
كل شيء عن القديس "الخضر الاخضر"، حيث أنه سار على خطاه خطوة بخطوة، من
اجل جمع القصص والاساطير التي تتعلق بهذه القصة، مضيفا "حاولت ان اقدم ملحمة
مكانية جديدة حول الريف الجنوبي للقدس في فترة حاسمة من قبل نهاية العهد العثماني
وصولا إلى عهد النكبة الفلسطينية".
لا يؤمن
العيسة بمقولة (لا كرامة لنبي في وطنه)، فقد قال حين سألته القدس دوت كوم، عن حجم
التقصير المحلي بالادباء والمفكرين والروائيين وغيرهم من المثقفين الفلسطينيين،
"نحن في واقع مؤسف، ليس لدينا صحافة ثقافية متخصصة ولا يوجد لدينا محررون
متخصصون في الثقافة والكتابة عن الادب وليس لدينا مأسسة في الثقافة والكثير من
الاعمال الثقافية والادبية تخضع الى حد كبير لمبادرات شخصية من الصحفيين، لكن
التكريم العربي والاقليمي يلفت انتباه القارئ المحلي".
يحلم اسامة
العيسة في أن يصبح الكتاب كالرغيف وأن تصبح الثقافة هما رئيسيا في المجتمع
الفلسطيني، "اعتقد ان الثقافة ومبدعينا ومثقفينا يستطيعون أن يلعبوا دورا
مهما في بناء ورفعة الوطن والمواطن، الثقافة تخدم القضية في الخارج اكثر بكثير من
ما يعمله السياسيين في الوقت الحالي".
ويختتم
"ليس لدينا جبهة سوى النضال الثقافي وهذا ما يجب ان نسلط الضوء عليه وانا
شخصيا شعرت بأهمية ذلك من خلال الاهتمام الجماهيري بعد فوزي بالجائزة وهو ما
يدفعنا إلى تقديم انفسنا إلى العالم من جديد لكن عبر الثقافة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق