تفكك قصص "رسول الإله إلى الحبيبة"، من خلال قصص وأحداث فلسطينية، الواقع وتضعه أمامنا متجردًا من عبثيته، وتعطي لكل حدث تاريخي قيمة عبر أنسنته، وإسقاطه على أشخاص قد يكونوا حقيقيين في مكانٍ ما.
في كل صفحة من الكتاب يقترب القارئ من الشمس، فيرى ظله يختفي من أمامه، فتظهر فلسطينيته وحدها مقابل تلك الأشعة التي تحرق جسده ووجوده بغير ذنب.
تقدم المجموعة القصصية "رسول الإله إلى الحبيبة" الصادرة عن دار الفسائل في القدس، ثمانية عشرة قصة قصيرة بين طياتها، وعلى مسافة أشهر من العام 2017 تبدو وكأنها تعرض لذكريات تعد بالزمن الآتي، وقد جاءت القصص القصيرة في المجموعة محملة بذاك النفس الروائي الواحد، فتلمح في كل قصة من القصص ذلك البطل الخفي الذي ينتقل من قصة إلى أخرى، حاملاً صوت الكاتب ورؤيته وبصمته وثقافته، ودفقه المعرفي، فيطل الكاتب مساندا شخوصه، مساندا الحدث الدرامي، محولا الحدث من حدث اللحظة إلى تأريخ الحديث .
كم يبدو شاقا أن تكون رسولاً محملا بأكثر من عبئك الشخصي الفردي! يحاول الكاتب اسامة العيسة أن يجعل من النص في جزئية ما مرجعا تاريخيا محايدا، إذ يحرص على أن يروي قصص أبطاله من زاوية راوٍ ثالث جزئي أو كلي المعرفة أحيانا، سمع الحكاية من صاحبها تارة، أو تواترت إليه من تمتمات المحيطين محققا في زاوية أخرى في كل راو ثالث صورة لرسول يحمل رسالته وينقلها لآخرين وأخريات.
إن استخدام هذه التقنية جعل النص غنيا بالمعرفة والمعلومات التوثيقية، إلا أنه حرم شخوص العمل الأدبي من النمو والتطور، فلم يتسع لهم الورق لنلمس تفاصيلهم، أو لنسمعهم يرووا إحساسهم، نراهم نجسدهم أكثر من احتكاك حبر بورق، فنستطيع أن نتبين رؤيتهم، ونتبناها أحيانا، ونميل إليهم بعض الميل.
جغرافية واحدة وقلق متجدد
يعرض الكاتب في صفحات قصصه لعددٍ من الأحداث المتداخلة والتغيرات المتصلة بالواقع السياسي الفلسطيني، إذ يتحدث تارة عن بدايات تشكيل السلطة الوطنية، وطبيعة عمل الأجهزة الأمنية ومؤسسات السلطة، كما يعرض لاستعدادات المؤسسة الأمنية لاستقبال البابا في بيت لحم ، وزيارته وصلاته بمحاذاة الجدار لروح السلام، وفي زمن آخر يقلب تاريخ النضال الفلسطيني إبان الانتفاضة الشعبية المجيدة، إذ تتبع الكفاح المسلح ، وكيف بدأت الثورة تأكل نفسها، ضمن ما أورده الكاتب عن سلوك المقاومين وحيثيات التحقيق الذي كانت تتم مع بعض الأشخاص، إضافة إلى حديثه عن تلك المفاتيح التي تعيد سيدة أرملة بوشاح أبيض تطوف به بعد نزولها من الجبل، وكأن الكاتب يهمس دون أن يصرح تماما أن الوطن مساحة لا تتغير، يمر فوقها الزمن، تتغير تسمياتها، أبنيتها، وهم ذات رجالها لكنهم وبفعل كل التغيرات عدلوا بعض الشيء على اطلالتهم فباتوا يغرقون أنفسهم ببعض العطر والياقات العالية.
تاريخ آخر يكتبه البسطاء
التاريخ الفلسطيني الحديث كان الشخصية المركزية التي تجوب في كل القصص، وفي الوقت الذي تروي فيه كتب التاريخ وسجلاته روايات منمقة تجمل فيها السادة، وتتغنى ببعض القادة، وتغمض عينها عن كثير من الأحداث والهفوات، فإن الكاتب يجد أسلوبا آخر يروي فيه فلسطين الحديثة ، ففي قصة "بين القدسين" نلمح أحلام لاجئ بسيط بالولوج إلى بلاد الفردوس المفقود، ونتتبع خطوات مجنون جبع يحدثنا عن خريطة أخرى لا نراها، ونسمع صوت السجناء من روح المعتقلات، وليس من على منصات الاعتصام، ولم تكن بقرة بني إسرائيل، ولكنها كانت تلك التي عبرت المسافة بين مستحيلين كلاهما وطن، ونرى بعبورها ذلك القلق والارتباك الذي تعيشه فلسطين وأجهزتها ومؤسساتها لتنسق الوقت في محاولة مضنية للبقاء.
يقول رسول الإله إلى الحبية: "لا يمكن أن تعيشي دون أن يدوسك الوقت مرارا وأنت تعي بعجز وصمت كل تلك الخيبات فهنا.. أنت فلسطين".
http://www.qabaqaosayn.com/content/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A2%D8%AE%D8%B1-%D9%8A%D9%83%D8%AA%D8%A8%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B3%D8%B7%D8%A7%D8%A1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق