أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 23 نوفمبر 2016

قوى الثورة الثقافية المضادة..!




اعتقد عالم الاجتماع الإسرائيلي المرموق الراحل باروخ كيمبرلغ، الذي كتب تاريخنا وتاريخهم (يا ليت لو يدرسون كتابه "الفلسطينيون صيرورة شعب" بدلا من هذر المناهج)، بان انتصار العصابات الصهيونية عام 1948، هو في الواقع نتيجة انتصار مدينة تل أبيب على مدينة يافا.

في صحف فلسطين ثلاثينات القرن العشرين، يمكن أن نعرف عن نشاطات رئيس بلدية تل أبيب ديزنكوف، من خلال ردود الفعل الفلسطينية، ومثالها خطابات رئيس بلدية نابلس الطويلة، التي تتحول، في الأيام والأسابيع اللاحقة، إلى موضوع للإشادة البروباغندية، على طريقة المبايعات، ولا يهم مضامينها.
الصحف التي كانت تصدر في يافا، مارست أعلى درجات البروباغندا بحق تل أبيب، وتوسعت وهي تصف الجوعى اليهود، خلال الإضراب التاريخي، يهربون من تل أبيب إلى يافا لتناول الطعام، الذي يقدمه الفلسطينيون بكل مشاعر الكرم العربية.
ولكن ما حدث لاحقا، أصبح معروفا، وهُزمت يافا العريقة أمام الحي اليهودي الذي بُني على أراضيها وتحول إلى تل أبيب، ومن متحفها أعلن بن غوريون إقامة دولتهم. هذه الهزيمة المدينية، وهي أكثر من هزيمة رمزية، يبدو انها لم تعوض، ولم يفكر أحد، بمحاولة ترميمها. أكتب ذلك، كشاهد على بدايات تأسيس بيروقراطية ثقافية تحت الاحتلال. وعلى الشعارات الداعشية التي تعلق، على أعمدة الكهرباء والهواتف، في القرى العربية حول القدس، في ردة مدينية لا تُصدق.
وربما الأخطر، التردي الذي لا يمكن وصفه في ثقافة المجتمع الفلسطيني، انه لم يتم تأسيس دار نشر خاصة برأس مال وطني فلسطيني (دعونا من الادعاءات الكاذبة للناشرين الفلسطينيين) تضاهي مثلا الإسرائيلية.
خلال سنوات عملية السلام الطويلة، لم تُقدم رسالة ثقافية داخلية وللعالم ضمن صناعة ثقافية مدرة للدخل. لم تصدر مثلاً الأعمال الكلاسيكية لصانعي الثقافة الفلسطينية الكبار، ولم تترجم أعمال عزيز ضومط، وتُصَدّر للعالم العربي، ولم تصدر الأعمال الكاملة لإميل حبيبي مثلا، فما زالت مقالاته لم تُجمع، وكذلك مخطوطاته التي لم تنشر.
أين أعمال ادوارد سعيد، وهي تصدر بطبعات شعبية؟لم يتم نشر الأعمال الكاملة لأشهر مثقف فلسطيني (القديس جيروم) (تولت دار نشر لبنانية دينية نشرها).
أين هي السلاسل الاحترافية التي تعبر عن الأجيال الثقافية الفلسطينية المختلفة في القصة والرواية والبحث؟ أين هي الجوائز الأدبية المرموقة، التي تحمل أسماء مبدعينا؟ أين هي الجائزة التي تمنحها فلسطين، لمثقفي العالم (جوائز فلسطين منحها المرحوم محمود درويش لأصدقائه)، مقابل الجائزة التي تمنحها دولة الاحتلال باسم القدس (منحت لكتاب كبار في العالم)؟
قمة الانحطاط، أن يصدر مديرو المؤسسات الثقافية، كتبهم تباعا على حساب الوطن والقضية، مع ان الحس الأخلاقي يتطلب عدم نشر أي من أعمالهم، ما داموا على مقاعدهم.
أين قوة المثال؟
ليس غريبا، أن تستجمع قوى الثورة الثقافية الفلسطينية المضادة نفسها بعد سبات الهزيمة السياسية عام 1993م، ولكن الغريب، هذه الحشود الفيسبوكية التي تصفق لها.
ليس أسوأ من الملوك، إلا من محوا ذاكراتهم..!
ماذا يريد الملكيون أكثر من الملوك من طرحهم أنفسهم ككتّاب ومثقفين، وهم يتداولون صورهم مع شخصيات مراكز القوى، بدلا من نصوصهم؟
شتاء قاس طويل، قد يعقب ربيع الأدب الفلسطيني القصير، الذي تمكن من الإفلات..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق