وكأن
مأبدة غزة، لم تحدث، إلا لتؤكد ما قاله لنا أدورد سعيد ووائل حلاق، ومنير فاشة، وأمهاتنا:
لا يأتي من الغرب ما يسر القلب. ويبدو أن بيننا، من النخب الجاهزة لأية تلويحة من
الغرب، لا تفكر إلَّا باعادة إنتاج نفسها. نرى ذلك بالشهقات حول الحلول السياسية
التي لا تنتهي.
ما
فعله الغرب في غزة، فعلوه بأنفسهم. من بين جميع أنواع الجوع في الحرب العالمية
الثانية، فإنَّ أغرب الحالات وأكثرها إثارة للاهتمام هي الجوع الهولندي. لم يكن
أعظم أو أعنف جوع للسكان المدنيين في الحرب، لكنها كانت حالة فريدة من نوعها، تضور
مليونا شخص جوعًا في هولندا في شتاء 1944 و1945، مات عشرون ألف منهم. تتذكر
الناشطة اليهودية Alma Igra، بمناسبة مجاعة غزة، تلك المجاعة.
تقول:
"لم يرد الهولنديون الموت جوعًا بهدوء، لكن العالم لم يرد أن يسمع. في مرحلة
ما ظهرت الملكة يوهانا، ملكة هولندا، على الهواء في بي بي سي لمخاطبة الجمهور
البريطاني مباشرة ومحاولة تحريضهم على العمل. لم ينجح الأمر. لم تكن المملكة
المتحدة والولايات المتحدة هي التي جوعت هولندا، لم توقف الحلول التكتيكية
المختلفة الجوع. قال البريطانيون عن الهولنديين: إنهم عرق متقدم، إنهم شعب مثقف.
إنهم مثلنا تمامًا. من الأفضل ألا يموتوا جوعًا. ومع ذلك، سُمح لهم بالتضور جوعًا".
أحد
الحلول، التي جُربت، هي إسقاط مساعدات بريطانية من الجو وبشكل لا يمكن مقارنته مع
إسقاطات الطعام القاتلة على متضوري غزة، لكن هذا النوع من الخطط لم يمنع الموت جوعًا.
تلاحظ
ألما: "لم تكن كميات الطعام كافية، ولم توفر البنية التحتية اللازمة للتغذية،
عندما يتضور الإنسان جوعًا يحتاج إلى دعم
طبي، وليس فقط كمية غذاء غير محدودة". تؤكد: "لا يوجد حدث موثق في
التاريخ العسكري للبشرية، يؤكد أن إلقاء الطعام على رؤوس الناس، من السماء، أنقذ
الجوعى. السبب بسيط: الطعام؛ نظام كامل من اللوجستيات والطهي والتبريد والنقل
والتوزيع والصنع. في الغذاء هناك دائما شبكات واسعة من العلاقات البشرية
والتكنولوجية والإيكولوجية (البيئية). الطعام في جوهره ليس مجرد طعام. دائما نقطة
التقاء بين الاجتماعي والاقتصادي والبيئي"
ماذا
سيفعل من ينجو من الجوعى في غزة، من مصائد القتل، إذا كانوا غير قادرين على الحصول
على مياه نقية، وعلى خبز خبزهم، وانعدام مواقد للطبخ، وافتقاد الكهرباء، والصحون،
والتخطيط لما سيأكلون في اليوم التالي؟
عندما
يُدمر نسيج الحياة، بهجوم وحشي بالقنابل والأمراض وإطلاق النار الجماعي وإبادة
جميع المستشفيات وقتل العاملين بالإغاثة وحرق المنازل وتدميرها، يصبح الحديث عن
إسقاط الطعام لا معنى له. فالطعام وحده لن ينقذ النَّاس.
تؤكد
ألما، أن عمليات إسقاط الطعام على غزة، ستكون فائدتها ضئيلة للغاية للمتضورين جوعًا،
ولكنها قد تفيد من يريدون كسب الوقت. تجويع الغزيين، هو أحد أدوات الحرب بالنسبة
للمحور الإسرائيلي-الأميركي. كما حدث في التجويع الهولندي، بالنسبة للألمان
والبريطانيين.
الصورة:
إسقاط مساعدات على جوعى هولندا.
#غزة
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق