يصلح مقام
الخضر، في منطقة بيت عمرة، غرب يطا، لان يكون نموذجا للتدمير الذي تتعرض له معالم
التدين الشعبي في فلسطين.
يمكن رؤية
بقايا المقام، المدمر، الذي يبعد نحو 3 كلم عن مركز مدينة يطا، في موقع استراتيجي،
في المنطقة التي أصبحت غنية بالمحاجر الكثيرة، التي تستخرج منها أنواع عديدة من
الحجارة، لتشكل اقتصادا جديدا في المنطقة، لم يكن معروفا على الأقل، في الزمن الذي
زارها فيه الرحالة السوري نعمان القساطلي الذي عمل مع صندوق استكشاف فلسطين
البريطاني.
ذكر القساطلي،
في كتابه (الروضة النعمانية)، بانه يوم 24 تشرين الأوّل عام 1874، زار المنطقة، وقدم
وصفا نابضا بالحياة لخربة أم العمد التي يقع
مقام الخضر في سفحها، ورسم الأعمدة القديمة التي كانت في الخربة وما اعتبره
كنيسة وديرا، واستنتج بان المسيحيين الأوائل أطلقوا على الدير اسم القديس
جاورجيوس، بسبب: "وجود مقام صغير في سفح ذلك التل المبنية فيه هذه المحلة
الخربة على اسم الخضر، وبلا شك ان هذا القديس يسميه المسلمون بالخضر وهم لما عمروا
مقامهم الصغير أخذوا اسمه من اسم الدير، ومع تمادي الأيام نسي من بينهم اسم الدير
المذكور وسموا هذه الخربة بأم العمد لوجود ثلاثة عواميد بها واقفة تماما، ومغطاة
بحجرين كبيرين".
يقدم وصفا
للمقام بلغته، كما جاء في كتابه الذي صدر بأكثر من تحقيق: "صغير للغاية ومربع
الشكل، وطول كل خط من خطوطه مربعة خمسة أذرع ونصف، وارتفاعه نحو أربعة أذرع ونصف،
وهو مبني من حجارة صغيرة، وعندما يصير وباء في ماعز وأغنام القرى المجاورة له، يأتي
الرعاة بالأغنام إلى هذا المقام، وبعد ذلك يأخذون جديا صحيحا، ويقدمونه ذبيحة
هناك، ولا شك بان هذه العادة غريبة في هذا الزمان".
حقق كتاب القساطلي
(الروضة النعمانية في سياحة فلسطين وبعض البلدان الشامية) الباحث تيسير خلف، وصدر
الكتاب أيضا بتحقيق الدكاترة: شوكت رمضان حجة، وعماد البشتاوي، ومحمد العلامي من
جامعة الخليل.
وحسب بعض
المصادر، فان الأعمدة، في خربة أم العمد، ظلت موجودة حتى نهاية أربعينات القرن
الماضي، قبل أن تهدم، وتدمر، من قبل الباحثين عن الكنوز.
مواطن يعمل في
أحد المحاجر، وهو من سكان المنطقة، عزا هدم مقام الخضر، لأسباب دينية، مشيرا إلى
عدم اعجاب متدينين، بإشعال النساء السرج فيه، وتقديم النذور، ودهنه بالحناء،
واعتبار ذلك شركا. وذكر هذا المواطن، الذي فضل عدم ذكر اسمه، بانه وجدت قرب المقام
شجرة معمرة، لم يتمكن من تحديدها، ولكنه يرجح بانه شجرة زعرور، معالمها اختفت
تماما.
ومن المعروف،
ارتباط المقامات في فلسطين بالأشجار، التي تنسب للأولياء الذين تحمل المقامات
اسمائهم، وتستمد قدسيتها من قدسية المكان والولي.
مواطن اخر،
قال، بان الباحثين عن الكنوز والآثار، هم الذين هدموا المقام، علهم يجدوا ذهبا، أو
قطعا اثرية يمكن بيعها.
الشيخ أبو
عوض، وهو رجل مسن، يسكن في منطقة بيت عمرة، التقيته وهو يرعى أغنامه، قال بان
المقام هُدم ليلا، لاستخدام حجارته من قبل المتسببين بفعل الهدم.
أبو عوض
التسعيني، يذكر، ارتباط المقام، ببعض التقاليد الشعبية، مثل خميس الأموات أو خميس
البيض، الذي يصادف الخميس الثاني من شهر نيسان، وبما يعرف بالجمعة الطويلة، مشيرا
إلى ان البعض كان ينحر خروفا أو ماعزا في المقام ايفاءًا لنذر، وتشعل النساء شموعا
أيام الجمع في المقام.
أخر وصف
للمقام قبل هدمه نجده لدى الباحثة نجاح أبو سارة في كتابها عن الزوايا والمقامات
في محافظة الخليل: "لدى زيارة المكان وجدنا فيه حجرة يبلغ طولها حوالي الستة أمتار
وعرضها حوالي الخمسة أمتار من الخارج، تعلوه قبة يتأرجح طرازها بين الدائري
والمخروطي، وقد بُني البناء بحجارة مختلفة الأحجام مع المونة، وبابه يفضي إلى
الناحية الشمالية، وليس له نوافذ، ويعتقد به الناس كمزار للتيمن والدعاء والنذور
وتقدمة البخور، ومن الأعمال التي يقوم بها الزائرون للمكان وضع الأعلام فيأتون
بقطع من القماش تربط بعيدان ثم توضع أكوام من الحجارة ترص بعضها فوق بعض حول
المشهد، ويبدو انه كان يضاء بالشموع وما زال حسب الأحوال المختلفة".
وتستند أبو
سارة الى ما ذكره الدكتور رشدي الأشهب في كتابه: (الحكايات والأساطير الشعبية في
منطقة الخليل)، حول بناء المقام: "يروى ان بناء هذا المقام كان منذ ما يزيد
على المئة عام، وان بانيه شيخ تقي من أبناء القرية رأى في منامه الخضر عليه
السلام، الذي طلب منه ان يخصص زكاة ماله لبناء مقام له، وانه اراه ذلك الموضع
واخبره أنه مر به غير مرة ونام فيه، فنفذ الرجل طلب الخضر عليه السلام".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق