خلال شهر أيار، قرأت خمس روايات حياة معلقة,
للفلسطيني عاطف أبو سيف، شوق الدرويش, للسوداني حمور زيادة, مجانين بيت لحم,
للفلسطيني أسامة العيسة, الطلياني, للتونسي شكري المبخوت, فئران أمي حصة, للكويتي
سعود السنعوسي.
تعرفت
من خلالها على حيوات عرب يعيشون في الخليج العربي، بلاد الشام, وادي النيل, شمال
افريقيا. القاسم المشترك بينها جميعا هو همّ الحرية والبحث عن الحياة العادية
الخالية من الدم والصراع المودي الى الموت. كشف الفلسطينيان عن معاناة أبناء الشعب
الفلسطيني المستمرة في الضفة والقطاع الناجمة عن الاحتلال الاسرائيلي, وعرض
السوداني لأوجاع أبناء وادي النيل بسبب الاستعمار البريطاني وانتشار الاسطورة
والخرافة والصراع الديني والطائفي في حقبة تاريخية سبقت استقلال السودان عن مصر
المستعمرة من قبل البريطانيين، لكنه يذكر بالواقع الحالي الذي لا يخلو من فظاعة
الصراع الطائفي والديني، أما التونسي, فقد استخدم المناضل اليساري وحبيبته الاكثر
تطرفا لاستعراض تاريخ تونس الحديث بما فيه من توق إلى التخلص من موروث سياسي
واجتماعي صعب أعاق التطور باتجاه حياة سعيدة لشعب سعى إليها طويلا، لكن الكويتي,
كان الأكثر تشاؤما في استعراض تاريخي لحياة الكويتيين الموبوءة بالطائفية والصراع
الدامي المدمر لنسيج المجتمع المنقسم طائفيا والذي يتوحد لسنوات قليلة في مواجهة
الغزو الخارجي لكنه يعود لينفجر من داخله من خلال تصوير واقعي لخطر الاصطفاف الى
أحد فريقين, النواصب أو الروافض, في انعكاس للواقع العربي خاصة في دول الخليج
والعراق وبلاد الشام.
الروايات
الخمس موجعة من حيث النتيجة, حافلة بالمعرفة, ضنينة بالمتعة, فكل منها تتفوق على
الأخرى بفن عرض الصراع وإجبار الشخصيات على تحمل اسقاط مؤلفيها لرؤى كل منهم
السياسية أو الفكرية والإيديولوجية. تتحرك الشخوص في فضاء كل عمل لتنقل الألم
وأحيانا تدفع باتجاه اليأس من كل القوى الفاعلة والمؤثرة في الحياة العامة.
يعرض
المؤلفون الواقع بأبشع صوره بأساليب سرد وتقنيات مختلفة, كلها بالضرورة روايات
موضوع, تنتمي بالتأكيد الى الواقعية النقدية, التي تصور الواقع من أجل تغييره. لم
أشعر أن أيّ من هذه الروايات قد نجحت بإحداث توازن مقبول ما بين الشكل والمضمون,
ما بين متعة القراءة وما بين التفكر بالأحوال المطلوب فهمها واستنباط أساليب
تغييرها.
منذ
زمن ونحن لا نقرأ إلا روايات يطغى فيها السياسي على الفني. حتى الروايات العربية
التي جنح مؤلفوها إلى مواضيع حياتية أخرى, أفسدوها بالتطرف في التعرض لحياة الجسد
الجنسية أو التساؤل الفج عن مسائل ذات علاقة بالعقائد الدينية. لم ينجح الروائيون
الخمسة، والذين فازوا جميعا بجوائز مهمة, في تقديم أعمال فنية تثير في نفس المتلقي
بعض المتعة أو البهجة أو حتى الأمل بتجاوز الواقع الموجع إلى حال أفضل.
فلسطين
حاضرة في الروايات الخمس, مقاومة في واحدة, ومهشمة بذاكرة مجانينها في اخرى,
وخائفة من نتيجة استدعاء الديني الأسطوري لمقاومة الاحتلال كما في السودان, فضاع
معظمه دون انتصار، ومستقرة في وجدان التوانسة وأبناء المغرب العربي من خلال
استذكار حركات وأفكار إيديولوجية ومسار شخصيات استندت إلى تجربة فصائل المقاومة
الفلسطينية, وكره وحقد نتيجة سوء فهم الموقف السياسي للقيادة الفلسطينية دفع ثمنه
الفلسطينيون غاليا.
روايات
خمس لكتاب عرب من مناطق جغرافية مختلفة ومشارب فكرية متعددة أغنت معرفتي الجغرافية
والتاريخية والسياسية والاجتماعية، لكنها للأسف فشلت في تحقيق متعة القراءة التي
يحتاجها الانسان للابتعاد قليلا عن بؤس الواقع وكأن المطلوب من الكتاب العرب
للحصول على الاهتمام أن يوغلوا في جلد الذات ودفع المواطن العربي الى اليأس أكثر
وإلى تراجع الاحلام في الحرية والاستقلال لأن الصراع الداخلي الذي يستعيد التاريخ
السحيق غير التليد أصبح يطغى على مسيرة حياة العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق