رام
الله: يوسف الشايب
قد
يكون ما قاله الروائي الفلسطيني أسامة العيسة، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ما
ينقلنا مباشرة إلى جوهر الموضوع. الكتاب والكاتب والنشر في فلسطين. فقد بدأ العيسة
الذي فازت روايته «مجانين بيت لحم» بجائزة الشيخ زايد أخيرا، حديثه بمقدمة تاريخية
للحصار الذي تفرضه سلطات الاحتلال الإسرائيلي على دخول الكتب من الدول العربية إلى
فلسطين. مما دفع العديد من المبدعين: روائيين، وشعراء، وكتاب قصة، وباحثين إلى
النشر خارج فلسطين، بغية كسر الحصار، وسعيا وراء الانتشار عربيًا. ففي سبعينات
وثمانينات القرن الماضي، فرضت سلطات الاحتلال حصارا ثقافيا يمكن أن نصفه
بـ«الحديدي» على من صمد في الأرض التي احتلتها إسرائيل عام 1967، في 6 ساعات، كما
قال العيسة: «يمكن أن نعجب الآن أو نسخر من حجم الكتب التي كانت ممنوعة. يكفي أن
نعلم بأن أي كتاب صدر في بلد عربي، كان ممنوعا من الدخول إلى الأرض المحتلة، بغض
النظر عن كاتبه ونوعه (باعتبار أن البلدان العربية في حالة حرب مع دولة
الاحتلال)».
وفي
ظل ذلك الحصار، كانت النافذة التي فتحها المثقفون الفلسطينيون في أراضي 1948، تشكل
متنفسا للكتاب في الأراضي المحتلة عام 1967، من خلال مجلات مثل «الجديد»، و«الغد»،
وصحيفة «الاتحاد»، ومكتبات تستورد الكتب من الخارج، مثل «مكتبة كل شيء» في حيفا،
و«المكتبة الشعبية» في الناصرة.
وكان
دخول الصحف والمجلات المشار إليها إلى الأراضي المحتلة عام 1967، يضع «مهرِّبها»
تحت طائلة العقاب وفق قوانين الاحتلال.
وعلى
الرغم من هذا الحصار الثقافي القاسي، فإن مثقفي فلسطين تمكنوا من مواجهته، بشكل
يبدو مقارنة مع الوضع الراهن أقرب إلى الإعجاز. فقد تأسست دور نشر مثل «دار صلاح
الدين» في القدس، لصاحبيها إلياس نصر الله، وتوفيق أبو رحمة، و«منشورات الأسوار»
في عكا لصاحبها يعقوب حجازي، وغيرها. وصدرت مجلات ثقافية متخصصة مثل «البيادر»،
و«الكاتب»، وغيرهما، وهي التي حققت رواجا، وقدمت أسماء أدبية لامعة.
وقال
العيسة لـ«الشرق الأوسط»: «أتذكر أن الناس في الأرض المحتلة كانت تقرأ، وتناقش،
وتعقد الندوات الأدبية والسياسية في الأماكن المتاحة، مثل النقابات، ومكتبات
البلديات. ولم يكن يخلو الأمر من اقتحامات لقوات الاحتلال لفض مثل هذه الندوات أو
منعها».
بعد
الاتفاقيات الثنائية بين مصر ودولة الاحتلال، حدث ثقب في الحصار الثقافي، إذ سُمح
بتوزيع الصحف المصرية في الأرض المحتلة، لكن المثقفين بشكل عام لم يتحمسوا للإقبال
عليها، لأسباب سياسية، على الأقل في السنوات الأولى لنشأة علاقات ثنائية مصرية -
إسرائيلية. وحدث أن هُدمت أكشاك بيع الصحف المصرية، في بعض المدن الفلسطينية، وجرى
حرقها، كتعبير عن الرفض الشعبي العارم آنذاك، ضد خروج مصر من الصف العربي.. ويمكن
فهم ذلك، فقط، ضمن الأجواء التي كانت سائدة آنذاك، على حد قول العيسة.
إلا
أن الحركة الثقافية التي صمدت في وجه الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته التعسفية، لم
تتمكن بعد اتفاق أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية، من تأسيس أدبيات ثقافية. بل إن
المجلات الثقافية التي صدرت عن وزارة الثقافة الفلسطينية، أو التي تتلقى دعما من
السلطة، لم تتمكن من الصمود. فقد «أصبح المزاج الثقافي العام لدى الناس مختلفا».
وعلى
الرغم من التوقعات التي سادت آنذاك، بأن يبادر «رأس المال» الثقافي، إن جاز
التعبير، إلى الاستثمار في تأسيس دور نشر، فإن ذلك لم يحدث. ولم يظهر إلى السطح،
غير أولئك التجار الذي يقبضون أموالا لينشروا من دون تخطيط، وبهدف واحد هو الربح.
وكان شعارهم «يكفي الكاتب مجده المعنوي»، أما الناشر، فله «المجد المادي».
تفاصيل:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق