أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 3 يونيو 2015

في حب توفيق زيّاد وفلسطين..!



فُتن محمد عبد القوي (70) عاما، بقصائد شاعر المقاومة الراحل توفيق زيّاد، منذ أن قرأ له مُنتخبًا من قصيدة (هنا باقون) باللغة الإنجليزية.

عبد القوي بريطاني، من أصل هندي، ملتزم بقضايا الانسان الفلسطيني. يأتي إلى فلسطين بشكل دوري، يقدم الدعم المالي لطلبة في الجامعات الفلسطينية، من "تحويشة العمر"، التي وفرّها خلال عمله في دولة الإمارات العربية، وبريطانيا التي كانت عظمى، عندما كانت تحتل بلاده العظمى وبلادي التي تركتها الاحتلالات المتعاقبة دون عظم.

يقدم أيّضا، للطلبة، دعما "عينيا"، بشرائه نسخاً من كتاب يعجبه، ويوزعه على الطلبة، وهو ما حدث مع روايتي (مجانين بيت لحم). وهو شغوف بأغلفة الكتب، وخبير بأنواع الورق، وَرِقي الطباعة، وفي بهو نُزله، في بيت ساحور، يمكن أن يتحمس، وهو الهادىء الطباع، وهو يقارن، مثلا، بين أغلفة متعددة لكتاب (النبي) لجبران خليل جبران، قبل أن يعبر عن أسفه، في عدم نجاح دار نشر عربية، بنشر مثل هذا الكتاب، بما يليق بمكانة صاحبه، بعكس ما حدث مع طبعات بلغات أخرى، من بينها العبرية.

وخلال العامين الماضيين، أقام عبد القوي، الذي يُطلق عليه الأصدقاء اسم (kave)، فترات طويلة في فلسطين، ويذهب إلى بريطانيا فترات محدودة ليعود إلى مدينة بيت ساحور، ومنها يتحرك إلى باقي المدن الفلسطينية، مثل القدس، والخليل، ورام الله، وغيرها. إضافة إلى بؤر الأحداث والمناسبات الفلسطينية الكثيرة، ففي ذكرى مجزرة قرية دير ياسين، مثلا، نشرت صحف عالمية صورا له وهو في القرية يحمل شعارات منددة بالمجزرة.

يسير بمساعدة عصاه التي تتحول إلى كرسيٍّ صغير يمكن أن يستريح عليه، ليعمل بصمت في خدمة قضايا فلسطينية كثيرة، وهو مطلع على الكثير من هموم الانسان الفلسطيني، كالفساد الاداري في بعض المؤسسات. ووجه رسائل لمسؤولين محليين، لافتا نظرهم إلى قضايا معينة، تهم المواطن الفلسطيني، ولكنه لم يتلق اجابات..!

عبد القوي، مضياف، يبدو متألقا، عندما يعد، العشاء، والحلوى، على طريقته، لأصدقاء من مختلف الجنسيات، ويرفض الكشف عن سر البهارات التي يضمنها الطعام، مكتفيا بالإشارة، بزهو، انها بهارات هندية، يحرص على جلبها معه، خلال سفراته.

عمل عبد القوي، على ترجمة قصيدة توفيق زيّاد (هنا باقون) إلى اللغة الانجليزية، مستعينا بخدمات جوجل، ولكنها، كما هو متوقع ترجمة غير مهنية، وبدت ليّ مضحكة، عندما عرضها عليّ، وفي النهاية توصل إلى ترجمة مقبولة، وأصبحت القصيدة هاجسه لإيصالها إلى أكبر عدد من الناس، خصوصا زوار فلسطين من الأجانب. ومناسبات العشاء، هي أيّضا مناسبات لتوزيع القصيدة، باللغتين العربية والإنجليزية، عليهم.

أنجز مؤخرا، لوحات من السيراميك عليها مقطع من القصيدة باللغتين العربية والانجليزية، في مصنع للسيراميك في الخليل، وعن ذلك يقول: "أنجزت خمس لوحات كُتب عليها العبارات التي أكثر ما شدتني في قصيدة توفيق زيّاد، لتوضع في متحف التاريخ الطبيعي في بيت لحم، وجامعة القدس في أبو ديس، وجامعة بير زيت، ومدرسة الفرندز في البيره، وجامعة بيت لحم".

التقيته مصادفة، في الخليل، في مكتبة دنديس العريقة والضخمة، خلال متابعته لإنجاز اللوحات السيراميكية، و"ضبطته" وهو يتابع، هوايته في تحسس أغلفة الكتب، ومتابعة الجديد في عالم النشر بالعربية، التي لا يجيدها.

لم يكتف عبد القوي، بذلك، فانخرط في مشروع آخر لإنجاز 20 لوحة سيراميك من الحجم الصغير عليها لتوضع في أماكن مختلفة، ويقول بانه خاطب مسؤولي المؤسسات المقترح وضع هذه اللوحات بها.

والمقطع الذي كُتب على اللوحات:

كأننا عشرون مستحيل

 في اللد, والرملة, والجليل

 هنا.. على صدوركم, باقون كالجدار

 وفي حلوقكم

 كقطعة الزجاج, كالصبار

 وفي عيونكم

 زوبعة من نار

 عندما طلبت التقاط صورا له، كما يحدث في أحيان كثيرة، كان ينظر عبد القوي إلى إحدى اللوحات التي يحملها، وهو يتحدث مع فتاة أجنبية في ساحة المهد متحدثا بتأثر عن قوة المعنى في جمل مثل "في حلوقكم كقطعة الزجاج, كالصبار" و"وفي عيونكم، زوبعة من نار".

 "مشاريع" عبد القوي، مع قصيدة توفيق زيّاد، يبدو ان لا نهاية له. اتصل بي، وقال لي بانه يحمل لوحات خُط عليها المقطع المحبب له، ويريد ان يقدمها لمؤسسة في مخيم الدهيشة، ليشعر الشباب دائما بقوة المعاني خلف الكلمات الشعرية. انتظرته على شارع القدس-الخليل، ليستضيفه في مؤسسة ابداع، مديرها خالد الصيفي، والكاتب صالح أبو لبن، وغيرهم من أبناء المؤسسة الناشطة، الذين حرصوا على التقاط الصور معه، وخلفيتها كلمات توفيق زيّاد، على إحدى اللوحات التي قدمها للمؤسسة.

يعتقد أصدقاء لعبد القوي، بانه نموذج للمثقف العضوي، صاحب القضية، أو القضايا، الذي انحاز إلى آلام الناس وعلى المستوى الشخصي، فانه الانسان الاخلاقي.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق