عكاشة المنسي في القدس المنسية

في القدس الجديدة، القسم الذي اصبح يعرف بالقدس الغربية، بعد النكبة، يقع مقام (النبي عكاشة)، وبجواره قبة تاريخية قديمة تعرف باسم (القيمرية).

وتتفق المصادر المختلفة، بان (النبي عكاشة) صاحب المقام-المسجد، هو الصحابي عكاشة بن محصن، وان الضريح داخله ينسب له، دون تأكيد تاريخي حول صاحب الضريح.

وكتب الدكتور توفيق كنعان عن هذا المقام في عشرينيات القرن العشرين: «وعلى الرغم من ان عكاشة، وهو احد الصحابة، لم يمت في القدس، فان لمزاره هنا ضريح، ويقال انه ظهر لشخص يصلي، في هذه البقعة، وامره بان يبني له مقاما».

مسجد النبي عكاشة، اصبح الآن، معزولا، داخل الحي اليهودي مئة شعاريم، ومهملا، وبجانبه أُقيمت حديقة للأطفال، وخلفه تتناثر النفايات.

في زمن الانتداب البريطاني، كان المسجد مثار اهتمام الفلسطينيين، كما نفهم مما ذكره الدكتور كنعان: «في بعض الاوقات يذهب الانسان المصاب بكرب شديد الى المزار ويصلي ويرجو العون، ويعلن نذرا ويكتبه على جدار المقام مقيدا نفسه بالتنفيذ ومذكرا الولي بكتابته».

ويقول كنعان، بانه وجد الكتابة التالية في مقام عكاشة: «يا سيدي عكاشة..اذا احمد بن خديجة بن زكريا طلع من السجن لأجيب لك ثلاث اواق زيت (750 غم) وسآتي لزيارتك، اصلي لله، يا سيدي».

ولا نعرف اذا كان ابن خديجة هذا خرج من السجن فعلا، ام لا، ويكون من المقاومين الذين اعتقلوا في سجون الانتداب، ولكننا نستطيع الجزم، بانه لم يخطر لصاحب النذر حتى في أسوأ كوابيسه، ان يأتي يوم يصبح فيه عكاشة نفسه سجينا لدى اسرائيل، وتمنع المواطنين من تعميره واستخدامه.

المكان الذي يقع فيه الضريح، كان يطلق عليه (حي النبي عكاشة)، ولكنه اصبح حيا يهوديا، ونسفته العصابات الصهيونية في 27 آب 1929، فأصبح كما يقول عارف العارف: «طللا باليا، وما كان في مقدور القائمين عليه ان يدفعوا عنه الاذى، لأنه قائم وسط الاحياء اليهودية».

وربما يكون العارف، جنح للمبالغة، لان المقام وقبة القيمرية، ما زالا صامدين، رغم كل الظروف الصعبة.

اما القيمرية فكتب عنها الحنبلي: «قبة محكمة البناء بظاهر القدس الشريف من جهة الشمال مما يلي الغرب. نسبتها لجماعة من الشهداء المجاهدين في سبيل الله قبورهم بها». وهم: الامير حسام الدين ابو الحسن بن ابي الفوارس القيمري (ت: 1250م)، والامير ضياء الدين موسى بن ابي الفوارس (ت: 1250م)، والامير حسام الدين بن حسن القيمري (ت: 1262)، والامير ناصر الدين ابن حسن القيمري (ت: 1266م)، والامير ناصر الدين محمد جابر بك احد امراء الطبلخانة بالشام وناظر الحرمين بالقدس الشريف والخليل (ت: 1374م).

في ايار 2003، نفذت سلطة الاثار الاسرائيلية، حفرية انقاذ في موقع المقام والقيمرية، في شارع شتراوس في القدس، ووفقا لتقرير هذه السلطة، فانه تم العثور على فخار يعود الى العصرين الايوبي والمملوكي، ما بين القرنين الثاني عشر والرابع عشر الميلاديين.

واتضح للسلطة، بان اساسات الموقع، تعود للعصر الاموي، اما فيما يتعلق بالقبر داخل المقام، فيعود الى الفترة العثمانية المتأخرة.

ووفقا للتقرير فانه وجد على القبر النقش التالي: «هذا قبر الشيخ عبد الرحمن سعد كمال قشي لروحه الفاتحة سنة 1310 للهجرة»، بالاضافة الى نقش يشير ان القبر هو: «ضريح الصحابي عكاشة».

حسب شهادة كنعان فانه كتب على الضريح: «لا اله الا الله ومحمد رسول الله، هذا ضريح سيدنا عكاشة صاحب رسول الله، لروحه الفاتحة» وسنة ترميم القبر 1380هــ.

مقام عكاشة، حكاية مسجد منسي في القدس الغربية، التي خرجت من المطالب السياسية والحقوقية الفلسطينية، رغم ان كثيرين من سكانها اصبحوا لاجئين، وغير قادرين حتى على القاء النظرة على املاكهم التي بحوزة المستوطنين اليهود، والمطالبة بهذه الاملاك على الاقل، حق تضمنه الشرائع الدولية.