دولة الالفين..!

لا اعرف، حقيقة، كم هي عدد المرات، التي أُعلنت فيها الدولة الفلسطينية، او المرات التي توفرت فيها النية لإعلانها؟..خلال الاسابيع الماضية، ادلى (حظرتنا) بتصريحات عن دولة ايلول، والسبب بان الاصدقاء من الصحافيين، يجدون من السهل عليهم، عندما تطلب منهم وسائل الاعلام التي يعملون بها استطلاعا او تقريرا عن موضوع ما، ان يلجاوا للشخص المتوفر، وفي هذه الحالة المقصود انا، الذي لا اخيب رجاء احد، بل ان الامر امتد، معي، الى موضوع الدولة الواحدة، يا لفرحتي..اصبح لدي الخيار وهجست لنفسي: "ابسط يا ولد..الدول مصطفة امامك كالجواري الحسان، واختار ما تشاء..!، اختار الدولة التي تريد".

اتصل بي الصديق الشاعر ابراهيم وهبة، وسألني اذا كنت مستعدا للحديث في فلم عن الدولة الواحدة، وسلّم السماعة للمخرج الذي عرف نفسه بانه يهودي اسرائيلي، من جماعة (ايلان بابيه)، وبابيه هذا بالنسبة لي يساوي دزينة من الباحثين العرب، طبعا اذا اعتبرنا ان الدزينة تعني عددا من الف الى عشرة الاف، فكتابه عن (التطهير العرقي في فلسطين) غير مسبوق..غير مسبوق، وعندما تلكأت في قرائته، اشترى الصديق حنا مصلح، مخرج الافلام الوثائقية التي تحصد الجوائز، نسخة واهداني اياها، حتى تأكد بانني قرأته..!
عندما اصبحت محاصرا، بموضوع الدولة، خاصة عندما استطلع احد الاصدقاء راي في الموضوع لصالح مجلة (العربي) الثقافية العريقة، شعرت بان الموضوع مهم، مهم كثير، وانا مش منتبه، فلجات الى ملف في ارشيفي يحمل اسم (الدولة الفلسطينية)، وانا اضع في هذا الارشيف الذي تضخم كثيرا وملفاته بالعشرات، معظم ما يصلني من اوراق، وعندما فتحت الارشيف، وجدت ورقة، يبدو انها وصلتني بالفاكس تحمل ترويسة وزارة الاعلام الفلسطينية، ومؤرخة (19-8-2000) ونصها:
"تتشرف رئاسة المؤتمر الوطني للإعلاميين الفلسطينيين لمواكبة اعلان قيام الدولة الفلسطينية، بدعوتكم لحضور المؤتمر الذي تبدا اعماله عند الساعة العاشرة من يوم الخميس 24-8-2000، وذلك في قاعة بلدية البيره".
وتتضمن الدعوة جدولا مصغرا بأعمال المؤتمر.
بصراحة فوجئت.. فوجئت جدا، هل كان هناك نية لإعلان الدولة في اب اللهاب عام 2000؟، وماذا جرى لها؟ لم اعد اذكر الموضوع، وربما السبب ان انتفاضة الاقصى، التي واكبتها من يومها الاول، وكتبت عدة كتب عنها، جعلتني انسى كل شيء تقريبا قبلها.
ولكن هذه الدعوة، التي احتفظت بها في ارشيفي تذكرني، بان اعلان الدولة او النية لإعلانها في ذلك التاريخ، سبقت الفترة الاكثر دموية في تاريخ شعبي، واقصد بالطبع انتفاضة الاقصى، ويا لهها من انتفاضة انتهت بانقسام كارثي، لن يلتئم طوال عقود مقبلة، ولا تصدقوا فتح وحماس في لعبة توم وجيري.
بعد ان قرات هذه الدعوة، كرهت موضوع الدولة، واصبت بالرعب، هل سيكون اعلان دولة ايلول، او التلويح بها مقدمة لمشهد دموي جديد، انا شخصيا لم اعد احتمل ان يذهب ابناء شعبي ضحايا على قرابين السياسة (ويا لها من سياسة)..!
ارجوكم يا ناس انسوا موضوع الدولة وكل الدول، والانتفاضات، وتعالوا نفكر كيف نحافظ على وجودنا على ارضنا، معتمدين على ذاتنا، بعد ان ننبذ كل الفصائل والسلطات وقادة الوهم تجار الدم..!