قبل عام، أكثر
قليلاً، أو أقل قليلاً، أعدم الجنود الفتى نعيم العصا على حاجز مزمورية، وأول أمس
الجمعة، سلم الاحتلال جثمان الطفل رائد ردايدة على حاجز مزمورية، وكأن على
العبيدية أن تتذكر بأنها تُقدم فتيانها بشكل حولي، وموسمي، وفصلي.
حاجز مزمورية، على
شارع التفافي استيطاني افتتح عام 2007م، كان عمر رائد أربع سنوات، يوصل بين القدس
ومستوطنتي "تقواع" و"نوكديم" في الجنوب الشرقي لبيت لحم، واخذ
اسمه من اسم الوزير الإسرائيلي افيغدور ليبرمان الذي يسكن في مستوطنة نكوديم، لا
شك بأن رائد لم يعلم بأن الإرهابي ليبرمان جاره، وربما لم يسمع باسمه.
ولا شك بأن رائد لا
يعرف كثيرًا عن الشوارع الالتفافية الاستيطانية، التي صدمت الناس بعد عار أوسلو
الذي لا يُمحى، عندما تبين أن الاحتلال انسحب من الضفة إلى الضفة، وراق له استخدام
تعبير رآه أكثر لياقة بجيشه الذي لا يقهر: "التموضع"، وبأن شوارعه
الجديدة هي ضمن اتفاقية قبول قيادة الفلسطينيين بسجنهم، ومصادرة أراضيهم.
وضع المحتلون خطة
طوارئ بعد الاتفاقية، تشمل 44 مخططًا لشوارع تنوي دولة الاحتلال إنشائها، وأخرى
أنشأتها. الطول الإجمالي لهذه الشوارع يصل إلى نحو 157 كلم. لم يشأ رائد العيش
ليرى اكتمال الأطواق.
الاحتلال الذي أعدم
العصا، على حاجز مزمورية، أعدم ردايدة يوم الاثنين على حاجز الكونتينر، وكلاهما
بالقرب من العبيدية.
أنتظر والده؛ في
واحدة من الاختبارات المؤلمة التي يمر بها الآباء في حياتهم، وصول جثمان ابنه
الطفل، ورغم تأثره مما رآه على وجه ولده، إلا أنه تماسك، ولم يبدِ أية انفعالات
بوجود جنود ومجندات الاحتلال، وقفوا ينظرون إلى لقاء الأب والابن بأعصابٍ ثلجية.
في العبيدية أُطلق على الشهيد وصف (شهيد
الإضراب الشامل). يحتفظ الفلسطينيون دائمًا بمخزونٍ من الأوصاف والألقاب لا ينضب،
ولم
يكن ينقص إضراب الأسرى الذي تجاوز أربعينيته، سوى ارتقاء دم طفل إلى السماوات، لا
توجد أربعينية في فلسطين بدون قرابين.
أمس السبت، كان على الشهيد رائد أن يقطع
مسافة العودة إلى بلدته محمولاً، من بلدة أبو ديس بعد أن خضع جثمانه للتشريح. الأهالي
خرجوا مبكرًا في انتظاره، حملوا الأعلام وهتفوا. حياة قصيرة عاشها رائد الذي يعتبر
من أصغر الشهداء الذين قضوا في الأشهر الأخيرة على حواجز الاحتلال. هذا الصغير كان
قليل الكلام كتوما ولا يكشف بسهولة عن مكنونات نفسه.
بعد استشهاده، دهمت قوات الاحتلال منزل
العائلة وأجرت تحقيقات ميدانية مع أهله، وحاول المحققون أن يعرفوا دوافع الفتى
الشهيد لتنفيذ عملية بسكين بسيطة كما نشر صورة لها إعلام الاحتلال، ولكنهم أعلنوا
إخفاقهم.
تصنف عمليات مثل تلك
المنسوبة لرائد ضمن ما يسميها المحتلون انتفاضة الأفراد، وفشل مختصو الاحتلال في
تحديد صفات نموذجية لمنفي العمليات، وفكروا بعوامل عديدة إلا أن الاحتلال هو
المسؤول والمحرض.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق