أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 9 مايو 2017

المقاومة في رواية (قبلة بيت لحم الأخيرة)/ ياسمين شاهين











كاتب هذه الرواية حائز على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن رواية (مجانين بيت لحم)، وجدير بالذكر أيضاً أن نذكر أن الشهيد المثقف المشتبك باسل الأعرج شهيد الفكرة والثورة، والذي اغتالته قوات الاحتلال وجدوا رواية (المسكوبية) للكاتب أسامة العيسة في حوزته.

تقع رواية (قبلة بيت لحم الأخيرة) في 303 صفحة من القطع الكبير، والغلاف صورة حقيقية من داخل كنيسة المهد أثناء حصارها عام 2002، ومن الخلف صورة لمسجد عمر بن الخطاب التقطت من باب الكنيسة المغلق بسبب الحصار، وفي ذلك إشارة إلى كل بيت لحم وكأن الرواية تختزل المدينة بين دفتي كنيسة ومسجد.
الرواية هي رواية مدينة كانت حرة وصارت أسيرة. رواية تبين معالم بيت لحم الأثرية التي تختفي يوماً بعد آخر، وتظهر آثار الاحتلال المدمرة في الانتفاضتين الأولى والثانية، وتخاذل الحكام، والسعي في تدمير مظاهر الثقافة بأشكالها الفنية والأدبية.
تحليل عام للرواية
الزمان: ينقسم الزمن في الرواية إلى ثلاثة أقسام:
 -الشق الأول قبل سجن البطل أي قبل عشرين عاماً من تاريخ السجن وهو تحديداً من عام 1980ـ عام 1985.
-والشق الثاني هو الزمن في السجن أي خلال العشرين عاماً  من تاريخ السجن 1985ـ 2005.
-والشق الثالث بعد السجن وهو عام 2005
المكان:
1 . بيت لحم: الرواية هي رواية مكان، هي رواية مدينة بيت لحم بكافة تفاصيلها، بحاراتها وقراها وأزقتها وشوارعها، مدينة كانت أيامه فيها أيام الصبا أجمل مراحل حياته
2. مدينة القدس: أتت الرواية على  ذكرها منذ البداية، وذكر تفاصيل المسجد الأقصى، فبطل الرواية كانت يتنقل بين المدينتين دون أي حواجز أو أي شعور أنهن مدينتان منفصلتان.
3. مدينة رام الله: وجاء ذكرها في نهاية الرواية دون ذكر لتفاصيل كثيرة لهذه المدينة فالكاتب تحدث عن القدس من بداية الرواية، ليبين كيف كانت هذه المدينة توأم بيت لحم في القرب وفي سهولة الوصول إليها، أمَّا بعد عشرين عاماً أتى الكاتب على ذكر مدينة رام الله التي أخذت مكانة القدس العاصمة على جميع الأصعدة السياسية .
الشخصيتان الرئيستان في الرواية:
1.رائد الحردان (حنا الحردان): وهو بطل الرواية وراويها، من عائلة كانت تسكن حلب فهاجرت وسكنت بيت لحم. درس رائد في جامعة بيت لحم الكيمياء وكان متفوقاً، وإلى جانب ذلك كان يحمل أفكاراً اشتراكية ويتبناها ولكنه على الصعيد العملي لم يكن يصنع شيئاً فكان الطلاب يسمونه النسناس، وهذا النسناس أحب فتاة في الجامعة تدعى سميرة وهي أحبته، ولكنها لم تكن مثله بل كانت ثورية ونضالية، تقول وتفعل! وبعد أن انفصلت سميرة عنه، نفذ عملية فدائية أودت به إلى السجن لمدة عشرين عاماً.
2.سميرة: هي الفتاة التي أحبها رائد، تلك الأيقونة في مشاعرها، النمرة في أفعالها، المتخاذلة في النهاية إذ لم تقدها نبل مبادئها إلا إلى التماهي مع الواقع المرير وبالعنفوان نفسه الذي كانت تقاتل به الاحتلال، حتى صارت صاحبة مؤسسة مرموقة تابعة للانجي اوز وتزوجت من إسرائيلي.
الأبعاد السياسية في الرواية:
شخصية سميرة هي أكثر الشخصيات رمزية في الرواية، فهي الفتاة المناضلة والمكافحة ضد الاحتلال، وأثناء دراستها في جامعة بيت لحم كانت الرقم الأول في الصف النضالي الثقافي، وهي تنتمي للحزب الاشتراكي وتتبنى أفكاره ومبادئه، وتخلت عن حبيبها لشعورها بالمسؤولية تجاه وطنها وحزبها، "الانتماء أقوى من الحب، والحزب أهم منك" فأرادت أن تستمر في النضال، ولم يقف الأمر عند ذلك بل تعرضت للسجن والتعذيب، وهددها الاحتلال بالاغتصاب، ورغم ذلك خرجت من السجن أكثر صلابة وهيبةً! والمفارقة تكمن بعد عشرين سنة تقريباً إذ بعدما خرج رائد وجدها امرأة أخرى تدير مؤسسة ممولة من الأنجي أوز تدعو إلى التطبيع، وإلى تمكين المرأة ونشر مفهوم الجندر (النوع الاجتماعي)، ومتزوجة من إسرائيلي يدعو للسلام!
هذه الشخصية الجدلية لم يقحمها الكاتب في الرواية عبثاً، إنما أراد من خلالها أن يبين كيف كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية متسابقة في النضال والجهاد في سبيل نيل الحرية وتحرير فلسطين، من (الماء إلى الماء) وكيف صارت متخاذلة شيئاً فشيئاً، فبدايةً اتفاقية أوسلو التي بموجبها تم الاعتراف بإسرائيل كدولة وكيان مستقل، وبعدها في عمليات التطبيع والتسيق الأمني مع الاحتلال!
هذه الصورة النضالية التي كانت متفانية وتقدم الغالي والنفيس وتتخلى عن كل ما تحب وتهوى من أجل نيل الحرية والاستقلال، انساقت تدريجياً تحت نير الاحتلال لتصير واحدة من أدوات الاحتلال للبطش بالشعب، ولحماية دولة الاحتلال من أي عمليات تخريبية كما تسميها!
وحتى أن بطل الرواية يعاتبها بقوله: "أنت كرهت السوفييت وهم في أوج قوتهم، ولم تغفري لهم اعترافهم بإسرائيل"291
من مآخذي على الرواية بعض الأخطاء المطبعية والإملائية التي لا يكاد نص أدبي يخلو منها، وأيضا لم تأتِ على ذكر أحداث حصار كنيسة المهد إلا في آخر الرواية وكأنه خبر عادي ولم تتطرق لتداعياته وهو بالنسبة لمدينة بيت لحم حدث تاريخي محفور في أذهان أبنائها ولا يمكن تجاهله أو الحديث عنه فقط من ضمن الأحداث
مقاربات مع روايات أخرى:
1. رواية امرأة عائدة من الموت/ نافذ الرفاعي: تحدثت رواية امرأة عائدة من الموت عن بيت لحم ولكن للحقيقة تفوق العيسة كثيرًا على تلك الرواية على جميع الأصعدة الفنية، وتناول الكاتبان أحداثا متشابهة مثل الحديث عن الشاعر الراحل عبد اللطيف عقل وعبارته المشهورة التي قالها عقب استشهاد فتاة من جامعة بيت لحم، حيث كان يدرس في الجامعة: "رصاصة طائشة من جندي طائش، في دولة طائشة".
2. لغة الماء/ عفاف خلف: وأيضاً هناك مقاربة زمنية بين هذه الرواية ورواية لغة الماء فكلاهما تحدثتا عن انتفاضة الأقصى وما آلت إليه المدينة لكن بمكانين مختلفين (نابلس، وبيت لحم) وهناك مقاربة كبيرة في الحديث عن همجية الاحتلال ولا إنسانيته ورائحة الدماء التي كانت طوال الانتفاضة منبعثة من المدينة، وفي نظري هي دراسة جيدة ومكملة لبعضهما.
وفي الحقيقة أنا لم اقرأ للكاتب إلا رواية مجانين بيت لحم، وتعد من وجهة نظري رواية متفوقة على رواية (قبلة بيت لحم الأخيرة) على الصعيد الفني والأسلوبي، والتقسيم، وسيميائية المكان والزمان، ولكن الروايتين تتقاربان في دقة الكاتبين بنقل الأحداث التاريخية وفي أزمنتها الصحيحة.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق