بجانب
كنيسة القيامة، ثمة كنيسة أخرى، هي الكنيسة الروسية، التي تعتبر أهم أملاك الروس
في القدس القديمة، والتي تحوي اثارا مهمة، تتعلق بمفاصل تاريخية مهمة في تاريخ
القدس المديد والحافل.
عادة
ما يتجاهل الزوار والحجاج هذه الكنيسة، لأن مبناها يشبه مبنى فيلا أنيقة، أو فندقا
كلاسيكيا، ولكن عند إمعان النظر في واجهة المبنى الطويلة والضيقة، والأبواب
الأمنية الصلبة، التي تحمل شعارات باللغة الروسية، سيختلف الأمر بالتأكيد، وسيدفع
الفضول المرء للدخول إلى المبنى لاستكشافه.
تاريخ
الموقع
تم
شراء الموقع عام 1857م، من قبل الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية
الروسية-الفلسطينية برئاسة الارشمندريت انطونين كاسبوتين، وهي منظمة علمانية أنشئت
لمساعدة الحجاج الروس الذين كانوا يفدون إلى يافا بالآلاف ومن ثم يصلون إلى القدس،
والهدف من امتلاك قطعة الأرض، تشييد مبنى للقنصلية الروسية، ولكن أعمال التشييد
الأولى كشفت عن بقايا أثرية هامة فتوقف حفر الأساسات، وبدئ بالحفريات الأثرية،
وبنيت القنصلية الروسية لاحقا في موقع المسكوبية خارج أسوار البلدة القديمة.
وبعد
الانتهاء من الحفريات الأثرية، شيد هذا المنى الذي كرس في أيار 1896 ككنيسة على
اسم أمير الحرب الروسي الكسندر نيفسكي (1220-1263م)، وهو بطل روسي من القرون
الوسطى، والمرشد الروحي للقيصر الكسندر الثالث.
اكتسب
نيفسكي مكانة أسطورية لتحقيقه انتصارات عسكرية، على الغزاة الألمان والسويديين،
وأعلنته الكنيسة الأرثوذكسية الروسية قديسا في 1547.
مساحة
الكنيسة 1433 مترا مربعا، وتحوي متحفا للآثار، ونزلا للحجاج، ومكاتب، وغرفا متعددة
الأغراض.
حفريات
أثرية
أجريت
الحفريات في موقع الكنيسة بتبرع سخي وفق اعتبارات ذلك الزمن، قدره ألف روبل ذهبي
قدمها أمير روسيا الكبير سيرجي الكسندروفيتش، وشارك في الحفريات كبار علماء الآثار
في القرن التاسع عشر ومن بينهم الألماني شيكو الذي أمضى نحو أربعين عاما في القدس.
وكشفت
الحفريات عن مقطع من سور القدس، وباب فيه يعود إلى القرن الأول الميلادي، أعاده
الآثاريون إلى عهد هيرودس، وعن عمودين وقنطرة من القرن الثاني للميلاد من زمن
الإمبراطور هادريان، وبقايا من بازليك كنيسة القيامة التي بنتها القديسة هيلانة في
مطلع القرن الرابع، وكانت الكنيسة تصل إلى الكاردو (الشارع الروماني) في سوق خان
الزيت.
أهمية
هذه الاكتشافات تشير إلى ان جبل الجلجلة، حيث حدثت واقعة الصلب وفقا للمعتقد
المسيحي، كان خارج أسوار المدينة، وهو ما يتوافق مع ما جاء في الأناجيل حول تلك
الواقعة.
قدس
هادريان
في
الطابق السفلي للكنيسة يوجد حائط، هو جزء من المدخل الرئيس لمعبد وثني يعود لعهد
هادريان، الذي هدم القدس، في القرن الثاني الميلادي، ليبني قدسا جديدة، كمستعمرة
رومانية، على الأقل ثقافيا.
وتعرض
في نفس المكان عتبة كنيسة القيامة، ويعتقد انها كانت جزءا من معبد هادريان استخدمت
لاحقا كعتبة باب لكنيسة القيامة، ويظهر على العتبة الملساء المصقولة، آثار آلاف
الأقدام والعجلات التي مرت عليها، وبجانبها يعرض عمود يعود للقرن الحادي عشر
الميلادي.
من
المهم الإشارة إلى انه توجد بقايا من كنيسة القيامة على امتداد أجزاء من المنطقة
كما هو الحال في محلات زلاطيمو للحلويات، ولا شك بان كل هذه المعطيات تساعد في فهم
كيف كانت عليه أهم كنيسة في العالم. ويعرض ما يطلق عليها عين الإبرة، وهي عبارة عن
فتحة في جدار، يعتقد ان المسافرين أو الأهالي الذين كانوا يصلون بعد إغلاق أبواب
القدس، يدخلون عبر فتحتها، وحتى نهاية القرن التاسع عشر وجدت في سور القدس فتحات
عرفت الواحدة منها باسم (الخوخة)، كان يدلف منها المتأخرون بعد إغلاق الأبواب،
خشية من غزو البدو.
أيقونات
تحوي الكنيسة خاصة في الجزء العلوي،
على أعداد كبيرة من الأيقونات، رسمها فنانون روس يتمتعون بشهرة، من بينها أيقونات
تمثل السيد المسيح في قصص إنجيلية. و18 لوحة كبيرة تمثل معاناة المسيح على درب
الآلام بتوقيع الرسام أ. كوشيليف.
ويوجد حاجز علقت عليه أيقونات مذهبة
وأخرى بألوان مختلفة، تمثل مشاهد من الإنجيل، ونحو 30 صورة لقديسين من رموز
الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
وتحوي الكنيسة ما يطلق عليه غرفة
القيصر، بأرضية فسيفسائية تستخدم لإجراء لقاءات رسمية، علقت على جدرانها صور مؤطرة
لعدد من القياصرة مثل: الكسندر الثالث والإمبراطورة ماريا فيودوروفنا، ونيقولا
الثاني والإمبراطورة ألكسندرا فيودورفنا، والدوق سيرجي، والدوقة إليزابيث، وولي
العهد الأمير نيكولاس الكسندروفيتش.
إن الكنيسة الروسية في القدس
القديمة، أكثر من كنيسة، ونزل للحجاج، ومتحف، ومعرض فني، إنها تربض على تاريخ
القدس المخفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق