جلس الحاج أبو محمد
الأعرج بحطته الفلسطينية البيضاء، منزويا، في باحة منزل عائلة الأعرج في قرية
الولجة، جنوب القدس، حزينا لفقدان قريبه باسل، الذي أعدمته سلطات الاحتلال فجر
اليوم في مدينة البيرة.
أبو محمد (80) عاما،
هو أحد الذين جلس إليهم باسل طويلا، لتسجيل ذكرياتهم، في مشروعه البحثي لتوثيق
تجارب أجيال شعبنا المختلفة في مواجهة الاحتلالات المتعاقبة.
حدثت تغيرات كثيرة
على محيط المنزل الذي ولد ونشأ فيه باسل، ومظهرها الأبشع المستوطنة التي تقع قبالة
المنزل، والتي يعتبرها الاحتلال ضمن حدود بلدية القدس الاحتلالية.
أحد زملاء باسل في
المدرسة، والذي زامله من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الثانوية، امتنع عن
الحديث عن ذكرياته مع الشهيد، رافضا التصديق بان صديقه وزميله قد رحل أخيرا.
تدفق محبو وأصدقاء
باسل من مختلف المناطق إلى منزل العائلة، في أجواء خيم عليها الصمت والحزن، قطعه
خطاب مرتجل لأحد أصدقاء الشهيد، الذي اعتبر باسل: "ثقافة مقاومة، لن
تموت".
عم الشهيد المحامي
خالد الأعرج، كلف زملاء له لرفع التماس لمحكمة الاحتلال العليا، لتسليم جثمان
الشهيد المختطف، وقال لمراسلنا وهو يتابع مع زملائه على الهاتف مسألة
الالتماس: "نحتسب باسل عند الله
شهيدا، لقد كان عاشقا لفلسطين، ولديه اهتمام بتاريخ فلسطين وتاريخ الثورات
الفلسطينية في مختلف المراحل، لقد وثق لشخصيات مناضلة ومقاومة، كان في بؤرة أبحاثه
سير ثوار فلسطين، وربط جغرافية فلسطين بإحداث تاريخية وبمعارك وطنية، باسل مثقف
نهم جدا للقراءة، ورغم انه تخرج صيدليا، إلا أن عشقه هو البحث والتنقيب في تاريخ
فلسطين، ولقد عرض له مؤخرا على الشاشات برنامج وثائقي بعنوان (باص 47) لقد كان
الباحث الرئيس فيه، وأنجزه قبل مطاردته".
"اعتقل باسل
وعدد من زملائه في شهر آذار 2016م لدى أجهزة الأمن، وأطلق سراحه في شهر أيلول
الماضي بعد إضراب عن الطعام ومن وقتها أصبح مطاردا"-يقول خالد الأعرج.
ويتذكر عمه:
"درس باسل في الولجة ومدينة بيت جالا، وجامعة 6 أكتوبر في مصر، التي تخرج فيها
صيدليا، وعمل في هذا المجال في مخيم شعفاظ في القدس نحو 3 سنوات، ولم يكن العمل
مقنعا له ولم يكن مهتما بالعائد المالي، فذهب إلى حيث يحب، وعمل في متحف فلسطين
كباحث، وأقول بفخر انه باستشهاده اثبت انه يمكن أن يذهب من اجل مبادئه إلى
النهاية".
أحد معازف باسل،
يتذكر: "في إحدى المرات، عندما رأى الحاجز الاحتلالي أمام مستوطنة معالية
أدوميم، شرق القدس، نزل من السيارة، وعمل حاجز بالحجارة، وعطل الحركة، ليثبت
الإمكانيات الكامنة في العمل الفردي، والمقاومة الشعبية".
يتذكر ناصر حمامرة،
الذي ربطته علاقة نسب وصداقة مع باسل، نقاشاتهما التي لا تنتهي، عن المقاومة،
وظروف العمل العسكري المقاوم ضد الاحتلال.
يقول ناصر: "كان
يمضي ساعات طويلة مع الكتب يناقشها مع نفسه أولا قبل أن يناقشها مع الآخرين،
ويعطيها صبغة فلسطينية، ويحاول نشر ما يجب أن يعمم من وجه نظره".
ويضيف: "علاقته
مع الناس، يتوجب التوقف عندها، كان يرى نفسه جسرا بين الشباب وكبار السن، عندما
كان يعمل في شعفاط، كان ينام في دار عمه أبو محمد، ويجلس إليه ساعات طويلة،
لقناعته، بان التجربة لا يجب أن تنتهي مع غياب الكبار، ولهذا اتجه للتاريخ
الشفهي".
ويرى حمامرة، في
باسل، داعية للعمل الوحدوي، لذا كان يطرح شعار الطريق إلى القدس، باعتبار أن القدس
جامعة للجميع، المسلم والمسيحي، وأصحاب الخيارات المختلفة، سواء كانت السلمية أو
المقاومة.
ويؤكد حمامرة، بان
باسل، كان يرى بان الكلام جميل، ولكن الأجمل هو التطبيق، لذا فانه عندما عمل في
الصيدلية مثلا، كان آخر كل شهر، يجد نفسه مديونا لصاحبها، لأنه كان يغطي من راتبه
ما ينقص على المحتاجين للأدوية.
وختم حمامرة حديثه
بحزن: "باسل قصة فلسطينية تمتد جذورها بألم وأمل..!".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق