أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 18 مارس 2017

الولجة 2017..!



في قبر صغير جُهز بعناية، في قرية الولجة، جنوب القدس، استقر أخيرًا جسد الشهيد باسل الأعرج.
وصلت الولجة، عن طريق كريمزان، في مركبة أبو غضب الذي أمضى أكثر من ثلاثين عامًا في سجون الاحتلال، اخترنا هذه الطريق، خشية من عدم تمكنا من اجتياز الحواجز الاحتلالية (تذكرت مراسم دفن الشهيدة تغريد البطمة في بتير قبل أكثر من ثلاثين عاما)، ولكننا تمكنا بصعوبة من اجتياز الشوارع المتشابكة الاستيطانية على مدخل الولجة من جهة دير كريمزان، التي لن نتمكن من الوصول إليها في وقت سيحدده الاحتلال.
على جدران المقبرة خطت خلال الأيام الماضية شعارات تمجد الشهيد، وأخرى من مقولاته عن الثقافة والاشتباك. وأمامها جلس عدد من كبار السن ينتظرون وصول الجنازة، أعرف بعضهم، ومن بين المنتظرين تعرفت على والد الشهيد مصباح (أسد الأقصى).
داخل المقبرة كان صلاح ينتظر متأهبا كمسؤول عن القبر، وحدثني عن تاريخ مقبرة العائلة وعن قبر باسل المحفور في الأرض، وكيف تم الاهتمام باللحد المحفور في الصخر الطري، وفرشه بتراب أحمر كنوع من التكريم للجسد.
جاء شاب ملتح مبتسم، وجه نقدًا لصلاح: قبوركم مخالفة للشرع، فاتجاهها ليس إلى القِبلة، سألته إن كان اتجاه القِبلة يتغير من مكان إلى آخر في فلسطين؟ فأجاب بأنه يتغير من موقع إلى أخر في الولجة نفسها، مشيرا بفخر انه يملك بوصلة تحدد اتجاه القبلة، البوصلة هي فائض الوهابية، التي تصنع في الصين، مثلها مثل أردية الإحرام، التي شاهدتها معلقة على واجهات المحلات في مدن فلسطينية، قلت له لطالما صلى أهلنا بدون بوصلة، تكفي بوصلة القلب. شغف السلفي للنقاش قاد إلى عذاب القبر، وقضايا لم يتطرق لها القرآن الكريم، وصحيح البخاري، ومسلم.
عندما سلم الاحتلال جثمان الشهيد، نقل إلى مستشفى بيت جالا الحكومي، حيث خضع الجثمان للفحص الطبي، بحضور ممثلين عن العائلة وأصدقاء الشهيد.
لحظات مؤثرة، خيمت على رواق قسم الأشعة في المستشفى، حيث انتظر أصدقاء وأقرباء الشهيد، بينما كان جثمانه يخضع للفحص والتصوير، علمت لدى وصولي ان 21 رصاصة استقرت في جسده لاحقا بينت المصادر الطبية انه أصيب بعشر رصاصات والعديد من الشظايا، على الأرجح خلال عملية إعدام واضحة. هل قبض على باسل حيا وأعدم؟ هل يمكن أن نرمم رواية فلسطينية عن ما حدث؟
طُلب من المصورين ان يدخلوا لتصوير الجثمان المسجى بعد أن أنهى الأطباء عملهم، لم أدخل. عندما خرج الجثمان محاطا بمحبيه، سألني الشيخ إن كنت قد قرأت رسالته، فأجبته بلا. أحاول تأخير القراءة لأحظى بأكبر قدر من التشويق، سألته عن ما جرى داخل الغرفة، وخلال دقائق كان جسد باسل يقطع المسافة غير الطويلة إلى الولجة، وخلفه موكب من المركبات.
بينما كان جسد "المثقف المشتبك" يستقر في القبر أدى والده المحمول على الأكتاف التحية لابنه الشهيد، مودعا ومعاهدا للاستمرار على دربه.
على "المنصة" الرسمية وقف وتحدث المدرجون على قائمة المتحدثين، باغتهم آذان المغرب، فدعا الشيخ للصلاة. اقتنص شيخ آخر هو خضار عدنان، حيزا غير رسمي، منصة على أكتاف مؤيديه، وخطب مخونا، ومؤديا لقسم المقاومة.
على مرتفع مطل على المقبرة، وقف العديد من الأطفال والفتية، يراقبون مراسم الدفن، وبعضهم أخذ بالتقاط الصور لمشاهد من المرجح انها لن تغيب عن أذهانهم، وستبقى معهم، كجزء من تاريخ القرية التي لم تتوقف معاناتها منذ النكبة. احتلت على الخرائط في المفاوضات، فانتقل أهلها إلى شمال سكة حديد القدس-يافا، ليشيدوا الولجة الجديدة. في النكسة احتلت كاملة في حرب انتهت في ست ساعات، ليعيش أهلها مطاردين في منازلهم، باعتبار أنهم يقيمون فيها بشكل "غير شرعي"..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق