خرجت في سن
مبكرة، إلى شوارع المخيم المظلمة، مع أتراب أغرار في السن، وفي السياسة، وفي
النضال، وفي الحب، وكتبنا، على الجدران، ونحن نرتدي أغطية الرأس من الحطّات التي
سرقناها من آبائنا الفقراء، وبعضنا استخدم كلوتات النساء (كيف ومن أين حصلوا
عليها؟)، كي لا يكشفنا أحد: "منظمة التحرر هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب
الفلسطيني". بينما كتب أخر أكثر راديكالية: "الجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني".
خضنا نقاشا
طويلا، معه، وصدقنا أنفسنا وصدّق معنا، بأن م.ت.ف، ستصلح نفسها، بنفسها، فخط بعد
عدة أيام من الاحتدام النقاشي، الذي بدا لنا مصيريا، وتاريخيا: "منظمة
التحرير والجبهة الشعبية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني". ربما أراد أن لا
يخسر صداقتنا، وربما اقتنع ان م.ت.ف، هي الأقدر على تمثيلنا مع سعار السباق على
التمثيل، بين أكثر من جهة، فتنازل، وهذا أمر جلل في زمنه، عن بعض مبادئه، التي لم
تكن تقبل المساومة بأي شكل من الأشكال. ولم يكن يدري مثلنا، انه في الوقت الذي
تفوض أحدا بتمثيلك، فانك تمنحه الاستحواذ.
مثل هذه
الكتابات، عرضتنا للاعتقال، وقد يعجب المرء الان، لذلك التمسك، بقيادة كان لكل
نظام عربي تقريبا ممثلا عنه فيها، إضافة لممثلي الفصائل الذين سرعان ما يصبحوا
عرفاتيين، يتنكرون لفصائلهم.
اعترفت م.ت.ف بإسرائيل،
واعترفت بها الأخيرة، ولكن هذا الاعتراف الان هو على الورق فقط، ففي محاكم
الاحتلال، تجري يوميا محاكمة فتية بتهمة الانتماء لفصائل ممثلة في م.ت.ف. من
الجبهة الشعبية للجبهة الديمقراطية إلى فتح.
وكنت أعجب
عندما قادتني الأقدار لمتابعة محاكمة قريب من الفتية في محكمة معتقل عوفر
العسكرية، لعدة أشهر، ومقابلة أهالي الأسرى، كيف تتم محاكمة الفتية بتهمة الانتماء
لتنظيمات م.ت.ف، وعندما أخرج من محيط المعتقل، أصطدم بتظاهرة (قليلة العدد كما هو
متوقع) ترفع أعلام الفصائل وبحضور من يُعَرِّفون أنفسهم أعضاء في المكاتب السياسية
لهذه الفصائل، ويدلون بصفاتهم هذه، بأحاديث للصحافيين، الذين يصدف دائما، أن يكون
عددهم أكبر من عدد الحضور.
واستغرب لماذا
يعتقل الاحتلال فتية لم يزغبوا بعد بتهمة الانتماء لفصائل م.ت.ف، بينما يترك
القادة المزغبين يزعبرون التصريحات ويزغبونها أمام الميكرفونات؟ وبالطبع لا أحب
لأي احد أن يعتقل، ولكنني أحب أن أعرف السبب.
الان م.ت.ف لا
تعترف بنفسها، فالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مثلاً، التي يُفترض انها الفصيل
الثاني في المنظمة، ينظر لها من السلطة التي يفترض انها تتبع المنظمة، كتنظيم
محرض، لا يتوجب منح من يشتبه بالعضوية فيه حسن سلوك مثلا. بالطبع الأمر لا يتعلق
بالقيادات التي لها مخصصات من م.ت.ف، لكن يخص الفتية الأغرار، الذين يكررون
تجربتنا الغرة الفتية.
أشفق على أولئك
الفتية، الذين كناهم، وعلى الأغرار الذين ورثوا غرارتنا، لأنهم لم يكتبوا أسماء
حبيباتهم على الجدران، فهزموا في الحب والحرب.
اكتبوا على
حيطان الشوارع، وحيطان الفيس بوك أسماء من تحبون، وانثروا عبق الأزهار، وزقزقة العصافير،
وخرير الينابيع، واحكوا الحكايات، وانشدوا الأغاني، هذه هي فلسطين التي كانت وربما
ستظل.
اليوم وقعت،
بصفتي ولي أمر طالب، سيسافر في منحة، إلى دولة عربية، على أن يقتصر نشاطه السياسي
فقط، على ما يخص م.ت.ف.
ما بين
الكتابة على جدار في مخيم مقتنعا، والتوقيع على وثيقة مضطرا غُصَص..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق