في العيد، تتجمع بنات
المدرسة الإبراهيمية الجميلات، اللواتي يبدون، نسبة لطالبات هذه الأيام، أكبر من
أعمارهن، وأجمل، في قُدس السبعينات، عندما كان الشعب الفلسطيني المنكوب، للمرة
الثانية، يحاول لملمة آلامه، وترميم الطبقة الوسطى، والمحافظ على تقاليدها
المدنية، وقد نفض عن نفسه، وطأة النظام العربي السابق، وإن كان هذه المرة بفضل
الاحتلال، وكان لديه إصرار عجيب، على خيار وطني، لا يتضمن أبدا العودة إلى نظام
القمع والوصاية القديم.
تمسك بنات الإبراهيمية،
الأشقاء الصغار، وكأنهن يعلمن بأنهم سيكونون شهودًا، على تلك الأيام المفعمة بالأحلام،
والتي ستذروها الرياح بسرعة.
ساحات الأقصى تتحول
ملاعب لهو للأطفال، استمرارا لتراث ديني، لا ينفصل عن المتطلبات الدنيوية، ضمن الإسلام
الفلاحي الفلسطيني، الذي لم يميز فيه الفلاحون، إلا بصعوبة فائقة بين موسى، وعيسى،
ومحمد، والأولياء الصالحين.
في تلك الأعياد، كانت
نجاة تشدو في سينما الحمراء بالقدس، وسينما دنيا في رام الله، وسينما الأمل في بيت
لحم:
"لو تطلب البحر
في عينيك أسكبه
أو تطلب الشمس في
كفيك أرميها"
وتمارس العائلات
المنكوبة، تمرينًا مدنيًا فائقًا، في دور السينما، المقسمة القاعات، وتختار اللوج
أو البنوار.
وعند باب العمود،
يكون لدى إبراهيم شبانة، الاستعداد دائمًا، لإقراض الطالبات المجلات الفنية، وكتب الأغاني
التي يصدرها لعبد الحليم، ونجاة، وعبد الوهاب، مجانا.
ويكون دائمًا هناك،
فارس أحلام، يوزع المناشير الوطنية، والصحف الحزبية الصفراء السرية، وفي معظم
الحالات، يكون عليه أن يختفي قسرا خلف قضبان الاحتلال.
ويكون أن يتمسك
مثقفون وصحافيون، بالدور التنويري الكلاسيكي للمثقف، فيهاجمون المناهج، والعادات
القديمة، ويبدو أنهم حققوا انجازًا.
وتتقدم عبلة طه،
ورسمية عودة، ولطفية الحواري، وعائشة عودة، وغيرهن، وغيرهم، وتظهر الحاجة فولا،
صوتا مناهضا للاحتلال الكولنيالي وضحاياه، ويكتب أبو شلباية (لا سلام بدون دولة
فلسطينية مستقلة) ويثير نقاشًا، وتكتب ليلى علوش (بهار على الجرح المفتوح) بخط أبو
خالد البطراوي، ويصدر يوسف نصري نصر (الفجر) ويصبح شهيد الصحافة الفلسطينية اليتيمة،
الذي لا تتذكره أطر الصحافيين الحزبية.
وتنشط الجبهة
الوطنية، ويزعل ذلك منظمة الأنظمة العربية المهزومة، والمتآمرة، فيجهض الاحتلال ما
كان يمكن أهم ظاهرة مقاومة فلسطينية، فيسعد زعماء المنظمة.
فجأة سيختفي كل هذا،
ويعم الخراب، وتمحو البلاد من تاريخها وصمة الحداثة غير المنجزة..!
ويصدف أن أكون أحد أولئك الأشقاء الصغار الشهود،
الذي فقد عالمه، فيتذكر في هذا العيد الحزين، بدون سبب موجب..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق