بعد يومين من حصار
بيت لحم (نيسان 2002م)، وتساقط الشهداء، عن أجراس الكنائس، وعلى الطرقات، وأمام
المساجد، كان لدى أم مجهولة، وستظل مجهولة على الأغلب، إلّا إذا قررت في يومٍ أن
تشعرنا بها، مهمة صعبة لكسر الحصار. تمكنت من الوصول إلى حاوية قمامة (لن نعرف
كيف)، على شارع القدس-الخليل، درب الفاتحين، والأفاقين، والأنبياء، والمهزومين، لترمي
رضيعتها، وتختفي، ربما إلى الأبد.
لعلها سعدت بنجاح
مهمتها، لعلها سعدت بعودتها إلى وكرها سالمة..!
ما السبب القهري،
الذي يجعل أم تتخلص مِن جزءٍ منها، وتستودعه القمامة؟
وكما يحدث، عندما
تكون الأقدار، في لحظات انتباه، فزعة مما يمارسه البشر، ثمة مَن عثر على الرضيعة،
وأوصلها إلى الأخت صوفي، الراهبة اللبنانية المسؤولة عن أطفال (الكريش) في بيت
لحم، ملجأ من يطلق عليهم المجتمع وصفا مقززا: "لقطاء".
عندما وصلت الرضيعة إلى
يدي الراهبة صوفي، في معقلها الخاضع لدولة مالطا ذات السيادة (!!!) أصبح أسمها
(سارة)، كان وزنها 2 كلغم، وبالطبع، وكما هي القوانين في فلسطين، أصبحت على دين
الأغلبية: مسلمة. وسبقها قصف جيش الاحتلال لتمثال العذراء على قمة المبنى القديم.
لم يشاورها أحد في
مجيئها للدنيا، وفي خيار رَميها، لتحيا أول ساعاتها في الدنيا، بين القمامة،
وبالطبع لم تختار دينها، ولم يشعر من انضمت إلى دينهم بأي واجب نحوها.
قصة الأخت صوفي في
حصار بيت لحم، التي كان عليها توفير مستلزمات خمسين يتيما، طوال خمسين يوما من
الحصار (بالإضافة إلى أدوار أخرى لعبتها مع لعبة القدر في مدينة قدرية)، حكاية لوحدها
تستحق أن تُروى، أمّا بالنسبة لسارة التي يفعت الان، فبحثتُ عنها العام الماضي،
وعندما تجمعت بين يدي عدة خيوط أوقفت البحث، ماذا يجدي بحثي عن من يليق بها الحياة
في مجتمعات القتل، القتل على أبواب المدن، وفي أزقتها..؟!
لن أبحث عن سارة،
وأتمنى، أن تكون قد تُبنت من عائلة أجنبية، وتعيش هناك، بعيدا هناك عن الشرق الذي
لا يتزحزح، وقبل وصول لجان الاستتابة..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق