أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 27 ديسمبر 2014

‏ضريح ملوك الرعاة المهيب في المتحف الفلسطيني بالقدس



 

في ركن من المتحف الفلسطيني بالقدس، حافظت عائلة فلسطينية على نفسها، أكثر من ثلاثة آلاف عام، رغم ما تعرضت له فلسطين من غزوات وكوارث.

والحديث عن ضريح اكتشف في أريحا، وتمت إعادة نصبه في المتحف في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تستولي سلطات الاحتلال على المتحف الفلسطيني في حزيران 1967، والذي أصبح اسمه الان (متحف روكفلر).

نقلت سلطات الاحتلال، بعض محتويات المتحف، مثل مخطوطات البحر الميت إلى متحف إسرائيل في القدس الغربية، ولكنها أبقت على بعض محتوياته كما هي حال هذا الضريح الذي اكتشف في تل السلطان في أريحا، الذي يعتبر أريحا القديمة، التي ادهشت المكتشفات الاثرية في العالم.

في خمسينيات القرن الماضي، تولت كاثلين كينون، وهي اثرية تمتعت بنزاهة شديدة، الحفر في التل، ومن ضمن المكتشفات التي عُثر عليها قبور تعود للعصر البرونزي الأوسط، منها هذا القبر الذي قُدر أن تاريخه يرجع إلى عصر الهكسوس، أي إلى نحو عام 1600 ق.م، واعيد بناؤه في المتحف بالحالة نفسها التي وجد عليها.

يحوي الضريح، جثمانا مسجى، في الوسط، على دكة واطئة من الحجارة، وحوله تنتشر العديد من الأشياء التي عثر عليها بنفس الترتيب، التي وجدت فيها عندما أزاح الحفارون السدادة الحجرية عن مدخله في تل السلطان لأول مرة 3500 سنة.

حول وخلف الجثمان المسجى، يوجد 36 شيئا، منها: إناء ذو قاعدة وبجانبه عظام حيوانات، وجرة ماء ذات حنجور في الرقبة تصب منه المحتويات، وجرة كبيرة لخزن الزيت أو الخمر، وطبق من الفخار فيه جمجمة وعظام من الماعز أو الضأن، وباطية من الخشب فيها عظام حيوانية هي على الأرجح بقايا الاحتفالات الجنائزية والقرابين، و3 أوان صغيرة من المرمر المصري، ودبوسان مثقوبان من البرونز لتثبيت الملابس، وأكثر من زخرفة من الخشب المطعم بالعظم هي على الأرجح بقايا صناديق للزينة، ومغرفة كبيرة، وصحن من حجر الكلس المتبلور ذو زخرفة تمثل رأس كبش، وأباريق، وسراج في مشكاة، وهيكل عظمي لطفل، وقنينة زيت سوداء، والقوائم والدواعم الخشبية لمضجع أو كرسي، وطاولة طويلة من الخشب وعليها عظام حيوانية، بالإضافة إلى هياكل عظمية أخرى.

ينظر الزائرون إلى ما يحويه الضريح بكثير من الدهشة، والذي يمثل جزءا من ثقافة العصر البرونزي الأوسط، وهذا الضريح هو واحد من أضرحة متعددة عُثر عليها في تل السلطان تعود لنفس الفترة.

لانكستر هاردينغ، البريطاني الذي كان مديرا لدائرة الاثار الأردنية خلال الحفريات في التل، ذكر في كتاب له صدر في نهاية خمسينيات القرن الماضي، ما يعتبر شهادة طازجة عن الأضرحة المكتشفة: «تمتاز هذه الأضرحة بان الأشياء التي فيها ما زالت في حالة أفضل من الأشياء التي عثر عليها في أضرحة العصور الأخرى. إنها في العادة أضرحة أقوام قدامى أُعيد استعمالها من جديد، وترى حُجرة القبر مغطاة بحجر كبير والفتحة مملوءة بالتراب، ويبدو ان سبب بقاء الأشياء في حالة جيدة يعود إلى ان الغازات كانت تتسرب من شقوق الصخر وتتجمع في الحجرة فتقضي على جراثيم التسوس والانحلال، وهكذا تم العثور على مناضد خشبية وسلال ومقاعد وحشايا وشعور مستعارة، وحتى قطع من لحم القرابين، وكلها باقية في حالة طيبة».

ويقدم لنا صورة من داخل ضريح: «تُرى أحد أضرحة العصر البرونزي واضح الملامح، فإلى اليسار توجد سلة تحتوي على أدوات زينة وإلى جانبها منضدة ذات زينة وإلى جانبها منضدة ذات ثلاث سيقان يزيد طولها على خمسة أقدام وفوقها طعام كثير وباطية خشبية قليلة الغور فيها فخذ من اللحم، وإلى اليمين إطار سرير يرقد عليه هيكل عظمي، وحول الجدار جرار وصحون وأقداح، ومن الواضح أن سبعة أشخاص كانوا قد دفنوا في هذه الحجرة. حقا لقد أصاب الموجودات قدر معين من الانحلال، ولكن هذه الأشياء المختلفة من الأثاث يمكن إعادة رسمها بدقة على الورق لكي تعطي فكرة فريدة عن حالة داخلية المنازل في ذلك العهد، ولقد كانت كل الأضرحة تشكل مدافن جماعية، وكانوا يزيحون الهياكل العظمية والتقدمات الأولى جانبا في الزوايا لكي يفسحوا مكانا للموتى الجدد».

الضريح في المتحف الفلسطيني، وهو واحد من تلك الأضرحة، تم تركيبه على الحالة التي أخذها في الزمن القديم.

ولكن لمن تعود هذه الأضرحة، علماء الاثار رجحوا بان اصحابها هو ما يطلق عليهم الهكسوس، أو ملوك الرعاة، الذي حصنوا تل السلطان، في إحدى الفترات المهمة التي شهدها، ويعتقد، بانهم من جلبوا الخيل، وربما المركبة، إلى فلسطين ومصر. وهذا قد يفسر التحصينات التي اقاموها في تل السلطان، وهي من طراز مختلف عما سبقها، وتشير إلى انها كانت حاجة لمقاومة عدو يمتاز بقدرة على الحركة أكثر من الشعوب التي جاءت من قبل.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق