ليست المرة الاولى التي اقف فيها امام غرفة العناية المركزة في مستشفى بيت جالا، ولكنها المرة الاولى ليلة أمس التي لم اتمكن فيها من اعتقال عدة دمعات انسابت قهرا. رايت عبد الفتاح ممدا، ورغم ما عرفته، فانني تمنيت ان ينهض هذا الصباح.
المرة الاخيرة عندما هاجموه مرة أخرى، اتصل قائلا: "خلص لازم نشوف حل" فقلت له كاذبا: "بالطبع سنضع حدا لعصابة القراصنة هذه، التي استكثرت عليك مغارة تعيش فيها".
المرة قبل الاخيرة، اسرعت اليه. عندما وصلت، كان يحاول اخفاء حزنه وغضبه ومشاعر... أخرى، بعد ان هدمت سلطات الاحتلال، عريشته ومغارته في قرية الولجة، جنوب القدس، إلا انه لم ينجح كثيرا. رأيت علامات شعوره بالقهر على وجهه حادة، ومريعة، لم يخفف منها محاولات المزاح والسخرية من المحتلين.
أيقنت حينها، بان رحلة الصمود اوشكت على الانتهاء.
عاش عبد الفتاح، في مغارة قديمة، وحمي نحو 40 دونما من أرضه، واعتبره الإسرائيليون، شوكة في حلق التمدد الاستيطاني في تلك المنطقة الحيوية، التي ضمتها بلدية الاحتلال إليها.
أصر عبد الفتاح ان يظل في أرضه بعد الهدم والتدمير، ولبنام ليلته في العراء، قلت له، بان البرد يرخي في ليل الجبل، وانت تعرف برد القدس، ولكنه قال بانه سيشعل عدة اطارات، ولن يغادر المكان ابدا.
خلال السنوات الماضية، تحول عبد ربه، إلى رمز للصمود، لم يطلب العون من الأمتين الإسلامية والعربية الذي تحول إلى فلكلور فلسطيني مهين وساخر. جمعية الشبان المسيحية، ساعدته بتقديم أشجار واستصلاح الأرض. أصبح عنوانا لمجموعات تهتم بالبيئة وبالادب وبمفاهيم معينة للسلام من داخل كيان الاحتلال أو من المتضامنين الأجانب. من الذين يزورونه باستمرار تضامنا معه حفيدة الأديب الإسرائيلي عجنون (نوبل 1966).
رحب عبد ربه، بفكرة تنظيم نشاطات ثقافية في (عبد لاند) كما يسمى المتضامنون الأجانب ارضه، واستعد لتقديم أشجار ليتم زرعها باسم رواد الثقافة الفلسطينية: نجاتي صدقي، خليل السكاكيني، توفيق كنعان، جورج انطونيوس..الخ. حال دون ذلك تضارب في المواعيد، وعدم مثابرة مني.
خلال زيارتها الاخيرة للارض المحتلة، اصطحبنا الاديبة سحر خليفة الى عبد لاند، ولكنه لم يكن موجودا، كان في المستشفى، فالامراض اخذت تضرب جسده بشدة.
في تلك البقعة الساحرة جنوب القدس، تصرفنا، كما نفعل دائما، وكاننا في منازلنا. في السابق زار مغارة عبد الفتاح صديق الادباء، أيضا ربعي المدهون، وغيره من الكتّاب والفنانين.
تمكن عبد الفتاح من تحويل أجزاء من جنته الصغيرة إلى غابات من المرمية، المرتبطة بمريم العذراء لدى فلاحي فلسطين. في كل مرة أفرك يدي وانا اودع عبد، بالمرمية، الرائحة نفاذة، أقوى من كل تدمير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق