سيتمكن زوار
كنيسة المهد، بعد الدخول بانحناء من باب الكنيسة الصغير، المعروف باسم باب
التواضع، الوقوف بعد الولوج منه، وامعان النظر بالباب الخشبي المهيب المفضي الى
قاعة بين العمدان في الكنيسة، التي تعتبر واحدة من أقدم الكنائس في العالم، والتي
بنيت في القرن الرابع الميلادي.
خضع الباب
الخشبي، لعملية ترميم، ضمن المرحلة الأولى لترميم سقف الكنيسة ونوافذها، باشراف
اللجنة الرئاسية لترميم الكنيسة.
وخلال الفترة
الماضية تم تغطية الباب الخشبي خلال عملية الترميم، وعندما تم الكشف عنه مع
استمرار وضع اللمسات الأخيرة، ظهر بكامل أبهته، وزخارفه واللمسات الفنية، التي
كانت قد اختفت الى حد كبير بسبب عوامل الزمن.
وأبرز ما
يظهره الترميم الجديد، نقشان في غاية الأهمية، أعلى الباب، الأول كُتب باللغة
الأرمنية والثاني باللغة العربية، ويمكن الان رؤيتهما بشكل جيد.
الباب، تبرع
به أرمنيان عام 1227م كما يظهر من النقش الأرمني: "صُنع باب كنيسة أم الاله
المباركة عام 676 بأيدي ابراهيم والأب اراكل زمن هيتون بن قسطندي ملك أرمينيا،
ليرحم الرب أرواحهم". والتاريخ الأرمني 676 يقابل 1227م
أمّا النقش باللغة العربية، فيشير الى ان انجاز
الباب تم في عهد الملك الكامل، وهو: أبو المعالي ناصر الدين محمد الخامس. وهو خامس
سلاطين الدولة الأيوبية، الذي جلس على العرش الأيوبي عام 1218م. وهذا يدل على
تسامح ديني، في الوقت الذي كان فيه الكامل يواجه جيوش الصليبيين القوية على أرض
مصر.
وهذا السلطان
هو الذي حاوره القديس فرنسيس الاسيزي، في عاصمته القاهرة، في ظرف صعب بين العرب
والصليبيين، عندما قطع المسافة بين معسكر الجيش الصليبي في دمياط الى معسكر الملك
الكامل، الذي منحه فرمانا يخوله ورفاقه الرهبان، التجول في فلسطين وزيارة الأماكن
المقدسة بحرية، ومنذ ذلك الوقت، استمر وجود الرهبانية الفرنسيسكانية (حراسة
الأراضي المقدسة) في هذه البلاد.
اعتبر فرنسيس
رائدا في الحوار المسيحي-الاسلامي، وأُضفيت عناصر اسطورية على اللقاء الذي تم في
عام 1219، وحُبرت صفحات لا تعد عنه وعن طرفيه الراهب المسيحي، والسلطان المسلم،
اللذين جمعت بينهما كيمياء خاصة، وأعطيا مثلا على الحوار والاتفاق، وسط صليل
السيوف، ودعوات الكراهية والحرب.
ويفخر الرهبان
الفرنسيسكان في ديرهم المحاذي لكنيسة المهد، بأنهم يعملون بتلك الروح الذي بثها
فيهم فرنسيس الاسيزي، من خلال لقائه الملك الكامل، ونجاحه بالحوار، ودون أسلحة،
بتحقيق مراده.
خاض الكامل،
عدة معارك، على مدى سنوات، مع الصليبيين، بعد رفض الطرف الاخر دعواته لعقد الصلح،
ووقع في النهاية، مع الامبراطور الألماني فردريك الثاني، اتفاقية، تنازل فيها عن
اراض في فلسطين، منها القدس وبيت لحم والناصرة، وعرفت الاتفاقية بصلح يافا الذي
وقع في12 شباط 1229. وهو عبارة عن هدنة بين المسلمين والصليبيين لمدة عشرة أعوام
وخمسة أشهر وأربعين يوماً. وأثارت الاتفاقية، غضبا شعبيا عارما على الكامل، الذي
دافع عنها.
وعلى الطرف
المقابل، وُصف فردريك الثاني، الذي كان يجيد العربية، بانه صديق للمسلمين، وشغوف
بالحضارة الاسلامية.
وفي تشرين
الثاني 2011م، أعلنت مصادر اثرية اسرائيلية، العثور على نقش صليبي بالعربية، في
مبنى في تل أبيب، يحمل اسم فردريك الثاني باعتباره ملك القدس، ويعدد النقش، الذي
عُد نادرا،أسماء المناطق التي خضعت لسيطرته عام 1229م، أي بعد صلح يافا، التي
حصنها. والنقش بالأساس كان موجودا في ميناء يافا القديم.
نقش الملك
الكامل، الذي صمد ثمانية قرون، رغم تعاقب السلطات المختلفة التي سيطرت على كنيسة
المهد، هو النقش الاسلامي الوحيد على الكنيسة التي بُنيت أوّل مرة على يد قسطنطين،
وجددت على يد الامبراطور جستنيان. وادرجت على قائمة التراث العالمي التابعة
لليونسكو. يمكن ان يراه البعض رمزا لقيم الحوار الذي بدأه فرنسيس الاسيزي والملك
الكامل.
المرحلة
الأولى من ترميم كنيسة المهد، شارفت على الانتهاء، وكلفت 1.9 مليون يورو، ونفذت
الترميم شركة عائلية ايطالية، متخصصة في الحفاظ على الهياكل القديمة. ويتوقع ان
ترميم الكنيسة بأكملها سيكلف 15 مليون يورو.
ترميم باب كنيسة
المهد (فيديو):
ترميم
الكنيسة:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق