توالت
النكبات على عائلة ابن حزم الأندلسي. تُوجت، اذا كانت النكبات تُتَوَّج، باحتلال
جند البرابرة منازل أهله في قرطبة عام 1013م. ستُعرف الأحداث في الأدبيات
الأندلسية بفتنة البرابرة.
نزح
ابن حزم عن قرطبة وتوالت النكبات لأسبابٍ سياسيَّة. تعرض للاعتقال أكثر من مرَّة،
لكن تقاديره هذه تخرج عن موضوعنا.
يذكر
ابن حزم كلفه بجارية عند أهله قبل النكبات، وكانت في ذلك الوقت بنت ستة عشر عامًا.
يقدم وصفًا آسرا لها: "كانت غاية في حسن وجهها وعقلها وعفافها وطهارتها وخَفَرها
ودماثتها، عديمة الهزل، منيعة البذل، بديعة البِشْر، مُسْبَلَة السِّتر، فقيدة
الذام، قليلة الكلام، مغضوضة البصر، سديدة الحذر، نقية من العيوب، دائمة القطوب،
كثيرة الوقار.." ويكمل ويبدع وصفًا، قد تهم المتأدبين المتواضعين، لإثراء
لغتهم. أمَّا من منحهم الله، علمه كله، فاستكفوا، واستنكفوا.
التقاها
بعد ست سنوات من النكبات، فلم يعرفها: "ما كدت أن أميزها حتى قيل لي هذه
فلانة، وقد تغيَّر أكثر محاسنها وذهبت نضارتها، وفُنيت تلك البهجة وغاض ذلك الماء
الذي كان يُرى كالسيف الصقيل والمرآة الهندية، وذبل ذلك النُّوار الذي كان البصرُ
يقصدُ نحوه منبهرًا ويرتاد فيه متخيرًا، وينصرف عنه متحيرًا، فلم يبق إلا البعضُ
المنبىءُ عن الكلِّ، والخبر المخبر عن الجميع، وذلك لقلة اهتبالها بنفسها وعدمها
الصيانة التي كانت غُذيت بها أيَّام دولتنا وامتداد ظلنا ولتبذُّلها في الخروج
فيما لا بد منه مما كانت تُصان وترفع عنه قبل ذلك؛ وإنما النساء رياحين متى لم تُتعاهد
نقصت، وبنيَّة متى لم يهتبل بها استهدمت".
في
الصورة المرحومة فاطمة سالم، جارتنا في المخيم، واحدة مما فعلت النكبة فعلها في حُسنها.
تحمل تنكة ماء، فازت بها من عين الماء التي وفرتها الأنروا، وكانت تشهد تزاحمًا
وإشكالات وطوشًا، وكان وصول الماء ثوريًا، فقبل ذلك كان على الأمهات حمل تنكات
المياه على رؤوسهن، وصعود جبلين بعد تمكنهن من تعبئتها من عين قرية ارطاس. كيف كن
يتحملن؟ كل مشوار بتنكة. (الأديب وديع البستاني الذي عاش في فلسطين الانتدابية شجَّع
استخدام كلمة تنكة، مُفلسفًا ذلك لُغويًا).
قدّر
والدي العمة فاطمة، فهي ابنة خالته. وهي مثل باقي نساء قريتنا تحتفظ بملامح جمال،
من زمن سبق النكبة، لا شك أنَّها كانت من جميلات القرية، ومعظمهم جميلات، والعمة
فاطمة واحدة من كثيرات من ملكات الجمال، وفق المعايير الهوليدية، لم يكن بحاجة لحمية
غذائية أو عمليَّات تجميل لا أعرف عنها الكثير، ولكن يبدو أنَّ الدماء الرومانيَّة
والبيزنطيَّة التي تجري في عروقهن، يرشحهن لجمال، حددته الصناعة الرأسمالية. التي
هي نفسها دمرت عالمهن، ونكبتهن، وقتلت نكبة البرد والجوع نصف ما أنجبن من أبناء.
ربَّت
العمة فاطمة الدجاج في سقيفة قرب غرفىة الوكالة، التي صممها حسن فتحي، وغالبت
الدنيا، ظهرت في مجلة العربي في واحدة من أعدادها الأولى، في استطلاع عن مخيم
الدهيشة. عاشت قدرها السخيف القاسي.
#مخيم_الدهيشة
#ابن_حزم #أطلس_الخالات #أسامة_العيسة

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق