أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 25 مارس 2011

طلقات على بواية الباب

سعدنا يوم امس بلقاء الاديب محمود شقير، في مكتبة بلدية اريحا، وبمجموعة من الشعراء من بينهم الصديق سعيد الغزالي الذي غضب من اللقاء، وارسل لي اليوم مقالا بعنوان حاد (وقوع ثورة مضادة في ندوة عن القدس) يعبر عن ذلك، ورغم عدم اتفاقي معه في امور كثيرة، وتحميله للامور اكثر مما تحتمل، الا انني انشره في مدونتي تعبيرا عن ايماني غير المحدود بحرية الراي.


وقوع ثورة مضادة في ندوة عن القدس
سعيد الغزالي – القدس المحتلة
استبدت الحيرة بوجوه الحاضرين من حشد المثقفين الفلسطينيين الذين  شاركوا في ندوة عقدت في مكتبة بلدية أريحا يوم الخميس الماضي تحدث فيها القاص محمود شقير عن القدس وذكرياته وانطباعاته في كتاب صدر له عن وزارة الثقافة.  
استدعى القوم ذكرياتهم وتجاربهم مستذكرين قائمة طويلة من ممارسات إسرائيل ضد القدس تهويدا وتغييرا وقتلا للثقافة والفكر، وأبرزوا استهجانهم  من التصاق المثقف الاسرائيلي بالمدينة وما تمثله له من أهمية وجودية. واهتمامه بها في الأدب العبري، واستعلاءه وإنكاره وجود الفلسطينيين. ألقى المثقفون  باللائمة على الكتاب الفلسطينيين والعرب الذين لم تستفزهم أفعال إسرائيل، فيكتبون ويبدعون عن الحياة فيها، وهم أصحاب الأرض وأهلها.
لم يكن الشرح محددا وكان كلام الذين حضروا الندوة ضبابيا، وأمنيات تعبر عن إحباطهم. كانت مشاعرهم صادقة، وكل ما ذكروه صحيحا. ومنهم وجه سهام نقده اللطيف الخفيف إلى جهات فلسطينية أهملت المدينة، لكنهم -إلا بعضهم تنويها- لم يوضحوا الأسباب العميقة وراء هذا الإهمال.
ولا أنتوي في هذه العجالة أن أقارن كيف كان حال القدس قبل عقدين أو ثلاثة وما كانت تمثله كمركز إشعاع فكري وثقافي وأدبي وسياسي ورياضي للفلسطينيين، بوضعها الحالي كمدينة خاوية على عروشها لا نشاط فيها ولا ثقافة بل أصبحت أحياؤها وكرا للجريمة والإنحلال.
يحدث ذلك أمامنا ولا نفعل شيئا غير الندب والشجب. هكذا فعل المثقفون في ندوة أريحا، كما كانوا يفعلون في كل ندواتهم التي تعقد في الضفة الغربية. رغم ذلك هناك خير في الحديث عن القدس، فقد استفزني كلام بعضهم، ومنهم الاستاذ محمود شقير كما استفز آخرين على التفكير بالكتابة أكثر عن القدس التي يجلها أعداؤنا أكثر منا. رغم أن صاحب الأرض يعتبر المدينة لحمه وعظمة وشرايينه وقلبه وعقله. فإن لم يستطع أن يترجم مشاعره كتابة أو مسرحا أو عملا عالميا مبدعا، فإن ذلك  مرتبط بالحضارة، فالإبداع لا يصدر إلا عن بيئة مبدعة، ومجتمع مبدع ولا يرتبط الإبداع بوفرة المال أو قلته بل بحرية الفكر.
لم يقتصر الخراب على مدينة القدس، فهو يشمل جميع أوجه حياتنا السياسية والأمنية والاجتماعية والقيمية في القدس وغيرها من المدن. وما أوضاع القدس إلا صورة مصغرة عن الوضع المتردي في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي داخل فلسطين واماكن تواجد الفلسطينيين في الشتات.
كنت أحد المشاركين في الندوة، وكان إسهامي فيها إلقاء قراءة مقاطع من قصيدة شعر بعنوان "فرعون والثورات العربية" عبرت فيها عن تفاعلي بما يحدث من هزات وثورات في العالم العربي، وكما هو معروف ومعترف به، كان الفلسطينيون أول من فجر الانتفاضات والثورات، وسرقت انتفاضتهم الأولى لصالح إتفاق أوسلو والحكم الذاتي الذي أوصلنا إلى الحضيض السياسي والثقافي والفكري. هذا جانب مهم يشرح التقاعس والإهمال وندرة المبدعين.

يجري التعويض عن النقص في تأليه بعض المبدعين. والابداع لا يعني أبدا أن تصدر كتابا أو ما شابه، لكنه يرتبط بالموقف من الحرية، ولا يكون كائن من كان مبدعا إن لم يكن حرا. تبقى الأمور الأخرى مهارات مكتسبة.  

لقد بدأ الفلسطينيون  يتفاعلون مع الثورات العربية ويتململمون من أجل صنع ثورتهم، وهم إن نجحوا وسينجحون إنما يسيرون بخطى ثابتة نحو الابداع والكتابة عن مدينتهم. فالمدينة محتلة، وهي محاصرة من قبل سلطتها الفلسطينية التي لا تكف عن التشدق بأنها العاصمة الأبدية لفلسطين. وستكون العاصمة الأبدية ولكن بعد أن يحررها الفلسطينيون. ولن تتحررعلى طاولة المفاوضات بل ستحررها السواعد والعقول.

حدثت المشكلة - وأسميها مبالغا أو متندرا الثورة المضادة الشبية بما فعله البلاطجة في تونس ومصر وليبيا واليمن- عندما مُنعتُ من قبل عريف الندوة وكذلك أحد الموظفين في وزارة الثقافة من أن اكمل إلقاء القصيدة متذرعين بأنها طويلة، رغم أنني لم أكن أنتوي إلقاءها كاملة.

توقفت عن الإلقاء بعد ممانعة، عندما طلب مني ذلك. ولما سألت أحد منظمي الندوة وهو اسامه العيسة عن السبب في إيقافي: قال لي بما معناه أن الحشد وعددهم ثلاثون أو نحوه هم من أنصار فتح. علمت منه وأحسست بذلك أيضا أنني تعديت الحدود عندما تحدثت في القصيدة عن "رئيسنا المدجل".
وصفته بأنه "قميء ودني وخائب متعطل"، كاشفا في حوار متخيل معه عما فعله من تخريب للفكر والفن والعلم وتقاعس عن العمل من أجل بناء "إرم ذات العماد" وهي رمز للجنة وقد تكون تلك الجنة القدس أو قاهرة المعز أو جلق الشام.
تم إيقافي عن إلقاء القصيدة بطريقة فجة. عريف الندوة قام من مكانه وطلب مني أن أتوقف.
 قلت له: اريد أن أكمل الجزء الأول، وكنت قد قاربت على الانتهاء منه. ثم قام من مقعده ثانية، وطلب مني أن أتوقف فورا.
 وصلت في تلك اللحظة إلى المقطع الذي يطلب فيه فرعون من الرعية أن يقعدوا وينتظروا صلاح الدين، فلا ينهضوا ويهبوا لبناء مدينة "إرم ذات العماد".
قال فرعون: "انتظرتم طويلا لا بأس انتظروا عاما آخر
سيأتينا صلاح الدين مجير الدين مقيم الدين مغيث الدين نصير الدين."
عندها عاجلني أحد العاملين في وزارة الثقافة بصيحته وطلب مني أن أتوقف وأقعد.
ففعلت. انتصرت الثورة المضادة مؤقتا. ولم أعترف بانتصارها.
تحدثت بعد ذلك مع محمود شقير وعبرت عن اشمئزازي لما حدث، فقال مدافعا: "إن الاعتراض كان على طول القصيدة فقط". وأضاف إن العريف محق بإيقافي، مستذكرا أنه أوقف مرة في إحدى الندوات في الأردن.
انتهت المحادثة ولم أتمكن من إقناعه.
تمثلت في القصيدة بالشاعر الصعلوك الشنفرى الذي خرج على تقاليد القبيلة وانضم إلى حركة الصعاليك في الصحراء. والقصيدة كانت تمثيلا عمليا لخروجي على القبيلة السياسية، بإلقاءي قصيدة تصف النظام السياسي الفلسطيني بأنه عفن.
والخارجون على النظام السياسي في زمن الثورات العربية لهم شرعية ثورية جديدة. إنني أؤكد على هذه الشرعية الثورية التي قلبت أنظمة عفنة مستبدة وفاسدة، تحكمت وما تزال تتحكم في رقابنا. لذلك أقول لأولئك الذين استهجنوا إهمال القدس والتفريط فيها: "لا تستغربوا. ولا تتوقعوا أي خير من أي نظام عربي مستبد وفاسد".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق