أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 4 مارس 2011

جليلية وجليلية

جليلية وجليلية وجماعة الباب الأدبية الثقافية واللقاء السابع
بقلم نافذ الرفاعي

احتفيت مع جماعة الباب الأدبية والثقافية في لقاءها السابع بعبق جليلي، وحاولت قول
شيء في رواية "رائحة الزمن العاري" للروائية الجليلية هيام مصطفى قبلان.
حاولت البحث عن الملامح الأساسية للنص، وجدت انه نص روائي بامتياز، علما انه مزيج
لغوي ما بين كونه شعرا نثريا أو نثرا شعريا.

لقد تجاوزت هيام التقليد في الرواية العربية، وأدخلتنا لا اعرف بسهولة أم بصعوبة
مقبولة إلى صراعاتها الداخلية، والتي مثلت إشكاليات متعددة، بشكل غير هامشي بل
تلاصقي أحيانا،
سحبتنا إلى أحلامها وكوابيسها الذاتية، بل شاركنا التفاصيل لرحلتها داخل ذاتها،
ونحن نرافقها وهي تكشف في جرأة غير عادية، وتستخدم كلمات شفافة ولكنها في إطار
اللياقة.

لقد انهالت على واقعها كامرأة في مجتمع عربي تقليدي تعاني من اضطهاد ذكوري وتقليدي
وأبوي وعائلي ومجتمعي، وخاصة أنها درزية وتعاني همها الوطني وترفض التجنيد الإجباري
الذي صعد أزماتها تجند والدها وأخيها وزوجها في جيش الاحتلال.

تكشف هيام في روايتها عورات المجتمع الذي اجبرها على الزواج ممن لا تحب وحرمها من
الحبيب الوطني وساهم الأب والأخ في ترحليه إلى الغربة.
استطاعت الروائية هيام في عرض الكيفية التي حققت شخصية هزار المحورية وجودها، رغم
أزماتها الداخلية وذاتها المعذبة، تعرضت للزواج الإجباري والتمييز ألذكوري والسفاح
وحرمان الحبيب والأخ العميل والرسام العاشق، وعودة الحبيب الوطني ونهايته.

وبقيت هزار مركز الحكاية، ورسخت تماثلا خفيا لابنتها سمر مع والدتها .
وفي خلاصة الرواية طرحت سؤال الموت، وهل هو الشرف أم ولادة أم تناسخ وولادة جديدة
وتجلي لهزار.
يحتاج هذا النص إلى تأويل واكتشاف رموزه وفك دلالاته، ومع ذلك لا أستطيع إلا أن
اصف هذه الرواية بأنها تتقدم لتأخذ مكانتها وترتقي ابعد من الأدب المحلي إلى
مكانة عالمية.

ومن الرواية إلى الشعر في نفس اللقاء، أنشدت الشاعرة آمال عواد رضوان في ديوانها
ليس الأول ولا الأخير " رحلة إلى عنوان مفقود" أربع قصائد من الشعر النثري.
وقبل تذوق شعرها حاولت التعرف لشخصها، وجدت أن آمال ليست إلا طفلة خضراء، تحمل
حلم المستحيل مع طائر الفينيق الناهض من مرقده، تعشق الموسيقى ، وشهوتها للقراءة
نوع من التبتل الصوفي، وحضورها اللائق إلى لقاءنا شعرا نثريا جليلي المنشأ، وهناك
حيث البقاء لفلسطيني الثبات، أمسكت ديوانها " رحلة إلى عنوان مفقود" واختارت أربع
قصائد منه وقامت باهداءها، واحدة لفلسطين وأخرى للقدس وثالثة لبغداد ورابعة إلى
بيروت، وكأن نبوءتها إلى كل عواصم العرب وصولا إلى طرابلس الغرب، وبدأ الفنان عازف
العود يداعب أوتاره وآمال تشدوا شعرا لفلسطين في قصيدتها " فستان زفافك اعشوشب
كفنا" .
قرأت القصيدة وسمعتها وأعدت قراءتها بحثا في فك رموزها واستكشاف دلالاتها.
وجدت أن آمال تغترف من بحر الكلمات الرصينة وتمزج جزالة ألفاظها مع وقع موسيقي يبدأ
حزينا في قصيدها" من وسائد ضبابية" وتكرس رمزية عالية وصولا إلى "وسمته ألوان
فراغك بمواعيد رخوة انطفأت صامتة".
البحث في دلالة المعنى عميقا للمواعيد الرخوة وما تتصل به من قرارات دولية وعربية
وغيرها.
تعلو نغمة القصيدة أيضا وتشتد اللغة الشعرية في " هشيم محابرك المغدورة" ومن ثم
تصاعد وتطور في الوتيرة حيث تنشد:

"توهجت دواة الطهر بآثامها الشاحبة"
وتتعالى اللغة وتنفك دلالاتها أكثر: " سلم يصعد دركات سلمه
يفك خمار انتظار توارى...."
وتكشف عن الأمل تعيده في قولها:
"ما طالها زبد يأس
وان علقت على أسوار أعراس مؤجلة"
وتحض وتحرض في انكشاف رمزي:
"ايا اقحوانة الثغر اثغري\ اسقطي أسنانك الرواضع...
لتستوي عدلا على جزر النور"
وكأنها ترسم الفصل الأخير لقصيدتها.
ومن ثم قصائدها الأخرى والتي وجدت أن تأويلها يحتاج إلى هضم كثافتها، لم استوحي من
قصائد آمال سوى إنها صعبة المنال، تحتاج إلى سبر عميق من حيث اللغة والدلالة
والجزالة، ذكرتني بالشعر الميتافيزيقي وشعراءه من أندرو مارفل ووردز وورث.
وتهدي القدس " نقش في عتمة حافية" وهي عائدة إلينا سنوسنة من ارض الرحيل،
"رنت أزهار عودة الشحارير تستندي ظلك الأيوبي " إلى نداء لصلاح الدين الأيوبي.
... يمامة قز استكنت بين أحضان توتي "
" تطل على القدس بل يمامة" وتحمل اليمامة فأل خير.
ولا تزال آمال تهدي قصائدها للعرب في بغداد وتقول "مرغوا نهدي بعطره الأزرق"
وتتبغدد بعدما تنيرت لتتحول إلى سراب حورية، وما هذا العطر إلى الأمل القادم وهي به
مؤمنة لأنها أرضعت من نهديها أبناء العراق حب الوطن والإيمان بالغد .
أما قصيدتها المهداة إلى بيروت" عين إبرتي تتثاءبك" وهو ذو مذاق خاص، عسير الهضم
يحتاج إلى منتهى التركيز.
أكثر ما يصطحبك بعد اللقاء الأدبي هو ما حملته معك من تساؤلات أو عبارات لم يتسع
الوقت لان تقولها، أو أسئلة لم يتسنى لك الوقت، أو هي بالأساس لم تكن تجول في خاطرك
، خرجت من اللقاء في حالة هيمان، أشفى غليلي من كثير الأفكار، ولكن أفيض بأخرى،
وقلت: هذا هو عبق الجليل الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق