رصد كثيرون من أدباء مصر وكتابها، خلال حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، واقع بلدهم، بعضهم اصدر كتبا صحافية، مثل عبد الحليم قنديل، لم يكن ينقصها الجرأة، واخرون عبروا أدبيا، مثل خالد الخميسي، الذي صدر كتابه الاول (تاكسي حواديت المشاوير) في عام 2006، وتوالت طبعاته، وحتى يناير 2010 صدر منه 18 طبعة، وترجم الى عدة لغات، ومؤخرا صدر بالالمانية.
ويلجأ الراوي، الى تقديم حواراته مع سائقي سيارات الاجرة في القاهرة، وهي شريحة مهمة من المجتمع المصري، تعبر، بشكل او باخر عن نبض الشارع المصري، وهو ما نقله المؤلف بصدق وألمعية، وابداع، وجراة، وبدون ثرثرة، او استذة على القاريء، اعطت كتابه كل هذا الرواج.
وقد تكون النصيحة التي يرددها بعض المثقفين المهمشين بحسرة وانكسار، بانه لوّ ان الحكام يقرأون الكتب الادبية المعبرة، بدلا من تقارير المخابرات، لكانوا عرفوا فعلا اتجاهات الجماهير في بلدانهم، وكتبت احدى القارئات على صفحة هذا العمل الادبي على الفيس بوك تقول: "اشكر الكاتب لان هذا الكتاب كان جرس انذار لمن يهمه الامر فى مصر لكن الحمد لله انهم لم يقراوه لانهم لو فعلوا ذلك لما حصلت الثورة العظيمة".
يفضخ سائقو القاهرة، من خلال حكاياتهم، وقفشاتهم، ونكاتهم، وذكائهم، عصر الرئيس المصري المخلوع، ويكشفون عن فساده السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، ويرصدون التغيرات التي طرات على شرائح اخرى في المجتمع، ولا يمكن لاي قاريء للكتاب ان لا يتوقع حدوث ثورة على هذا الواقع، وفي الوقت ذاته سيتساءل: كيف يمكن ان يثور هؤلاء الذين اجبرهم النظام على الجري طوال الوقت وراء لقمة العيش؟ وعلى عكس كل التوقعات حدثت الثورة التي اثارت الاعجاب.
حظي الكتاب بتقريظ مشجع من عدد مثقفي مصر البارزين منهم مثلا الراحل عبد الوهاب المسيري الذي كتب عنه: "هذا الكتاب / الدراسة / المونولوج الدرامى يصعب تصنيفه، إذ أنه ينتمى إلى نوع أدبى قديم جديد. فهو يقدم شخصيات إنسانية مركبة، ويكشف كثيرا من أبعادها، شأنه فى هذا شأن أى عمل أدبى عظيم. ولكن المؤلف بدلا من أن يخبرنا عن هذه الشخصيات بشكل مباشر، يهيئ لها المسرح، ويتركها تتدفق بلغة كثيفة مشحونة بالمعنى والدلالة. والمسرح هنا هو التاكسى، أى مسرح متحرك، منفتح على القاهرة بأسرها، ولكنه فى ذات الوقت حيز خاص يوجد بداخله السائق / البطل الذى يتحدث عن آلامه وآماله وعن أحلامه وإحباطاته، ويجلس إلى جواره الراكب/ المؤلف الذى يراقب، ولكننا لا نسمع صوته إلا لماما
هذا العمل أقل ما يوصف به أنه عمل إبداعى أصيل، ومتعة فكرية حقيقية".
هذا العمل أقل ما يوصف به أنه عمل إبداعى أصيل، ومتعة فكرية حقيقية".
وراى فيه الدكتور جلال امين: "من أجمل ما قرأت من كتب في وصف المجتمع المصري ويصعب عليًّ أن أتصور قارئاً له لا يشاركني الإعجاب الشديد به".
هذا الكتاب حوّل مؤلفه خالد الخميسي (1962)، الى نجم، سعت وسائل اعلام كثيرة الى مقابلته خلال الثورة في ميدان التحرير، حيث واظب على الحضور يوميا، ربما ليتاكد بان الناس البسطاء، الذين راهن عليهم، فعلوها اخيرًا، ولم يخسروا سوى ضعفهم وهوانهم.
قد لا يعدم القاريء، وجود كثير من اوجه التشابه، بين ما ذكره سائقو القاهرة من مشكلات، ومظاهر، مع دول عربية اخرى، وتصرفات واجراءات اجهزتها الحكومية، ومنها السلطة الوطنية الفلسطينية، ولكن يبدو ان المسؤولين العرب سيظلون يفضلون الامن، الذي يعطي قوة ستظهر لاحقا كم هي واهية، بدلا من الانصات لقوة العقول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق