كان المشهد،
مثيرا للاستغراب، امتلأت قاعة جامعة بيت لحم، لا كراسي فارغة، واحتل الشبان
والشابات والكهول، الأدراج بين الكراسي، وخارج القاعة، انتشر جمهور كبير، ليتابع
ما يجري من خلال شاشات نُصبت لهذا الغرض.
النجم الذي
جاء الناس، مبكرا لحجز مقاعدهم من أجله، هو الدكتور إدوارد سعيد. دقائق قليلة قبل
الموعد دخل سعيد رفقة الدكتور إبراهيم أبو لغد، الذي قدمه بكلمات قليلة منتقاة،
وعلى الموعد بالضبط كان سعيد يقف ليلقي محاضرته بدعوة من مركز السبيل.
لم يستعن سعيد
بنبرة خطابية، ليحوز التصفيق، أو لينشد الاحترام. تحدث بصوت هاديء، وواثق عن
السياسة والتاريخ، وقال بان النجاح يمكن صناعته، كما الفشل، وهو الدرس الذي يُمكن
تعلمه من المؤرخ ابن خلدون.
وهذا يعني،
كما يمكن ان نستنتج مما قاله سعيد، انه يمكن صناعة التقدم، كما التخلف، والعلم
مقابل الجهل، والثقافة مقابل نصف الثقافة، والمدنية، مقابل الترييف والتزييف..الخ
خلال السنوات
التالية، تُقت لحضور محاضرة، أو ندوة، أو اجتماع، يمكن ان يبدأ على الموعد المحدد،
وكنت مثل الجمهور نسمع، الاعتذار السمج "كما تعلمون نحن العرب" أي ان
احد تعريفات العرب، عدم احترام وقت الناس.
في اليوم التالي،
جاء إدوارد سعيد إلى مخيم الدهيشة، حيث كان يصور فلما لصالح البي بي سي، عن عودته إلى
وطنه. رأيته في مدخل المخيم، مشغولا متواضعا، وظهر فيما بعد في الفلم، شارحا عن
المخيم، وهو يقف أمام البوابة التي وضعها المحتلون..!
قرأت كتاب
الاستشراق بترجمة كمال أبو ديب، ولا أظنني فهمت الكثير، وعندما قرأت لاحقا، وصف
سعيد لترجمة أبو ديب بانها اشكالية، كان في ذلك بعض العزاء لي ومشجعا لقراءة أعمال
اخرى، يمكن فهمها أو محاولة فهمها، ربما اهمها (تأملات في المنفى)، بترجمة ثائر
ديب.
بسبب الخلاف
السياسي، تحمس مذيع في وسيلة إعلام فلسطينية رسمية، ووصف سعيد بانه "كاتب
الراقصات" في اشارة إلى مقالته عن تحية كاريوكا..!
بعد كل هذه السنوات، لم يتلقى سعيد ولا جمهوره
اعتذارا..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق