يُقدم محمد
زقطان، شهادة مفعمة بالعواطف، عن الحياة في مخيم العروب، شمال الخليل، منذ تاسيسه
بعد النكبة.
ويروي زقطان
في كتابه (مخيم العروب) الصادر عن مركز الكتاب الاكاديمي في عمّان، الحياة القاسية
جدًا لمن هُجروا من قراهم خلال النكبة عام 1948م، ووجدوا أنفسهم يسكنون الخيام،
بدون مصدر للدخل، ورعاية صحية، ومدارس.
ويتتبع زقطان،
الذي نشأ في مخيم العروب، ويقيم الان في الأردن، تطور حياة الناس، في المخيم، خلال
السنوات الأولى من النكبة، وظروفهم الصحية.
يذكر زقطان:
"أغلب الأطفال ممن تقل أعمارهم عن عامين ماتوا من الأمراض، بعضهم انتقل إلى
رحمة ربه بسهولة، وبعضهم عانى بعض الوقت، ثم لحق بمن سبقوه إلى العالم الآخر،
واخرون عاشوا ليشهدوا نكبات ومآسي أُخر".
عندما تأسس
المخيم، لم يكن فيه ولا طبيب، ويذكر المؤلف، كيف مات شقيقه الطفل، الذي اصيب بلفحة
برد، ولم يكن هناك علاج للناس، إلا نبتة المرمية.
ورغم وجود
ينابيع مياه في منطقة العروب، التي أُقيم عليها المخيم، إلا ان تلك الينابيع لم
تحل المشكلة المائية، يذكر زقطان: "كانت هناك قناة اثرية يجري فيها الماء
ليصب في بركة تقع في نهاية المخيم، وتحتم على الطلاب ان يشربوا من هذه القناة بكل
ما فيها من أوساخ وقاذورات، وأمراض، ولا أحد يعلم كم سببت هذه المياه من مآسي
للتلاميذ وكنت أحدهم".
الوضع المأساوي،
الذي عاشه سكان المخيم، جعل الكثيرين منهم يفكرون بالعودة إلى قراهم، خصوصا تلك
التي ظل فيها بعض سكانها، مثل قرية زكريا التي ينحدر منها زقطان، الذي يذكر قرار
والده بالعودة: "اتخذ والدي قراره المفاجيء بان يعود إلى زكريا، فما زال قسم
من أهالي القرية لم يغادرها، وله فيهم أصحاب وأصدقاء. ودع اطفاله، وتمنى ان يعود إليهم
سالما، فالكثير قتلوا اثناء عودتهم لقراهم، أحدهم كان ابن خالته، ومعه اثنان قتلوا
جميعا، والمغامرة خطرة جدًا، لكنه عاد ووصل القرية ودرس الوضع، ومثلما ذهب متسللا،
عاد متسللا للمخيم، وهنا شرح الأمر لوالدتي، وقال: انه قرر الرجوع إلى زكريا،
وعلمت جدتي بذلك، ثم علم الجيران، ويبدو ان جيران الجيران قد علموا، ولا نعلم، لحد
الان، كيف وصل الأمر لمخفر الشرطة. استدعي والدي للمخفر وفرضت عليه الاقامة
الجبرية، وعليه ان يوقع اسمه في سجل المخفر مرتين في اليوم الواحد، مرة في الصباح،
وأخرى في المساء، فالدول العربية كانت قد اتخذت قوانين صارمة لمقاطعة إسرائيل،
وعمله هذا اعتبر مخالفا لقوانين المقاطعة ويستحق عيه العقاب، إلا ان أحد الأشخاص
اتخذ قرارا أكثر جرأة، أحضر حمارا حمل عليه متاعه، وساق زوجته وأولاده أمامه،
وتوجه نحو زكريا متوكلا على الله، دون استشارة من أحد، أو تفكير في العواقب،
والمدهش انه وصل سالما، واستقر في زكريا".
ورغم التفاصيل
العديدة المهمة والمؤثرة التي ذكرها زقطان عن حياة ناس المخيم، إلّا انه يؤكد بما
يشبه اعتذارا للقراء: "الكاتب يسجل اعترافه بالعجز، لعدم تمكنه من نقل
المعاناة على حقيقتها، فهذا فوق طاقته، لأسباب انه كان صغيرا تلك الأيّام، ثم لان
الانسان لا يستطيع غالبا نقل ما يكابده، ويعانيه على الورق، ولان المصيبة لم تكن
خاصة، وإنما عامة، ومتنوعة، وأضخم من ان يستوعبها كتاب في سطور، فقد شملت المجتمع
باسره، وكل فرد له من تجاربه ما يستطيع ان يسجل أكثر من كتاب واحد".
ويذكر سبب
تدوينه للكتاب: "انني على قناعة بان من عايشوا النكبة، مدينون لأحفادهم بقصة
حياتهم، وعليهم ان يسطروها ما امكنهم ذلك".
الكتاب ثري
بحكايات اللاجئين، منهم من صمد، ومنهم من جن، ومنهم من لم يجد طريقا سوى الانتحار
في بركة العروب الرومانية، التي تتجمع فيها المياه، لتسير في قنوات إلى القدس،
ولكنها كانت أحيانا تحمل معها روائح اولئك الذين قهرتهم النكبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق