تنتصب
بقايا كنيسة كبيرة ومهيبة في قرية بيت عينون، شمال مدينة الخليل، على بعد أقل من
مئتي متر عن شارع التفافي لخدمة المستوطنين.
يبدي
الدكتور أحمد الرجوب، مدير الآثار الفلسطينية في جنوب الضفة الغربية، اعجابه، بما
تبقى من الكنيسة، التي يصفها بالمركزية، لوجود كنيستين أصغر منها في أراضي القرية،
يقول
الرجوب، بان تاريخ الكنيسة يعود إلى العهد الروماني، حيث استخدم الموقع كبرج
مراقبة، على المدخل الشرقي
لبلدة
بيت عينون، لحمايتها وحماية الطريق التي تؤدي إلى الجنوب.
يمتد
بناء الكنيسة تقريبا على نحو دونم من الأرض، محاطة بحقول العنب الذي تمتاز بها
قرية بيت عينون، وحسب الرجوب، فانه خلال الفترة البيزنطية، تحول الموقع إلى كنيسة،
ومرّ بمرحلتين اساسيتين من البناء، الأولى ما يسمى بالبناء الأول للكنيسة وتم ذلك
في القرن الخامس الميلادي، والبناء الثاني الذي يعلو الأول بنحو 60سم، وتم في
القرن السادس الميلادي، حيث جُددت الكنيسة وأثرت على التخطيط الأول لها. وتشير
الدلائل الاثرية إلى ان الكنيسة أُستخدمت في القترة الإسلامية المبكرة، وهذا ما
يظهر، كما يقول الرجوب، من التعرض لنقوش الكائنات في الأرضيات الفسيفسائية، حيت
شهدت تلك المرحلة، في القرن الثامن الميلادي، تأثرا من الكنيسة بالنظرة الإسلامية
في الرسم، وفي الوقت ذاته شهدت الكنائس حركة ضد الأيقونات.
وكانت
فلسطين ميدان صراع بين مؤيدي ومناهضي الأيقونات، وبرز من الفريق الأول يوحنا
الدمشقي، الذي عاش في دير مار سابا في برية بيت لحم.
وفي
الفترة الصليبية، كما يقول الرجوب، تحول الموقع إلى قلعة، ويتضح هذا من مضاعفة
الحماية للجدران الخارجية والدعائم التي تظهر حتى الان.
في
عام 1993م، وفي الفترة الانتقالية التي شهدت تطبيق اتفاق اوسلو، كان اسحق ماجن،
مسؤول الملف الاثري في الإدارة المدنية الاحتلالية، في سباق مع الزمن، لإجراء
حفريات في مواقع فلسطينية مختلفة، خصوصا تلك المحتمل نقل مسؤوليتها للسلطة
الوطنية، ومن بين المواقع التي أجرى فيها الحفريات، موقع كنيسة بيت عينيون، حيث
كشفت الحفريات غير الشرعية عن أرضيات فسيفسائية في غاية الجمال، ونقوش يونانية على
المداخل تبارك الكنيسة والمتبرعين، وبينت شكل الكنيسة النادر، حسب وصف الرجوب، الذي يختلف عن مثيلاتها من
الكنائس البيزنطية، وان كانت حافظت على مفردات التخطيط البيزنطي، وهذا ما يظهر خصوصا
في الحنية الشرقية، التي تتراكم فيها الان الأعمدة الكبيرة. وعلى جانبيها بقيا
غرفتين واحدة للأدوات الدينية والثانية لتغيير الملابس لرجال الدين.
وتم
العثور على قطعة نقدية في الحنية، أرخت للكنيسة في القرن الخامس الميلادي، وعُثر
أيضا على قطع نقدية أخرى في اماكن متفرقة في الموقع.
وكشفت الحفريات عن بئرين على الأقل، شكلا، مع
عين بيت عينون القريبة، الأمن المائي للكنيسة، التي خدمت، على الأرجح مجتمعا كبيرا
وناهضا اقتصاديا، وليس مجتمعا زراعيا صغيرا، كما يرى الرجوب.
بعد
ان أنهى ماجين حفرياته، التي استمرت نحو ثلاثة أشهر، كما يقول محمد الفروخ (أبو
رأفت) الذي شارك كعامل في تلك الحفريات، تم تغطية الأرضيات الفسيفسائية، وتُرك
الوقع كما هو بدون حماية.
يقول
الرجوب: "موقع الكنيسة موجود في المنطقة المصنفة ج وفقا لاتفاقية أوسلو، وليس
لدينا كسلطة أية صلاحية عليها، ونشعر بالخشية على مصير الموقع، من الاعتداءات
ولصوص الاصار، وعوامل الزمن".
ويظهر
في أكثر من موقع داخل الكنيسة اثار حفريات، على الأرجح، نفذها لصوص الآثار، تشي
بالخطر المحدق بالموقع الذي صمد نحو ألفي عام.
ويأمل
الرجوب، ان تتوفر الظروف، لتأهيل الموقع، والكشف عن الأرضيات الفسيفسائية، وإنشاء
متحف، في الكنيسة، التي يقول بانها من أكبر الكنائس في جبل الخليل.
ويتذكر
أبو رأفت الفروخ، كيف كان الموقع مخفيا تحت أكوام من الأتربة، وأشجار العنب، قبل
الحفريات التي أجراها اسحق ماجين، مطالبا بسرعة اتخاذ الاجراءات من أجل حماية
الكنيسة.
وعلى
بعد نحو نصف كلم، توجد كنيسة أصغر، في منطقة تعرف باسم أبو الريش، أُستخدمت كبرج
مراقبة في العهد الروماني، وفي فترة لاحقة في العصر البيزنطي، تحولت إلى كنيسة،
يوجد أسفلها قبر عليه نقوش للصليب، على الأرجح كان يضم رفات خُدّام الكنيسة من
رجال الدين.
ومثل
الكنيسة المركزية في بيت عينون، فان كنيسة أبو الريش، معرضة للإهمال، والتآكل،
بينما الكنيسة الثالثة فتقريبا دُرست.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق